<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر النفوذ والهيمنة والتبعية

 

 

 

النفوذ والهيمنة والتبعية

 

 

صباح علي الشاهر

 

يتعالى صراخ البعض من كون العراق أصبح ساحة للهيمنة الإيرانية، أو التركية، أو الأمريكية، وربما الأردنية والقطرية، متصورين أن خضوع أي بلد لهيمنة بلد آخر شأنه شأن قضية تعدد الزوجات، بحيث يمكن أن تكون الهيمنة على بلد ما من قبل بلدان متعددة، في حين أن الهيمنة لا تقبل التعدد، هي لا تستقيم سوى بزوجة واحدة، هي سيدة البيت بلا منازع، هي ليست كظاهرة تعدد الزوجات، تتشارك في البيت الواحد عدة زوجات، فدار الهيمنة تتحكم بها زوجة واحدة، إلا إذا قسمت الضرائر الدار إلى دور بعدد الزوجات بحيث تهيمن كل واحدة منهن على دارها، حدث هذا عندما قسمت الأرض العربية إلى دول توزعت الهيمنة عليها ما بين فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وما بعد حرب السويس أزاحت أمريكا بريطانيا عن دول شرق السويس، وأصبحت هي المهيمنة والمتحكمة بالخليج والأردن والجزيرة العربية، وأمثال الإزاحة والإستفراد بالهيمنة كثيرة ليس في العصر الحديث وإنما في كل العصور .   

يبدو أن البعض لا يفرق بين النفوذ والهيمنة، النفوذ يمكن أن يكون متعدد، حيث يقع بلد ما تحت نفوذ عدد من البلدان، لأسباب عديدة، أهمها ضعف وهوان هذا البلد، وقوة ومتانة وتأثير البلد أو البلدان الآخرى صاحبة النفوذ، كما هو شأن العراق حالياً، حيث يتوزع النفوذ فيه على عدة دول، أولها أمريكا، ثم إيران، وتركيا، أما الدول العربية الواقعة هي تحت نفوذ غيرها، والتي يرزخ بعضها تحت أثقال التبعية، فهي بأجمعها لا نفوذ لها إلا من خلال الدول المرتهنة والتابعة لها، ومن المضحك أن هذه الدول المرتهنة والتابعة تحارب حكومة العراق لأنها واقعة تحت نفوذ إيران، متناسية النفوذ الأمريكي والتركي، ومتجاهلة بؤس تبعيتها هي لأمريكا!!  

لا تسمح أمريكا لإيران بالهيمنة على العراق، ولا تسمح إيران لأمريكا بالهيمنة عليه، وبقية الصغار والأقل أهمية لا يقبل الكبار أن يهيمنوا، ولا هم يقبلوا أن يهيمن بعضهم ، ويكونوا هم خارج الإطار، لذا فإن كل الأطراف، وأولها أمريكا وإيران أجلت موضوع الهيمنة على كامل العراق لوقت آخر، وأكتفت بالنفوذ، وتقاسم هذا النفوذ،  مثل هذا التقاسم للنفوذ يستجيب لمصالح الجميع إلا العراق الذي أصبح شأنه شأن  تلميذ ضاع بين أوامر أساتذته المتعارضة والمتناقضة، بحيث إحتار أيهم يرضي. إن هذا التوافق غير المعلن على تقاسم النفوذ لا يتنافى مع محاولة البعض إزاحة الآخر، ولكن ليس للدرجة التي تستفزه وتدفعه للمواجهة، هو إتفاق الحالة المضطربة التي لم تستقر بعد، لذا فهو إتفاق مُضطرب أيضاً، غير مستقر، في لحظة ما يكون كأنه لم يكن، لذا على حكومة العراق أن تلعب سياسة، سياسة ذكية وبراغماتية نفعية، عليها أن تستغل هذا الوضع، وتستفيد منه إلى أقصى حد، فالسياسة الذكية أحياناً تعوض عن القوّة المفقودة ، وتحول الضعف إلى قوّة.

ورغم يقيننا أن النفوذ يؤدي في نهاية المطاف إلى الهيمنة لوتهيأت الظروف المناسبة ، والهيمنة تؤدي حكماً إلى التبعية إلا أننا نجد أن من المناسب التفريق بين النفوذ والهيمنة، فهذا أمر هام ، فالنفوذ نتاج ضعفك ونتاج قوة الآخر، والتخلص منه لا يحتاج إلا أن تكون قوياً ، بهذه القوة تعادل النفوذ الواقع عليك ، بحيث يكون لك (نفوذ) على الآخر، مثلما للآخر (نفوذ) عليك، وهذا أمر طبيعي بين الأمم والشعوب، ولكن غير الطبيعي الهيمنة والإرتهان والتبعية .

التخلص من الهيمنة والتبعية يحتاج غالباً إلى ثورة، أما الخروج من دائرة النفوذ فهو مُتاح في أي وقت حتى لو كان البلد ضعيفاً، لكنه في حالة الضعف سيبدل نفوذا بنفوذ آخر، خرجت مصر السادات من نفوذ الإتحاد السوفيتي، فدخلت في دائرة نفوذ أمريكا، وخرجت بلدان المعسكر الإشتراكي من نفوذ روسيا فدخلت تحت نفوذ أمريكا والإتحاد الأوربي.

قطعاً لا يمكن أن يكون للضعيف (نفوذ) على القوي، الدول القوية المقتدرة، هي التي يكون لها (نفوذ)، وهذا أمر بدهي، فلا يمكن مثلا أن يكون للبحرين (نفوذ ) على السعودية، ولا يمكن أن يكون للسعودية ( نفوذ ) على أمريكا، وفي وضع العراق الحالي، لايمكن أن يكون له (نفوذ ) على إيران، ومن الطبيعي جداً أن يكون لإيران ( نفوذ ) على العراق، وأقسى ما يمكن أن يسعى إليه العراق مستقبلا أن يتبادل النفوذ مع إيران .

القضية لا تتعلق بالشعارات، ولا بالصخب الأجوف، وإنما بالقوة والإقتدار. القوة تعني النفوذ حتماً، لكنها لا تعني بالضرورة الهيمنة والتبعية، والضعيف يُعذر إذا وقع تحت نفوذ من هو أقوى، ولكن لايُعذر إذا قبل بالهيمنة والتبعية، وصفحات التأريخ تبين لنا أن دولا ضعيفة، كدول الهند الصينية تصدت لأمبراطوريات كبرى، كفرنسا وأمريكا، ثم أجبرتها على التخلي مرغمة عن فكرة الهيمنة على مقدرات هذه الشعوب التي أعطت لكل شعوب الأرض درساً.

 

 

تاريخ النشر

30.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

30.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org