<%@ Language=JavaScript %> معتصم حمادة بكائية اليرموك

 

 

 

بكائية اليرموك

 

 

معتصم حمادة

 

لا بد من سياسة وطنية مسؤولة إزاء اليرموك حتى لا يحوله البعض إلى جثة هامدة، من خلفها يطلقون النار على خصومهم، ويصفون حساباتهم على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية

منذ أن اجتاح «داعش» بعض مناطق «اليرموك»، تحول المخيم إلى بكائية فلسطينية من الطراز الأول، كما، تحول، للأسف، على يد العديد من الأقلام، إلى متراس رمل، يتم من خلفه إطلاق النار على أطراف عربية وفلسطينية وإقليمية، دون تقديم حل ملموس لأزمة المخيم، ودون تقديم أي اقتراح عملي يسهم في زحزحة هذه القضية بالاتجاه الإيجابي.

ومن يطالع صحافة الضفة الفلسطينية، يتبين له أن قضية مخيم اليرموك تحولت إلى مادة دسمة على كتاب الأعمدة، مادة دسمة ـ كعنوان وكقضية من قضايانا الوطنية ـ لكن الكتابات افتقدت إلى الجدية وإلى الإحساس الكافي بالمسؤولية. إذ توزعت المواقف بين الدعوة إلى دق طبول الحرب الفورية والخاطفة لتخليص اليرموك من أيدي المسلحين، دون أي اعتبار للأوضاع الخاصة بالمخيم، أو للأوضاع العربية والإقليمية، ودون أي توضيح لكيفية توفير مستلزمات هذه الحرب وخططها الناجحة. تحول معظم كتاب الأعمدة، فجأة، إلى جنرالات حرب، ومعظمهم ـ للأسف ـ لم يحمل في تاريخه بندقية صيد، حتى لا نقول بندقية في معركة من معارك الثورة الفلسطينية في سنواتها الماضية.

البعض الآخر، غسل يديه من اليرموك واعتبر اجتياح داعش له نهاية الكون، فتنبأ له بمصير كمصير مخيم البارد، حين دعا إلى إخلائه من السكان، وتدميره على رأس داعش ومسلحيه. متجاوزاً السؤال المهم: ما هو الهدف من تحرير «المخيم» إذا لم يكن الحفاظ عليه، وإعادة سكانه إليه. البعض الثالث نعى المخيم، وحوله إلى قصيدة على الإطلال، وبكائية من بكائياته، ومحطة لإطلاق النار، تارة على الدولة والمؤسسة السورية، وتارة أخرى على م.ت.ف. ورئيسها، وتارة ثالثة على فصائلها، وتارة رابعة على فصائل التحالف، في نظرة سوداوية، افتقدت إلى الحد الأدنى من المراجعة، انطلق، في رؤيته لقضية اليرموك من اللحظة التي اجتاحه فيها داعش، متجاوزاً التجربة المرة التي عاشها المخيم، وضرورة الاستفادة من دروس هذه التجربة في معالجة قضية سياسية إنسانية شديدة التعقيد، كقضية اليرموك.

ما زاد الطين بلة، أن ممثل رئيس اللجنة التنفيذية إلى دمشق، قدم للبحث في القضية ميدانياً، دون أن تكون في جعبته رؤية واضحة وجلية للموضوع، ودون أن يكون مسلحاً بقرار سياسي، لا من رئيس المنظمة، ولا من لجنتها التنفيذية ـ والأنكى من ذلك أنه حضر يعلن الخصام مع فصائل م.ت.ف، رافضاً اللقاء معها، بذريعة أنها قاطعت زيارته ـ لأسباب معينة ـ في المرة السابقة. ولعل مثل هذه الخطوة التي افتتح بها زيارته إلى دمشق، تشكل تعبيراً ملموساً حول «العقل السياسي» الذي يدير ملف اليرموك في واحدة من أكثر لحظاته تعقيداً. وحتى قبل أن يلتقي فصائل المنظمة ـ القيادات الميدانية التي تتولى الشأن الفلسطيني اليومي في سوريا ـ أطلق تصريحاته باتجاهات سياسية معينة في محاولة للإيحاء بأنه يحمل وجهة سياسية من القيادة الرسمية في رام الله. وهو ما دفع بعض الأطراف، خارج أي تقدير سياسي موضوعي، للذهاب أبعد منه في هذا الاتجاه، فلم تتوانَ عن قرع طبول الحرب، وكأن معركة تحرير اليرموك باتت على الأبواب. وعندما سئل، «مندوب الرئيس» عن القرار الذي يحمله، لتتم ترجمته تحت سقف قرار وطني جامع للحالة الفلسطينية، لم يفصح عن مثل هذا القرار، وبقيت الأمور تتجاذبها التصريحات المتناقضة، من الغرق في التفاؤل، إلى الغرق في التشاؤم، إلى الباحثين عن الحل في الهروب إلى الأمام، إلى الباحثين عن فرصة يقتصنونها قد تفيدهم وإن لظرف أتي وسريع الذوبان. إلى أن جاء التصريح من رام الله على أثير وكالة «وفا» ليصب الماء البارد على التصريحات الساخنة وليترك الكثيرين في حالة من الشلل، سببها بالأساس افتقاد الحالة القيادية الفلسطينية إلى رؤية سياسية واضحة المعالم إزاء الوضع في اليرموك، وسببها أيضاً الإدارة السيئة التي أداء بها «مندوب الرئيس» زيارته إلى دمشق، فافتقد إلى الخطوات السليمة، ما زاد الأمور بلبلة، والمشهد تعقيداً وأعاد تقديم المشهد الفلسطيني بصورة مأساوية عاجزاً عن مديد العون إلى شعبه في نكبته.

دخول داعش على خط المخيم ليس نهاية المطاف. ومن الخطأ الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج الانتحاري. أوضاع اليرموك بحاجة إلى سياسة فلسطينية جريئة وشجاعة، متفق عليها، الأمر الذي يتطلب تجاوز سياسة الاستفراد بالقرار، وفي المقدمة تجاوز صيغة «مندوب الرئيس»، لصالح صيغة أخرى، تقوم على تشكيل خلية أزمة من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تكون، على مدار الساعة، معنية بإدارة الشأن الفلسطيني العام في سوريا، وليس في اليرموك وحده، مع التقدير المميز لحالة اليرموك وخصوصيتها.

كما يتطلب الأمر تجاوز صيغة «المندوب الفرد» لصالح وفد قيادي من اللجنة التنفيذية، يتم دعمه بممثلين عن الفصائل الفلسطينية في دمشق. يقيم هذا الوفد في العاصمة السورية، في خطة ملموسة، تتناول أكثر من قضية تخص الفلسطينيين، من اليرموك، إلى النازحين والمهجرين، إلى تنظيم الإغاثة، وتوفير مستلزمات الدعم، إلى معالجة قضايا الموقوفين. أي بعبارة مختصرة معالجة عناصر الملف الفلسطيني كلها، في الإطار الوطني، وبالتعاون مع الجهات السورية المختصة.

أما بشأن اليرموك، وبعد أن تبينت صعوبة اللجوء إلى القتال «لتحريره»، فلا بد من خطة بديلة، تقوم على الضغط من أجل وقف إطلاق النار في المخيم، ومن أجل إخراج المسلحين منه، على اختلاف اتجاهاتهم وتسمياتهم [داعش ـ نصرة ... وغيرها]، والكل يعرف أن مفاتيح هذه القوى موجودة في أنقرة، والدوحة، والرياض، وأبو ظبي، وهي كلها عواصم أبوابها مفتوحة للقيادة الرسمية الفلسطينية، ما يفترض التحرك باتجاهها ومطالبتها بتحمل مسؤولياتها نحو الشعب الفلسطيني، وعدم الزج به في معاركها الإقليمية، ومن ضمن ذلك الضغط على المجموعات التي تدعمها للخروج من المخيم. في السياق نفسه، لا بد من تدعيم إرادة البقاء والصمود في المخيم، والتي جرى التعبير عنها يوم الأثنين في 13/4/2015، حين اعتصم السكان في أحد مراكز وكالة الغوث، طالبوا بإخراج المسلحين، وبتوفير الأمن والأمان لهم، وباستئناف عمليات الإغاثة الغذائية والطبية لهم، بالتعاون بين وكالة الغوث، والصليب الأحمر الدولي، والهلال الأحمر العربي السوري، ممثلاً لسيادة الدولة السورية على أراضيها. كما دعوا الذين نزحوا إلى الأماكن المجاورة للمخيم، كيلدا وببيلا وبيت سحم، إلى العودة إلى منازلهم في المخيم، وأن يثبتوا مع الذين ثبتوا.

الصامدون في المخيم، أشاروا لنا إلى ما هو مهم الآن في اليرموك، وعلينا أن نحترم إرادتهم، وأن نعالج قضية المخيم بوعي وطني مسؤول، وبخطة تلتقي عندها كل الأطراف الفلسطينية دون استثناء، لتقطع الطريق على الذين أرادوا أن يجعلوا من اليرموك جثة هامدة، من خلفها يطلقون النار على خصومهم السياسيين، فيصفون حساباتهم، على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.

 

 

 

21.04.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

21.04.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org