<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " جماليات السجن السعودي"
 

 

" جماليات السجن السعودي"

 

حمزة الحسن

 

نعيش في أوقات غريبة وانقلاب الاشياء،
حتى صارت الرؤوس أحذية وبالعكس،
والأخطر ان المفردات لم تعد نفسها كما ان المفاهيم تغيرت،
وصارت الشجاعة جبناً والجبن شجاعةً،
والقاتل بطلاً والعاشق مجرماً،
واللص ذكياً وشاطراً والنبيل غبياً ...الخ.

عندما تنقلب المقاييس وتتداخل ، حسب عالم الاجتماع المعروف دورنكهايم، تكون الفوضى الشاملة.

مثلاً صار هروب الحاكم العربي من القصر، تحت جنح الظلام،
أو جنح المخابرات الدولية، أو تحت عباءة نسائية مسروقة،
صار هذا الهروب يسمى:"نجاحاً" كما حدث قبل أيام،
عندما" نجح" الرئيس اليمني في "الفرار" من القصر،
وقبله " نجاح" القذافي وبن علي ومبارك في الهروب،
وفي أي شيء ينجح هؤلاء غير الفرار؟

بل بالامس فقط" نجح" وزير الدفاع اليمني في الفرار من الحراسة المشددة على مقره.

لكن أغرب علامات العقل والمنطق في انقلاب المقاييس، بل تشوهها،
هو التقرير الذي كتبه صحافي أمريكي من سجن سعودي.

نشرت صحيفة واشنطن بوست وهي من كبريات الصحف الامريكية تقريرا للصحافي كيفين سوليفان من سجن" الحاير السعودي" خلال زيارته السجن.
فماذا رآى؟

أشار كيفين الى السجن كفندق مريح،
والاساليب حديثة ومبتكرة.

لكن أهم وأخطر ما في الكلام هو وصف هذا الصحافي للسجن بأنه:
" تتوفر فيه الحرية الكاملة"،
ولا ندري لماذا لا يتوفر ربع هذه الحرية في الخارج؟

ورغم ان السجن، يقول، كحصن مطوق من الخارج ـــــ حاله حال الشعب السعودي: ملاحظتنا ــــ لكنه من الداخل " عبارة عن فندق مجهز بكل وسائل الراحة"،
ويمضي في الوصف الشاعري حتى يصف السجن بلغة رومانسية مفرطة كما لو انه يتحدث عن فيلاّّت على ساحل بحري ، ويقول:
" قضبان زنزانات السجن صبغت باللون الارجواني لاضفاء البهجة على المكان...الخ".
على المكان وليس على السجناء لأنه لم يلتق بهم.

من يظن ان الرجل يسخر عليه قراءة نص التقرير المتوفر على منابر كثيرة مزغردة بهذا الانجاز التاريخي.
لكن يضيف:
" امتد بساط أحمر عبر ممر طويل يضم 38 زنزانة خاصة...."،
لم يتحدث عن نزلاء هذه الزنازين وهم من شعراء وادباء ومثقفي المملكة ومن بينهم اصدقاء ،
ولم يتحدث عن عالم هؤلاء في فندق الحاير،
الذين لم يقابلهم لأن الوصف مكرس للصبغ والبساط بل أوغل في الوصف السحري حتى القول ان السجن يوفر للسجناء والزوجات" الشاي والحلوى"،
بل" الخلوة بين الأزواج خمس ساعات".

ولا نعرف كيف تم تحديد الساعات في هذه اللقاءات الحميمة،
فقد تستغرق مشاعر سجين مخصي عقلياً من الرعب والذبح لعشرات الايام والشهور بل السنوات لكي تستيقظ؟
وتعد هذه الساعات مكسباً أمام الدقائق العشر في رواية ماريا بارغاس يوسا" بانتاليون والزائرات" عندما خصص الجيش في الحرب نساءً لترفيه الجنود،
وحصة كل جندي عشر دقائق في طابور طويل منتظر وصارخ،
بكل ملحقات هذه الدقائق بما في ذلك نزع ثياب الحرب التي تستغرق نصف الوقت.

الشاي والحلوى والساعات الخمس عطايا ضخمة في مملكة الترليونات المهدورة على الحروب والانقلابات والملذات والفتن.

وربما وقع الصحافي في غرام السجن عندما قال ان السجن يضم 1100 من المصنفين كإرهابيين على مستوى عال من الخطورة،
ولا ندري، لو كانت المقاييس سليمة واللغة منصفة، ما ذنب هؤلاء الارهابيين الذين رضعوا التلقين الوهابي الارهابي في المهد،
وتكفير المختلف وذهنية الذبح منذ الصغر،
حتى ان اخر استفتاء( أو استفساء؟) في مملكة الحاير يقول ان غالبية الشعب السعودي تعتقد ان ما تقوم به داعش هو صحيح،
وانهم يمثلون الاسلام الحقيقي.
لماذا هؤلاء في السجن والشيوخ والنظام الذي شوههم ورباهم خارجه؟

طبعا من حق هؤلاء تصور ان هذه الوحوش تمثل الاسلام الحقيقي،
وهم كهندوسي كان ليصدم اذا قيل له " لماذا لا تأكل البقرة؟"،
وقد تربى على ذلك.

لكن الصحافي يقول، من دون ان يتساءل عن هذه المصيبة، انه لم يسبق لمنظمة حقوق انسان أو لصحافيين دخول السجن،
وان هذا الشرف حصل له وحده بعد ان تم التأكد تماما من انه سربوت اعلام ومأجور يكتب كما يُطلب منه حرفياً.

يواصل هذا الصحفي الفلتة التجول في سجن الحاير ويكتب متبهجاً: ان حارس سجن رافقه في الزيارة وقال له الحارس: ليس عندنا ما نخفيه.

لكن الصحافي العبقري الذي رأى كل شيء، اللون الارجواني للقضبان والسجادة الحمراء والشاي والحلوى والمستشفى ــــ بعد الجلد ــــ بل أغرب من ذلك زار الجناح المخصص للزيارات العائلية المزين بالورود للسجناء بعد" حسن السلوك"،
بعد التعذيب والتهديد بقطع الرؤوس،
وعادوا الى الفكر الوهابي.
لم يسأل عن المخفيين السجناء؟
كل شيء واضح ومكشوف الا السجناء.

بل ان الحارس زف له بشرى سارة في اننا نريد أن نجعل " المجتمع أفضل وأحسن اسلاماً".
هل يحتاج الامر الى شرح هذه الاستراتيجية أم الى زجاجة نفط على الريق؟
أي ان المجتمع السعودي المنشود هو المطابق لمواصفات سجن الحاير،
اي المجتمع ــــ السجن.
لماذا استعجل ميشيل فوكو وكتب كتابه الكبير" ولادة السجن" قبل زيارة سجن الحاير لكي يكتشف ان السجن عبر التاريخ ليس هو كما درسه،
السجن والمجتمع عندنا مترابطان.
والدخول والخروج من أي منهما الى الآخر يشبه الدخول والخروج من غرف البيت.

لماذا تتوفر هذه الرفاهية المزعومة وكل هذه الحقوق في السجن وليس للشعب السعودي،
وتزول بذلك الحاجة الى السجن والكذب وخوف الزوال يوماً؟

نظام العقاب البربري هذا قائم على نزع السجين من نفسه وغرائزه وعواطفه ومواقفه، ثم بتر علاقته مع أي محيط انساني،
ونفيه من كل صلاته مع العالم الطبيعي في نوع من الاغتراب النفسي المنحرف،
ويقولون بعد اطلاق سراحه ،اذا اطلق سراحه، انه تم" اصلاحه"،
أي صار مطابقا للنسخة الاجتماعية ومؤسسة العقاب.

طيب، اذا كنا نحن ، بعد خطأ جلسة الوزان وضياع الحساب، صرنا نهذي عن رؤوساء ووزراء دفاع ابطال " نجحوا" في الفرار من القصور الرئاسية تاركين خلفهم الغبار،
فماذا جرى لهذا الصحافي الامريكي؟

هل هذا التحقيق بشرى وعلامة للسعوديين بأن الاستراتيجية القادمة التي عبر عنها حارس السجن هي خلق التطابق التام بين السجن والمجتمع،
مع كل هذه اللون الارجواني والسجادة الحمراء والشاي والحلوى؟

اذن ما الحاجة للحرية والقانون والعدالة والحداثة،
اذا كان سجن الحاير صورة مثالية عن مستقبل زاهر؟

لماذا لا تتوجه نخب الادب والفن وأصحاب الأباعر وخيم الصحراء الذين يموتون من الظمأ،
والمال السعودي يجري في الخارج،
في القمار والفنادق الحمراء والارهاب، كالزلال،
الى سجن الحاير قبل فوات الأوان؟

سنكون شاكرين لو ارسلوا لنا شروط الحياة في سجن الحاير،
لكي نقضي حياتنا في مثل هذا الفردوس،
بعد أن نتحمل عذاب الجلد لحظات،
لأن القضبان الارجوانية للزنزانة ستزيل كل شيء،
كل شيء،
بما في ذلك هذه الصفحة.

 

حمزة الحسن

 

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152814062037266?fref=nf

 

23.04.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

23.04.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org