<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " فضيحة خطاب، أم فضيحة عقلية؟"

 

 

" فضيحة خطاب، أم فضيحة عقلية؟"

 

 

حمزة الحسن

 

وقع وليد جنبلاط بيك في فضيحة أمام محكمة الجنايات في لاهاي في قضية مقتل الحريري،
لا تكشف عن جريمة قتل الحريري،
بل جريمة بالمعنى الحرفي لخطاب السياسي العربي،
والعقلية الرثة المسطحة والفكر الغوغائي المرتجل،
عندما يجد نفسه في عالم مختلف،
عالم رجال القانون،
وليس أمام جمهور صارخ وزاعق ومؤيد بلا دليل ولا وثيقة ولا شاهد نفي او اثبات ولا محامي الدفاع ومحامي الضحايا،
هو المعتاد على كيل التهم للاعداء والاصدقاء من فوق المنابر او الساحات العامة.

مشكلة البيك جنبلاط ليست مشكلة شخصية كما تلوح في الظاهر،
ونحن هنا لسنا مع أو ضد كما هو سائد في عقلية الاحتراب والوعي الشقي،
بل بصدد تحليل خطاب السياسة العربي،
وأمام خطاب القانون.

لم يتمكن البيك في كل الجلسات ان يقدم دليلا واحدا يثبت واقعة اغتيال الحريري والجهة المنفذة،
واكتفى بالتصورات والظنون والهواجس والمرويات الشفوية وحركات ونظرات ومزاح الاخرين والتحليلات السياسية المعتادة أمام جمهور عربي مستسلم للحماسة والتزويق اللفظي والحركات البهلوانية بين الحزن وبين المزاح الفج،
حتى ظهر بصورة هزلية تقترب من الفضيحة،
لأن هذه الترهات لا تصلح في المحاكم بل تصلح في عالم السياسة كما فهمها النظام العربي ومعارضته وصارت بديلاً عن التنمية والحداثة وتطوير الحياة والفكر وبناء الديمقراطية وحكم القانون،
نظراً لمردودها الفوري والسريع.

أبعد من ذلك وقع في مأزق وصف اغتيال الحريري بأنه" ضد مصلحة سوريا" وكان ذلك بمهارة وذكاء المحامي ياسر حسن المصري محامي المتهمين،
الذي حشر البيك في زاوية كان من الواضع انه على وشك الاستغاثة.

هل خطاب جنبلاط في محكمة الجنايات الدولية هو خطاب شخص أم عقلية؟
وكم من الاجيال العربية تربت على يد هؤلاء،
وكم من الضحايا أيضاً القتلى أو الذين كان يتم التشهير بهم بلا حساب ولا رقيب ولا مؤسسات قانونية؟

الأهم من ذلك كم من الفرص الثمينة الضائعة في بناء دول عصرية حديثة خارج بذاءات هذا الخطاب الذي حول البيك من شاهد كان يفترض ان يزلزل المحكمة بشهادة موثقة ورصينة،
الى متهم بالتحريض على القتل عندما عرضوا على شاشة أمامه واحدة من خطاباته في ميدان عام وهو يهدد القاتل المفترض ويحرض عليه،
وكان رده الوحيد على سؤال المحامي" هذه حماسة"،
وكان رد المحامي" هذه تسمى حماسة في السياسة لكنها بلغة القانون تحريض"،
ولأن البيك كسمكة وجدت نفسها تسبح خارج محيطها في الرمل،
وصف مقتل الحريري بأنه" ضد مصلحة سوريا"،
ناسفاً تماماً كل ما قاله في السنوات الماضية،
بل وكل ما قاله في المحكمة نفسها في جلسات سابقة.

هل هو مأزق شخص أم مأزق لغة أم هشاشة عقلية كلفت العالم العربي الكثير من الكوارث وستكلف أكثر؟

الفارق بين الاتهام السياسي والقانوني كبير،
واللغة هنا ليست هي هناك،
ومفاهيم الادانة والبراءة والحقيقة تختلف:
الاتهام السياسي مرتجل بلا دليل ولا شهود ولا وثائق ولا فرصة متهم ولا قاعة ولا شرطي أمام الباب ولا قضاة ولا جمهور محايد،
في حين يقوم الاتهام القانوني على توفر تلك الشروط وأكثر.

كانت صورة البيك جنبلاط تعكس لي صور أخرى لسياسيين من الدرجة الأولى والعاشرة،
من الصغار والكبار،
ولو استبدلنا رأس البيك وهو يدلي بشهادته أمام المحكمة ووضعنا صور الساسة العرب، الكبار والصغار،
لما اختلف الأمر،
وكان الخطاب نفسه،
واللغة المسطحة الفارغة نفسها التي دفعت رئيس المحكمة الى محاولات متكررة لاخفاء ابتسامة لا يمكن ان تصدر منه لأنها تعتبر في العرف القانوني تأييداً أو نفياً.

البيك جنبلاط الذي أعد نفسه لمحاكمة قتلة الحريري، وهم يستحقون بلا شك اذا توفر الدليل،
وجد نفسه في ورطة،
ويمكن القول تغيرت صفته من شاهد الى متهم،
لكن الأهم من ذلك ان المحكمة ظهرت وكأنها لمحاكمة هذا النوع من خطابات السياسة،
خطابات الارتجال والخفة والنزق الصبياني أمام جمهور يتبادل الافساد المشترك مع السياسي من خلال الدعم دون المطالبة بالدلائل.

الساسة العرب الكبار والصغار، من كل الأطياف وعبر حقب متوالية،
لا يضعون أقوالهم المتعلقة بالخصوم والاعداء أو بالاصدقاء المنقلبين والمختلفين كقضية شرف،
ولا كنوع من الجمال والشجاعة والرصانة والوعي الباهر،
ومن لا يضع العدالة في مرتبة الحرية والشرف والكرامة الانسانية هو رجل سلطة بالمعنى العميق للسلطة كعقلية حتى لو كان في الجانب المعارض لها،
ومهما منح نفسه من القاب ومزاعم وسيرة ذاتية نضالية،
لأن خطاب السلطة مؤسس على الايذاء والوقيعة والتنكيل والخداع والعقاب والحيازة والملكية والاقصاء والمصلحة،
وليس الهدف هو الحقيقة أو انتاج معرفة.

عندما سأل المحامي البيك: لماذا لم تطلب محاكمة قاتل والدك وانت تعرفه في حين تطالب بمحاكمة قتلة الحريري؟

لم يجد البيك ما يقوله لأنه هنا في مكان مختلف،
وقضاة قد تكلف نزوة منه أمامهم السجن،
وليس هناك الجمهور المعتاد الصاخب والمستسلم والمُلقن على الارتجال،
ولا يستطيع القول ان المصلحة أهم من الحقيقة،
وانه باع الاب من أجل المصلحة،
وتاجر بالحقيقة كقميص من أجلها أيضا.
اخر ما يشغل بال زعماء السياسة العرب وصغارها ايضا البحث عن الحقيقة،
وهؤلاء فرخوا وانتجوا ولقنوا اجيالا تعتبر الشطارة سياسة،
والحيلة ذكاء،
والخفة مبدأً.

المحكمة من دون قصد كشفت للعرب، اذا كان العرب يهتمون بذلك،
ان الذين يحكموننا في السلطة وخارجها هم من الطراز نفسه،
هم صنف أدنى من الحيوانات التي تتمتع بحس اخلاقي صارم،
وباحترام دقيق للحدود التي نحتقرها كل لحظة.

وهذا الشعار الساذج: " نحن ولد الكريه، كلمن يعرف أخيه"،
ألا يعكس الصورة النمطية في تفكير سلطوي
بوليسي مسطح يفتقر للوعي القانوني والحس الحقوقي
ويحتجز الناس في صور وأوهام وحكايات مرتجلة
كما لو انهم اثاث منزل؟

حمزة الحسن

 

 

 

10.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

10.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org