<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن العبور نحو العدو

 

 

العبور نحو العدو

 

حمزة الحسن

 

 

الذين عبروا نحو العدو، الجنود الفقراء، أبناء القبائل، الذين سحقوا حقول الالغام،
لم يكونوا من قراء مقالات تمزيق البلاد، لم يقرأوا تفاهات من قبيل: العراق بلد حديث مركّب وقسري،
الحل في التقسيم، المشكلة في الجينات، في الدين، في الهوية، في التاريخ،
تعبنا من الحرب ، العراق تاريخ عنف والخ خطابات مكرسة من قبل مكاتب لم تعد سراً في الشرذمة والتقسيم والخراب.

على مدى سنوات كنا نقول وغيرنا يقول ان هناك مؤسسات ومحطات ومصانع اعلام حديثة،
تأسست، قبل الاحتلال وبعده، لتنفيذ مشروع محو العراق،
وهو مشروع صار واضحاً لنخب الغرب والشرق،
بل ان صناع مشروع الخراب تحدثوا في ندوات ومحاضرات عن الجيل الرابع من الحرب،
أي الجيل الذي لا يحتاج الى جيوش تعبر الحدود،
بل ان جنود هذه الحرب" من أبناء الدولة العدو"،
وهؤلاء لا يحتاجون غير السلاح والاعلام واشعال الفتن،
وعلينا كما يقول البروفسور ماكس خبير هذه الاستراتيجية ادارة الصراع وتقبل موت النساء والاطفال،
أي علينا توفير مستلزمات القتل من سلاح وفوضى،
وهم ينتحرون بارادتهم في الظاهر بعد خلق مبررات وعقائد وهي كثيرة في عالمنا العربي.

الجنود، الحشد، رجال ونساء القبائل، كانوا يجهلون جهلاً تاماً خطابات السحق والتمزيق والخديعة،
ولا يعرفون كيف يبيع الانسان او المثقف وطنه مقابل المال او الموقع،
لكنهم كانوا يعرفون الجريمة على الارض وفي القتلى الابرياء وفي الفوضى،
ويعيشون الفتنة والجريمة كواقع معاش بلا فلسفة ولا حذلقة لغوية ولا خطابات اللف والدوران.
هؤلاء سحقوا في العبور المشرف حقول الالغام، لكنهم سحقوا خطابات الرذيلة.

يمكن أن نختلف على كل شيء إلا الثوابت: الأرض والحرية والسيادة والثروة والحياة البشرية.
لكن هذه النماذج استباحت حتى الثوابت التي صارت" وجهات نظر" بما في ذلك وحدة التراب والاختلاف على الحياة وهوية القتلى وليس ضد مبدأ القتل، وتم تهشيم كل مبادئ وقيم الدول بذريعة حرية التعبير،
وتحول الاختلاف مع هؤلاء الى جنون وتطرف وعصاب نفسي حسب توجيهات مكاتب السراديب الخفية ومؤسسات " الدعم"،
وحلّ مفهوم" المحاصصة" بدل مفهوم " الديمقراطية" وصار توزيع الاسلاب وتقاسم الغنائم والوزارت يسمى " تسوية سياسية" أو " الشراكة" وغير ذلك من المفاهيم التي نزلت الى سوق التداول ببطء وتدرج وهدوء حتى صار البعض لا يفكر الا من خلال هذه الشبكة من المفاهيم ولا يحلل الوقائع او يبحث عن حلول الا من خلالها،
باختصار اصبح هذا هو القاموس الوحيد المتداول، وبعد السيطرة على العقول تاتي السيطرة على الارض.

ليس في تقاليدنا محاسبة او مطاردة من يروج للطائفية والاقتتال والتمزيق والكراهية،
تحت ذرائع وحجج واسباب باهتة متقعرة، وهو تقليد موجود في كل قوانين العالم،
بل ان النرويج التي تطرفت في الليبرالية ودخلت مرحلة ما بعد الحداثة،
وأوغلت في الحريات الفردية، اعتقلت الملا كريكار قبل أيام القائد السابق لتنظيم انصار الاسلام،
بسب لقاء متلفز هنا في النرويج يبرر قتل الرسامين في باريس.

لكن تقاليدنا الثقافية والسياسية والاجتماعية ـــــ لنبصق الحصاة ونتكلم بوضوح ـــ تطارد وتعاقب وتحاسب المختلف والعاشق والمتمرد وصانع الاسئلة المضادة:
تقاليد تعتبر هؤلاء مجرمين، في حين تعتبر القتلة أبطالاً.

لا يتعلق الامر بالحرية عندما ينبح كتاب وأشاعرة وكتبة ومرتزقة منذ عام 2003
في دعوات صريحة ومباشرة ووقحة،
بل ان أحدهم الذي كان يطالب ويغني ويأمر" إنكسري يا عربة الغزاة" ايام حرب الخليج الأولى، وبعد قلب المعطف،
اصدر نداءً قبل شهور على صفحات الفيس بوك يطالب طائفة تتمركز في الجنوب بالرد" بالمثل" على طائفة تتمركز في الغرب العراقي،
بل وصلت الوقاحة ان يطالب بوضع القنابل والمفخخات في الاحياء السكنية للطرف الاخر الذي تعتقله قوى ارهابيه بالقوة والرعب،
من أجل ـــــ يقول حرفياً ــــ " توازن الرعب".

لو ان هذا الانتهازي في أي بلد في العالم لاعتقل في دقائق،
لكني فوجئت بكثرة المعجبين بهذا الاقتراح الوحشي الذي لا يصدر من انسان بسيط،
فكيف من شاعر مع ان كلمة شاعر في العراق لا تعني نفسها في قواميس العالم،
مثل كل المفاهيم الاخرى.

اذا كانت التقاليد السياسية والقانونية غائبة،
فلماذا لا تشكل السلطة الثقافية ومنظمات المجتمع المدني بل الافراد مصدات أمام هذا النوع من الاجرام المنفلت،
وهو الأخطر من أي منظمة ارهابية لأنه يغزو العقول؟
لماذا ، قبل سن قوانين لاجمة ورادعة، لا نعيد العمل بالتقاليد الانسانية البدائية في نبذ واحتقار أو التصدي لهذه النماذج الذي ظلت طوال سنوات تسكب على رؤوسنا الماء الآسن،
وتهددنا كل يوم بالويل والخراب؟
الجمهور الصامت، خاصة جمهور أهل القلم، ليس بريئاً بل هو أخطر المشاركين لأن الصمت يخلق المناخ والبيئة والحاضنة والرحم والدعم لهذه النماذج،
وكما قيل السمك لا يسبح في الرمل.

الذين عبروا حقول الموت والالغام عبروا بأقدامهم فوق كل تلك الترهات وخطابات السحق والشرذمة،
وهم لم يهجموا على داعش فحسب بل هجموا على العقل الرث، على المكر، على المزايدة،
على الصمت المتواطيء،
على عقلية التغليس والدعم لهؤلاء المأجورين،
على خطوطها الخلفية المتنكرة.

صانعو الهوية الجديدة رغم الخطر لم يتحدثوا عن" غنائم" بعد النصر ولا عن" استحقاقات" ولا عن " مكاسب سياسية" ولا عن" فرض واقع جديد" ولا " مناصب وزارية" كثمن،
لأن هؤلاء من عالم بعيد وناء وشاهق ونبيل ويتكلمون بلغة لا يفهمها الرجال الصغار،
وليس في تفكيرهم لغة ضباع الفطايس التي تعيش على الجيف،
وليس على وجوههم غير التراب المقدس،
حتى يبرق التراب على الوجوه نبلاً وبسالةً وعفوية الأزهار البرية غير المدركة لجمالها.

من يدقق في مقالات وخطابات تجار الدم والكلمات بعد الهجوم على تكريت،
يقرأ و يكتشف عجبأً في أكبر حفل تنكري لتبديل المعاطف وليس تبديل المواقف:
من كان يلعن هذه الطائفة ليل نهار بسبب شجار في مقهى او انهيار عرض مسرحي لمخرج معتوه قادم من المنفى يتحدث عن امراء الحرب،
لكنه ناقع بالعنصرية والأمية حتى النخاع،
صار اليوم وطنيا غيورا في دعم قواتنا المسلحة التي كان يسميها قبل ساعات بجنود المالكي والعبادي أو سليماني،
او صار واقعاً في غرام رجال الحشد الذين كان يشتمهم قبل دقائق من بدء الهجوم باقذر النعوت من الشروكية الى الطائفية،
بل هناك من شهّر بهم بسبب جريمة هنا بلا تحقيق ولا شهود ولا محكمة ولا فرصة المتهم ولا تفاصيل القضية،
أو سقوط نافذة او شجرة هناك في حرب مستمرة،
لأن هؤلاء لم يعرفوا الحرب، تجربةً ومعنى، بل كانوا مختفين خلف مكاتب وواجهات كما اليوم،
والانتفاع من القاتل والقتيل، ومن كل الجهات في كل الأزمنة والمتاجرة بالدم.

وهناك من هذه النماذج من اختفى من الظهور بعد الهجوم في انتظار حصاد النتائج لكي يظهر في نهاية المعركة،
تماماً كما في أية معركة لكي يتصدر الواجهة عندما يعود المقاتلون الى بيوتهم بعد الحرب والعذاب والخطر.

نعم، هؤلاء يكرهوننا، ومن حقهم هذه الكراهية، والأسباب صارخة رغم الأغطية والأقنعة والمبررات التي تتبدل في كل ظرف حسب الوقائع الجديدة،
لأن من يريد أن يرقص في مأتم هذا الوطن،
ببنطال ممزق من الخلف لا يريد شهوداً،
ومن يريد ان يعتاش من الدم والخراب،
لا يريد ذاكرة حية.

الجنود، الحشد، القبائل، يعيدون اليوم خلق الهوية الوطنية من جديد،
لأن الهوية ليست معطىً جاهزاً،
بل هي عملية خلق مستمرة،
هي بناء واستمرارية،
ومن حسن حظ هؤلاء النجباء بل من الشرف انهم كانوا بعيدين عن تلك الخطابات،
لأن الذين يعيشون في الأعالي، في القمم الروحية،
في الشرفات العالية المشرقة،
لا يرون المزابل.

 

حمزة الحسن

عن صفحة الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152802829862266

 

03.03.2015

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

03.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org