<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن المشكلة في الطريدة، وليست في المصيدة

 

 

المشكلة في الطريدة، وليست في المصيدة

 

 

حمزة الحسن

 

يقال في الأمثال العراقية إن الطير الحذر ـــ النجر ــــ يُصطاد من منقاره،
المشكلة ليست في المصيدة،
بل في عقل الطريدة.

مرة أخرى يقع الحشد الشعبي في المصيدة،
ويعلن" تعليق" العمليات من دون ذكر الاسباب،
وهي على الأرجح بسبب ارسال مستشارين أمريكيين الى العراق.

من المؤسف ان العقل السياسي العراقي يحتاج ــــ كم يحتاج؟ ـــ الى سنوات اضافية من الدم والخراب لكي يصل الى التمييز بين المصالح وبين مبادئ السياسة، وان يحدد الفارق الضيق جدا والواسع جدا بين الدفاع عن الوطن في زمن صعب،
وبين الدفاع عن المبادئ التي هي في النهاية مواقف تتحمل الكثير من القراءات والتأملات والمرونة ووضع الاولويات.

قرار التعليق هو حلم أمريكي وخليجي ومن قوى محلية مأجورة تقدمه قيادة الحشد الشعبي على طبق من ذهب بلا مقابل غير تحقيق كل الأهداف الأمريكية.

هم استطاعوا معرفة كيف نفكر،
وفي أي نقطة حساسة نخرج عن الطور والعقل،
ونقع في الفخاخ المنجورة بسهولة وفخر أيضاً،
لكننا لم نعرف كيف يفكرون:

على قيادة الحشد الشعبي الوطني ان تعيد النظر في قرار تعليق العمليات العسكرية لتحرير الانبار،
قبل أن يتحول هذا التعليق الى كارثة وشيكة،
خاصة وان الشتاء على الابواب،
وان هامش الوقت يضيق وقد ترحل المعارك الى عام قادم مع ما يتبع ذلك من تحولات ومفاجات واحداث غير متوقعة.

اما اذا كان الهدف من قرار التعليق هو الضغط على العبادي،
فظهر الرجل لا يتحمل المزيد،
وكل ما تبقى من خيار أمامه، من عالمه القديم وشخصية رجل المبادئ والعمل السري،
هو طلب عقد جلسة عاجلة للبرلمان الكشكولي،
وشرح الاسباب والظروف،
ثم العودة الى البيت ،
ويقوم ياطلاق النار على نفسه في المرآة،
عندها سيسقط 320 فأر في الغرفة ــــ عدد أعضاء البرلمان.

العبادي يريد ان يلعب مع الجميع ويكسب من الجميع،
ويتصرف كسياسي داهية ومرن،
فهو مع الحشد الشعبي قلباً وقالباً،
ومع الولايات المتحدة أيضاً،
ومع الأحزاب الحاكمة ومع العشائر،
لكن الرقص مع التماسيح في الوحل مغامرة مجنونة،
ولا يخرج من هذه اللعبة سالماً إلا من كان قادراً على السباحة في الوحل،
وحاملاً سلاح الفتك،
وظهره محمياً،
والعبادي في العراء بلا قدرة ولا سلاح ولا دولة مركزية ولا مؤسسات ولا استقرار أمني أو سياسي،
وخصومه يتكاثرون، وكلما نقصوا، أضافت الولايات المتحدة خصوماً جدداً، لكي يظل الرجل "قاصرا" بلا ناصر ولا معين غيرها،
وهو الاسلوب الأمريكي التقليدي في صناعة الزعماء تحت الهيمنة،
كما ان الخزينة خاوية، والقوى المتحالفة في الشكل،
تقود جيوشاً تمتلك ما لا تمتلكه الجيوش العادية،
والرجل غير قادر على قيادة فرقة بزازين، قطط، في الليل، بلا أوامر من " قصر" كافكا الذي يقبع فيه السفير ستيوارت.

العبادي يتصرف في الحكم كما في مشهد الجلوس خلف الرئيس الامريكي في الحديقة كما لو ان السياسة تدار بعقلية مضايف أو دواوين او جلسات تعارف،
أو لقاء تكايا أو مواكب عزاء أو خيم مآتم.

ليس هذا فن السياسة اليوم وليس العبادي نفسه مؤهلا للرقص بين الثعابين او التماسيح أو حتى الأرانب المسلحة بالمخالب.

لكي ترقص مع هؤلاء، وتكسب منهم، تحتاج الى مخالب وسلاح وأتباع وفرق عسكرية موالية محترفة والى فائض من المال والقوة الاقتصادية،
والى بلد مستقر وآمن ومؤسسات راسخة وتقاليد ديمقراطية في التداول،
والى محكمة عليا مستقلة،
ونخب ادب وثقافة واعلام بتقاليد وطنية وثقافية رصينة وحقوق وضمانات مثبتة في قوانين وليس مكرمات،
والى شعب يعيش في ضمان مالي وصحي وسكني وشوارع نظيفة:
عندها يمكن" اللعب" مع الجميع والكسب أيضاً،
لأن هيبة الحاكم ليست في المؤهلات الشخصية فحسب،
بل في عناصر القوة في الدولة ــــ مؤسسة خدمات ـــ وفي السلطة كمؤسسة سياسية قابلة للتداول.

ليس هذا وضع العراق وليس هذه مؤهلات العبادي الذي قد يكون من جيل تربى على ان مشاكل الحياة تحل ببوس اللحى والترضيات والعناق الاخوي وجبر الخواطر.

ربما كان يمكن أن يحدث هذا في منتصف القرن الماضي،
لكننا اليوم في زمن تحول فيه الجميع الى شياطين تحت قناع الملائكة،
حتى الاطفال الرضع لا يبولون في الحفاظات ـــ إن وجدت ــــ الا من أجل الحصول على مكاسب سياسية وحزبية وعائلية وقبلية،
حتى الموتى لا يموتون موتاً حقيقياً،
بل يستيقظون في مغاسل الموتى ضاحكين من نقاط التفتيش.

قرار تعليق العمل المسلح اذا كان بسبب "الاستفزاز" الأمريكي المقصود وتوقيت الاعلان عنه قبل الشروع بتحرير الانبار،
فهو قرار مهلك اذا تحول الى قرار قطعي،
بل حتى اذا تم التراجع عنه في وقت آخر،
لأن مياهاً كثيرة ستجري خلال هذا الوقت،
مع ان السفارة الأمريكية هي بنتاغون صغير،
والعراق قبل المستشارين منقوص السيادة والقرارات المركزية الكبرى تتخذ خارج الانظار المنهمكة في شؤون يومية ملحة.

اذا كانت حملة غوغائية عن سرقة ثلاجات قد أدخلتنا في حالة دفاعية لا تعكس ثقة واضحة بالنفس،
فتصريح واحد من البيت الابيض عن ارسال مستشارين " علّق" قرار تحرير الانبار والعراق،
فهل هذه طريقة العقل القيادي الذي يصنع استراتيجيات مصيرية؟

العبادي يريد أن يلعب ويكسب من الجميع وينال رضاهم،
وهي مهمة مستحيلة لأن هؤلاء تجمع مصالح ودول وولاءات ومصارف وقوى وأهداف متعادية عداءً جوهرياً،
والحشد الشعبي يريد حرباً بلا تدخل عسكري أمريكي،
مع ان العراق مازال محتل القرار والسيادة والارادة من قبل الولايات المتحدة ودول الجوار.

هل نجحت لعبة القوى الكبرى والمحلية في قلب الطاولة في الحرب كما في السياسة؟
لكن هذه المرة بلا أسطورة" الثلاجات"،
بل بسبب تقليد متوارث وراسخ في العقل السياسي العراقي،
وغير السياسي أيضاً،
هو القابلية للاستفزاز،
آفة العقل المغلق الذي يرى العالم من منظار قنص،
دون ان يرى الفرص المخفية ومساحات الأمل الشاسعة المُنتظرة.

 

حمزة الحسن

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10153032458912266

 

تاريخ النشر

11.06.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

11.06.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org