<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " العراق الذاهب"

 

 

" العراق الذاهب"

 

 

حمزة الحسن

 

 

في آخر تصريح لرئيس البرلمان سليم الجبوري في أربيل،
يقول اذا لم يتم وقف التجاذب الطائفي،
فـــ" العراق ذاهب الى التقسيم".

وعبارة ذاهب الى التقسيم تتكرر عند هذا الصنف من الساسة،
إما عن تمهيد لصراع جديد،
أو إستهانة بالناس،
و خاصة على لسان زميله علاوي نائب الرئيس،
صاحب الجمل الجاهزة والقاموس نفسه منذ عام 2003 وحتى اليوم،
مع ان الطفل الغربي يتعلم 13 الف كلمة بين الثالثة والسادسة من العمر،
في حين ان الطفل العربي يتعلم، في الفترة نفسها، 3 آلاف كلمة،
ومن المنطقي ان يتعلم العربي
هذا العدد المنخفض من الكلمات اذا كان الزعيم السياسي والمربي والمثقف والخطيب من هذا النوع الذي يردد ويكرر الكلمات نفسها في حفلات الفرح،
وفي المآتم،
و في الأزمات الكبرى.

في كل مرة يُخرب العراق بذريعة:
الحصار والاحتلال بذريعة دكتاتور أهوج،
والتشظي والقتل وداعش بذريعة الاقصاء الطائفي،
أما المرحلة القادمة فسيكون عنوان الخراب
هو السيطرة الطائفية.
كيف تم اختزال مصير العراق بكلمة من فوق منبر من دون عودة للناس؟

من الغريب ان عنوان الخراب الذي يتبدل رغم ثبات المشروع وهو التقسيم في الأساس،
أي امام مسلسل دموي من فصول،
يعبر على الناس وعلى النخب،
وتنشغل به رفضاً وتحليلاً،
بل هناك من يجد فيه حلاً،
مع ان خيارات هائلة قائمة لكل الأزمات لم تستعمل،
والخيارات خلق وابداع وهذا هو علم السياسة.

ما معنى العراق ذاهب الى التقسيم؟
هل العراق عريس ذاهب الى صالون الحلاقة؟
قطار ذاهب الى محطة؟
ضيف ذاهب الى أقارب أو أصدقاء؟
عاشق محبط ذاهب الى الانتحار؟
عربة شلغم ذاهبة الى ساحة الطيران؟

هذا وطن وأجيال وقبور ومشاعر وأحلام وأساطير ورموز وثقافة عريقة،
فكيف يُشطب من فوق منبر؟

هل هذا الكلام بطاقة حقد وتوعد للمحاربين تقول ان كل جهودكم ستذهب مع الريح،
وان كل هذا الفرح والوحدة الوطنية النادرة المصنوعة بالدم ستتحطم
على يد ساسة لا يصلح غالبيتهم الا لجر عربات النفط والاسطبلات؟

ماذا سيخسر، في لحظة اشتباك مسلح، "لو" قال هذا السياسي القادم من السراب،
سراب الوعي، وسراب الغفلة،
اننا ذاهبون الى الوحدة الوطنية رغم كل الصعاب، كمواقف الرجال الكبار في منعطفات التاريخ الكبرى،
فلسنا أقل شجاعةً ولا أقل ضميراً من البواسل في المعارك؟
أم، على العكس، سيخسر الكثير، اذا تصرف خارج النص؟
أو خرج عن الدور الجاهز؟
بأي منطق وعقل وسياسة نفهم أن الشعب يقاتل من أجل وحدته الترابية والوطنية،
ورئيس مؤسسته البرلمانية ينذر بنهاية هذه الوحدة؟
كيف نحلل هذا الكلام؟
حسب علم السياسة أم الشطح؟
بناء على غرف التنجيم أم قراءة الكف؟
وهل هناك مدرسة سياسية بتقاليد رصينة وتراكم تجارب لكي تشرح لنا هذا الكلام؟

من أين تأتي هذه السهولة، بل الاستسهال، في القول ان العراق ، بسبب تجاذبات طائفية ذاهب الى التقسيم؟

لماذا هذا الصعود الفوري النزق الى الخيار المستبعد والمرفوض مع ان دول العالم تعيش صراعات كبرى وصغرى دون هذا القفز، على طريقة الكنغر،
الى خيار الخراب،
كما لو انه الخيار الوحيد؟

ثم لماذا هذا الاستعجال، من منبر آرابيل ـــ الاسم القديم،
في ان تُزف لنا هذه البشرى السيئة دون مراعاة مشاعر الناس ودماء المحاربين،
بل باحتقار كلي لتاريخ هذا البلد العريق؟

كيف ، بناء على هذا الكلام من رجل على رأس مؤسسة يفترض ان تمثل الشعب العراقي، يعلن قرار النعي لهذا الوطن الجميل والغني والاصيل والعميق والثري منفرداً،
كما لو ان كل بطاقات النعي السابقة التي أطلقها كثيرون من قبل غير كافية؟

كيف يستطيع الناس التفكير بالمستقبل،
وتنظيم حياتهم وأطفالهم ومدنهم وعلاقاتهم المتشابكة ومواعيدهم المؤجلة الطويلة،
اذا كان على رأس مؤسسة البرلمان مثل هذا العقل الصبياني
اذا افترضنا حسن النية،
واذا لم يكن الأمر قد دبر في ليل، كالعادة،
وبدأت حملة التمهيد لصراع جديد،
بعد أن أرعبت هذه الروح العراقية الحية قوى كثيرة في الداخل والخارج رغم التنكيل والجراح؟

أما من ناحية الشكل،
فلو ان رب عائلة ينذر الأسرة بقرب خراب البيت،
فسيكون القاء هذا الخبر الفاجع بنبرة حزينة مريرة يتشابك فيها الألم بالحب،
حد البكاء،
لكن رئيس مؤسسة الخصيان ــــ نستثني الوطنيين والوطنيات ــــ أعلن الخبر من فوق المنبر،
كما لو انه يتحدث عن مواعيد قطار او طائرة أو انه ذاهب الى الحج،
أو الى نزهة في حديقة،
أو ان العراق علبة تبغ منتهية الصلاحية.

هل يتعلق الأمر بان الرجل على علم بطبيعة عنـــــــــوان الخراب القادم،
واختاروه كممهد؟

أم ان الرجل عارف أيضاً ان وجوده هو ومن على صورته صار محفوفاً بالخطر بعد تحرير العراق من داعش،
وان قواعد " اللعبة" في العراق قد تغيرت،
وان عراق ما بعد تحرير الموصل ليس هو قبل التحرير؟

رغم كل الصرامة المظهرية للرجل وهو يلقي بيان النعي القادم،
شعرت بكل الحواس والاحاسيس، وليس العقل لأن كلام هؤلاء لا يُفسر به، ان الرجل يمثل دوراً وانه يقرأ نصاُ جاهزاً.

لا نطرح السؤال عن من سيذهب؟
العراق الى التقسيم؟
أم غيره الى المزابل؟
لكن السؤال هو متى يحدث الاحتمال الاخير؟

من طبيعة الرجال الصغار ان عاصفة غبار عابرة قادرة على كشف العمق الداخلي،
وسلامة القلب وصلابة الوطنية،
لكن من طبيعة الرجال الكبار ــــ والنساء الكبيرات أيضا ــــ مواجهة عواصف التاريخ الكبرى،
والذهاب اليها كما الذهاب الى حفل.

 

حمزة الحسن

 

 

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152822512172266

 

13.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

13.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org