<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن هوية اللص

 

 

هوية اللص

 

 

حمزة الحسن

 

هل يحتاج اللص الى هوية طائفية لكي يسرق؟
أو يقتل أو يخون؟

اللص لا هوية له، لا فردية ولا عامة، وهوية اللص في البيت الفارغ والمحل المغلق والسيارة المتروكة،
والحقيبة المتدلية،
والحائط الواطئ، في الفرصة السانحة،
في الظلام، غياب القانون، وحافظة النقود المتدلية من الجيب الخلفي.

اللصوصية ليست نظرية فكرية أو دينية أو فلسفية،
اللصوصية شكل من أشكال التداعي الاخلاقي الصامت،
لذلك يسرق اللص في غياب الشهود وفي العتمة.

أول ضحايا اللص هويته الانسانية ثم الوطنية،
أول حالة سطو للص على شرفه وكيانه الفردي،
ولو أتيحت له الفرصة لسرق العائلة.

قبل السطو على متجر، اللص يسطو على ذاته،
يلغيها لصالح هوية جديدة لا تؤمن بقيم أو مبدأ او قواعد اخلاقية.

أخلاق اللص في النشل والتشليح وعبور الحيطان،
في النشوة والنجاح والنقود والمظهر.

مرت على العراق موجات من القتل والسحل والسطو على بيوت،
ومحو قرى ومستنقعات،
وسنوات شنق و"حفلات" اعدام الشوارع، وقطع رؤوس وآذان، وانتهاكات أخلاقية في السجون،
والسفر في مروحيات غرف التعذيب الى الغيبوبة والغثيان،
ومذابح وحشية تحت عناوين مختلفة،
لكن أحداً لم يحمل طائفة مسؤولية تلك الجرائم،
بل الاجماع العام كان تحميل النظم الحاكمة.
كانت القيم واضحة والمعايير مستقرة.

متى كان اللص ينتمي الى وطن في اي مكان في العالم؟

هنا في الدول الاسكندنافية شكل الفارون من حروب أهلية ، من لبنان والعراق وكرواتيا وصربيا وسوريا وليبيا، والصومال، والجزائر وافغانستان ومن اوروبا الشرقية بعد الانهيار ، وغيرها من الدول،
عصابات للسرقة وتآلفوا في جماعات بشرية ضاربين عرض الحائط مبادئ الهويات والاصول والاديان والقوميات والحدود والأعراق،
في انسجام اجتماعي من النادر ان يحدث في جماعات سوية،
لأن ما يجمع هؤلاء ليس الهويات المفرقة،
بل ان العدو الرئيس لهؤلاء هو الهويات الأصلية لأنها تردع وتزجر وتعرقل مشاريع التشليح،
وتخفض الى الصفر من متطلبات هؤلاء الكثيرة في السهر والعربدة والحياة المنتقاة على المرام رغم نظام الضمان الاجتماعي الذي يكفل الجميع في السكن والصحة والتعليم والكهرباء والراتب الشهري وغير ذلك.

لا يجمع هؤلاء أي مبدا،
عدا مبدأ الغنيمة والربح والظفر وهو المبدأ نفسه الذي يجعل الدول المارقة تتوحد في تحالفات عسكرية عدوانية.

في واحدة من المرات دخلت مقهى الأوبرا في بيرغن الساحلية، المدينة الجميلة، المفتوحة على البحر والريح والحرية والمصادفات السعيدة ورائحة السمك وقهوة الساحل،
ويقع قبالتها المسرح النرويجي وفي الحديقة تمثال هنريك ابسن الكاتب المسرحي النرويجي الشهير،
فوجدت" محفل اللصوص الأممي" جالسا بكامل جنوده وهيئة أركانه أمام طاولة مستديرة وفي جلسة هادئة لا تتوفر لملوك وزعماء وشعراء ومخلوسين وعصابيين ومصدومين من الحب أو الحرب.

مثل تلك الجلسة لا توحي بخير، وسمعت همساً مسموعا عن " الكاتب " الذي دخل المقهى،
أي ان دخولي المقهى يعتبر انحرافاً حسب معايير هؤلاء،
لأن الكلام سيدور عن القيم والمبادئ وحقوق الانسان،
وغير ذلك من الهراء المزعج لهم.

كان أحدهم قريباً مني في علاقة تجمع بين الصراحة الجارحة ورثاء الذات وكشف سجلات السطو والغارات على محلات الذهب والاحذية : من النادر ان اشتريت حذاءً من خارج المحفل الاممي واحيانا أستلم احذية بسعر التراب لكن المشكلة ان زوجي الحذاء في الغالب، وبدافع السرعة، أما من مقاييس مختلفة أو على قدم واحدة.

أبو الليل ـــ وهو اسمه وقد كتبت عنه في روايتنا: سنوات الحريق ــــ لا يستيقظ الا في الليل، كالخفاش، وخاصة في الصيف،
وعندها تفقد الحدائق الآمنة طمأنينتها،
بل تتصحر اشجار السرو والعشب المشع بالنجوم والحرية،
ويرتفع العويل كدخول ثعلب في قن للدجاج،
ويتحول نوم الشباب والشابات بعد منتصف الليل في الحديقة العامة بعد شتاء طويل، الى كابوس،
لأن" أبو الليل" لا يترك حذاءً منزوعا تحت المصطبة، أو حافظة نقود من الجيب الخلفي بارزة، إلا وصارت غنيمة،
حتى ان شابا نرويجيا كان يستلقي على مصطبة دون أن يكون نائماً،
عندما حاول ابو الليل سحب محفظة النقود،
فرفع الآخر رأسه بهدوء حقيقي وساخر قائلا:
" لا تتعب نفسك. نشلت قبل لحظات. وصاحبك رمى لي المحفظة وفيها بطاقات مصرفية وارقام هواتف وعناوين مشكوراً"،
فأعطاه أبو الليل، من باب الكرم، حسب معايير هؤلاء اللصوص، اجرة الطريق.

عندما دخلت مقهى الأوبرا، نهض ابو الليل من الجماعة وجلس الى جانبي صامتاً. عندما يكون صامتا، أعرف انه يملك سراً.
قال بعد تردد " عندنا ضيف جديد اليوم هو اسرائيلي".

أعرف ان ابو الليل قضى سنوات في سجن عراقي،
وسنوات في المنافي،
ومن المرشح أن يقضي الباقي في مصح عقلي او سجن نرويجي من خمس نجوم،
رغم ان حلمه ان يكون ممثلاً،
وأعرف انه لص الليل،
لكن لم أتخيل ان يكون شريكا لإسرائيلي في السطو.

أي مناقشة عن الهوية وحركات التحرر الوطني واستغلال الناس والاخلاق وفائض القيمة،
ستكون نوعاً من السخرية كموعظة لذئب لكي يكف عن أكل الخراف.

سقطت الهويات والقواعد والاعراق والتقى هؤلاء على هدف واحد،
لأن الهدف الواحد يخلق هوية جديدة هي هوية اللص في مثل هذه الحالة.

لماذا يجب أن نحمل الاعراق والمذاهب والقبائل جرائم حثالات خلال تحرير تكريت وغداً غيرها؟
أين هي المسؤولية الفردية عن الجريمة؟
ماذا لو استعملنا المنطق الانتقائي نفسه وذكّرنا بجرائم كثيرة تلوثت بها بعض المدن والعشائر والجماعات؟

من المستحيل أن يذهب اللص الى ساحة حرب حامية ليسرق.
اللص جبان ويعاني من انهيار البنية العضوية للشخصية لكنه استعراضي فج،
اللص مثل ضبع الجيف يأتي على فريسة جاهزة.

هل يُعقل ان الشخص المكبل والمُعتقل بقيم أخلاقية فاسدة يحرر مدينة من محتل شرس،
وهو عاجز عن تحرير ذاته الأسيرة من هوية بشعة؟

لا تحسبوها على ابناء الاكواخ والارامل واالمفقودين،
أبناء الصمت والشهداء،
لأن إختزال هؤلاء بحفنة أراذل،
مثل من يرمي سلة تفاح كاملة بذريعة تفاحة فاسدة،
العدالة والرؤية الواضحة والحكمة جزء جوهري من الشرف:

عاد اللصوص بالغنائم الى بيوتهم،
لكن أبناء الصمت والعذاب والبسالة في الطريق الطويل الى موت مؤجل:
من تكون غنيمته الأرض والكرامة والسيادة والحرية،
لا يعود بسيارة مسروقة ولا ثلاجة متروكة،
فالأهداف الكبيرة للنفوس الكبيرة.

حمزة الحسن

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152873277117266  

 

04.04.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

04.04.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org