<%@ Language=JavaScript %> محمد خالد الدين السياسي والدين الشعبي

 

 

 

الدين السياسي والدين الشعبي

 

 

محمد خالد

 

إذا رأيت تهافت الحكام على العلماء، فنعم الحكام ونعم العلماء

وإذا رأيت تهافت العلماء على الحكام، فبئس العلماء وبئس الحكام .

(علي بن أبي طالب)

 

ينظر المسلم المتعصب إلى الكنيسة كمكان لإنتاج الخائف

وينظر المسيحي المتعصب إلى المسجد كمكان لإنتاج المخيف

كلاهما خاطئ . .

فالكنيسة مكان يبشر بالمحبة، والمسجد مكان يبشر بالعدالة، والتعايش بينهما يخلق أوطاناً أفضل ومجتمعات متماسكة وأفراداً أكثر تسامحاً . وتاريخياً كان هذا التعايش بين الكنيسة العربية والمسجد العربي تحت مظلة الدين الشعبي لكل منهما هو الرافعة الأساسية للحضارة العربية .

 ما الفرق بين الدين الشعبي والدين السياسي؟

الدين الشعبي هو دين الفطرة المرتكز على المبادئ الإنسانية السامية كالمحبة والرحمة والعدل والحرية والمساواة والإخاء والاحترام المتبادل بين جميع البشر . وعلى المستوى الفردي فهو علاقة مباشرة ومن دون وساطة أحد بين المؤمن وربه .

أما الدين السياسي فهو مؤسسة أيديولوجية مبنية على أصولية معينة، والأصولية في جوهرها، هي ادعاء امتلاك الحقيقة ومحاولة فرضها على الآخرين . الدين الشعبي يقوم على التسامح والتعدد، والدين السياسي يقوم على التعصب والتفرقة، وغالباً ما يتغذى الأخير من خلال النظام الحاكم الذي يسعى لتقوية سيطرته على الحكم بواسطة الدين السياسي (رجال دين - حزب ديني - شخصيات عامة - جمعيات دينية) . فالعلة الأساسية تكمن في النظام ومدى استخدامه للفروقات المجتمعية التي تغذي موقفه .

في العراق (سنة وشيعة)، في لبنان (مسلم ومسيحي)، في مصر (مسلمون وأقباط) في سوريا (سنة وعلويون)، في الجزائر (عرب وبربر)، في السودان (مسلمون ومسيحيون وشمال وجنوب) .

في الدين الشعبي لم تكن صدفة أن الخليفة كان يدعى أمير المؤمنين وليس أمير المسلمين . . وقصة عمر بن الخطاب معروفة عندما وجد رجلاً يهودياً عجوزاً يتسول في المدينة فأمر له بمعاش مدى الحياة يدفع من بيت مال المسلمين، لأنه مواطن في دولة على رأس مسؤولياتها رعاية مواطنيها في الدرجة الأولى بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الجنس .

كذلك يحدثنا الدين الشعبي عن أمير إحدى القبائل الذي كان في طريقه إلى الحج مع عدد كبير من أتباعه، وفي إحدى محطات الاستراحة في الصحراء حيث نصبوا خيامهم، لاحظ وجود فتاة صغيرة تبحث عن طعام في أكوام القمامة، فاستفسر منها عن السبب، وعندما علم أنها تجمع بقايا الطعام لأسرتها الفقيرة تبرع لها بجزء كبير من طعام الرحلة وكسائها وقطع رحلة الحج قائلاً لأتباعه:"لنعد إلى ديارنا فقد أتممنا مراسم الحج هذا العام" فالعمل الصالح - لا الطقوس - هي جوهر الدين .

في مصر أراد الرئيس السادات أن يضعف نفوذ التيار القومي الناصري فسمح للدين السياسي أن يتمادى في نشاطه، فانقلب السحر على الساحر فقام الارهابيون بقتله .

 الوظيفة تحدد الجوهر:

جاءت الأديان السماوية لخدمة الإنسان وليس العكس، وهناك قاعدة فقهية عظيمة في الإسلام تقول: "حيث مصالح الناس، ثمة شرع الله" . في زمن الفتوحات الأولى للإسلام من أجل توحيد الجزيرة العربية وبلاد الشام، لم يكن السيف وحده هو الذي هزم أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمن: الفارسية والبيزنطية، بل فكره العدالة والمساواة التي يحملها الدين الجديد، ولاحقاً انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا والصين ليس بالسيف بل عن طريق التجارة والقدوة الحسنة لأولئك التجار، عندها كانت وظيفة الدين تقدمية وثورية بمفاهيم هذه الأيام . وفي زمن الانحطاط برز رجال دين يبررون للحاكم المستبد أعماله ويقدمون تفاسير دينية مزورة لإضفاء الشرعية على ذلك الاستبداد، فكانت وظيفة رجال الدين رجعية ومتخلفة .

وعندها قرر الفقه السني وقف باب الاجتهاد ليقطع الطريق على الفقهاء الضعاف عن مؤازرة الطغاة .

في العصور الوسطى تحالف رجال الدين المسيحي مع الإقطاع في أوروبا ضد الفقراء وعبيد الأرض وأعطوا للحكام المستبدين غطاء دينياً شرعياً للاستبداد، عندها كان وظيفة الدين رجعية في نظر الأتباع، ولاحقاً سينضم رجال الدين المسيحي في أمريكا اللاتينية إلى الفقراء والمضطهدين ضد الحكام الطغاة ورجال الإقطاع بحيث لعب الدين المسيحي الشعبي دوراً ثورياً في تغيير الأوضاع .

الوظيفة التاريخية للدين هي خدمة الإنسان دائماً، وفي الإسلام والمسيحية يظهر من يحمل في جيبه مفاتيح الجنة ومن يوزع الأحكام المطلقة على البشر وكأنهم وكلاء الله على الأرض .

 

 / الخليج/ 22/01/2015

 

 

22.01.2015

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

22.01.2015  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org