<%@ Language=JavaScript %>   المبادرة الوطنية الأردنية التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات/ الحلقة الرابعة / التراكم المعرفي

 

 

 

التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات

 

/ الحلقة الرابعة / التراكم المعرفي

 

 

 المبادرة الوطنية الأردنية

 

 

25/1/2015

التراكم المعرفي :

قفز الأردن منذ منتصف القرن المنصرم وحتى الآن قفزات هائلة في المجال المعرفي، حيث حدثت طفرة هائلة في مجال التعليم، بعدما أقرتّ مجانية التعليم في عهد الملك طلال، ووصلت إلى مستوى عالمي مرموق، فأصبحت نسبة الأمية لا تتجاوز(10%)، ونسبة حاملي الشهادات الأكاديمية والتطبـيقية (أي دبلوم متوسط فما فوق)، حوالي (18%) من تعداد السكان، وهذه من النسب العالية عالمياً. وظهرت كفاءات أكاديمية وفنية عالية المستوى، وظهرت ثلة من المثقفين المبدعين الذين قدموا إضافات نوعية على الصعيد الثقافي، الأدبي والفني، وفي مجالات متعددة أخرى.

إلا أن المأزق الحقيقي الذي تعيشه المعرفة في البلاد، بشقّيها التقني والثقافي، يتمثّل في نهج مجموعة التبعية الحاكمة القائم على اعتبار القوى العاملة في هذا المجال، سلعة للتصدير، وخاصة لدول الخليج، باعتبارها قوى لإنتاج تحويلات المغتربين. وهنا تكمن الخطيئة، فهذه القوى هي في الواقع العنصر الأهمّ في مشروع التنمية الوطني، حيث الإنسان هو القوة الفاعلة المنتجة لجل العناصر الأخرى المكونة لخطط التنمية، ودورها في التنمية الوطنية يحقق مردود بأضعاف المضاعفة عما يسمى تحويلات المغتربين.

 

تظهر الحقائق التالية عجز القيادة السياسية في توظيف هذه الطاقة الحاملة لمشاريع التنمية، من خلال:

1.    غياب خطط التنمية الوطنية الحقيقية المنتجة، وما هو قائم وسائد إنما هو "نطنطة" وشطحات في إطار العصف الذهني، لمجموعة معزولة عن واقع البلد.

2.    تغييب شبه تام لإنتاج معرفة مرتبطة عضوياً، بمتطلّبات خطط تنموية وطنية حقيقية.

3.    تغييب واسع لمراكز أبحاث وتطوير علمية وطنية تساهم في صياغة الخطط التنموية الوطنية.

4.    تغييب شبه كامل لدور الكفاءات الوطنية في تشخيص الواقع، وتغييب دورها في وضع حلول وطنية للمشاكل الحقيقية ألتي تعاني منها البلاد.

5.     إعتماد نهج إستيراد الحلول الجاهزة، من خارج الواقع الأردني وبيئته، حيث ثبت فشلها الذريع في كافة المجالات، بدءًا بوصفات الصندوق والبنك الدوليين على الصعيد الاقتصادي، مرورا بفشل الحلول الجاهزة في قطاع المياه، حيث الأزمة المائية تتفاقم مع التمادي في تطبيق تلك الحلول، وانتهاء باعتماد حلول رفع الدعم، المولّد حتما لإنفجارات شعبية غير معروفة العواقب، في ظل غياب البديل الوطني.، وهو ما نشهده على صعيد العالم العربي اليوم، من مصر إلى ليبيا إلى اليمن والعراق وسوريا...الخ.

 

التراكم الإجتماعي – السياسي:

بقيت التركيبة الإجتماعية للمجتمع الأردني منذ بدء تشكّل الدولة الأردنية الحديثة عام (1921) على بدائيتها حتى الستينيات من القرن الماضي، فكان المجتمع ينقسم إلى فئتين: فئة البدو وفئة الحضر، تعتمد كل فئة على نمط إنتاج بدائي، الفئة الأولى تعتمد على الإنتاج الرعـوي والزراعي البدائي، بينما تعتمد الفئة الثانية على تجارة التجزئة والعمل الحرفي والإنتاج الزراعي. ونتيجة لقلة المراعي، نتيجة لغياب خطط التنمية بما فيها تنمية المراعي، كانت فئة البدو تغير على المواقع الزراعية لفئة الحضر، مما أنتج حالة من العداوة بين هاتين الفئتين، لا بل عداوات بين مكونات كل فئة أيضا، لم تسمح بتبلور مجتمع حديث، وبالتالي لشعب موحد. وبدوره حدّد نهج إبقاء المجتمع مستهلكاً وغير منتجاً، صيرورة التركيبة الاجتماعية، التي بقيت تراوح مكانها (مرحلة ما قبل انصهار مكونات المجتمع في نسيج مجتمع موحد الهوية)، لأن صيرورة انصهار مكونات المجتمع (الإندماج) لتكوين هوية موحدة (وطنية) أو توحد مكونات الأمة (التكامل) لتشكل هوية الأمة، تستند موضوعياً إلى عملية الإنتقال بالمجتمع من المستهلك إلى المنتج، وهو إلى حدٍّ كبير لم يحدث حتى هذه اللحظة.

 

فالتقدم والتطور (ظاهرياً) في المجتمع والدولة الأردنية قد حصل بفعل "التبعية والوكالة" تبعية القيادة السياسية لقرارات ومصالح مراكز رأسالمال العالمي، ووكالة مجموعات التبعية للشركات الأجنبية في السوق، وتأثيرها بصنع القرار السياسي والاقتصادي والثقافي في البلاد.

 

إستمر صيرورة تقسيم العمل في المجتمع، طيلة هذه الفترة، خاضعاً "لقانون التبعية" وليس "لقانون الإنتاج"، وتبعا لذلك حصلت عملية تمايز مشوّهة للشرائح الإجتماعية في المجتمع الأردني. وفي هذا السياق تولد مصطلح "كافة المنابت والأصول" في الخطاب الإجتماعي الأردني، موصفاً حالة مساكنة لهذه المكوّنات الإجتماعية المختلفة  مع بعضها البعض في هذه البقعة الجغرافية، إعترافاً غير مباشر بوجود مشكلة "الإندماج".

لقد نبهت تداعيات غزو العراق إلى خطورة هذه الحالة، حيث عاد المجتمع العراقي إلى مكوناته البدائية، الطائفية والمذهبية والعرقية، نتيجة لضعف المجتمع المنتج، سمة دول العالم الثالث.

 

ومع الطفرة المالية في بداية السبعينيات من القرن الماضي، نمت وبشكل متسارع فئة الكمبرادور (سماسرة مراكز رأسالمال العالمي)، نمت تبعية السوق، الأشد التصاقاً وخدمة لمصالح مراكز رأسالمال العالمي، والأكثر تأثيراً في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد. وبالرغم من ادعاء هذه الشريحة " الليبرالية والحداثة "، إلا إنها الأشد عداءً لنهج بناء الدولة الوطنية الحديثة، والإقتصاد الوطني المستقل، والهوية الوطنية الواحدة، كون هذه الصيرورة بالذات تتعارض كلياً مع وظيفتها ومع مصالحها. خطورة هذه الفئة تكمن في قدرتها الفائقة على تزييف الوعي، وخير دليل على ذلك نجاحها في جذب قسم غير قليل من اليسار الأردني إلى جانبها، لا بل توظيف هذا "اليسار" في عملية تسويق نهجها بين صفوف الشعب، والمساهمة في بث أوهام التـنمية، من خلال الإنصهار بالسوق الرأسمالي العالمي، وعبّد الطريق للمصارف والشركات العملاقة لالتهام السوق الاردني بما فيه البشر.

تعمل هذه الفئة (مجموعة التبعية الجديدة) ومثيلاتها في العالم الثالث بهمة عالية على تنفيذ كل بنود "توافقات واشنطن"، التي وسعت الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وأشرفت على توليد عصابات مالية وعصابات المال السياسي والعصابات الإجتماعية، وعملت بشكل ممنهج على تدمير الأحزاب الوطنية وتشويه برامجها. بينما ساهمت مثيلاتها في العراق وأفغانستان وأخيراً سوريا في المشاركة في عمليات الغزو الإمبريالي العسكري لبلادها،  (و نلاحظ في كل هذه الحالات تحالف الحركة الإسلامية مع اللبرالية الجديدة. أليس هذا تعبيراً حقيقياً عن تلاقي المصالح المادية لكل من الفئتين).

بقي النظام السياسي في البلاد، نظاما ريعياً - أبوياً، غير ديموقراطي. إنه نظام نيابي- دستوري صوري، ذو بنية وظيفية، لا يسمح بطبيعته هذه من ممارسة فعل فصل السلطات الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، إذ إن مبدأ فصل السلطات هو أحد الأسس الرئيسة لبناء الدولة الوطنية الحديثة، وهو ما يتـناقض مع بنية الدولة الوظيفية التابعة. الدولة الوظيفية تصر على تـغـوّل السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وتعتمد أسلوب الفساد والإفساد إستراتجية للحكم، وشراء الذمم والمحاسيب لتكوين قاعدة اجتماعية لها. وهذه عوامل تتناقض مع امكانية بناء إدارة كفوءة لمؤسسات الدولة والمجتمع، ولا تسمح ببناء نظام ديموقراطي، فينعكس هذا الواقع بالضرورة على طبيعة العلاقة بين النظام السياسي الحاكم وبين النظام الحزبي ومنظمات المجتمع الوطنية، تلك العلاقة، التي تتميز بتناقض ينتج معادلة "القمع - الاستعمال"، فتقمع الأحزاب ومنظمات المجتمع أحياناً، ويتم استعمالها أحيانا أخرى في حالات محددة ولأغراض محددة. ويبدو أن القيادة السياسية تجيد هذه المعادلة "القمعية - الاستعمالية" وتحقق نجاحات في الكثير من الأحيان. ويساعد الواقع الطبقي المشوّه في استجابة معظم هذه الاحزاب ومنظمات المجتمع، لهذه المعادلة، كون هذه الاحزاب تعبيراً عن شرائح إجتماعية مشوّهة.

 

ترتبط ظاهرة نشوء الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، مع مرحلة الإنتقال من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الرأسمالي الحديث في الدول المتقدمة، حيث صيرورة التمايز الطبقي والشرائح الإجتماعية تتم بطريقة طبيعية. وتدفع الضرورة الطبقات والشرائح لإنشاء أحزاب تمثلها وتدافع عن مصالحها، فتتشكّل الأحزاب تلبية لهذه الحاجة. أما على صعيد الشعوب المستعمرة والدول النامية، فإن مهمات مرحلة التحرر الوطني، تشكل الضرورة الموضوعية لنشوء حركة تحرر وطني، لإنجاز ما تبقى من مهمات المرحلة، وفي هذا السياق تمايزت وتنوّعت مواقف الأحزاب السياسية المكونه لحركة التحرر الوطني، فكراً ونهجاً وممارسة، بناءً على موقفها من: متلازمة التحرر الوطني والتحرر الإجتماعي.

 

يتبع

 

28.01.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

28.01.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org