<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن الحشد الشعبي " الخارجون من الرماد"

 

 

الحشد الشعبي

 

" الخارجون من الرماد"

 

 

حمزة الحسن

 

رجال الحشد هم جيل أو أكثر خرج من الرماد، من ثقافة الموت والمقابر، من اليتم والعوز والسراديب،
من أحياء الصفيح والسعال والأنين والوجع، من الوشايات العارية والمراوح الكهربائية،
من الانتظار أمام السجون أو في سيطرات ومفارز خطوط الحروب بحثاً عن الآباء الغائبين،
ومنهم من عاد من الغياب، ومنهم من لم يعد.

من قال ان رجال الحشد الشعبي هم فلاسفة وحكماء وعباقرة، أو ولدوا في أسرة الحرير،
أو في وطن آمن ومسالم ونظيف، لكي يكونوا في ساحات الحرب مع أرذل وحوش التاريخ،
فراشات وعصافيراً وشعراء؟

الحرب على هؤلاء لم تبدأ الأمس ولا اليوم، بل هي قبل عقود ولم تنقطع، حتى تم بتر نموهم الطبيعي وعواطفهم وغرائزهم.

هناك جماعات محلية وأحزاب ليس من مصلحة مشروعها القادم في تقسيم البلاد وجود هذا التضامن الوطني العام،
لذلك تخشاه مستقبلاً أكثر من داعش التي تعمل تحت السيطرة من الذين صنعوها.

هذا الجيل، جيل الحشد الشعبي، هو أكثر من ضحية لأكثر من طرف:
ولد والدبابات والمشانق والقتلة على الأبواب، لا خيارات ولا مكتبات ولا ألوان، عدا لون حيطان الطين وخيم العزاء،
وثياب الامهات السود من المهد الى اللحد مثل طيور سود أمام السجون والمقابر،
لا سفر ولا مدارس حقيقية تحترم التنوع، لا هيئات تدريس مستقلة عدا معلمين ومدرسين أسرى وسجناء مؤجلين اذا تجاوزوا المقرر والمرسوم والمكتوب.

ماذا نتوقع من جيل أو أكثر عاش هذه الحروب: عام 1974 في الجبال، 1973 مع اسرائيل، 1980 مع ايران، 1990 حرب الكويت، 1991 الهزيمة في الكويت، 1990 الحصار وهو حرب ابادة تهتكت فيها الاجساد والارواح والاعراض، 2003 الاحتلال، ومن 2003 الى اليوم حرب وحشية مستمرة،
ومع كل هذه الحروب كانت حرب النظام الدكتاتوري هي الأشرس والأخطر،
لأن من يسلم من القتل في الحرب،
لن يسلم من القتل او العاهة او الرعب في الشارع والمنزل والعمل والسجن.

لو ان هذه الكوارث التي تتجاوز طاقة البشر والحجر والشجر حدثت في أي بلد في العالم،
لزال من على وجه الأرض،
ولما عثرنا على فرد واحد الا اذا كان معتوهاً يدافع عن وطن ويموت من أجله،
لأن كلمة " وطن" عند هذا الجيل ارتبطت بالنظام والخراب والموت.

هذا الجيل من الجشد، جيل الخسارات الكبرى، والرعب، والذل، والفقد، واليتم، والعزل، والعذاب،
يخرج اليوم من الرماد، من الموت، من العاهات، من ذاكرة جريحة، من وعي أقرب الى الحطام،
من منازل الأنين والبكاء والفجيعة،
للدفاع عن الأرض وليس عن النظام،
فلماذا يراد تصفيته مرة أخرى؟

من قال ان قوات الفيتكونغ مثلا كانوا فلاسفة وعباقرة وحكماء مع ان الغالبية منهم من بيوت محروقة ومزارع مزالة،
ومع ذلك مارست شرائح منهم شناعات قبل سقوط سايغون وبعده محفورة حتى اليوم في الذاكرة الفيتنامية وقتلوا أسرى من النظام الفيتنامي العميل خلال الحرب وبعدها بمئات الألوف بلا مقابر حتى اليوم؟
من قال ان الجيش الاحمر السوفيتي الذي دخل برلين وغيرها كانوا من العقائدين والرهبان والصوفيين،
وقد استباحت شرائح منهم نساءً ومدناً،
حتى كان الناس يهربون من الجيش السوفيتي المحرر الى القوات الامريكية،
ومع ذلك ان الانجاز الضخم في انقاذ البشرية لا يُنسى؟

من قال ان المقاومة الفرنسية كانت من الشاعر أراغون والروائي أندريه مالرو والبير كامو وغيرهم فقط؟
كان هناك أخطر اللصوص وأحط الفرنسيين،
لأن الحرب ، أية حرب، هي سرير دعارة وليست حلقة دراويش، وكل شيء مباح.

هذا الجيل، جيل الحشد الشعبي، الذي نطلق خلفه المفرقعات والوشايات، ونضخم الافعال الصغيرة،
ونحول الجريمة الوحشية هنا وهناك الى جريمة عامة عملاً بالقوانين الجاهلية في تحميل القبيلة جناية الفرد،
هذا الجيل الذي خانته كل الأحزاب بلا استثناء،
ورمته كل الاحزاب في مطاحن الثرم في مواجهة نظام دكتاتوري متوحش،
بلا صيانة أمنية وقائية،
ولا دراية بطييعة غطرسة تلك السلطة،
في عمل سري غير مدروس وصبياني ولا معنى له في الاساس ولا فاعلية،
حيث كان الشباب والشابات يتساقطون في يد الاجهزة الامنية كالفراشات،
ويمضون الى أحواض التيزاب او المشانق بذهول المغدورين،
هذا الجيل الضائع،
الطالع من الرماد عكس كل التوقعات،
هؤلاء الابناء النجباء الذين تخلوا عن الألم والغنيمة والمنزل والحياة،
لماذا نعلن عليهم الحرب جميعاً؟

جيل الخسارات الكبرى، هذا الجيل الباسل، من أي لون وقومية وطائفة وعرق ومذهب وقبيلة،
يستحق منا الاعتذار أحزاباً ومنظمات،
صالونات وفنادق،
سفارات وبيوت آمنة،
ويستحق منا الرعاية والحنان والدراسة والمؤاساة والحب،
لأنه عاش ، اذا عاش،
في كابوس طويل وليس في وطن،
والخارج من الكابوس ليس مثل من يخرج من منازل مرفهة وحاكمة ومستعدة للصفقة والتسوية.

أبناء الصمت والارامل والمفقودين والجرحى الذين تجاوزوا قدرة الجسد البشري على التحمل،
وقدرة الذات على الغفران وليس النسيان،
لا يجوز مرة أخرى أن نسلبهم حقهم في الدفاع عن وطن صار بيتاً للعقارب،
حقهم في الموت وكالة عنا،
بسبب سلوك طائش هنا او جريمة هناك،
حروب التاريخ لا تخاض بفلاسفة،
لأن أسوأ مقاتل هو الفيلسوف الذي يضيع في دوامة الاسئلة حتى يصبح جسده ميدان رمي.

الذكرى العطرة للمرحوم أبو كاطع في مقال له عن رجل كان يتباهى أمام النساء بالفحولة والمراجل،
وفي احدى المعارك دخل القرية هارباً،
فزغردت خلفه واحدة شامتة تقول" وين مراجلك؟"
قال وهو يلهث:
" هذه حرب مو شيل...زرو...الخ"

 

حمزة الحسن

عن صفحة الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152778574907266

 

20.02.2015

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

20.02.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org