<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن هذه السلطة تليق بنا

 

 

هذه السلطة تليق بنا

 

 

حمزة الحسن

 

 

السلطة التي لا تحترم أو تحترس او تخاف من الناس،
أخطر من الذئب المسعور، تفعل ما تشاء.

اذا كانت السلطة لا تجد شعباً يحاسبها لا على السرقة،
ولا على الهزيمة، ولا على القرارات، ولا على المجازر، ولا النفايات ولا الصحة والسكن،
لا عندما تسقط المدن أو عندما يسقط القانون،
من حق هذه السلطة بالمعنى الواسع للسلطة ان تحتقر مواطنيها،
وتتركهم عرضة للقتل واللصوص والشركات والمافيات وكازينوهات القمار والسياسة.

اذا كانت السلطة تجد الناس يرتدون ثياب الهزيمة في احتفالات النصر،
أو ثياب النصر في احتفالات الهزيمة،
واذا كانت تجد الناس يضحكون في المجزرة كما في ملهى،
ويشتمونها ليل نهار اذا تقدمت أو تراجعت،
اذا انتصرت او انهزمت،
اذا افلست او نامت او سرقت،
اذا وعدت واخلفت،
واذا لم تعد ولم تخلف ولم تفعل شيئاً،
اذا كانت قادرة على مسح المذابح بخطاب او جلسة برلمان أقرب الى السيرك،
كما لو ان الدم هو غائط،
وخطابات الساسة مناديل تشطيف،
اذا كان رجل السلطة يسافر والمدن محاصرة،
ويقيم في فنادق او يتعاقد مع دول ومافيات وشركات ومجالس شيوخ،
ويطالب باسلحة ثقيلة وخفيفة ومستشارين وقوات خاصة من اجل طموحه الخاص،
اذا كان يقترح على الدول والعصابات ومشاهدي العالم وصالاته ومؤسساته ان يكون شكل الوطن على صورته هو،
بشع للغاية ومشرذم للغاية ومقسم للغاية.

كل ذلك وغير ذلك والجمهور العام مشغول بكرة القدم والثريد وصور الازهار وحفلات التخوين والردح للمختلف في الرأي وغير الشبيه والذي يفكر لحسابه الخاص،
ومطاردة ومحو ولعن وتشويه كل من لا سلطة له،
وخارج القرار والمشاركة والمسؤولية،
بل كل من يحاول اعادة لصق هذا الوطن الذي يتمزق علناً كغزال بين انياب وحوش.

اذا كنا نبيع المراجل والسياسة والعلم والفهم ونحشد الذكاء والاتباع ونحرض الملل والنحل والجيران والرفاق وباعة الفرارات والاوطان ضد المختلف في الرأي والعقيدة والحياة والرؤية،
فلماذا تختفي هذه الهمة والسعار والحماس والكلبية ضد من صاروا يطرقون غرف النوم بالسكاكين والسيوف وصنعوا هذا الوطن على صورهم شاحبا كصحراء ميتة بلا طير ولا نباتات برية ولا حتى السراب؟

لماذا الهرب من مواجهة من يحكمون ومن يقتلون ومن يسرقون الى مواجهة من لا سلطة لهم ولا وطن ولا سرير نوم ولا خيمة ولا صوت ولا حلم ،
في سلوك جبان بكل معايير العالم؟

ظاهرة ثنائية الجبن والغطرسة تحدث عنها المفكر فرانز فانون التي تتواجد في اقفاص القرود، وبالطبع بين سجناء الجرائم للاستحواذ على سلطة السجن وسلطة الحارة والمقهى والبار والشارع:
القرود الكبيرة لكي ترعب بعضها في الصراع على سلطة القفص تتحاشى المواجهة خوفاً أو جبناً،
لكنها تنتقم من القرود الصغيرة،
في أقذر سلوك انتقائي سيمارسه ضحايا الامس بعد الانتقال الى السلطة في تحاشي العدو القوي الى ضحية ضعيفة بلا قوة من اجل التنفيس واثبات هيبة وهمية وشجاعة زائفة.

في حين يسرح ويمرح جنرالات التتن والمعدة والحزام بالاوسمة بعد الهروب من ساحات المعارك،
وترك الجنود والناس للذبح والتقطيع والاذلال،
بلا حساب ولا عقاب ولا سؤال وهو أمر لا يحدث حتى في عالم النمل،
ويسرح ويمرح نواب التهريج والسيرك في دول وشواطئ وبلاجات وبرلمانات العالم،
وفنادقه ومسابحه،
اذا كان هذا هو جمهور السلطة وشعبها،
من حقها ان تحتقره ولا تخافه ولا تتحسب له وتتخلى عن المدن كما تخلى من قبلها عن سراويلهم العسكرية وعبروا جسر الجمهورية عراة أمام قوات المحتل.
خلعوا سراويلهم ومدنهم وشعبهم وشرفهم كما تخلع بنات الهوى السراويل.

اذا كان هذا هو الجمهور، فمن حق أي صرصار سياسي ، ومن حق أي نصاب،
ومن حق أي عصابي متنكر بالحزب والدين والقبيلة والمنظمة والثقافة واللبن والوطنية،
ومن حق أي سائس خيل أو حدائقي في قصور الدكتاتور، او راقص تعرية ، ستربتيز، في مراقص أوروبا أن يصبح ناطقاً رسمياً باسم أحد الأحزاب كما حدث فعلاً،
من حق هؤلاء واشباههم
قيادة هذا الجمهور الى المحرقة والسحق،
وأن يتفرعنوا من الصمت والخنوع،
لأننا لا نعيش في وطن بل في كازينو قمار،
الشريف فيها من يملك المال والقوة والسلاح والاتباع.

لماذا من في السلطة من نساء ورجال شياطين ونحن ملائكة مع اننا خرجنا من رحم تاريخ مسدود وثقافة مغلقة ولغة لا تقول بل تجتر؟

بدل قطيعة فكرية منهجية مع الماضي، عدنا الى قطع الرؤوس،
بدل اعادة النظر في المرويات الشفوية المرتجلة من التاريخ البعيد والقريب،
شوهنا الحاضر،
بدل التفكير في المستقبل نريد العودة الى السلف الصالح،
بدل تغيير السلطة الاجتماعية نريد تغيير السلطة السياسية،
مع ان السلطة السياسية انعكاس ومرآة وصورة مجسمة للبنى الاجتماعية.
لذلك نعيد انتاج القمع:
فكرة الانقلابية كلفت الكثير من الكوارث المستمرة،
لأن القصور الحاكمة ومؤسساتها وعقولها لم تكن قادمة من كواكب أخرى،
بل من قلب النظام الاجتماعي.

هل نسينا ان الدكتاتور السابق كان يروي لنا، من باب التشفي او الشفاء، سنوات عبر الشاشات ذكرياته الحزينة ويعرض علينا جروحه النفسية وخيباته التي حولها الى صورة وطن؟
وماذا سنفعل بخمسة ملايين طفل يتيم ومشرد اليوم غير اننا أمام خمسة ملايين دكتاتور وقاتل ولص ومجرم مُقترح في الطريق؟

من حق هذه النظم ان تبيع الخرافة كحقيقة،
وتبيع الأسطورة على انها الواقع الوحيد،
ومن حق أي محتال في السياسة والادب والدين والبرلمان أن يبيع نبات الخريط الجنوبي على انه من فصيلة عشبة خلود كلكامش،
ومن حقه ان يقترح علينا ان نسمي العوسج البري حيواناً برياً،
ويستطيع أي نفاج ومعتوه أن يعقد مؤتمراً للصوص متأخرين تحت عنوان" مؤتمر انقاذ وطني" للسطو المستقبلي على ما تبقى من اسلاب وهياكل خاوية تمشي في شوارع فارغة من الحياة ومملوءة برائحة الموت،
أو مؤتمر مصالحة ، كغطاء، بين القاتل والقتيل، والسكين والرقبة،
بل يستطيع دجال ان يقنع شرائح من الناس ان ضرب الرأس بالأحذية من شروط الوفاء للرموز ومن مستلزمات القداسة المشوهة.
لأننا نبلع ونهضم كل شيء الا الحقائق،
واذا هضمنا حقيقة واحدة تتساقط أسناننا كأسنان حمار كولن ويلسون بعد حساء ناعم هو المعتاد على الطعام الصلب:

نحن أمام كارثة وعي تتجاوز السياسة الى الفضيحة الفكرية والعقلية،
لكنها كارثة تغطي نفسها بقشور باهتة من المباهاة والتفاخر الفارغ والغطرسة،
وتموه على صورتها الحقيقية بشعارات وعناوين وبراقع،
والويل لمن يثقب الأقنعة بدبوس.

لا فرق عند هذا النوع من النظم ان تعلن بيانات النصر أو بيانات الهزيمة من أي مكان،
من الحمام أو السرير او قاعة المؤتمرات،
لأن الجمهور نفسه واحد في الحالتين،
ولن يفعل شيئا في الحالتين سوى شتم النظام أو التصفيق له،
أو الذهاب الى النوم او المقهى او الملعب بعد كل مجزرة.

الترويض الناعم،
سياسة المراوغة والخداع والمكر والخطوة خطوة وقريبا نزف لكم البشرى وغيرها من حيل البنتاغون الصغير ـــــ السفارة الامريكية في بغداد ــــ جعلت المواطن أو شبه المواطن او النزيل يُدمن على بلع المسامير والأكاذيب والحيل،
بل ان بقايا هذا المواطن قد درب وعلم السلطة على السرقة وعلى المراوغة وعلى التجاهل،
عندما ظل يشتم بها ليل نهار وهي تسرق وتتقاعس وتنهار وتُهزم،
دون أن يمضي خطوة واحدة أبعد من ذلك،
وهي مكافأة لا تحلم بها أي سلطة في العالم،
حتى خراف المسلخ تتمرد على الذبح من رؤية الدم.

حتى في السماء جرى نقاش وتمرد بين الملائكة،
حتى السماء ، سلطة الكون، حاورت المنحرفين في الارض وارسلت لهم نبياً،
وهو أول تفاوض في التاريح مسجل بين السماء وبين الشاذين،
فلماذا لا يحاور النظام العراقي شعبه وهو اغتنى من فقره،
وسبح في دمه،
وصار قادته زعماءً بعد أن كانوا كائنات مهملة منسية أمية لا تفرق بين حرف الالف ورقبة البعير،
ولا بين فتحة المرحاض وبين المايكرفون؟

ان اي سلطة في العالم ، بتعبير البير كامو، هي كائن بلا ضمير.
السلطة تجمع مصالح وأفكار وعقائد ورغبات وارادات ومؤسسات،
لا يحكمها الضمير بل القانون والرقابة العامة ويقظة الناس،
فكيف اذا كانت هذه المصدات غائبة؟

من حق هذه السلطة الكشكولية والتجمع القسري الذي فرضه الاحتلال بالقوة ان تذهب الى المعارك أو الفنادق او شواطئ السياحة،
أو تذهب لسرقة المال العام والشرف العام من مواطن لا يضع الحرية والعدالة والقانون والسيادة والارض من مستلزمات الشرف إلا ذا مس" الشرف الرفيع"،
او ان يخرج جنرالات الهزيمة بثياب النصر،
لأن الجمهور نفسه لن يفعل شيئاً،
لن يفعل شيئاً،
ففي متحف الشمع تتشابه الصور والاشياء في عيون التماثيل الفارغة.

 

حمزة الحسن

 

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152964939182266

18.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

18.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org