<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن مُلكية المذبحة

 

 

 

مُلكية المذبحة

 

 

حمزة الحسن

 

 

في التقليد السياسي العراقي الغريب ان اليساري، مثلا، يصمت
عندما يتعرض الاسلاميين الى المذابح،
في السجون أو في الشوارع،

وعلى العكس من ذلك،
حين كان الشيوعيون يطاردون مثل صيد الساحرات في اوروبا في القرون الوسطى
ويُقتلون بالبلطات والسكاكين أو في المطاحن عام 1963 وفي غيرها،
كانت الاحزاب الاخرى تصمت.

القاعدة نفسها تشمل كل الاحزاب أيضا:
عندما أفتتح الدكتاتور حكمه المباشر بمذبحة قاعة الخلد في تموز 1979،
كانت الأحزاب الاخرى تعتبر هذه المجزرة قضية حزبية داخلية تتعلق بصراع داخل الفئة الحاكمة،
بل فسرها البعض على ان هذا الصراع داخل نخبة الحكم سيكون منقذا،
من دون ادانة وشجب لهذا السلوك ضد هؤلاء الضحايا الذين لم يمنحوا الفرصة للكلام والدفاع عن النفس،
بل كانوا يدفعون خارج القاعة الى ميادين الموت بعد تعذيب رهيب استعملت فيه مناشير لقطع اليدين،
أو قطع اللسان ــــ محمد عايش، مثلا ــــ الذي دخل في ملاسنة مع الدكتاتور وكان شديد الاعتزاز بكرامته،
بل ان الضحايا تم وضع القطن في اذانهم وغلق افواههم لكي لا يصرخوا بالحقيقة أمام مفارز الاعدام التي تم استحضارها من قواعد الحزب من كل انحاء العراق،
لكي يغرق هؤلاء في الجريمة.

أحد هؤلاء قال لي شخصيا ــــ هو حي حتى اليوم ـــــ انه استغرب من وضع القطن والاشرطة اللاصقة على اذان وافواه الضحايا وشعر، مرغماً، انه يقتل أبرياء.

ان العقلية الانتقائية التي تدين مجزرة وتفرح لأخرى،
لا تقل وحشية عن الجناة من أي طرف ودين وقومية وحزب،
لأن المبدأ الاخلاقي هو رفض المجزرة بصرف النظر عن الاسباب،
لأن الجميع في ما بعد ذهبوا الى المسالخ،
الصامت والشامت والمؤيد.

لا يمكن ان تخضع المجزرة لمبدأ الملكية العقارية لأن الكارثة ستحل وقد حلت بالجميع ولن ينجو منها أحد في يوم ما.

كل شعوب العالم خلدت المجازر بلوحات وانصاب ودراسات وجداريات لكي لا يتكرر ذلك،
لكي لا ننسى، لكي يبقى هذا السلوك الوحشي مداناً على مر العصور.

الفنان الاسباني غويا ــــ 1746 ـــــ 1828 ــــ خلد مذبحة قام بها القائد الفرنسي مورات ضد محتجين اسبان ضد المحتل في لوحة شهيرة" يوم 3 مايو 1808".

الفنان بيكاسيو خلد مذبحة النازيين ضد بلدة غارنيكا في الباسك الاسباني الذين قصفتهم الطائرات الالمانية دعما لفرانكو من قبل هتلر في 26 نيسان 1937 أيام الحرب الاهلية الاسبانية،
وكان عدد القتلى 2456، أي ما يقارب عدد ضحايا مذبحة طلاب الكلية العسكرية في تكريت،
والغارنيكا اللوحة تطوف العالم منذ عشرات السنوات،
وهي تؤطر قاعة مجلس الامن الدولي،
لكنها اختفت خلال جلسة للتصويت على الحرب على العراق عام 2003 لكي لا تتناقض مع مشروع الحرب،
واعيدت في اليوم التالي ــــ دول كبرى تخاف من لوحة عن المذبحة، في حين لا تخاف من ممارستها.

اذا كنا لا نستطيع عقاب القتلة اليوم أو غدا حسب القانون،
فمن الأولى رفض تحويل المجزرة الى عرف وتقليد وعادة عراقية مألوفة لأن ذلك يساهم كما ساهم من قبل في مذابح قادمة.

يجب أن يظل قتلة طلاب الكلية العسكرية
الذين اقتادوا الأسرى العزل الشباب بلا سلاح الى حفرة سموها" حفرة الموت" وقتلوا بوحشية بعد اذلال،
وكان هؤلاء الضحايا أطفالاً أو صبياناً عام 2003 يوم احتل بلدهم من دون ان يشاركوا في قرارات سياسية،
يجب أن يظل القتلة
وكل القتلة مطاردين في كل زمان ومكان لأن هذه الجرائم لا تسقط بتعاقب الزمن،
ليس انتقاما للضحايا فحسب بل وقاية وحماية للأحياء،
لأن هؤلاء الذين مارسوا القتل من قبل وتملصوا من العقاب،
أدمنوا على الجريمة،
وقد ساعدناهم نحن عندما وقعنا في فخ حوارات عقيمة ومخزية عن: هل يستحق الضحايا القتل أم لا؟
وهي حوارات لا مثيل لها في العالم.

لماذا لم تُخلد مذبحة باشتاتان ضد الانصار الشيوعيين الذين كانوا يحتفلون بعيد العمال العالمي في الاول من ايار 1983 عندما انهمر رصاص الطالباني ـــــ صمام الامان والمعتدل كما يوصف ـــــ عليهم من الجبال وكانوا نساءً وشبابا ًومنهم من قتل في الأسر؟

أين هي مذابح الحركة الاسلامية؟ مجزرة قاعة الخلد؟ حلبجة؟ اربعة الاف قرية كردية أزيلت من الارض بجرافات في كويسنجق وحولها؟ تجفيف الاهوار؟ من الفن العراقي المشغول بلوحات المقاهي والنارجيلة وعوانس الشوارع المنتظرات وصناديق الجدات والكهول في الحانات؟

المذبحة ليست فرصة لاستعراض بطولات شخصية لأن العراقيين جميعا عاشوا مجازر كبرى،
بل هي فرصة للتأمل والمراجعة والادانة ايضاً.

من حق الفنان اختيار موضوعه وهذا لا خلاف عليه،
لكن في زمن المذبحة والقتل العاري في الشوارع والبيوت يتطلب الحال موقفاً مختلفاً ومشاركة حقيقية في الفن وفي الفعل وهذه خاصية الفن والادب الاصيل في كل العصور.

هل المشكلة ثقافية وادبية تتعلق بطبيعة تفكير الفنان والمثقف العراقي وهي أزمة مستمرة،
وقد تربى على الثنائيات والادلجة والانحياز العقائدي؟

أم هو التشوه الداخلي الذي حدث عندما صارت المذبحة قاعدة ومُلكية،
والحياة استثناءً؟

 

حمزة الحسن

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152360941572266?fref=nf

 

 

02.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

02.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org