<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن ترويض الوطنية

 

 

ترويض الوطنية

 

 

حمزة الحسن

 

أكثر دول العالم خوفاً ورهبة من الحملات الاعلامية هو العراق،
مع انه أكثر دول العالم تعرضاً لانتهاك دولي واقليمي ومحلي،
وتستطيع قنوات مأجورة أن تقوم مقام الجيوش،
وتفرض واقعاً حربياً وسياسياً ،
من دون رصاصة واحدة.

كيف خضع الحشد الشعبي للحملات الاعلامية العربية خاصة والعالمية عامة؟
تقوم وسائل الاعلام بدور استخباراتي وحربي ولم تعد المهمة نقل حقائق الى الجمهور،
بل كيفية التحكم به،
والتحكم بالجمهور العام، من دون عنف مباشر، يشل الطاقة ويخلق قناعات ملفقة ، تتحول مع الوقت والتكرار والتقنية الى حقائق صلبة.

قبل السقوط العسكري المسلح للانبار،
سقطت عبر وسائل الاعلام،
من خلال حملة منظمة مدروسة ضد الحشد الشعبي،
تمت الاستجابة لها من قبل السلطة وهو أمر متوقع وغير مستغرب،
لأن النظام الخائف ــــ من فضائح كثيرة ـــ يخاف من كل شيء،
من الاعلان ومن الخبر والمقابلة ومن الوثائق.

ألم يطالب معاوية بن ابي سفيان بطرد ابو ذر الغفاري من الشام مع انه كان يتباهى ويتبختر امام جيوش الامبراطورية الرومانية،
لأن الثائر أبو جندب الأعزل من السلاح كان يمر كل فجر تحت قصره وهو يردد الاية " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم"؟

السلطة الخائفة هشة وضعيفة وتخاف من صوت واحد مجرد من القوة،
لكنها خبيرة في التسويات.

المستغرب وغير المتوقع ان يستجيب الحشد الشعبي لهذا الترويض الناعم
(من مفاهيم علم الاجتماع السياسي عكس الترويض الخشن كالتعذيب والخ)، المستعمل مع السلطة منذ الاحتلال وحتى اليوم،
فعندما لا تخضع في بعض المواقف لشروط قهرية خارجية،
يتم تحريك وسائل الاعلام عبر حملات صاخبة منظمة مستمرة،
وعندها تتراجع عن كثير من المواقف،
ومراجعة دقيقة لسجل التراجع يكشف عن فضيحة تتصف بأسوأ حالات الجبن،
تتلخص في ان السلطة العراقية تخضع لوسائل الاعلام المأجورة ـــ ترفض سماع الاصوات النزيهة في سلوك ارتكاسي منحرف ـــــ وتخافها أكثر مما تخضع للارادة الوطنية وتخاف من الناس،
مما شجع هذه القنوات على المضي أبعد في حملات شرسة،
لأنها خبرت النتائج،
وعرفت نقطة القتل في هذه السلطة.

ليس هناك دولة في العالم تتعرض لكل أنواع الهتك والسبي والتخريب كالعراق،
في حين ان دول العالم تقطع علاقات أو تحتج أو تستدعي سفراء من مجرد تصريحات سياسية،
أو تعرض أحد السياح الى مضايقات في مطار او ساحل او مركز شرطة،
إلا هذه الحكومة فهو تستجدي عطف دول الجوار التي أوغلت في ذبح العراقيين حتى اليوم،
فكيف تحترم هذه الدول المارقة شعب العراق وسلطته أمام هذا الاذلال والركوع والخضوع المستمر؟

علينا تعلم الدرس ـــ مع اننا لا نتعلم لا من دروس الدم ولا دروس التاريخ ــــ من الأزمة الحالية بين مشيخة قطر الارهابية وبين حزب الجبهة الوطنية الفرنسي:
إحتجت هذه المشيخة ضد تصريحات نائب فرنسي يتهم قطر بدعم الارهاب،
وقررت رفع دعوى قضائية ضده ــــ من مجرد تصريح وهو تمارسه ضدنا كل يوم ـــ فماذا كان الجواب الفرنسي؟

أعلنت مارين لوبان زعيمة الجبهة انها ستقوم بدعوى مضادة ضد قطر" قطر الخزانة" وهو التعبير الفرنسي الشائع عن هذه المشيخة لأنها صراف أرهاب،
وقالت :
"اننا نمتلك الادلة القاطعة الصادرة من الاستخبارات الفرنسية عن تورط قطر في دعم الارهاب،
وسنظهرها للعدالة".

هذا هو الموقف المسؤول من الشعوب الحية عندما تتعرض كرامتها الوطنية للخدش بكلمة،
وليس الصمت وتسول المواقف من القتلة رغم بحيرات الدم،
بصرف النظر عن مواقفنا من حزب الجبهة الوطنية،
لأننا في هذه القضية أمام مثال يستحق الاحترام في الشجاعة وفي مواجهة الدول الداعمة والخالقة للارهاب.

كان على الحشد الشعبي أن لا يقع في مصيدة" الترويض الناعم"،
ويمارس دوره الحقيقي والوطني حسب ظروف الوطن،
وهو دور مطلوب اليوم أكثر من السابق بعد ان صار ثمن هذا الترويض واضحاً.

والترويض الناعم عبر وسائل الاعلام سياسة اعلامية ليست جديدة موجهة ضد الدول والشعوب غير الخاضعة للهيمنة:
تم ترويض الدكتاتور السابق من خلال التكرار الكاذب ان الجيش العراقي أقوى خامس جيوش العالم،
وفي تقارير اسرائيلية بعد الاحتلال ظهر ان هذه المقولة كانت مدبرة لدفعه نحو قرارات مهلكة كما حدث،
وبلع هو هذه الاكذوبة بالتكرار والطيش.

علينا التسليم بشكل مطلق ان الويلات المتحدة والغرب الحاكم يريد ان تكون هذه الحرب طويلة،
لأنه يجني مكاسب سياسية واقتصادية،
ولأنها لا تطرق أبوابه الداخلية.

الحرب مع داعش لا تحتاج الى تبرير وايديولوجيا وفلسفة،
كما لا يحتاج التمساح أو أبو الجعل أو الغراب الى سماع اغاني السيد درويش لكي يدافع عن نفسه أمام تهديد مباشر وقاتل،
ولا يحتاج العصفور الى قراءة التاريخ ودروس الوطنية،
الدفاع عن الحياة لا يحتاج الى جدل فارغ عن الدين والمذاهب والسياسة والاختلاف والاسباب والاخلاق والحق والباطل،
لأننا أمام عدو متوحش وداهم وسافر وأكثر الوحوش وضوحاً.

هناك معارك كثيرة قادمة،
وحملات ضد الحشد الوطني العراقي ستتكرر بصورة أقوى وأشد،
ويقتضي الذكاء في الأقل،
وحماية الحياة والأرض والسيادة والمستقبل،
أن يتم التعامل معها باحتقار تام وازدراء بلا وضع النفس في حالة دفاعية ،
ومن دون حاجة لتبرير الافعال والمواقف،
بل المضي الى الأمام بارادة راسخة،
لأن النصر العسكري أفضل من كل وسائل الدعاية،
وعندها فقط سيحترمنا العالم،
عندما نحترم أنفسنا،
أو نحترم الحياة فينا في الأقل.

 

حمزة الحسن

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10153017485872266

 

تاريخ النشر

05.06.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

05.06.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org