<%@ Language=JavaScript %>

 

 

 الربيع العراقي، والخريف الأمريكي

 

 

حمزة الحسن

 

صرح جنرال أمريكي قبل إسبوع ان الهجوم لتحرير الموصل قد يبدأ في الخريف،
لأن القوات العراقية غير مستعدة في الوقت الحاضر ، لكنها أثبتت انها أكثر من مستعدة.

ماذا كان يعني، من الناحية السياسية والعسكرية، أن يكون الهجوم في الخريف العراقي؟

يبدأ الخريف في العراق من شهر أيلول، شهر الغيوم البيض القطنية، وبرودة الظل والهواء والماء،
وتقل سخونة التراب ـــــ ليس غيرنا نحن الفقراء من يعرف ذلك،
ويستمر حتى نهاية تشرين أول أو بداية تشرين الثاني،
وعندها يبدأ فصل الأمطار والرياح،
وفي مناطق الموصل يكون الطقس أكثر برودة ومطراً،
مما يعني ان العمليات العسكرية ستتوقف بعد وقت قصير جدأ بسبب الوحول والامطار،
وينخفض هامش المناورة والحركة وعجلات الوقود والارزاق والعتاد وهبوط فعالية الطيران بسبب الضباب والغيوم والخ،
وتؤجل الى الربيع القادم،
وعندها ستقع متغيرات كثيرة لا يمكن توقعها.
من المؤكد ان تأجيل القرار الى الخريف كان مقصوداً،
ومناورة سياسية لــــ" إدارة الحرب" وليس لانهاء الحرب ولأهداف أخرى.

قرار الهجوم العراقي في الربيع كان صائبا ودقيقا،
حيث أمام الجيش والحشد والمتطوعين مسافة من الزمن طويلة حتى الخريف القادم،
كتحسب ذكي لاستمرار العمليات الحربية،
وكثير من الدبابات والعجلات والآليات تحتاج الى أرض صلبة للحركة،
والجهل بهذه الحقيقة التي يعرفها خبراء وضباط الهندسة العسكرية أوقع القوات العراقية في معارك البصرة في شباط عام 1986 في مذبحة لا مبرر لها، عندما أصر الدكتاتور على البدء بهجوم مدرع على الفاو وهو أمر صدم ضباط الجيش،
لأن الأرض ملحية ورخوة وغير صالحة لقتال الدبابات،
بل قام مهندسون عسكريون باختبارات لنوع التربة وكانت النتيجة انها غير صالحة لانواع من العجلات والدبابات،
فلكل دبابة نوعية خاصة من الأرض حسب الوزن.

اللواء الركن عبد العزيز الحديثي الشخصية العسكرية الجريئة الذي رفض عبور نهر الكارون نحو عبادان وحكم بالاعدام،
ثم أعيد الى الخدمة بعد أن حوصر الجيش الذي عبر النهر كما توقع الحديثي،
قال لصدام حسين مباشرة" ان هجوم دبابات في هذه الارض سيقودنا الى الزفت"،
واذا كان صدام لا يقبل بمثل هذه الاراء من ضباط لكنه يعرف كيف يصفي حسابه معهم،
رد منزعجاً على عبد العزيز قائد الفرقة 14:
" بعدك ما تغيرت".
لم يهتم بالجانب العسكري الحيوي في كلام عبد العزيز،
بل انشغل بصراحته وجرأته ووضوحه وهي صفات يخشاها الدكتاتور وهي أهم عنده من مصير الجنود.

بعد وقف الحرب بايام قتل عبد العزيز الحديثي مع هيئة أركان الفيلق الخامس في تحطم مروحية في قرية شوان في كركوك،
في عمليات تصفية هادئة وسرية لم يتطرق لها أحد في حوادث سيارات وسقوط طائرات كحادث مقتل الفريق الركن ووزير الدفاع عدنان خير الله،
وكبار الضباط الذين خرجوا من حرب طويلة أكثر اعتزازا بالنفس وأعلى رتباً،
وصاروا على معرفة دقيقة بالعقل السياسي الحاكم،
وكان يجب التخلص من هذا الفائض أو "الخطر المحتمل".

الفريق الركن ماهر عبد الرشيد الذي كان يردد في مجالسه الخاصة مع كبار ضباط الفيلق الثالث إن امنيته في الحياة أن تنتهي الحرب ويعود كراعي غنم،
مع انه يرتبط برئيس النظام بعلاقات القربي والدم والصداقة والمصاهرة ـــــ قصي زوج ابنته ــــ حقق هذه الامنية وطلب التقاعد بعد انتهاء الحرب،
وعاد الى مسقط رأسه وتحول فعلاً الى راعي غنم كحنين الى حياة طبيعية،
وهو خبير منظمة "العراب" وفضل أيضاً الابتعاد لكي يحافظ على حياته ،
وبعد 2003 ترك حتى المرعى وانتقل الى السليمانية وعاش هناك ومات عام 2014.

هو المصير نفسه الذي حل بالفريق الركن عبد الجبار شنشل الذي مات في عمان،
وغيرهم الكثير صاروا مشردين دون الانجرار الى العمل المسلح،
عن تجربة طويـــــــــــــلة في عراق المفارقات،
وقد يستحقون يوماً روايةً عن (محنة الجنرالات) تلخص تاريخ العراق في القرن العشرين وحتى اليوم.

الادب العراقي ارتكب خطأين في ما يتعلق بطرح هذه النماذج: الأول . تم الإفراط في أسطرتهم ــــ أساطير حرب مفرغة من المشاعر ــــ في السرد العراقي وكان ذلك مفهوماً تحت سلطة باطشة، والثاني: تم تسطيحهم وشيطنتهم وافراغهم من كل مشاعر انسانية في السرد المضاد مع ان بعض هؤلاء عاش رعباً غير قابل للوصف حتى ان مكالمة هاتفية من القصر ــــ قصر كافكا الغامض ــــ كفيلة بكل نوبات الهلع.

الجنرال والمحارب والقائد والشاعر والروائي والرئيس والامين العام للحزب والطفل المشرد ودكتاتور العاب الحظ واليانصيب بمصير هذا الشعب والمفكر،
الذي يكره الاختصاصيين والمثقفين( وهي خاصية يلتقي فيها مع هتلر) صمم على الهجوم المدرع رغم كل النصائح،
ولم تمض دقائق على الهجوم حتى وقعت الكارثة وغرزت الدبابات في الوحل،
وأكثر من ستين ألف ضحية من الجنود الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حرب النزوة.

حكاية الهجوم حسب التوقيت الامريكي تعيدنا الى الجدل القديم حول الهجوم الأمريكي على العراق عام 2003.
كانت أمريكا تريد الهجوم في الخريف أيضا لأنه موعد يسبق انتخابات الكونغرس،
وكانت المانيا برئاسة المستشار شرودر تتخوف من هذا الموعد،
لأنه يصادف الانتخابات التشريعية، حسب صحيفة برلينر زيتنوغ،
مما قد ينعكس على نتائج الانتخابات.

لم يكن هناك اي نقاش حول انعكاسات الحرب على الشعب العراقي،
لأن البشر هنا هم أرقام انتخابية في لعبة مصالح،
ومشروع الاحتلال صمم في الأساس على المحو والانتقام وعلى الخراب،
ونتائج هذا المشروع مستمرة حتى اليوم وبعده لسنوات قادمة.

يقول الصحافي الامريكي الشهير وودورد بوب مفجر فضيحة ووترغيت في كتابه عن حرب الخليج الثانية ــــ الكويت( القادة) الخبير بتفاصيل وأسرار البيت الأبيض،
ان الرئيس الأمريكي بوش الأب وجنرالاته وديك تشيني وزير الدفاع وفريق المكتب البيضاوي المصغر،
كانوا يضعون أحذيتهم على الطاولة الواسعة مقابل وجوه بعضهم وهم يناقشون خطة حرب العراق،
ويقول بوب ان الالفاظ السوقية التي كانوا يستعملونها في الكلام عن العرب لا يمكن لي ذكرها لأنها تخدش الحياء ومبتذلة.

من دون حاجة لمعرفة هذه الالفاظ التي نعرفها بدقة،
لكن الأهم والأخطر ان هؤلاء في كل مرة يلدغوننا من الجحر نفسه،
ونشكرهم على هذا اللدغ "المحرر".

هل هو عطب في الذاكرة؟
أم عطب في الوعي؟
أم اننا، على قول مظفر النواب:
" صرنا نتخوزق بمحض ارادتنا،
لا إكراه ولا بطيخ"؟

 

حمزة الحسن

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152809232142266

 

 

 

07.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

07.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org