<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " غرف تشريع القتل"

 

 

 

" غرف تشريع القتل"

 

 

حمزة الحسن

 

اذا كانت بعض الدول قد أسست غرف عمليات حربية مشتركة
لادارة الحرب ،
فمن المنطقي ان تكون هناك غرف عمليات اعلامية في الدول الداعمة للحرب،
لتوحيد المفاهيم والمصطلحات،
حسب ايقاع المعارك،
فلا حرب بلا صراع مفاهيم،
ولا معارك تخاض اليوم بلا شاشات ومصطلحات وخداع،
وقد تحسم الشاشات الحرب قبل الحسم المسلح.

مما يؤكد وجود مثل هذه الغرف في ضخ مفاهيم موحدة ومشتركة في وسائل اعلام موجهة ومنضبطة هو وحدة المصطلحات
المستعملة ضد الدول المشتعلة،
ووحدة المفاهيم مؤشر واضح على وحدة مراكز القرار وادارة الحرب النفسية والتلاعب بعقول الناس وليس عرض الحقائق.

على سبيل المثال، هناك من يطالب، كما في برنامج فيصل القاسم الاتجاه المعاكس،
حلقة ماهر شرف الدين وعبد المسيح الشامي،
بابادة العلويين في سوريا بوقاحة لم تعد مستغربة،
بذريعة السيطرة على الحكم أكثر من أربعين سنة،
لكن هؤلاء، في العراق، بعد حكم أكثر من ثلاثين سنة، ومن الحزب نفسه، صاروا في غرف عمليات اعلام ادارة الموت، ضحايا من علويي العراق الطائفيين،
كما لو ان كل فواجع العراق في النظام السابق كانت حكايات مواقد لتخويف الصغار.

اذن المشكلة، حسب هذا المنطق، ليست في من يحكم أطول،
ولا في الطائفية،
بل في الطائفة الحاكمة،
فهي حرام في سوريا،
وحلال في العراق الدكتاتوري والخليج، مثلاً،
حتى لو حكمت الطائفة "المنتقاة" مئات السنوات كما هو حال آل سعود.

في عرف هذه المملكة يتساوى الشيوعي الافغاني والعربي مع الشيعي في التهديد،
كلاهما يجب أن يزول،
لأن النقاء الطائقي المنتج في مصافي الطهر التكفيري لا يسمح بوجود عقائد أخرى،
ايديولوجيا العصابة لا تسمح بالاختلاف والتنافس،
لأن الزمان محجوز وكذلك المكان في الحارات الشعبية وفي السجون وفي الحكم والحانات الرخيصة.

غالبا ما يتم زج النساء والاطفال في عملية صناعة الرأي العام:
اللعب على وتر الجنس والشرف والمقدس في موضوع النساء،
والطفولة والبراءة في موضوع الاطفال،
مع ان حروب المنطقة في التصميم والجوهر ضد كل قيم الشرف وكل المقدسات وهي انتهاك صارخ لبراءة الانسان والحياة.
لكن حتى التعامل مع هذه القضايا يتم بمعايير مزدوجة في حالات الانتهاك والاكراه،
فلا نشاهد في وسائل الاعلام الموجه وغرفه، إلا في حالات عابرة ونادرة، وتحت ضغط شبكات التواصل الاجتماعي لكي لا تسرق دورها، مثل هذه الانتهاكات على يد الجماعات الارهابية المسلحة،
وفي المقابل يتم تضخيم الحوادث الفردية في الطرف الاخر وتسليط الضوء المشع عليها حتى تلوح الانتهاك الوحيد لحقوق الانسان،
مع ان هذا الخداع نفسه من قبل مرتزقة الاعلام هو أحد عناصر هذه الجرائم،
ليس لأنه انتهاك للحقيقة فحسب بل لشرف المثقف نفسه والمصداقية والنزاهة التي لم تعد قيماً محترمة.

الجيوش في العراق وسوريا واليمن وليبيا، في غرف عمليات توحيد المصطلحات وادارة الحرب النفسية والخداع، هي جيوش المالكي ـــ جيش العبادي مؤجل الآن ـــ وجيش بشار وعلي صالح والقذافي،
لكن في السعودية والخليج فهي جيوش تحرس الوطن والحرية والسيادة والكرامة مع ان مثل هذه المصطلحات في هذه الدول لم تعد تقنع حتى الضفادع.

الاحتجاجات الشعبية المشروعة في تلك الدول المضطربة تحولت، فجأة، الى فوضى مسلحة وتشظت المنظمات المسلحة الى العشرات،
وسُرقت المطالب العادلة بل بوغت الناس بسرعة الانتقال الى العنف المسلح،
وندموا على القمع السلطوي مقابل هذا الدمار المنظم والمستمر،
فما قيمة ان تنتصر ثورة في مقبرة؟

تحولت المعركة في هذه الدول، بعد تغيير المسار، من معركة الديمقراطية الى صراع مع الاصولية،
من معركة الحرية الى حرب ضد الارهاب،
لكن هذا " الارهاب" قابل للتعريف والوصف حسب ظروف الحرب ونتائجها:

مرة هو ارهاب النظم الحاكمة ضد الشعب الاعزل،
ومرة اخرى ارهاب منظمات مسلحة متطرفة ضد الجميع،
لكن، حسب غرف توحيد المصطلحات والحرب النفسية، ليس كل المنظمات المسلحة ارهابية ما دامت تقاتل النظم الحاكمة وتقتل الناس في الشوارع،
لكنها قد تصبح ارهابية اذا تجاوزت "الخطوط الحمراء" ولعبت لحسابها الخاص،
او شكلت خطراً على مصالح عليا لدول داعمة في السر والعلن،
اي ان الارهاب لا يعني القتل والسحق الا اذا خرج عن سيطرة الممول.

الارهاب، حسب هذا المنطق، مفهوم مرن قابل لاعادة التعريف والوصف،
حتى لو كان يمارس القتل العام والتكفير والمحو،
شرط ألا يكون ارهابا " غير منضبط "،
هذا الضبط هو الذي يحدد مفهوم الارهاب وليست الممارسة الوحشية .

هجوم بالصواريخ والبراميل والطائرات يُسمى جريمة حرب،
لكن قصف العاصمة بالقنابل بصورة عشوائية،
أو تفجير المفخخات في الشوارع والاماكن العامة يُسمى نقل المعركة الى عرين العدو:
القتل في الحالة الأولى انتقام،
لكنه في الثانية يُسمى "تبدل قواعد اللعبة".

في سراديب الاعلام المركزي الموحد يتحول قتلى الدولة والقوات الساندة الى" خسائر فادحة" لكن خسائر الجماعات الارهابية ليست سوى" فقدان بعض عناصرها في معارك شرسة" والشراسة هنا تلميح مبطن لشجاعة هذه الجماعات،
وجبن قوات الدولة التي يتكدس قتلاها كالاحجار.

محاصرة جنود أو قوات شعبية ملحقة معها في معركة يصبح تنكراً وتخلياً من الدولة لمحاربيها حتى لو تم قبل دقائق أو ساعات،
لكن حصار جماعة او زمرة ارهابية، في هذا النوع من الاعلام المأجور، يصبح تحدياً جدياً وقلعة يصعب أو يستحيل اختراقها او يتم وصفه كحوادث عادية تقع في كل حروب التاريخ،
لأن الفكرة الاصلية خلف هذا الوصف المتناقض ليست في الحصار ذاته،
بل في الموقف من المحاصرين،
كراهيةً أو دعماً.

النزوح الجماعي يخضع لمعايير النفاق نفسها:
فهو ترويع مقصود وتقصير من جانب الدول والقوات الشعبية أو من تصفية حسابات طائفية مقبلة،
لكنه يتحول الى حذر انساني وخوف فطري من" احتمال" اعمال انتقامية لعناصر متعاونة مع النظام من قبل الجماعات المسلحة،
والاحتمال قد يكون وهماً،
لكن الترويع والتقصير حقيقةً:
التصفية الطائفية في الاولى سلوك جماعي مدروس،
لكن" احتمال اعمال انتقامية لعناصر متعاونة" يبدو أمراً مفهوماً ومحدوداً ومشروطاً.

الجريمة ليست في تفخيخ البيوت،
بل في منع الأهالي من دخولها،
في الحالة الأولى عمل مسلح وقائي مشروع،
وفي الثانية سلوك طائفي متوقع.

السطو على ثلاجة أو أثاث منزل من حفنة لصوص جريمة ليست فردية،
بل تقف خلفها دوافع طائفية،
كما لو ان الحرامي يحتاج الى ايديولوجيا لكي يسرق مع انه يسرق منزل العائلة اذا تطلب الامر،
بل مستعد لسرقة هاتف طبيبه الخلوي في غرفة الانعاش،
لكن السطو على السلم الأهلي وحياة الانسان والحرية والكرامة الانسانية وعلى المدن يتحول، في اعلام مركزي منظم، الى " مكاسب جديدة" للجماعات المسلحة واتساع للاراضي المسيطر عليها التي تقارن بدول.

النظام هنا وهناك في معركته ضد الجماعات المسلحة يقتل مدنيين ابرياء لأن هذه هي طبيعة القنابل الطائفية كما بُرمجت في المصانع،
ومن النادر ان يقتل مسلحين كما لو ان هؤلاء يملكون طاقية اخفاء او قدرات سحرية وليسوا مزروعين في المدن والمنازل والحارات،
لكن المسلحين، غالبا، يقتلون مرتزقة وعملاء وجنودا للنظام، حتى لو كان هؤلاء أسرى أو جرحى،
وعندما تتساقط القنابل على رؤوس الناس في الشوارع،
تُسمى هذه الجريمة الطرق على ابواب النظام.

النظام، في غرف الحرب النفسية، يترنح دائماً،
لكن في الواقع ان الناس تتساقط.

قصف الاحياء السكنية في دمشق أو مفخخات بغداد او ضرب صنعاء بالقنابل لا يدخل في تعريف الابادة،
لكن مطاردة المسلحين يُسمى عنفاً وحشياً.

عندما تقوم جيوش هذه الدول باعادة تموضع او انسحاب اضطراري يسمى ذلك، في غرف الاعلام الموحد، هزيمة،
لكن هزائم المسلحين العلنية تُسمى تراجعاً تكتيكياً.

لتتدخل كل جيوش العالم ومرتزقته ومجانينه وقتلته وعصابييه في الحرب ضد المجتمع والدولة،
لكن من يقف مع هذه الدول ومع المجتمع، يوضع تحت خانة التدخل في الشؤون الداخلية،
او الدعم الطائفي،
فالطائفية فقط في خنادق الدول،
أما الطرف الاخر المحارب، الجماعات المسلحة، فهي تنتمي الى عالم ما بعد الحداثة ورفض الهويات والعقل النقدي.

لص هنا او لصوص هناك في جيش او قوات مساندة يُسمى استباحة للمال والحرمات،
لكن هتك الاعراض والحقول والممتلكات والتشريعات القذرة والاتاوات من المسلحين
يُسمى، اذا تذكروه، ادارة المناطق المحررة.

الاطفال ليسوا اطفالاً كما هم، بل يصبحون اطفالاً ابرياء اذا قتلوا في مناطق المسلحين،
في حين اذا عبروا الحد الفاصل بين الخنادق لا يحملون اسماءً ولا براءةً لأن الضفة الاخرى ، في غرف الاعلام المخادع والموحد، تستحق الموت والسحق،
والطفولة مفهوم نسبي لا يحمل صفة ثابتة بل يحددها المكان.

قتل الاسرى العزل جنوداً أم مدنيين يسمى تصفية مرتزقة او موالين،
لكن قتل المرتزقة من كل جهات العالم يصبح انتهاكاً لحقوق الانسان.

حتى السلاح الكيماوي لا يصبح ساماً ومحرماً اذا جاء من المسلحين،
واذا انفضح الامر يتحول الى قضية غامضة بحاجة الى لجان وفحص وتدقيق،
مع ان المخابرات الدولية تعرف المصدر قبل وخلال وبعد التنفيذ.

هجوم حوثي او جيش دولة او حزب الله او الحشد الشعبي العراقي يُسمى هجوم قوى طائفية،
لكن هجوم التركي والافغاني والصيني والقرغيزي والشيشاني يُسمى هجوم المسلحين على مراكز النظام او القوى الطائفية.

هنا تمحي هوية المسلحين في سديم اعلامي،
لكنها تلوح صارخة في الطرف الآخر،
كما لو ان القوى الارهابية المسلحة بكل مبادئ الوحشية والجنون الفالت هي قوى من اجل التحرر والسلام والعدالة،
كما لو ان هؤلاء لا يحملون لوناً طائفياً،
او كأن هذه المسوخ البشرية الخارجة من الكهوف من خريجي السوربون او جامعة أكسفورد أو من طلاب ميشيل فوكو في محاضراته في الكولج فرانس.

في غرف عمليات الاعلام المضلل لا تملك النظم العربية مشروعا للتغيير وحقوق الانسان وبناء دولة مدنية حديثة وهذا صحيح،
لكن لا كلام عما اذا كانت الجماعات المسلحة والدول الداعمة لها تمتلك هذا المشروع،
وقد اختفت فيها الحقوق بل اختفى فيها الانسان كقيمة وشراكة،
ومشروعها الوحيد هو الذبح والقصاص والارهاب والتكفير.

كيف يمكن اسقاط الدول غير الديمقراطية بمشروع تكفيري وبأدوات أسوأ بكثير من أدواتها؟
كيف يمكن تفكيك الباب ، يا كلكامش، بمطرقة منخورة لكي تصنع قارباً؟

لم يعد ، في هذا الاعلام، مشروع بناء الدولة هدفاً،
بل صار الهدف تدميرها.

ما قيمة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان اذا كانت الحياة تُسحق في وضح النهار،
والانسان يُسحق علناً،
ويكاد أن ينقرض كنوع وقيمة؟

ألا يذكرنا هذا التزوير والنفاق بقاموس الاحتلال الامريكي يوم كانت البيوت تُمسح مع الناس تحت قنابل الطائرات او القتل في الشوارع،
والحجة هي: معلومات خاطئة، نيران صديقة، تقاطع نيران، اضرار جانبية؟

هل كبر تلاميذ الاعلام الخليجي على يد مدربيهم وصاروا اساتذة في فن قلب الحقائق؟ أم ان وعينا يظل قابلاً لبلع حتى أكثر الأكاذيب وضوحاً؟
ولماذا ينجح كل مرة مشروع الكذب؟
بسبب ذكاء المرسل؟ أم في نوم وعي المستقبل؟

وأين هو دور نخب الاعلام واهل القلم في تفكيك وتحليل خطاب القتل هذا بدل الانشغال ـــ أو حتى مع الانشغال ــــ بكتابة أقرب الى نشرات الأخبار لا تضيف جديدا،
ولا تنتج معرفة ولا تساعد على رفع اليقظة في قضايا تتعلق بتهديدات الحياة وترك الابرياء يُقتلون تحت اعلام حديث مراوغ ومخادع؟

على اي شيء تدل هذه الوحدة المنضبطة المشتركة في الاعلام الموجه للمفاهيم والمصطلحات؟
أليس هذا هو الهدف من تغيير مسار الاحتجاجات الشعبية العادلة الى قتال انتحاري متبادل ومتنقل؟

ما فائدة سقوط هذا النظام او ذاك،
اذا كان الجميع ينحدر نحو السقوط كصخرة هائلة من قمة جبل لا يوقفها غير الارتطام بالحضيض،
واذا كانت الدول القادمة المفترضة ستؤسس على جثث وحرائق وانقاض،
وحروب اختفى فيها الانسان وظهر الوحش،
ولم يعد الناس أو الناجين منهم مؤقتاً يفرقون، بسبب الخراب، بين الديمقراطية
وبين المشمش؟

 

حمزة الحسن

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152955121627266

 

 

12.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

12.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org