<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " شيوخ يحرقون دولاً، لإشعال سجائرهم"

 

 

" شيوخ يحرقون دولاً، لإشعال سجائرهم"

 

   

 

حمزة الحسن

 

ليس هناك أجمل وأعدل للمواطن العربي، مقارنة بحكامه المختفين والهاربين، من رؤية حاكم دبي مثلا يتجول في الشوارع والاسواق،
بالزي التقليدي البسيط يتفقد رعاياه،
دون ان تظهر الكاميرا رجال الحماية المنبثين بين الجمهور،
لكن أيضاً لا يكرس هذا المشهد سوى صورة من صور مجتمع الفرجة،
وهو المجتمع الذي تصبح فيه الصورة واقعاً،
ويختفي الواقع الحقيقي خلف حجاب.

لا تنقل الصورة القواعد العسكرية ولا نظام التوارث،
ولا سلطة العقارات والاقتصاد الريعي القائم على الاحتيال والفساد،
لا يظهر ايضا الصراع الخفي بين طبقة متوسطة نامية وحديثة،
وبين نظام أبوي يعمل بمشقة للحصول على شرعية جديدة بعد ان صارت الشرعيات القديمة، العائلة والتقليد والقبيلة والدين، موضع شك وريبة.

يظهر في صورة مجتمع الفرجة أعلى برج في العالم،
والارتفاع في العقل العربي الاسلامي ، رمز السمو والمجد،
لعقل نصفه غاطس في ذهنية الخيمة والنصف الاخر في اقتصاد الاوبيك،
حتى لو كان العقل الواقف خلفه هو عقل الحفرة.

كيف يُشل الوعي بلا ابهار ودهشة الأنوار المشعة، السلالم الالكترونية، قاعات التزحلق على الجليد المغلقة في الصحراء،
قبل ان ينتهي عصر النفط،
وتتم العودة الى زمن البحث عن الجراد والعاقول كغذاء،
بعد رفاهية فاقعة سريعة الزوال؟

لا تظهر في المشهد الاحتفالي وجوه الخادمات الآسيويات،
ولا يُسمع أنين التعذيب في البيوت،
ولا أوجاع العمال الأجراء الفقراء في اسطبلات الشيوخ،
لأن حداثة الصحراء تتناقض مع العدالة ومع الوضوح،
والعمارات الشاهقة والابراج العالية وشقق الإسمنت تغطي على كل شيء،
بما في ذلك الابصار والضمائر،
وليس في ذهنية كتاب المقالات الاخبارية البحث عن" الواقع المحجوب"،
اذا كانوا قد سمعوا به.

اليست هذه الحدائق والمصارف الالكترونية الحديثة والاسواق ومحلات الذهب حيث يستطيع المواطن والزائر شراء خاتم الزواج وقطع الذهب الاخرى من اكشاك تعمل بالنظام الآلي الالكتروني كما يشتري علبة الكوكا كولا من جهاز البيع الآلي،
أليست هذه الصورة نقيضة لحرائق سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس؟

يقول مؤلف كتاب" ما بعد الشيوخ" كريستوفر ديفيدسون الذي يتوقع بمنهجية عالية وبحث رصين ولا يتنبأ فحسب بنهاية هذه المشايخ في السنوات الخمس القادمة،
ان هذه النظم الخليجية تسابق الزمن للبقاء،
عبر سلسلة مستمرة من الاجراءات واعمال الحيل للهروب من مصير محتوم،
ويقول ان شعار هذه النظم هو" الاذعان مقابل الاستقرار"،
هذه هي " صفقة الشيوخ".

لكن هذه الصفقة لا تقوم على سلسلة طويلة من العاب تنقيح وتجديد السلطة فحسب،
من الاقتصاد الريعي المبني على الاحتيال كبيع الاراضي الصحراوية للمستثمرين الاجانب واشراك المواطن في هذا الاستثمار بدور الكفيل لمجرد انه يحمل جنسية مقابل صمته وخضوعه،
ومن جلب قواعد اجنبية عندما صارت الشرعيات التقليدية معرضة للاهتزاز،
الى مجتمع منظم بصورة بوليسية حديثة مغلفة بحداثة قشرية كنظام المراقبة الأكثر صرامة في العالم عبر الاف الكاميرات في كل مكان،
من كازيوهات القمار الى بيوت الدعارة،
مما تجاوز خيال جورج اورويل في رواية" 1984" بحجة الحماية العامة،
الى اساليب " السخاء التي تقوم وكالة عن القمع" يقول كريستوفر،
بل يتعدى الامر الى اشعال حرائق في العالم العربي،
لكي يشعر السعودي والخليجي بالرعب من المطالب الديمقراطية،
ومن التمرد المستقبلي وهو يرى العواصم العربية تحترق،
المؤسسات تحترق، الناس تحترق،
وصار الملايين قطعانا هائمة.

فماذا تريدون أكثر من هذا" الاستقرار"؟

في السبعينات قامت هذه النظم بالقضاء على الحركات الوطنية المتمردة واليسارية بصورة خاصة،
حركة ظفار في سلطنة عمان،
وتجربة اليمن الجنوبي،
لكي تبعد الحريق الداخلي،
واسست منظمات الجهاد الاسلامي كمصدات واقية،
وذهبت الى افغانستان للمشاركة في القضاء على النظام الشيوعي الافغاني،
وساهمت في تأسيس منظمات حركية اسلامية كثيرة،
من القاعدة الى ابو سياف ومن طالبان الى جيش حكمتيار،
كل ذلك للابقاء على الشعار قائما" الاذعان مقابل الاستقرار".

ماذا تريدون ان نفعل أكثر من ذلك؟ يقول لسان حال الشيوخ:
قلبنا الاوضاع في العراق وشيطنا ايران،
حتى ان عطسة من مسؤول ايراني عديم القيمة تتحول الى انذار بخراب العالم العربي تماماً مثل حكاية للأطفال عن فرخ دجاج سقطت عليه ورقة من شجرة،
فدخل المدينة، زاعقاً، بانطباق السماء على الأرض،
عبر اسطول اعلامي ضخم وبهمة ومشاركة يساريين عرب يبحثون عن دور بعد انهيار السرديات الكبرى عن التاريخ،
وحولنا بلاد الشام الى محرقة،
وصارت حقول نفط ليبيا دخاناً في الريح،
وتونس الوجه البهي للعرب تتحول بالتقسيط الى قندهار،
ونجر مصر اليوم الى مأزق منافق تحت شعار جديد ــــ دائما الشعارات تتجدد ـــ حماية أمن الخليح والامن القومي العربي،
أي تأجير النظام المصري بالمال وهو يتخبط في ورط كثيرة،
واليمن يتهرأ بالتدريج وينزلق نحو هاوية،
ونحن نصدر السلاح والمال لكي ينتحر الجميع خارج أسوار الممالك والمشايخ،
ثم نظهر في الواجهة كمصلحين بين ذات البين.

كل شيء نشتريه بالمال: الجيوش والنساء والعلوم والكتاب والقنوات والتزوير والجامعات والقواعد والضمائر،
بل استطعنا شراء شيوخ قبائل من العراق بالمال،
وحولنا لحاهم الطويلة الى مكانس،
وجعلناهم يرقصون كالقرود بلا حياء في الساحات العامة،
وحولنا "عكلهم" الى لعب اطفال تتطاير في الهواء من الردح بذرائع نختلقها على المرام،
وهناك دائما منظمات تقوم باشعال الحرائق، ونحن في الظلام العميق، نتجول بين رعية سعيدة مذعنة مصدومة من كل شيء يجري في عواصم العرب،
بلا حماية ـــ بشهادة الكاميرات ـــ وامام نافورات وحدائق خلابة،
وبين مقيمين ووافدين شقر وبيض وسود وصفر وسمر سعداء في ممالك نعمل المستحيل لكي لا تزول،
رغم ان كل العلوم،
من علوم الاقتصاد الى علوم الاجتماع،
وعلوم السياسة،
بل حتى علم التنجيم والسحر والزار والشطرنج والقات،
كلها تقول ان هذه المشايخ ستزول،
ولكننا نعمل ضد ذلك.

نخلق الاستقرار ــــ شاهدوا اضواء الابراج والحدائق ــــ وليس مهما العدالة،
لأن الأهم ألا تكون مدننا مثل دمشق والقاهرة وبغداد وتونس وطرابلس وصنعاء.

كل ذلك من أجل ألا تتحقق توقعات مراكز الابحاث والدراسات في العالم التي نحرص على ان لا تصل الى القارئ الحليجي،
بل لا تصل القارئ العربي،
واذا وصلت فليس عند هذا العربي البائس الوقت لغسل جلده من الوسخ وراسه من القمل وهو يهرب من الحريق من الدار مثل أي فأر،
أو الخروج من الجحور والانفاق التي حفرناها له خوفا من الذبح على الارصفة.

لا ندري اذا كان السياسي العربي يقرأ ــــ اذا كان يقرأ ــــ والمثقف العربي يقرأ الخلاصات والاستنتاجات والدراسات الكثيرة عن نهايات وشيكة لدول الخليج وممالك الفتن،
ومنها في الاقل كتاب" ما بعد المشايخ" الذي منذ صدوره قبل ثلاث سنوات يثير جدلا وحوارا ونقاشات واسعة في مراكز الابحاث وحلقات المثقفين والكتاب والجامعات في العالم،
أم ان هذه النظم أدخلته فعلاً في حالة بدائية غريزية هي البقاء، حياً، بأي ثمن، وعلى أية صورة؟

يجري الكلام دائما عن النظام السعودي ودوره في الارهاب،
وخلق حرائق خارجية لانقاذ المؤسسة الحاكمة،
مرة على جبهات العالم العربي وأخرى على الساحل الآخر من الخليج،
وتحويل الجميع الى شياطين،
ويندفع خلفهم كتاب عرب من اليمين واليسار،
لأن عقلية الغفلة لا تعرف التصنيف،
لكن من النادر ذكر دور الامارات وهي الاكثر خطراً وشراكة في هذه الحرائق التي تعصف بالعالم العربي،
لأن الدور المرسوم باناقة خبراء وعلماء في الاعلام وعلم النفس والمخابرات والطقوس والتقاليد،
هو الذي يبقى مشايخ هذه الامارات في الظل، في العتمة، يدخنون سجائرهم من حرائق المدن العربية،
بل الظهور بدور المحسنين والمصلحين والمحايدين،
أمام مواطن عربي لا يستطيع ان يكذّب الكاميرات،
وهي تظهر مؤسسات الغوث تطعم الجماهير الهاربة،
ولا الشيخ البسيط وهو بالعكال والنعال يتجول مثل هارون الرشيد في الشوارع،
ويجالس مواطنيه على الأرض،
فكيف تكذب الصورة؟
أين هو الواقع المختفي والمحجوب والمستتر؟

في مجتمعات الفرجة، حسب جي ديبور، تصبح الصورة والاعلان هي الواقع،
في حين يختفي الواقع الحقيقي خلف شعارات وصور واعلانات واسواق وعلاقات ومهرجانات وقوانين ومحرمات أيضاً.

من يرى القواعد العسكرية وماذا يجري فيها؟
من شاهد مكاتب المخابرات العالمية في الخليج وماذا تفعل؟
كيف توزع الثروة؟
كيف تمول منظمات الارهاب؟
بل هل يعرف العربي الخليجي او غيره ان الترويض الناعم، الكاميرات، القوانين، الاحتفالات،
السخاء الاميري، الوعاظ، محطات التلفزة،
هي الأخطر من الترويض الخشن والقمع المباشر،
مادامت النتيجة هي تحقيق شعار" الاذعان مقابل الاستقرار"؟

هؤلاء المشايخ نجحوا فعلا في تخريب العالم العربي عبر نظام المقايضة،
الشرف مقابل المال،
العلم ـــ الجيوش ــــ الضمائر ـــ التكنولوجيا ـــ النساء ـــ الصمت ــــ مقابل المال،
لكنهم نجحوا فقط لأننا ساعدناهم على النجاح،
عندما صمتنا، أولاً، عن مشعلي الحرائق،
وثانياً، عندما ساعدناهم في صب المزيد من الزيت على هذه النار المهلكة التي تحرقنا كل يوم،
لكنها ستحرقهم في النهاية.

 

حمزة الحسن

عن موقع الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152845289372266

 

 

22.03.2015

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

22.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org