<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " الشجاعة المنسية"

 

 

 

" الشجاعة المنسية"

 

 

حمزة الحسن

 

 

تقول مراسلة CNN في تقريرها المصور اليوم:
" لم أر أكثر شجاعة من العراقيين،
وهم يواجهون عدوا يخاف منه العالم"،

وتضيف" واجهوا داعش وجهاً لوجه،
وقتلوهم واحداً واحداً،
الباقون تركوا سلاحهم ومعداتهم وهربوا ليلاً من تكريت".

الشجاعة التي اكتشفتها المراسلة في ساحة حرب،
كم عملنا، ونعمل، على تشويهها،
وأسوأ من ذلك هناك من حاول تحويلها الى جبن،
بكل الوسائل المعروفة وغير المعروفة،
بل حتى من يتغني بجماليات العراقي،
حاول تغليفها بهوية سياسية أو حزبية او طائفية،
والغاء امكانية ان يكون العراقي، خارج التصنيف والاختزال، والولاءات، والمقاييس، شجاعاً،
بل ينفي منه حتى صفة الانسان،
لأن الهوية صارت تختزل في عناوين، كما الشجاعة والاصالة والكرامة والبطولة،
وكل مساحات الشرف والتضحية والحياة أيضا ملغاة لصالح العقل الاختزالي،
ومحجوزة للأقربين.

المراسلة من خطوط التماس، وبعين صافية، مباشرة، ترى الوقائع كما هي،
ولخصت شهادتها بكلمات بسيطة ومباشرة كالرصاص الذي تسمعه،
والموت الذي تراه،
والناس الذين قربها،
ولم تسأل أو تنشغل عن سؤال الهويات والطوائف والاعراق والولاءات،
لأن أي سؤال من هذا النوع في لحظة مواجهة بين الحياة والموت،
سيكون سخيفاً،
بل ركزت على الجانب المضيء في الانسان العراقي،
وهو من جوانب كثيرة أخرى، نحاول، بكل الطرق الواعية وغير الواعية، طمرها وحذفها اذا كنا نراها فعلاً خارج" المصفاة" والمنخل و"الحنديرة".

عملية اغتيال انسانية العراقي تبدأ منذ الطفولة،
من مؤسسات القمع الكثيرة، الأسرة، المدرسة، القبيلة، الجيران، الاحزاب، دوائر الشرطة والامن والاستخبارات،
ومن دور الثقافة ودور العبادة ودور الحضانة وحتى دور العجزة.

اغتيال بطيء وصامت أحياناً،
وصاخب وبربري أحياناً أخرى،
حتى تُنزع منه ذاته الحقيقية وتركب له ذاتاً سلطوية،
يصبح سجناً متنقلاً وسجاناً لنفسه،
محاصراً بقوانين السلطة وقوانين المؤسسات،
وليس له هوية فردية خاصة،
بل يكتسب هذه الهوية من تعريفات وتوصيفات الآخرين،
أي انه ليس موجودا بذاته،
بل في صفة ورمز للحفظ مثل أي ملف، وهي خاصية معروفة للعقل الاختزالي المتخلف.

أكثر من حاول ويحاول اختزال العراقي في صفات واعتقاله في رموز للحفظ،
وتحويله الى ملف في خزان ملفات وغلق الباب عليه،
هو " المثقف السياسي الداعية" صاحب المشاريع التي لا تنتهي،
وكلنا يعرف خواتيم تلك المشاريع التي انتهت بحمامات دم،
هذا" المثقف" لم يحاول رؤية العراقي من خارج منظاره السياسي والفكري والعقائدي،
واختزل كل الناس في وصفات لا تخرج عن الاطار والبنية والصندوق،
واحتكر كل شيء للجماعة القريبة على طريقة قول الشاعر:
" عين الرضا عن كل عيب كليلة ـ لكن عين السخط تبدي المساويا".

كل شيء ، في العقل الاختزالي، يصبح مجداً وبطولةً،
وعلى قول انسي الحاج" نهرب ونكون أبطالاً،
ونخون ونصبح منقذين".

جنود بواسل فقراء في الغالب ورجال قبائل تداخلت فيهم ، في لحظة مصير، الهويات والطوائف والعناوين والاسماء،
وتجاوزوا كل خطابات السياسة ومقولات المثقفين،
ولم يصبحوا شجاعناً بل كانوا،
لأن الشجاعة كالاصالة والنبل والزهور تحتاج الى شروط لكي تصبح مرئية،
وأكثر من ذلك تصبح خارقة أمام عدو متوحش يخاف منه العالم.

من أين للمثقف النخبوي الدعوي كل هذا اليقين وهو يتحدث عن الناس وعن الجماعات وعن الأفراد؟
من أين تنبع هذه الوثوقية واليقينية في الوصم والاختزال والتصنيف والانسان منجم صفات وخواص واحتمالات من الولادة وحتى الموت،
بل من لحظة الاستيقاظ وحتى النوم؟
كيف يمكن، بكل سهولة ، بل بكل خفة، تعريف الجماعات والافراد، بناء على تحديدات مسبقة وتعريفات جاهزة؟

اسلوب الارشيف الابدي الذي يحفظ الناس في رفوف الى الابد،
هو أحد وسائل الارهاب وهو سرقة وظيفة الملائكة على الكتفين وتسجيل الذنوب،
لكن هذه الوظيفة مؤجلة حتى النفس الاخير،
في حين ان وظيفة" الارشيف الأرضي" عاجلة،
والعقاب فوري والادانة حاسمة ليس بناءً على ذنوب أو خطايا،
بل على كون هذا الانسان خارج التصنيف والاختزال،
أي خارج ناظور الرصد الذي يرى الجميع أهدافاً للقنص،
أو خنادق صديقة.

أجزم، مع ان الكتابة لغة احتمالات، ان الذين عبروا حدود الموت نحو عدو متوحش ومسخ،
لم يقرأوا عن كل تلك المطولات العقيمة عن البطولة والتضحية والشجاعة والنضال التي تختزل الانسان في عناوين وصفات وحدود،
ولأن الانسان في لحظة منعطف مصيري تولد فيه هوية جديدة تنتج من الخطر والموت وصراع الحرية وشراكة الآخرين.

اذا كان الجمهور الذي يشاهد كرة القدم من قارات العالم تتشكل فيهم هوية جديدة مشتركة، كما يقول المفكر مايك كرانغ،
فماذا يحدث للمقاتلين من مختلف الهويات الفردية، والطوائف، والجماعات،
وهم في لحظة مصير،
وشركاء في الارض والأمل والمستقبل؟

 

حمزة الحسن

 

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152865462752266

 

01.04.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

01.04.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org