<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل دفاعاً عن الطائفي الحكيم

 

 

 

دفاعاً عن الطائفي الحكيم

 

 

 

صائب خليل 

5 أيار 2015

 

الطائفي كما نعرفه هو الشخص الذي يحب طائفته أكثر من غيرها من الطوائف وهو مستعد للتحيز لها وللمنتمين إليها على حساب الآخرين.

 

هذا الطائفي الباحث عن "مصلحة طائفته" سيجد أجوبة مختلفة لكن هناك أشياء واضحة لا مجال للشك فيها. فمن مصلحة الإنسان أن يكون له أكبر قدر ممكن من فرص التعليم والعمل والمال والسعادة والنجاح. والطائفي سيريد بالتالي ووفق مبدأ أن "يجر النار لكرصته"، أن يقدم كل التعيينات الممكنة والأموال والمراكز الحساسة والصفقات التجارية والمقاولات ..الخ، لأبناء طائفته، حتى إن سلبها من آخرين أكثر استحقاقاً لها.

 

وإن تركنا الأخلاق، ونظرنا إلى المصلحة "البراغماتية" الأنانية للطائفة، فسنرى أن هناك "مصلحة قريبة الأمد" وأخرى "بعيدة الأمد"، وأن هاتين المصلحتين تتناقضان أحياناً، وعندما تختار أحدهما لطائفتك ستخسر الأخرى، وهنا الحيرة. فما موقف الطائفي من ذلك وكيف يختار الطائفي الحكيم "مصلحة طائفته"؟

 

الطائفي البسيط محدود التفكير، سيسارع إلى لم المكاسب المباشرة الصغيرة ليسحبها من الآخرين ويقدمها لأبناء طائفته. إنه لا يفكر أكثر مما يرى أمامه، ولا يستطيع أن يرى التأثير البعيد على من يتحيز لهم، وأنه يخرب على طائفته ذاتها أكثر مما أفادها. فهو لا يدرك أنه حين يقدم لأحد ميزة لا يستحقها، فإنه يقدم له في نفس السلة، مبدأً خاطئاً في الحياة، قد يكلف كثيراً. لذلك يمكننا أن نرى بسهولة أن من يقدم الميزات لطائفته يقوم بتخريب مبدأ ضرورة العمل من أجل المال والتقدم، وينشر بينها مفهوم أن الثروة والجاه والموقع تأتي بالغش والتحيز. فيصبح هؤلاء المستفيدين أشبه بأولاد الساسة، مخلوقات ضعيفة، ما أن تزول الصدفة التي قدمت لهم السلطة حتى تضيع في حياتهم.

أكرر أننا لا نناقش هنا موقفاً أخلاقياً، بل نحن بصدد مساعدة الطائفي في البحث عن مصلحة الطائفة. إن المعلم الحكيم لا يعطي درجات زائدة مغشوشة لطالب يحبه، حتى لو كان إبنه، لأنه يعلم ان الضرر الذي يصيب الطالب من ذلك اكبر من الخير. فما يأخذه المستفيد من الآخر من فرصة بالتحيز دون استحقاق ، هو مكسب مسموم بطيء المفعول، يصيب من يحصل عليه بالأذى على المدى البعيد. والطائفي المحب لطائفته لا يريد لها ذلك بالتأكيد.

 

وعلى مستوى المجتمع يتسبب ، هذا في تخريب النسيج الإجتماعي ويسود الخلاف والإحساس بالغبن والعداء للمجتمع والكراهية لطائفة الطائفي "المستفيدة"، وتصبح مستهدفة للإنتقام وأعمال تحيز مقابلة. وتدرك الطائفة "المستفيدة" ذلك فتبادل بقية الطوائف الكره والحذر. وهكذا يتراكم الإستقطاب في المجتمع ويتحول إلى كتل متنافرة، وهو ذات المجتمع الذي ستعيش فيه طائفة الشخص الطائفي. وهكذا ستجد هذه الطائفة – التي يفترض أنها مستفيدة- نفسها في مجتمع ممزق، وأن الكيان الذي كان يحميها ويحفظ كرامتها قد اختفى!

 

وبالتالي فإنه بعمله هذا، ومقابل مزايا قليلة القيمة، يمزق الطائفي غير الحكيم نسيج المجتمع الذي تعيش فيه طائفته ذاتها، وتصبح هي وكل ما حصلت عليه من امتيازات معرض للنهب. وفي حالة البلدان المهددة مثل العراق، فأن الثمن الذي تدفعه الطائفة (كبقية الطوائف)يكون أكبر بكثير، حيث أن ثمن ذلك التحيز قد يكون الوطن كله بمجتمعه وبنيته التحتية وحتى أرضه! وعندها لن تجد الطائفة مكاناً تتمتع فيه بالإمتيازات التي حصلت عليها من طائفييها، ولا حتى مكان للعيش فيه!

 

لا يصعب على أي منا أن يرى أن حاجة الإنسان إلى وطن ومجتمع يستطيع أن يؤمن له عيشاً كريماً وآمناً ويدافع عنه في الغابة الدولية التي نعيش فيها، حيث "تخلق" أوطان وتمحى أوطان بجرة قلم، أكبر بكثير من حاجته إلى وظيفة قبل غيره، أو راتب أعلى قليلا مما يستحق. وعندما يفكر الطائفي بذلك في كل مرة يكون أمام خيار بين العدل وبين مكسب مباشر من خلال تحيز طائفي، سيجد أن العدل يوفر لمن يحب الميزة الأكبر والأبقى، وسيجد أن العدل هو خير "تحيز" طائفي يمكن أن يقدمه أحد لطائفته، لأن خير ما يستطيع أن ينفع به طائفته هو مساعدتها على بناء وطنها على أسس راسخة هي العدالة والعمل والتضحية واحترام القانون وهذه المبادئ تكون دائماً أول ضحايا الطائفية، عندما تكون تلك الطائفية حمقاء قصيرة النظر. فتلك الطائفية لا تفكر مثلا بأثر تحيزها على الأجيال القادمة. ويمكننا أن نرى أن الأمم التي تصرفت على أساس العدل أكثر من غيرها، هي التي فلحت في النهاية دون غيرها، ووفرت لكل طوائفها وطناً قوياً، وحياة كريمة وآمنة وسعيدة،

 

هكذا نرى أن المصلحة البراغماتية الحقيقية، و"التحيز" الناظر إلى المستقبل، وحتى لو كنا طائفيين متحيزين في اعماقنا ولا نستطيع من ذلك فكاكاً، تعود بنا لتؤشر مصلحة طائفتنا هي في أغلب الأحيان، بالتصرف وفق العدل والأخلاق حتى عندما لا يهمنا من وطننا ومجتمعنا غير طائفتنا! وليس ذلك غريباً حين نتذكر أن العدل وبقية أخلاق المجتمع لم تخترع إلا لفائدته، أي لمصلحته، ولذلك نجدها منتشرة في جميع المجتمعات كمبادئ عليا. ويبدو أن المجتمعات التي لم تتوصل إلى تلك الأداة قد انقرضت، كالحيوانات التي لم تستطع أن تطور آلية لبقائها، مثل الطيران أو الركض السريع أو غيره.

 

فإذا اتفقنا أن التحيز الطائفي قصير النظر خطر على بقاء المجتمع الذي تعيش فيه طائفتنا، فإننا لن نلجأ إليه بل نحاربه من أجلها! وهكذا فحتى البراغماتية والطائفية الحكيمة سوف تختار العدل. ولا يجب أن يخطر ببالنا هنا حين نذكر كلمة "العدل"، “التضحية” من أجل الآخرين، وأن هناك "خسارة" يطلب منا إن نقدمها للآخرين على حسابنا وحساب طائفتنا، من أجل مبادئ عليا طوباوية، بل أن البحث "الأناني" البراغماتي لمصلحة طائفتنا الكبرى والبعيدة هو ما يدفعنا العدل، وإنه الطريق الذي يوصلنا لأكبر منفعة للطائفة!

 

وبالرغم من أن تحطيم المجتمع يحطم كل الطوائف، لكنه لا يحطم كل الأفراد (للأسف). فالفرد يمكنه، إن استفاد بشكل كاف، أن يترك سفينة المجتمع الغارقة إلى سفينة أخرى. وبالتالي فأن التحيز والغش الذي يحطم الطوائف بمجموعها بالتأكيد، قد يخدم أفراداً تثرى عن هذا الطريق وتكون لها المرونة اللازمة للقفز إلى مجتمع آخر، وهو ما لا يتوفر للأعداد الكبيرة من الناس، اي الطوائف. هؤلاء الذين لا يحبون إلا أنفسهم، لن يكشفوا حقيقتهم وكثيراً ما يتلبسون لبوس الطائفي الحكيم الذي يحب طائفته ويدافع عنها. ويمكننا في العادة أن نرى زيف ذلك الحب، حين نرى الفرق بين ثرائه وفقر طائفته مثلا، وأنه يفضل أن يسافر في مقعد الدرجة الأولى على أن يشبع جائعاً من طائفته، فأين هو ذلك الحب وذلك التحيز الطائفي إذن؟

 

إذن ليس الطائفي بمشاعره المتحيزة هو مشكلة المجتمع، شرط أن لا يكون أحمقاً قصير النظر. وليحب طائفته ويتحيز لها ويبحث عن مصلحتها كما يشاء، وسيجد إن هو فكّر بأمانة، أن خير ما يقدمه لطائفته هو مجتمع عادل قوي وبلد مستقر متقدم، تماماً مثلما يريد غير الطائفي بالضبط. إن عدو المجتمع الأخطر ليس الطائفي الذي يحب طائفته ويسعى لخدمتها، بل ذلك الأناني الذي لا يحب إلا نفسه، ولا يسعى إلا لخدمتها، والقادر على البقاء حتى لو تحطم المجتمع والبلد والجاهز بالتالي لتقديم نفسه أجيراً للمتربصين بالبلد من أعداء!

 

 

 

06.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

06.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org