<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " أخطر فيلم في التاريخ"

 

 

 

" أخطر فيلم في التاريخ"

 

و بدأت اعلانات الفيلم بالظهور...

حمزة الحسن

 

هو نوع من استباق الأحداث، لكن أليست هذه وظيفة الكتابة،
الكشف والاستباق والرؤية في الظلام،
بدل الصقل والتكرار والتعليق على نشرات الأخبار؟

نحاول هنا افساد أخطر عرض لفيلم سيعرض في الموصل قريباً، بعد سحق وهروب داعش،
التي تقاتل اليوم بمفارز تعويق مكرهةً تُركت في تكريت، للمشاغلة والتعويق،
دون أن يعرف هؤلاء الأغبياء انهم تُركوا علفاً للمدافع.

وأفضل الطرق لإفساد العرض القادم هو كشفه قبل أن يقوم الجمهور بشراء تذاكر الدخول،
ويقال انها مجانية،
وقبل ظهور أبطال الفيلم وهم الآن يمارسون الحياة خلف الخطوط الخلفية،
أو هواية تربية الخيول،
لكن لن يكون في العرض اسطبلات،
بل سيظهر مسلحون ببدلات متربة ــــ تم تجهير التراب قبل أيام لكي يكون نظيفاً ـــ ومبللة بالماء النقي بدل العرق،
وساحة العرض هي شوارع الموصل.

لا تقلقوا من هذا العرض،
بعد هروب داعش الوشيك والمؤكد:
لن يدخل أحد الموصل كما يقول حضرة وزير الدفاع غير أهلها،

لأن الموصل مضيف وحفلة سمر عائلية ومخيم لمربي الخيول وضيعة خاصة.

يقال عادة في المقاهي أو حيطان العاطلين عن العمل من حزب" الحائط" الذين يضعون أقدامهم على الحيطان في انتظار ما لا ينتظر،
ان المكتوب يُقرأ من عنوانه، وكلام حضرة صاحب المعالي الوزير وخبير الطيران،
وقريب أصحاب المعالي ساسة الخيول، انساباً أو أصهاراً، هو من نوع الاعداد للعرض القادم،
الذي نحاول، بالكلمات ، إفساده، أو الترويج ربما له ، أو استباق حفل الافتتاح،
أو من باب الشوق المبكر، أو البكاء في فرح الشيخ.

والكلام نفسه ردده أثيل النجيفي بالحرف" لن نسمح لقوات غير مسجلة في وزارة الدفاع والداخلية بدخول الموصل".

لا تغضبوا منا اذا كشفنا العرض قبل الأوان،
هذا واجب وشرف الكاتب،
لا تغضبوا منا اذا صرخنا في موكب الامبراطور العاري كما في حكاية اندرسون،
وقلنا " هذا عرض عراة وليسوا محاربين".

يقال في بعض مقاهي الكتابة إننا كتاب المنافي نعيش مرفهين،
ولا نعرف ماذا يدور في الوطن،
كما لو ان الرفاهية ــــ أين هي في المنفى؟ ـــ تلغي الوضوح والوعي والضمير،
كما لو ان هؤلاء يتحدثون عن أنفسهم،
وهم يعيشون في رفاهية حقيقية أكثر منا نحسدهم عليها،
ومن "وين ما ملتِ، غرفتِ" كما يقال،
مع ان العراق ليس في كوكب آخر،
ونحن نرى زارع العبوة وسائق المفخخة من لحظة الاعداد الى الانفجار،
ثم نتابع الجرحى في المستشفيات والقتلى الى المقابر،
ثم نشاهد خيم العزاء ونسمع النحيب،
بل اننا نتابع تفاصيل المعارك هذه الايام من شارع لشارع،
ومن حقل لحقل،
ونعيش مخاوف الالغام والقناصين،
ونرى الحرب من الطرفين أكثر مما يعرف أي جنرال في ساحة المعركة لا يرى الا مساحة محددة من الوقائع.

لو ان الرفاهية تلغي الكتابة والوضوح والضمير لما كتب هوميروس الالياذة عن عوليس القادم من المنفى بعد كل الحنين لطروادة،
ليكتشف ان أهلها نسوه،
ولما كتب أدوارد سعيد الفلسطيني ولا تيودروف البلغاري ولا ميلان كونديرا التشيكي ولا ايزابيل الليندي التشيلية ولا الجواهري العراقي، ولا جوزيف كونراد البولوني الاصل البريطاني الجنسية، كل تلك الملاحم والروائع الادبية والفكرية الخالدة في المنافي... وغيرهم الكثير.

لكن ماذا نفعل( قبل عرض أخطر فيلم كابوي في التاريخ) أمام بعض الكتاب، بلا تعميم، كانوا في القماط أو لم يولدوا بعد،
يوم كان مئات من الكتاب والشعراء والفنانين العراقيين ينزفون في السجون والحروب والمنافي بحثاً عن وطن عابر في زمن عابر؟

ماذا نفعل عندما يعلمنا البعض عن تاريخ العراق الحديث الذي يقول اننا لا نعرفه،
مع انه مثل آثار أثقال الحمالين على جسد مكسيم غوركي،
مطبوع في كل ذرة من أجسامنا وعواطفنا ومشاعرنا.

هل نبدأ بالعرض لأخطر فيلم في التاريخ سيعرض في نينوى قريباً؟

بعد هروب الدواعش أو الجواحش من الموصل وبعد ان هربوا عوائلهم في الاسبوع الماضي،
وبعد السحق الكلي الوشيك،
وبعد كل جرائم الانتقام والدمار والحقد المتروك خلفهم،
وبعد أن تظل الشوارع فارغة إلا من الحرائق وجثث المسوخ والتراب والدم،
وبعد أن يعود أسود التحرير من جيش وحشد وقبائل،
الى المدن والمنازل بكل جمال وتواضع وعفوية كما لو انهم كانوا في حملة نخوة لوقف طوفان،
بعد ذلك سيخرج أبطال الفيلم الأخطر في التاريخ،
بل سيكون ملوك آشور أول المصدومين من الملوك والاباطرة الجدد،
مع فارق جوهري ان الاباطرة الجدد هم ساسة خيل وباعة أوطان وباعة فرارات ومهرجين ومحترفي سياسة وسيرك:

سيظهر الأخوان النجيفي ومن على صورتهم،
مسلحين ببنادق لا تصلح لصيد القبج والذباب،
وببدلات مبللة بالويسكي أو الماء المعطر بدل العرق،
وخلفهم مجاميع من النشالين الفارين بل لا يُستبعد أن يكون من بينهم دواعش متنكرين،
وعدد من المهجرين البسطاء الذين تم اعدادهم منذ شهرين لا للقتال بل لهذا العرض السينمائي،
لكن في أدوار ثانوية خلف الاباطرة،
شرط أن يظهروا في الأقل مدججين بالسلاح غير المستعمل،
وبعلب السجائر الاجنبية وقناني البراندي،
وحبال لا تستعمل الا للخيول،
وامام المحطات التي تم التعاقد عليها مع شركات علاقات عامة،
سيتم تتويج النصر لصالح أبطال العرض الذين دخلوا المدينة فاتحين وحدهم،
بعد أن هربوا من قبل في سراويل النوم.

تلك اللحظات سيكون المقاتلون الحقيقيون نائمين من التعب والفرح والسعادة الداخلية،
ومن العثور على سرير نظيف وموقد وعشاء ساخن،
مدثرين بنبل وشهامة وعفوية العائد من حرب مشرفة،
لم يربح منها غير طمأنينة الضمير.

ليس هذا كل العرض الكبير والضخم،
لأن المخرج الحقيقي قد يبدل في التفاصيل ولكنها لن تخرج عن السياق،
كما ان المنتج والممول ــــ إنتاج دولي خليجي ومحلي ــــ قد يقوم بخلق صراعات بغلاف سياسي بحجة ان أهل الموصل لا يحبون السحنات السمر التي تخدش البياض الموصلي،
ولا يريدون سماع النبرة الجنوبية التي تجرح الإذن،
ولا يرغبون في مشاهد مثل أن يقضي الحاجة مجاهد عجوز على صور تقذفها الريح لساسة الموصل الفارين ليلة اغتصاب المدينة،
ويتشطف بصور زعماء لا يصلحون الا لسحب عربات النفط،
أو أن يتبول عمارتلي او ناصري أو سماوي على حيطان وعقارات ومزارع آل نجيفي وغيرهم،
ويزعجهم منظر "شراكوة" يجلسون على الرصيف ويكسرون البصل بالحجر أو البنادق كغداء مع الخبز بعد مئات الكيلومترات من البطولة والجمال والصمت،
كما ان منظر هؤلاء في خلفيات الفيلم يسرق النصر من المهرجين والممثلين،
النصر الذي يصنعه الاسود دائماً،
ويسرقه الجبناء دائماً.

اذا فشل عرض الفيلم فليس لأن الخبر غير صحيح،
بل لأن صنّاع النصر رفضوا لعب دور الهامشي،
ورفضوا أن يكونوا في الخلفية وراء ساسة خيل،
ورفضوا الخدعة المنجورة بدقة،
وصمموا، حتى النهاية، لا على تأجيل العرض،
بل ومنعه تماماً،
لأن تحرير الموصل تحقق ليس من دخول الأبطال الحقيقيين الذين قطعوا كل تلك المسافات من الجنوب الى الشمال،
تاركين خلفهم أنهاراً من الدم والعرق،
بل من لحظة قبول المواجهة،
فهذا النوع من المعارك في الغاية وليس في النتيجة.

 

حمزة الحسن

عن صفحة الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn?fref=photo

 

 

10.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

10.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org