<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل فساد بغداد وأربيل أيهما أكبر؟

 

 

فساد بغداد وأربيل أيهما أكبر؟

 

 

صائب خليل

8 آذار 2015

 

مما لا شك فيه أن الفساد ينخر كلتا المدينتين، وأن هذه ليست محاولة لتبرئة اي منهما، إنما هي محاولة مراجعة الفكرة المنتشرة بأن الفساد في كردستان أهون مما هو في بغداد، وأنه يترك مجالاً لبعض البناء الذي نراه في كردستان ولا نراه في بغداد أو المحافظات التي تحت حكمها المباشر.

وأهمية هذه المراجعة ،أن هذا الرأي الواسع الإنتشار جداً، يستخدم بشكل كبير داخل المجتمعين الكردي والعربي على السواء، لتبرير استيلاء كردستان على أضعاف حصتها من ثروة العراق ويدفع إلى التغاضي عن كل ما يكشف من تلك السرقات حتى بين الناس الذين تسرق ثروتهم. ما أهمية الفرق بين الـ  12.6% التي يقول برلمان كردستان أنها نسبة الكرد والـ 17% التي يحصلون عليها بالفعل، مادام كل شيء سيسرق في النهاية في بغداد؟ وما أهمية تسليم كردستان لأموال الكمارك والضرائب، وما أهمية تصحيح التلاعب بالأرقام في عقود النفط ، وما أهمية إعادة الـ 42 مليار دولار التي كشفت الحسابات أن كردستان استولت عليها من خلال "تراكم أخطاء" توزيع الأموال خلال السنوات الـ 12 من الإحتلال، إن تم استعادتها، ونزلت كغيرها في جيوب لصوص بغداد ؟

ويختتم هذا الخطاب المثير للحزن بالقول: "على الأقل أن اللص في كردستان يستعمل بعض ما يسرقه من مال لبناء بعض المولات والأسواق والفنادق وينظف المدينة".

لاشك أن لهذه القناعة ما يفسرها من فساد حقيقي لا شك فيه، لكن دعونا نراجعها لنرى إن كان لها أساس حقيقي، ونرى إن كان الفساد في كردستان "أهون" بالفعل.

 

أن أول ما يجابهنا من حقائق هو أن الفاسدين في بغداد يهربون إلى كردستان حيث تستقبلهم بأذرع مفتوحة، والعكس ليس صحيح. إبتداءاً من أشهر الوزراء اللصوص في حكومة علاوي ،حازم الشعلان المتهم بإختلاس عقد بقيمة مليار دولار, والذي شكر علناً من وقف بينه وبين يد القانون، و "بالدرجة الاولى هم اعضاء التحالف الكردستاني الذين اخذوا من الاخ المناضل مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان العراق النبل وسمو الاخلاق والصدق ومناصرة الحق الذين رفضوا اصلا مناقشة المقترح الذي لا يستند الى اية مسوغات قانونية"(1).. وقد رحب البرزاني علناً بكل المطاردين من القانون من بغداد، سواء كانوا من المتهمين بالسرقة او الإرهاب. وعندما تكون منطقة ملاذاً آمنا للفاسدين فلا بد أن يكون الفساد فيها قد "استلم السلطة" وأنها الأكثر فساداً من حيث يهرب الفاسدون.

 

وقد يقال أن البلاد قد تشجع فساد غيرها وتستفيد منه دون أن تكون فاسدة بذاتها، كما هي سويسرا مثلاً. وهو موقف لا أخلاقي طبعاً، لكننا تعودنا أن نهمل الأخلاق في القياسات الدولية والسياسية. وحتى هنا فأن كردستان تبرهن أنها الأكثر فساداً. فلننظر كيف تتعامل كل من "الدولتين" بثروات أرضها وأهمها النفط، ولنقارن بين الفسادين.

 

قبل سبع سنوات بالضبط، كتبت مقارنة بين "فساد بغداد وفساد كردستان" (وهو عنوان المقالة) (2) قلت فيها: "الفساد في بغداد قوي. يضرب ضرباته ويفلت. يقوم بسرقاته الجريئة ويختفي دون اثر، وان احتاج، فهو قادر على احراق البنوك المنهوبة او قتل من يلاحقه وارهاب الباقين. لكنه مازال يواجه مقاومة باسلة هنا وهناك وقد اضطر احياناً ان يستعمل ورقته الأخيرة في اللجوء الى حماية الأحتلال الأمريكي الجاهز دائماً لتقديمها. اما فساد كردستان فقد استولى على السلطة التنفيذية تماماً وسيطر على السلطة التشريعية لتحميه من الصحافة ورشى السلطة القضائية. لم يعد يحتاج الى احراق البنوك المسروقة ولا الى قتل مطارديه ولا الى الألاعيب السياسية لتنقذه من المحاكمة. ليس هناك اصلاً من يطالب بمحاكمة! فساد كردستان فساد وقح مهاجم متحدي، كفؤ، منظم وموحد بشكل مذهل لاتشوبه اية صحوة ضمير او تساؤل لأي فرد من افراده، وله امتدادات دولية غير معلومة الحدود. لقد انتهى من معاركه في كردستان بالنصر الحاسم وهاهو يستعرض قدراته على بغداد!"

 

واقتطع من المقالة النصوص التالية مع اختصارات لا تمس محتواها:

 

"في غفلة من الجميع، وخلال ثلاثة شهور من صدور قانون النفط الإقليمي، وقعت الحكومة الكردستانية عدداً هائلاً من عقود مشاركة الإنتاج مع شركات نفط اجنبية، وأوضح خبير النفط العراقي فؤاد الأمير في كتابه "ثلاثية النفط". أن "محتوى هذه العقود لا يزال ضمن الأمور "السرية"، وبعضها كانت السرية فيه مطلقة مثل العقد مع الكونسوريتوم الكندي التركي Addax – Jenel حتى بعد مرور اكثر من ثلاث سنوت من توقيعه.

وبين الأمير أن العقد تم بنقل اشتي هورامي وزير نفط كردستان لحقل طقطق، الذي وصفه بأنه "وقد يكون أثمن اكتشاف في حقول الشمال منذ اكتشاف حقل كركوك." من ملحق الحقول الى ملحق "الرقع الإستكشافية"، ليتمكن من "بيعه" رخيصاً للكونسرتيوم بعقد مشاركة إنتاج على اساس ان "الرقعة الإستكشافية" قد لاتحتوي نفطاً، وانها (الشركة) تخاطر باموالها، رغم أنه "حقل جاهز ذو نوعية نفط عالية جداً.. يحال "بالسر" الى شركة ولا نعرف محتويات عقد المشاركة بالإنتاج هذا، ...أليس هذا تبرع بمال الشعب الكردي خصوصاً والشعب العراقي عموماً!!؟" وحدث نفس الأمر مع حقل كورمور الغازي (والذي تم الإستيلاء عليه من اراضي محافظة صلاح الدين. كذلك نقل حقل جمجمال الغازي من ملحق رقم (3) الى ملحق (4) للرقع الإستكشافية!!

وكانت العقود السرية المرتبطة بشبهات كبيرة تهطل على كردستان كالمطر مثل عقد كردستان مع شركة "هنت اويل" الأمريكية التي يرأسها "راي هنت" المقرب من الرئيس بوش وكان العقد سرياً تماماً. وعن هذه العقود كتب فؤاد الأمير: " إن حكومة إقليم كردستان ستدخل بالتأكيد، وبدون منازع، كتاب كينيز للأرقام القياسية، إذ لم يسبق أن وقعت دولة (وليس إقليم) مثل هذا العدد من عقود المشاركة خلال سنتين، ولم توقع أية دولة حتى ربع هذا العدد خلال مثل هذه المدة القصيرة. ...لو كنت شوفييني عربي لقلت دعهم ينهون نفطهم ونحن نأخذ حصتنا الدستورية منهم، وفي المستقبل سيركضون وراءنا بعد أن ينفذ نفط إقليم كردستان!!؟."

وقد قدرت خسائر عقود مشاركة الإنتاج الكردستانية مقارنة بما لو كان الأمر لو أنها وقعت عقوداً مشابهة لعقود بغداد بحوالي 85 مليار دولار لكردستان وحدها إن بقيت ضمن العراق، والكلية بـ 500 مليار دولار للعراق وستتحملها كردستان بمعضمها إن هي استقلت!!

 

هذا الإستسلام التام من كردستان للفساد في ذلك الوقت دفعني لأن أكتب بعد ثلاث سنوات مقالة بعنوان "لماذا لا يدافع مثقفو كردستان عن نفطهم؟"، أقتطع منها ما يلي:

 

" حين هم المتآمرون على نفط العراق بالهجوم عليه تنفيذا لمخطط وضع قبل الحرب بسنوات، وتقديم قانون نفط وعقود نفط مشاركة إنتاج لصوصية، هب عدد من مثقفي العراق وناشطيه وعدد من السياسيين والبرلمانيين الأشراف ووقفوا بوجه ذلك المشروع وسجلوا إنتصاراً عظيماً بمجرد صمودهم وإعاقة تنفيذ ذلك المشروع الخطير، ...وفي جهد وتنسيق رائعين، قام خبراء النفط العراقيون ... بشرح وإيضاح ما تعنيه تلك العقود.. وتناول عدد من الصحفيين العراقيين تلك الدراسات ... ووضعها في صيغة مبسطة قادرة على إيصال الحقائق الخطيرة إلى الشعب ، فصارت عبارة "عقود مشاركة الإنتاج" و "عقود الخدمة" ...، متداولة على كل لسان، وشعر الناس أنهم يفهمون أساسيات المعركة التي تستعر حول نفطهم.... وأطاحوا بعملاء الشركات الأجنبية الكبار مثل أياد علاوي ومثال الآلوسي من الذين وضعوا كل ثقلهم في خندق الشركات النفطية، ....

إلا في كردستان!...فإننا لم نسمع صوتاً كردياً يشارك في معركة النفط، ...ولم يعرف لصوص كردستان أية إزعاجات تذكر، (وفي حمى التهييج القومي ضد بغداد) لم يجد أشتي هورامي مشكلة في أن يصرح بأنه سيوقع عقدين جديدين كلما قالت الحكومة المركزية "غير قانوني"، ليوقع عدداً هائلاً من العقود بلا تمحيص ولا مفاوضات وكان مستعجلاً كأنه لص يلملم أغراض البيت وقد لاحت خيوط ضوء النهار الفاضحة. ولم يتعرض للمساءلة البرلمانية أو الحكومية أو الشعبية، حتى حين كشف الناشطون العراقيون أنه نقل حقولاً من قائمة الحقول المكتشفة منذ السبعينات، إلى قائمة الرقع الإستكشافية ليبرر إعطائه للشركات الأجنبية بعقود مشاركة الإنتاج غير المنصفة لبلاده!"

 

سألت مثقفي الكرد في المقالة قائلاً: "لماذا لا يقفز أحد منكم حين يسمع أن "نسبة العائد الداخلي لعمر المشروع للشركات بالنسبة لعقود كردستان قد تصل إلى ضعف ما هي في عقود الحكومة"، كما نبه الأستاذ فؤاد الأمير، أو يسمع "إن الشركة المتعاقدة مع الاقليم تجني ربحا يقدر بأربعة أمثال ما تحققه من حقل مماثل فى الجنوب، بموجب حسابات القيمة الحالية"، وفق الأستاذ كامل المهيدي، أو أن عوائد الشركات الأجنبية من عقود المشاركة بالإنتاج الموقعة من قبل حكومة الإقليم "عالية جداً مقارنة بالمقاييس السائدة". حسب محلل النفط بيتر ويلز؟ كيف تكون عوائد الشركات "عالية جداً" دون أن تكون عوائد الشعب الكردي واطئة مقارنة بالعقود السائدة في العالم؟ من اين تأتي الأرباح المضاعفة أربعة مرات للشركات إن لم تكن من حصة الشعب الكردي؟ فأين دفاعكم عن حصة الشعب الكردي؟ لماذا تقبلون بعقود "سرية" لا تعلن حتى على البرلمان الذي يمثلكم؟ لماذا يحاول عراقيون عرب أن يمنعوا الحكومة من عقود أكسون موبيل باعتبارها غير مناسبة وغير لازمة ولا تجد عقودكم الأسوأ كثيراً على نفطكم من يعترض عليها منكم؟ لقد دافع شخص واحد عن حق وحصة الشعب الكردي في نفطه في هذه المرحلة، ولم يكن كردياً....كان الشهرستاني!" (وهو بالتأكيد ليس أحد منتسبي "التجمع العربي لنصرة القضية الكردية")!

 

وواجه الشهرستاني لاعتراضاته على سرقات هورامي التدميرية لنفط كردستان هجوماً رهيباً و "حملة محمومة من مؤسسة اللصوص، اقل ما يقال عنها انها كانت قليلة الأدب شارك فيها العديد من اعضاء الحكومة الكردستانية وممثلى كردستان في البرلمان العراقي.... تحدثوا بكل وقاحة عن ضرورة "تغييره" ، "إذا ما أصر على سياسته ضد شركات النفط الأجنبية المتعاقدة مع حكومة الاقليم"!..وقال د. حسين بلو : "سوف تظهر في الأسبوعين القادمين أنباء جديدة حول تغيير الشهرستاني"!..."

وكان الشهرستاني في حينها يخوض معركة ساخنة مع أكسون موبيل التي كان مسعود يرحب بها على أنها تعادل "10 فرق عسكرية" كاشفاً رؤيته العدوانية للعلاقة مع بغداد... وقد شوه الإعلام الكردستاني الشهرستاني حتى أنه يعتبر اليوم، حتى ضمن مثقفي وناشطي الشعب الكردستاني الأمينين، عدو لكردستان!!

 

إن قصة النفط ، ، في كل من بغداد وكردستان لا تدع أي مجال للشك في أي المدينتين يسيطر الفساد أكثر، رغم الإنطباع المعكوس تماماً. فالمؤشرات المادية الملموسة والموثقة تشير بوضوح أن فساد كردستان كان هو الأعظم وبشكل لا مجال لمقارنته بفساد بغداد. ومقابل نجاح القوى الخيرة التي انقذت النفط من عقود الفساد في بغداد، وفي الوقت الذي يمتلئ البرلمان العراقي بالمعارضة الشرسة والفاضحة للحكومة، فإننا لم نسمع إلا بعد سنين طويلة، وبعد نشوء حزب كوران، اصواتاً تجرأت في البرلمان الكردستاني أن تفتح فمها وتقول أن البرلمان نفسه لا يعرف شيئاً عن تلك العقود، ولا يعلم اين تذهب فلوس النفط المصدّر! إن هذا كله يثبت ان قصة "اللطف" النسبي للفساد في كردستان، ليست سوى أحد الأوهام الشائعة الكثيرة في العراق وتصور مقلوب للأمور، والأرقام والوثائق لا تكذب.

 

لكن الواقع الذي نراه في المقارنة بين شوارع بغداد وأربيل، والذي يناقض في استنتاجاته تلك الوثائق والأرقام "لا يكذب" ايضاً فكيف نفسر ذلك؟ كيف يكون الفساد في أربيل أكبر والحطام في بغداد أكبر؟

السر في ذلك أن الفساد لم يكن السبب الأول في الحطام الذي تعاني بغداد منه، وإن كان من أهم أدواته. السبب الأول في ذلك الحطام وجود قرار سري من الدولة الكبرى كما يبدو واتباعاً للأجندة الإسرائيلية، بأن "لا تبنى في العراق طابوقة واحدة"! أن كردستان لم تكن مشمولة بهذا القرار، ولذا سمح للفساد في كردستان أن يبني بعض "المظاهر" المدنية والتجميلية وأطلقت يده في نهب كل من كردستان والعراق، وكان نصيب كردستان تبذير الثروة والبناء الشكلي، أما العراق فكان نصيبه التحطيم التام!

 

 وككل المؤامرات على العراق فقد كانت كردستان هراوة أساسية لهذه المؤامرة على مستوى حماية اللصوص الكبار المفضوحين وتطمين الباقين، إضافة إلى شفط أكبر كم ممكن من المال من كل ميزانية عراقية وغرس عدم استقرار لأطول مدة ممكنة وعرقلة كل موازنة سنوية واستغلالها لفرض شروط جديدة ونهب جديد، كما بينت توصيات مستشار كردستان بيتر كالبريث في مذكراته، إضافة إلى احتلال أية مناطق ثرية قريبة منها وإغراء أي سافل ينجح الأمريكان في وضعه على رأس أية محافظة بالمطالبة باستقلال اقتصادها واستقلال قرارها وتحطيم تعاونها وتنسيقها الإقتصادي مع بغداد كما حدث مع عميلها النجيفي في الموصل، وكما يطالب د. محمد الطائي في البصرة. وتقوم كردستان علناً بدعم كل الدعوات إلى التفتيت الإقتصادي والسياسي والعسكري للمحافظات، مع إصرارها على مركزيتها الشديدة في إقليم كردستان، لأن الإقليم ليس مشمولاً بقرار التحطيم الإقتصادي التام.

 

لقد واجه المحتلون مهمة لم تكن سهلة وهي كيفية إبقاء هذا البلد محطماً رغم مردودات النفط الهائلة التي تصله، وابتكروا الكثير من الأدوات لإنجازها، وتمكنوا من تحقيقها حتى اليوم، فمضى 12 عاماً من ضخ الملايين من براميل النفط من هذا البلد يومياً، وتمكنوا من نهب وتصريف المئات من المليارات من الدولارات لتمضي دون بناء، فشهد العراق وزراء يسرقون المليارات ويهربون إلى كردستان وأميركا والأردن وغيرها من التوابع، وأسلحة غالية جداً تسلم أثمانها ولا تسلم أو تسلم لتسرق، وجيش هائل لا يعلم إلا الله كم كانت كلفة تدريبه (ليفشل أمام داعش) وتبرعات نفطية للأنظمة العميلة لإسرائيل وتعويضات لا حدود لها وبطالة مقنعة هائلة وفضائيين لا حصر لهم.. ومئات المليارات تختفي الخ ألخ... وكلها كانت تصب في هدف واحد: "ان لا تبنى في العراق طابوقة واحدة". لقد كان الفساد أحد أهم أدوات هذا الهدف، لكنه بالتأكيد لم يكن السبب الرئيسي له. لقد كان قراراً سياسياً أمريكيا إسرائيلياً!

 

ما هي الأدلة على ذلك وكيف حدث؟ لقد طرحنا هنا المؤشرات العامة، لكن مادة هذا الموضوع كبيرة وسنحاول وضعها في مقالة منفصلة مستقبلا، اما الآن فأن ما طرحنا من حقائق ومن مقارنة بين فساد كردستان وعمرانها النسبي من جهة وفساد بغداد وخرابها التام من الجهة الأخرى، يكفي للدلالة على هذه النظرية، وبأن الخراب مخطط وليس عفوي ذاتي سببه الفساد، وأن الإنقلاب الأمريكي الكردستاني الذي جلب حكومة العبادي – عبد المهدي ليس إلا إمعاناً في هذه الخطة، خاصة بعد تسرب أخبار تشير إلى أن الحكومة كما يبدو تجس نبض الشارع اليوم من أجل الإلتفاف على ما حققته القوى الخيرة في الماضي، وتغيير نوعية عقود الشهرستاني إلى شكل عقود هورامي اللصوصية. لم تكن حكومة المالكي شريفة أبداً وتحمل على عاتقها إضاعة ثمان سنوات من ضخ النفط دون أي بناء، لكنها سمحت ببعض المقاومة. أما حكومة العبادي فهي الفساد المستولي على السلطة تماماً، وكلما طال حكمه وتنسيقه مع كردستان ازدادت الكوارث بتسارع أكبر.

 

ما الذي يهمنا في أن نعرف إن كان الفساد هو سبب الحطام أو القرار الأمريكي الذي يستعمل الفساد؟ الأهمية تكمن في:

 

أولا: أن الإدعاء بأن كردستان أقل فساداً من بغداد وهم هو مقلوب الحقيقة تماماً، ففي بغداد كانت هناك دائماً مقاومة للفساد وحرب معه، وعلينا أن نتذكر حتى في غمرة غضبنا، أن تلك المقاومة قد حققت انتصارات مهمة كما في قصة النفط، وكذلك فأن مجرد تقديم بعض الوزراء للمحاكمة والحكم عليهم، وهو ما يتخيله أحد كشيء ممكن أو محتمل في كردستان، مؤشر قوي أن الفساد يلاقي مقاومة، وأن الفساد عندما كان ينتصر فغالباً بمساعدة الأمريكان وكردستان. لذلك فأن التساهل في سرقات كردستان على أساس أنها أقل فساداً وأنها تبني ببعض المال، وهم كبير، وإنما الفرق يأتي من الفرق في الموقف الأمريكي والإسرائيلي من الطرفين: الفساد للطرفين، والتحطيم التام للعراق وحده!

 

وثانياُ، ضرورة أن نفهم حقيقة ما يجري حولنا لنخوض المعركة المناسبة بالأدوات المناسبة. إن محاربة هذا الحطام في بغداد تختلف جذرياً إن تصورنا أننا بمواجهة الفساد الطبيعي للإنسان ، عما إن تصرفنا على أن هناك من يخطط للخراب ويريده. فالفساد مثلا لا يخرب عندما لا يكون في التخريب مردود مالي له قيمته، أما العمل التآمري لمنع البناء فيفعل ذلك بالتأكيد. الوزير الفاسد أو رئيس الحكومة الفاسد قد يفضل أن بقية الوزراء ليسوا فاسدين (بشرط أن لا يعرقلوه) وأن يبنوا شيئاً ليغطوا على فشله أمام الناس، لكن عندما يكون رئيس الحكومة معنياً بالتخريب أو خاضعاً لأجندته فإنه سيسارع بالتخلص من الوزير غير الفاسد. فالفساد والتخريب المتعمد المخطط، رغم تشابههما، عدوان مختلفان بشكل جذري والحرب عليهما مختلفة بشكل جذري أيضاً، ومن هنا أهمية أن ندرك حقيقة ما يجري حولنا، وأن لا نلقي بكل اللوم على الفساد في تحليلاتنا.. هناك فساد شديد في العراق، لكن هناك أيضاً من هو أشد خطراً منه، يختبئ وراءه...يدعمه ويقوده لغرض آخر!

 

(1) صائب خليل: اللصوص تشكر حماتها علناً
http://www.doroob.com/archives/?p=11462

 (2) صائب خليل:    فساد بغداد وفساد كردستان

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/15fsad.htm

 

 

 

 

 

 

08.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

08.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org