<%@ Language=JavaScript %>

 

 

" مشروع سحق العراقي"

 

 

حمزة الحسن

 

 

بدأ مشروع سحق العراقي من محاولة شل ذاكرته التاريخية العامة،
حرق كل كل ما يربطه بالماضي، مكتبات، متاحف، آثار، أي فقدان تسلسل الاحداث لكي يضيع،
والتسلسل حيوي لبقاء الانسان يقظا في الحاضر.

وبعد فقدان التسلسل تم تصنيع ذاكرة جديدة مشوهة،
حرائق، قتل، انفجارات، صراعات مسلحة تتناسل، نهب ثروات،
وعندما يُحشر أي انسان في العالم تحت عنف مستمر وشرس ووجودي،
يبدأ العقل يدور في حلقة مفرغة، وتشتغل دوامات الضياع.

لكن شل الذاكرة وحده لا يكفي،
لأن بقاء عناصر أخرى جوهرية ثابتة قد تساعد على الثبات والتشبث والعودة الى الاستمرارية والتواصل مع الجذور،
لذلك يجب زعزعة كل الثوابت التي ترتكز عليها الشخصية الانسانية،
وفي هذه الحالة يجب زعزعة الأرض التي يمشي عليها،
والأرض والذاكرة كعضوين في الجسد،
بل ان عناصر الجسد العضوية هي نفسها عناصر الأرض، كيميائياً،
لذلك قيل له عبر تلقين متواصل إن العراق ليس بلداً قديماً،
العراق بلد مركب ومصنّع أوائل القرن العشرين بموجب وفاق دولي،
وان كل التاريخ القديم غير حقيقي ومتخيل،
أي انك ايها العراقي مخلوق غلط ترتبط بتاريخ غلط،
وعليه يجب تصحيح التاريخ وتقسيم البلاد.

بعد أن تتم زعزعة الأرض تحته، التشكيك بها،
تبدأ عملية أخرى في السياق نفسه:

قيل له ان العراق ليس وطناً، بل تجمع لقالق أو مهاجرين من بدو وفرس وهنود وأتراك،
وعليه فإن مفهوم السلالة والعرق والأصالة اكذوبة كالأرض والتاريخ والذاكرة،
واذا ضاع تسلسل السلالة وهو جوهري في العقل العربي والاسلامي،
دخل الانسان في دوامة عاصفة وضباب على مستوى الشعور واللاشعور بعد فقدان حلقة التواصل مع الماضي ومع الذات:
هل هو هندي؟ طير حباري؟ بدوي تسلل عبر الصحراء؟
عربي؟ مسلم؟ سيارة مهربة؟ صندوق ويسكي مسروق؟

قبل أن يعثر على جواب، وهو غير موجود لأن الاسئلة غير صحيحة، قيل له عبر ضخ اعلامي كبير وجميل وحديث،
ومن خلال مقدمات برامج فاتنات لأن العربي لا يتخيل ان تجلس فتاة حسناء وانيقة وجدية في استوديو وتلقي عليه اكاذيب،
قيل له ان مفهوم الاصالة والجذور والسلالة غير ضروري في هذا العصر،
ويمكنه خلق اصالة جديدة وسلالة جديدة بل حتى ان يمد نفسه في جذور جديدة،
وما عليه سوى ان يعلق قرطاً في الاذن،
أو سماعة هاتف خلوي لسماع مايكل جاكسون أو الفيس برسلي،
وان يفتح الصدر لكي تظهر السلسلة الذهبية رمز العراقي الجديد،
ولا حاجة لسماع داخل حسن الذي يغرد كذبا في البحث عن الصدق بين الناس لكنه لا يجده،
أو سلمان المنكوب الذي ينعق في الخرائب وهو سبب كل الحروب،
أو بكائيات زهور حسين التي تدمي القلب،
بل حتى الزي التقليدي لا حاجة له،
ويمكن تمزيق البنطال من الخلف مع حزام ينزل أسفل البطن،
انسجاماً مع الحداثة.

ليس من الضروري، قيل له، أن يعرف هل هو عراقي؟ عربي؟ مسلم؟ زرزور؟ أم أنه مخلوق تم تجميعه كسيارات " دك النجف"،
او علب كارتون للتتن المهرب،
لأن الهوية العراقية، وهنا الأخطر، مزحة كبرى من صنع المؤرخين،
بل حتى ان مفهوم الأب غير حقيقي ومشكوك فيه،
فمن أجرى فحصاً للتأكد من سلامة النسب؟

وقبل أن يفيق العراقي من هول الصدمات تحت ايقاع القتل لكي تضيع حلقات التوازن،
وتضيع معها الاسئلة الحقيقية،
وتتعمق الدوامة وينغرز الضياع،
قيل له، في الدستور، ان الجزء الجغرافي في الجنوب والوسط عربي،
والشمال غير عربي،
بل حتى الجزء العربي يحتاج اعادة نظر لأن دماء فارسية وهندية وغجرية من كابول
دخلت في الجينات،
وإلا من أين جاء رقص الهجع؟
ألا ترى كيف ترقص الكاولية حتى ان جسدها يرتعش من رأسها حتى القدم كعصفور نصف مذبوح؟
هل تفرق بين هذه والدروشة؟ بين هذه و" الجذبة" في الشمال الافريقي؟ بل ان هذا الايقاع الراقص العاصف هو طبل غابي من خارج المكان العراقي ،ربما
زنجي الاصل،
وقد يكون من تقاليد الهنود السمر ابناء المستنقعات.

الم يثبت خبراء الموسيقى والرقص ان الفلامنكو هو تحوير للهجع العراقي تسلل الى اسبانيا عبر هجرات الغجر من العراق الى تركيا في العربات؟
ألا تلاحظ، قالوا له، ان العراقي حتى في ظروف الاستقرار قلق وخائف،
والسبب ان حلم الغجري ليس في المكان القديم بل في المنعطف القادم،
في الطريق المقبل وليس في الماضي؟
وان مدن هؤلاء في" الفوار" و" السحاجي" و" أبو شعير" تعكس الاصالة الحقيقية،
واما بابل الزانية حسب الوصف التوراتي فستزول يوماً لأنها عقاب إلهي بتعدد الألسن واللغات لكي لا يفهم الناس بعضهم،
وليس رمزا للتنوع كما تعلم عبر التاريخ.
لذلك حولت القوات المحتلة بابل الى مكب نفايات عملاً بحكم النبوءة.

ثم ما هو التاريخ؟
هو اكذوبة كبرى ترسخت بالعادة والتكرار،
بريمر وزلماي زادة وباتريوس وغيرهم هم صناع التاريخ الحقيقي،
وليس كلكامش الذي يتباهى به سوى شخصية عصابية مصابة برهاب الموت،
وصياد عصافير ومطيرجي،
وسكير بشهادة سيدوري صاحبة الحانة البابلية يوم جاء يشكو حاله بعد موت صديقه أنكيدو،
وشرب حتى الثمالة وخرج محمولاً على الأذرع بعد أن رفض دفع ثمن المشروب وتم رميه في الشارع مثل أي سكير مشرد لكي يخترع حكاية العشب والأفعى.

ومن يكون الرصافي صاحب التمثال الشهير والسترة المشتراة من الباب الشرقي من حاويات الملابس المستهلكة ؟ ليس أكثر من زنديق ومنحرف،
وكل قصائده انعكاس لمثلية جنسية حسب التحليل النفسي للمؤرخين الجدد ورثة زقاق الخطيئة في الصابونجية.

وبدر شاكر السياب؟
شخص عصابي قضى حياته يرهز على ظلال الشاعرة لميعة عباس عمارة،
ولو حقق شيئا في هذا الغرام الأحادي، لما كتب تلك الملاحم الشعرية عن الجوع والمومس العمياء،
ولما تذكر تلك الترعة المنسية المسماة بويب،
بل أن السياب ليس شاعراً أصلاً، كما كتب يومها عنه مالكو الحقيقة والشرف والتاريخ والمستقبل، وهو مرض عضال لا براء منه عند هذا الصنف العـــــــــــاجز والمخصي عقلياً وفكرياً، بل رجل مخابرات في السي، آي، ايه،
مما صدم الشاعر محمد الماغوط ، وكان مرافقاً له بسبب وضعه الصحي بطلب من الشاعر يوسف الخال،
فكتب، مندهشا،بشجاعة، رداً على هذه الصفاقة العارية:
" لا أستطيع تخيل السياب النحيل في بيروت وهو في قالب الجبس الطبي، كتمثال أبيض يمشي، يضع نظارات سوداء،
ويجلس في مقهى وفي يده جريدة للتغطية ويراقب المارة".

المطلوب تشويه كل الرموز الحية والميتة لكي لا يتمسك العراقي بقشة في هذا الغرق العام،
لذلك تكثر أسئلة حائرة نتيجة هذا العصف من الشباب اليوم في مواقع التواصل من قبيل:
( لماذا يا الهي خلقتني في العراق؟ طيب قبلنا.
لكن لماذا في الجنوب؟ وقبلنا أيضاً،
بس لماذا في الناصرية؟ في الهور؟ في الشامية؟ علي الشرقي؟ في الطويسة والحيانية؟ وقبلنا،
من الطائفة الشيعية؟ فهمنا.
من جماعة السيد الصدر أو عصائب أهل الحق أو حزب الله ؟ رحبنا،
من الحشد الشعبي؟ على العين والراس،
صرنا بعد كل الدم والمشقة والركض والزحف مئات الكيلومترات خطراً على النسيج الاجتماعي؟ عساها في بخت المفتري.
لكن أن تجعلنا من قراء حمزة الحسن؟ مشكول الذمة على الورطة).

الاسئلة ذاتها لدى الطرف الاخر. هذه علامات الدوامة والسحق.

والجيش العراقي؟ ما حاجة العراقي لجيش صار عرفاء فيه جنرالات،
ورعاة اباعر كولونيلات؟
ويحرس من هذا الجيش وهو ملكية عقارية لدكتاتور طائش محروس بقطيع من الرعيان؟
الجيوش تحرس أوطانا والعراق ليس وطنا بل خريطة مزورة من زمن سايكس بيكو،
وهو في وطن جديد في مرحلة التكون،
لذلك من الأفضل حل هذا الجيش،
وفتح الثكنات ومخازن السلاح للناس،
لكي يموت من يريد ويقتل من يشاء،
لأن للحرية باب حمراء بكل يد مضرجة تدق. الم يقرأ هذا في القصائد؟

ثم ما هذه التسمية الخالدة لرب الكون؟
انه ليس الله فحسب،
بل هو خدا الكردي، وهو شميت هيا الصابئي،
حتى ضاع اسمه الحقيقي.

ما حاجة العراقي الى التاريخ بعد اليوم، بعد الحرق والنهب والتخريب؟
بل ما حاجته للارتباط بالسلالة والجذور؟
هناك بدائل: السي اي ايه، داعش، منظمات دعم الثقافة الامريكية، افلام البورنو،
مجلس التعاون الخليجي، الجامعة العربية، الموساد... الخ.

يقول المؤرخ البريطاني الشهير هوفل:
" لكي تلغي شعباً،
إجعله يتبنى ثقافة غير ثقافته،
إبدأ بشل ذاكرته التاريخية،
إلغ ثقافته وتاريخه،
اخترع له تاريخا آخر غير تاريخه، وثقافة أخرى غير ثقافته،
اجعله يتبناه ويردده،
عندها ينسى هذا الشعب من هو، وينساه العالم".

هذا التدمير الممنهج والمنظم منذ عام 2003 لكي لا نذهب لسنوات الحصار وهي حلقة مفصلية في مسلسل محو العراق،
من المستحيل كسر حلقاته من داخله،
من داخل العملية السياسية التي تم تصنيعها وتركيبها من أجل صيانة هذا المشروع،
والبحث في داخلها عن حل،
مثل من يبحث عن مخرج طوارئ في نفق مغلق،
لكن" الخيار الثالث" القادم من خارج هذا المشروع، من خارج هذا الصندوق السياسي المغلق، من خارج هذه الدوامة،
هو الذي كسر بعض حلقات مشروع المحو الجذري،
مع بقايا ثقافة حديثة حية ويقظة تتنامى وتتسع كل يوم،
تقاوم في مناخ صاخب من الدوي والردح والضجيج والغبار لكي يتشابه البقر.

هذا الخيار هو ثقافة محلية قديمة متجذرة في وعي الناس، خطأً أم صواباً،
وتكوينات وبنى تقليدية،
قاومت مشروع الاقتلاع بمشروع مضاد هو التشبث،
وهو أمر منطقي وطبيعي أمام كل عاصفة عاتية تهدد الجذور،
جذور البشر أم جذور الأشجار.

لو تُرك الأمر لسياسيي العراق،
لصار وطناً لنسور الجيف،
وكازينو للقمار والسمسرة والصفقات،
أو مخيمات فارين أو ثكنات مهجورة تعوي فيها، جوعاً، كلاب الليل.

 

حمزة الحسن

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152823937777266

 

14.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

14.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org