<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل هل يحطم الحشد مسلسل تطبيع الإذلال الكردستاني للعراق؟

 

 

هل يحطم الحشد مسلسل تطبيع الإذلال الكردستاني للعراق؟

 

مسرور البارزاني في إستقبال الوفد العسكري الأسرائيلي

 

صائب خليل

17 آذار 2015

 

لو أني قلت أن الإحتلال الكردستاني قد يكون أسوأ من احتلال داعش لهاجمني العرب على "شوفينيتي" قبل الكرد، لكن لا أحد من هؤلاء يقفز من مكانه حتى عندما يقول مسؤول كردي “كبير” بأن تحرير تكريت من قبل الحشد الشعبي (الذي يسميه "ميليشيات شيعية مدعومة من إيران") "سيخلق مشكلة أكبر من الدولة الإسلامية"! فلماذا لا يكون رئيس جهاز الإستخبارات الكردستاني مسرور البرزاني شوفينياً ولا يثير أي رد فعل، لا حكومي ولا شعبي؟(1)

 

يتظاهر مسرور بارزاني في لقائه مع البي بي سي، مثلما يتظاهر أسياده ومعلميه من ساسة الأمريكان وحتى إسرائيل في السنين الأخيرة بأن ما يدفعهم إلى تصريحاتهم المسمومة هو "الحرص على السنة"! ذات السنة الذين طردتهم البيشمركة من كركوك وهدمت بيوتهم واحتلت سهل نينوى الواسع والثري ليكون تحت سيطرتها وقربت ودافعت عن كل خسيس فيهم لترشيه ليصبح هراوة لها للسيطرة على المنطقة وثرواتها وقامت بالتعاون مع شركات النفط لإنجاز المؤامرة تماماً كما تعاونوا معها لإسقاط عبد الكريم قاسم. لكن ذلك كله يتم نسيانه، وابتلاع المهانة والمذلة الكامنة فيه، فكيف يحدث ذلك؟ 

لسنا هنا بصدد تكرار الكلام الأذى والتدمير الذي في أجندة كردستان للعراق، بل على تعويد الأذن العراقية العربية على قبول هذا الأذى وعلى قبول عدم التوازن فيما يسمح فيه للكردي بالكلام وما يسمح فيه للعربي، وأن يصبح هذا الفرق لكثرة شيوعه "طبيعياً" لا يثير انتباه أحد. لأن هذا الظلم وهذا التمييز يراد له أن يستمر وينمو، ولذلك فيجب حقنه في داخل أدمغة العرب حتى يصبح جزءاً منها.

وتمر هذه الأيام ذكرى مذبحة حلبجة الأليمة، وليس غريباً أنها قد تحولت من جريمة كبيرة بحق الإنسانية، إلى هراوة لتبرير جرائم للمقابل ولإخضاع الضحية الجديدة إلى الإذلال وتبريره، تماماً كما فعل الإسرائيليون بمناسبة الهولوكوست، وبكل التفاصيل الصغيرة، وكأن قادة كردستان قد دخلوا كورس في استخدام الهولوكوست!

 

إن تعويد الضحية على قبول الإذلال وتثبيته كحقيقة في رأسها ضروري ليس فقط لراحة المعتدي، ولكن أيضاً من أجل تحقيق المزيد من الإبتزاز. فما أن استقر نهب موارد الحدود في كردستان وتم تطبيعه، جاءت زيادة قسرية لنسبة سكان كردستان من 11% إلى 17% بلا أي أساس على الإطلاق ولا تفسير لها سوى رشوة أياد علاوي. وما أن استقرت الـ 17% في أذهان العرب ويئسوا من المطالبة بتعديلها وصمتوا عنها مغلوبين على أمرهم، حتى انفجرت قضايا جديدة أخرى مثل فرض التعاقد مع الشركات الأجنبية من قبل الإقليم وبدون إطلاع بغداد.. وحين مرت هذه وقبلت كأمر واقع قامت كردستان باحتلال أراضي من كل جانب يحيط بها من المحافظات "السنية" التي يقلق مسرور اليوم على أهاليها.

 

بعد ذلك لاحظت بدهشة أن برلمان كردستان قام يوماً بنشر أرقامه عن نفوس كردستان ونفوس العراق، بل قام أيضاً بحساب النسبة بنفسه ليقول أنها 12.6% !! لكن ذلك لم يكن بهدف الإعتراف بالخطأ أو تخفيف الظلم، لأن اعضاء برلمان كردستان وساسته بلا اي استثناء، وحتى بين من يسمون بالشرفاء منهم، يدعمون هذا الظلم بكل قوة وليس بينهم شريف واحد راجع نفسه يوماً ليسأل عن أساس تلك الـ 17%، فكلما يأتي من العراق "شعراية من جلد خنزير". إذن لماذا نشر برلمان كردستان ذلك التقرير علناً؟ فكرت كثيراً في وقتها بالأمر، لكني لم أجد سبباً واحداً سوى أن القصد منه تحقيق خطوة أخرى في تطبيع الظلم والإذلال! التقرير يقول للعراقيين العرب: نحن نعلم وأنتم تعلمون أن نسبتنا لا تتجاوز 11% لكننا فرضنا عليكم الـ 17% ولم تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً فرضيتم بقسمتكم. واليوم نحن نقر لكم بشكل رسمي بأن تلك النسبة مزيفة ونراهنكم أنكم لن تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً!! حاولوا، وإن فشلتم فيجب أن تقروا بأنكم شعب أدنى منا وتقبلون بذلك!

لقد كنت في حيرة من امري في تلك اللحظة. هل أكتب عن هذا التقرير؟ إن فعلت ولم يستطع العرب أن يفعلوا شيئاً، وهو المتوقع تماماً، فسيتحقق المطلوب ولن تكون كتابتي إلا إسهاماً في تطبيع الإذلال! وإن لم أفعل فما هو الحل؟ وهل سنسكت على كل إذلال جديد خوفاً من أن يكون كشفه تطبيع للإذلال؟ لم يكن أمامي خيار سوى أن أكتب بكل قوة عن هذا الأمر، أملاً في أن يستثار الناس إلى درجة لم يحسبها مسعود البرزاني وشلة الذيول العربية التي تتبعه ويثار الموضوع. فحسبت حينها كم يكلف هذا الظلم كل عراقي، وحسبت كم يكلف كل محافظة، ورددت على المطالبين بإقليم البصرة بان أخبرتهم كم تخسر محافظتهم جراء هذا الظلم ودعوتهم إلى إقامة دعوى قضائية على حكومة المنبطح باعتباره يسرق ثروتهم ويعطيها لغيرهم..وكما هو متوقع، لم يحدث أي شيء، وبقي محتالوا البصرة الداعين إلى الإقليم (وليس كلهم محتالون) من أمثال الدكتور محمد الطائي الذي سلمته أميركا محطة فضائية، على علاقة جيدة بالإقليم الذي ينهبهم، ورغم ذلك يشكون الظلم ويطالبون بالإقليم. أما الضجة التي أثرتها حول النسبة، وحول نشر برلمان كردستان لزيفها باعترافه، فلم يكن لها أثر كما أتصور سوى إضافة خطوة أخرى فيي تطبيع الإذلال، وقبول الجانب العربي بأنه حتى حين يعترف برلمان كردستان بأنه يسرقهم وبشكل رسمي، فأن لا حول لهم ولا قوة وأن عليهم أن يرضوا بحصة مواطن من الدرجة الثانية، وأنهم في بلادهم مواطنون من الدرجة الثانية، كما الفلسطينيون في ارضهم.

 

وكانت مهمة المنبطح الأول، ولي الدم ومختار العصر، أن يمرر كل ذلك بصمت، وأحياناً يسمح له ببعض اللغط والتظاهر بالغضب لحين هدوء العاصفة وترسيب وتطبيع الظلم والإستعداد لجولة الظلم التالي ثم تطبيعه والإستعداد للتالي وهكذا. وإضافة إلى "مختار العصر" لعب اليسار العراقي دوراً غير مشرف أبداً في هذا التطبيع، بل ذهب دائماً إلى تأييد الإحتلال ووضع نفسه كجزء من ألة الإبتزاز الكردستانية تلك مسهماً في تشويش الموقف على الناس التي اعتادت أن ترى فيه منصفاً موثوق الجانب. كذلك لعب الإعلام الذي تم إنشاؤه في العراق الدور الأعظم في تثبيت هذا الظلم وتطبيعه، وأسهمت في تثبيت الظلم بيانات ومواقف المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وفرقها المشبوهة والإتحاد الأوروبي إضافة إلى أميركا، وكلها تقع اليوم تحت ضغط إسرائيلي رهيب وغير مسبوق يوجه علاقاتها بالعراق بشكل محكم، وكلها كانت تدعو الحكومة دائماً إلى قبول شروط كردستان وتضغط عليها.

 

وحين نسى الناس الأراضي التي تم احتلالها طالبت كردستان بـ "مستحقات الشركات" التي تعاقدت معها بالرغم من الحكومة! وحين وافقت الحكومة على الدفع ودفعت قسطين ، رفضت كردستان تقديم الحسابات وأصرت أن يكون الدفع "على الثقة" وبلا أية حسابات. وحين وافقت الحكومة على الميزانيات الظالمة ووقعت الإتفاقات رفضت كردستان تنفيذها رغم أنها كانت جميعاً بلا استثناء إبتزازية بشكل كبير. ولم تكتف كردستان بالإبتزاز المقنن ورفض تنفيذ الإتفاقات الجائرة أصلاً، بل ذهبت بوسائلها السرية إلى سحب عشرات المليارات من الدولارات بطرق لا يعرف بها أحد من الوزارات والمؤسسات الإتحادية لتبلغ اليوم 42 مليار دولار!  وحين تم تطبيع المواطن العراقي على قبول هذا الحال كأمر واقع، رفضت تسليم حصتها من النفط، وقامت بتصديره بالتعاون مع عصابة تركيا - إسرائيل! ولم تكن السلطة المتخاذلة في بغداد تملك سوى أن تقدم لها الأموال بشكل "قروض" تعلم أنها لن ترد أبداً.

 

وتعرض كل من يعترض على هذا الحال إلى الضغط والتشهير والتآمر، وكان الخطاب الكردستاني عنيفاً وقحاً، وكان الرد العربي الحكومي وغيره دائماً خجولا ملاطفا مجاملا واعتذارياً يكاد يرفض الدفاع عن نفسه ويوحي للآخرين بأنه هو المعتدي! وحاول المالكي إزاحة الشهرستاني إرضاءاً لكردستان، لأنه كان ممن يثيرون الضوضاء وقد ينبه الشاة السائرة إلى مذبحها، لكن المالكي استشعر الخطر على نفسه فتركه. وأخيراً وصل التذمر داخل حزبه ومن المحيطين به ما لم يكن مستعداً لتحمله لأنه شعر أنه يهدد ولايته الثالثة ذاتها، وهي أعز عليه من المال والبنون، فقرر التوقف عن الدفع، وهو كل ما يستطيع هذا المسكين فعله، متصوراً أنه وبعد كل تضحياته بأموال العراق ومعها شرفه، أن المقابل سيكتفي ويقف في مكان ما ويرضى بذلك المستوى من الإذلال والظلم ، ويدفع القليل الذي يطالب به.

لكنه كان مخطئاً تماماً.. فتلاميذ كالبريث الذين تعلموا منه أن كل مشكلة مع بغداد ستعود لهم بالفائدة وأن "من يهن يسهل الهوان عليه" لا ينوون التوقف عند أي حد. ولم يكن مبتزيه يرون في "تضحياته" إلا مشجعاً للضغط من أجل المزيد، حسب تعليمات كالبريث. وحين لم يستحب هذه المرة ككل مرة، قاموا برفسه والقائه بعيداً كما تلقى الخرقة الوسخة بعد مسح الأرض بها، وجاءوا بخرقة أخرى جديدة، أكثر قدرة على تقبل الوسخ. وكانت عملية تبديل الأمريكان والكرد لرئيس حكومة العراق خطوة أخرى متقدمة في تطبيع المذلة للشعب العربي في العراق. والحقيقة أن هذه الحركة كانت مؤمنة النتيجة نتيجة تطبيع مماثل سابق حين قامت نفس أميركا وكردستان بإزاحة أول رئيس حكومة عربي منتخب، هو الجعفري، ووضعوا مكانه المنبطح الأول، والذي لم يخيب آمالهم إلا في نهاية حكمه الثاني. حاول المنبطح أن يثير بعض الضوضاء، وأن يستثير العراقيين على "الدستور" وعلى كرامتهم في إزاحة من انتخبوه، لكنه كان قد فعل الكثير لإزالة تلك الكرامة من أحاسيس شعبه، وقام بدوره كاملاً في تطبيع ذلك الكم الهائل من الظلم، فلم يثر "جرحه بميت إيلام"! فتطبع هو أيضاً مع الظلم وقبل بمنصب إلى جانب عدوه اللدود القديم في تشكيلة عجيبة تحت حكم من قال أنه يرتكب جرماً خطيراً وانقلاباً على الدستور!

 

وقام المنبطح الجديد بكل همة ونشاط بتسليم الكرد كل ما يطلبونه في مرحلة التطبيع الجديدة التي أرادوها، إضافة إلى حزمة قوانين تآمرية لتمزيق العراق وتفتيته، مستنداً إلى المرحلة السابقة التي قام ولي الدم بإعدادها وبذل من شرفه الكثير لتحقيقها. ولو أن الإنقلاب الصريح والتزويرات الكثيرة والمخالفات الدستورية اللازمة كانت قد جاءت في بلد لم يكن شعبه قد تم ترويضه على قبول الذل، لواجه العبادي حكماً بالخيانة العظمى، لكنه كان ضمن قيادات حزب المالكي وكان يعرف بكل سلسلة التطبيعات ويستطيع توقع ردود الفعل سواء من الشعب أو من الحزب، ولم يخب ظنه كثيراً.  

لقد كانت الحكومة التي شكلها العبادي هجوماً أمريكيا بربرياً على الشعب العراقي ومصالحه وهي تفترض أن هذا الشعب سيقبل بكل شيء كما فعل في الماضي، بلا اعتراض، وسيبقى يلوك الحديث عن محاربة الفساد والطائفية والكلام المجاني. وكان الإتفاق النفطي مع كردستان مرحلة متقدمة في الظلم وتطبيعه أثارت حتى هذا الشعب الذي قبل الكثير بخنوع في الماضي. وافتضح العبادي كعميل وعدو للشعب مع ذيل كردستان الدائم والمعروف بالإنعدام التام والمطلق للكرامة عادل عبد المهدي، والتي كانت صفاته تلك هي المؤهل الوحيد لتوزيره على النفط، عصب الحياة العراقي! تحمل العبادي كل ذلك على حساب سمعته وشرفه، فما كانت النتيجة؟ أن كردستان، وبعد أن اطمأنت إلى توقيع الإتفاق واعتباره من المكاسب التي تحققت وثبتت، كانت مخلصة لمبادئها فوضعت هذا المكسب جانباً و ركزت على ما يمكن تحصيله من المزيد! لذلك فهي التي رفضت تنفيذ الإتفاق وطالبت الحكومة التي جاءت بها بالمزيد، بغض النظر عن هدر ما قد يكون بقي من شرف لرئيسها ومن قبل بالمشاركة فيها! وبكل إهانة واستصغار قال نيجرفان برزاني أنهم على ما يبدو اتفقوا مع حكومة مفلسة! وأنهم لذلك أحرار في التصرف!

 

في جلسة مسجلة بالفيديو، وصف أحد أقدم قيادات الأحزاب الحليفة لحزب العبادي، وصف العبادي قبل توزيره ، بأنه "أغبى شخص في قيادات حزب الدعوة"، ولم يكن على ما يبدو مخطئاً. فهذا الغبي لم يتوقع أن يأتي الدور عليه في الأجندة الكردستانية التي كان يراقبها لعشرات السنين وهي تسلخ زميله في الحزب كل كرامة وتبتزه قطعة قطعة. فتصور أنه حين "يعطيها كل ما تريد" فإنها سوف ترضى ، ولو لفترة من الزمن، وسيبدو أنه نجح في تسيير أمور العراق وأنه بذلك أنجح من سابقه، وأن الناس التي تعودت قبول الظلم لن تفكر كثيراً في كيف يكون قد حقق ذلك. لكن "أغبى شخص في حزب الدعوة" تفاجأ بأن كردستان لم تمنحه حتى لحظة هناء وسارعت في أول فرصة لتفرض عليه ما فرض "على الذين من قبله" وتصرخ: المزيد!

حيدر العبادي "توحر" كما يقولون في العراق، ورفض أن يعطي المزيد من الأموال قبل أن تكمل كردستان حصتها هذه المرة. وربما كان غاضباً بالفعل، ليس لثروة الشعب بالتأكيد ، لكن لإحساسه بأن كردستان تمسح به الأرض قبل أن يتهنى بسنة واحدة من حكمه الذليل! و "التوحرة" هي رد الفعل الطبيعي للمذلولين في هذه الحالة، ولم يفعل المالكي أكثر من انه "توحر" مرات عديدة ليرضخ في كل مرة ويبيع أموال العراق وقطرات شرفه، عدا الأخيرة في نهاية حكمه، وعندها تم استبداله.

 

لقد نسي المالكي كيف جاء إلى الحكم، فتم تذكيره، ويبدو أن العبادي قد نسي ذلك ايضاً وبسرعة شديدة، وأنه أخذ مدائح بايدن الجديدة له على "قيادته" الحكيمة والشجاعة على محمل الجد، ناسياً ايضاً أنه كان ذات الشخص الذي كال المديح بلا حدود للمالكي "السيء" الذي جاء هو ليصلح ما خربه، ونسي أن الإسرائيلية هيباشكوفا وصفت المالكي بأنه "سيقود العالم في حربه على الإرهاب"! من حق العبادي أن ينسى في نشوة الكرسي، الذي يصدق كل من يجلس عليه أنه تحول إلى "قائد ضرورة" في لحظة واحدة، قادر على قيادة الجيوش وإدارة الإقتصاد وكل شيء! لكن كردستان وأميركا لم تنس، وهاهي تطالبه أن يتصرف كرئيس يخدم باخلاص وبلا تذمر من جاء به إلى الحكم، وأن لا يتوهم لحظة أنه جاء بانتخابات ديمقراطية بإرادة الشعب، وأنها هي التي أتت به وإلا فاصواته لم تكن تكفي لربع مقعد في البرلمان!.. "وذكّر إن نفعت الذكرى"!

 

بعد التوتر بين كردستان والعبادي، كتبت مقالة لي هي عبارة عن سيناريو لإسقاط العبادي والمجيء بعادل عبد المهدي بدلاً منه. وبين السيناريو أن ذات العبارات التي استعملت ضد المالكي كحجة لإسقاطه ودعم الرئيس الجديد، تصلح تماماً وبتغيير الأسماء فقط لإزاحة العبادي والمجيء بـ عبد المهدي (مثلا) ودون أية مشكلة! وفي السيناريو يقول عبد المهدي أن العبادي قد ابتعد عن المسار الدستوري وكرر خطى الحكومة السابقة في عدم التفاهم مع كردستان ، مشيراً إلى صدام حسين وواعداً بحل كل المشاكل مع كردستان، وتفعيل الإتفاقات حول الحرس الوطني.. الخ. وقد تسبب هذا السيناريو الذي بدا طبيعياً جداً، ببعض المشاكل الظريفة لأن القراء لم يجدوا فيه غرابة أو شيئاً مستبعداً أو غير معقول، فقد تعودوا، في نظامهم "الديمقراطي" هذا، تغيير حكوماتهم بطرق مبهمة والإكتفاء بعبارات عامة أكثر إبهاماً لتبرير ذلك وتم "تطبيعهم" على ذلك! (الحقيقة أن مثل هذه السيناريوهات تطلق أحياناً لفحص ردود الفعل الشعبية استباقاً للأحداث الحقيقية).

 

العبادي لم يعاقب على “توحرته” ولم يزح بعد، ولعله قدّر أن إزاحته بهذه السرعة قد تكون محرجة أكثر مما ينبغي لمن يأتي بالحكومات في البلاد. وعلى هذا راهن فقرر أن يجرب العناد. المؤشرات الأولى تقول أن تقديراته ربما كانت صحيحة وأن كردستان ربما تراجع قسوتها معه وتفكر بالإكتفاء بالغنائم التي قدمها لها لفترة من الزمن، خاصة وأن الشعب العراقي يمر اليوم بمرحلة "خطرة" من استعادة الكرامة، ربما توحي له لا سامح الله، بانه قادر على الإعتراض والدفاع عن مصالحه. الحشد الشعبي قام بتفجير فقاعتين كبيرتين جداً كانتا دائماً سلاحاً لخنق أمله وثقته بنفسه هما داعش والطائفية!  فالإنتصار على داعش في مناطق سنية في غالبيتها، من قبل حشد شيعي في غالبيته، وبعيداً عن ذلك الوحش العالمي الذي تستند كردستان إلى قوته في ابتزازها للعراق، كل هذا قد يكون في خلفية ذهن مسرور برزاني حين عبر عن مخاوفه من "المشاكل" وهو يرى السنة والشيعة يتعانقان ويحطمان كل الخرافات عن عدائهما المصطنع.

 

إن قلق مسرور من الحشد الشعبي وتفضيله الجيش الرسمي عليه ليس لخوفه من الطائفية، فحكومة كردستان تعتاش عليها، بل لأنه يعلم أن الجيش مخترق بحلفاء كردستان من أمثال الضباط البعثيين الذين سلموا الموصل إلى داعش وأسهموا في احتلال كردستان لكركوك. وصراخه هذا يشبه صراخ النواب الكرد عندما حاول العراق شراء السلاح من روسيا، ولم يفتحوا فمهم حول شرائه من اميركا، لأنه تم تبليغهم كما يبدو أن ذلك السلاح لن يسلّم! ومسرور يعلم أن الجيش مخترق لن يدحر داعش.

وفي كل هذا يجب أن لا يغيب عن بالنا العقل المدبر وراء كل ها التآمر، وهو بالتأكيد ليس كردستان فهي، مثل جماعتنا، في فسادها وتخلفها الستراتيجي غير قادرة على أدارة مثل هذا المشروع الهائل الطويل المدى، والمعتمد على توقعات دقيقة وحساسة لردود الفعل، فلا يستطيع القيام بذلك سوى أميركا وإسرائيل، وما كردستان إلا إحدى أكبر هراواتهم التي ستحطم نفسها بحماقة قبولها لدورها العدواني في المنطقة.  

لقد كتبت في مقالة سابقة أن فقاعة داعش قد انفجرت، وعندما تنفجر تلك الفقاعة فستفجرمعها فقاعات أخرى! وكنت أقصد بالدرجة الأولى فقاعة الطائفية التي انفجرت بالفعل، ولكن ايضا "فقاعة الإذلال" وتطبيعه والتي تعتمد عليها أميركا وإسرائيل وذيلهما كردستان في ابتزاز العراق وإقناع شعبه بالرضى بتحطيم بلده دون مقاومة. إن تفجير هذه الفقاعات هو ما يقلق مسرور مثلما يقلق نيتانياهو وجلاوزة إسرائيل في البيت الأبيض. فإن تحرر العراقي العربي من الإحساس بالذل، فسوف يطالب بأن يكون له حقه كاملاً كالكردي تماماً ، أو ينفصل عنه. وهذا مكلف بشكل كبير وخطر على أجندة إسرائيل وكردستان، بل أن هذا الشعب قد يفكر بالمطالبة بإعادة ما سرق منه في سنين الإبتزاز الماضية، كما يفعل كل البشر في الأرض!

 

لذلك كله يسود الحذر وتخف حدة كلمات كردستان أحياناً هذه الأيام وتسمع منها أصواتا لم نعتدها، فهي لا تشبه الزعيق والبصاق بوجه العراق كما اعتدناه منها بدل الكلام. ولذلك كله فإن الشعب العراقي بحاجة إلى "حشد شعبي" ليس بمواجهة داعش فقط، بل بمواجهة كل هزائمه الماضية، لتكسير كل قشور التطبيع على الذل والقبول بالظلم الثخنية التي تم إحاطته وخنقه بها، وربما تمكن من إزاحة كردستان كلها عن كاهله، هذه الهراوة الإسرائيلية الأمريكية الثقيلة التي طالما استنزفت ثرواته وإرادته وكرامته واحتلت أراضيه بقوة السلاح وابتزت حكوماته وأذلتها وجعلت ساستها جباة يزايدون لجمع الجزية التي فرضتها على شعب العراق منذ إثنا عشر عاماً وحتى اليوم!

 

 

(1) اخبار بلا شوائب - مسرور بارزاني للبي بي سي : المليشيات الشيعية في العراق قد تسبب مشكلة أكبر من تنظيم الدولة"داعش "https://www.facebook.com/uncontaminatednews/posts/343654005844678?comment_id=343655432511202

 

 

 

 

 

 

18.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

18.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org