<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن أشباح الامبراطورية

 

 

أشباح الامبراطورية

 

 

حمزة الحسن

 

ما هي اللحظة المفصلية الفارقة التي تتحول فيها المنظمات الارهابية الى عدو حقيقي للنظام الغربي والامريكي؟

عندما تدخل المنظمة السرية الارهابية في معركة مع هذه النظم، وينقلب السحر على الساحر،
وتتغير كل قواعد اللعبة التي كانت في الأساس ان تكون منظمات الارهاب الذراع الطويلة لهذه النظم في تحقيق المصالح الكبرى،
وفي تنفيذ ما تتحاشى علناً من تنفيذه، وتتغير جغرافيا الصراع من صراع محلي وحشي، الى صراع دولي،
أي عندما تعبر المنظمة السرية الخطوط الحمراء،
تماما كما قال الرئيس الامريكي قبل أيام من ان:
"داعش تجاوزت الخطوط الحمراء".

عندما يصبح الصراع تنافس مصالح مع النظم الكبرى والاشباح،
يتحول الى صراع إدماء وحشي،
الى صراع نزع الأقنعة:
النظم الكبرى والحليفة تريد نزع القناع عن الأشباح وهو سر قوتها،
والمنظمة الارهابية تريد نزع قناع القوة والهيبة:
الأولى تريد السحق، والشبح يريد الاذلال.
كلاهما يشعر بخيانة الآخر.

وحش خُلق لالتهامنا، لكنه بالغطرسة، يحاول التهام خالقه،
كما يحدث، عادة، في سيرك حيوانات مفترسة تتمرد على الترويض وتخرج عن السيطرة.

لكن ماذا يحدث عندما ينقلب المارد على صاحبه،
ويرفض العودة الى القارورة ويحترم" الخطوط الحمراء"
وهي خطوط لا تخص الشعوب المبتلاة،
بل تخص المصالح الحيوية لتلك الامبراطورية العاتية؟

مرة أخرى نحن أمام قرصان الاسكندر الذي قال رداً على سؤال الامبراطور" لماذا تزعج البحر؟" فأجاب القرصان" أنا أسرق بسفينة صغيرة وأدعى لصاً،
وانت تسرق بإسطول وتسمى إمبراطوراً".

عندما يرفض الزير العودة الى البير،
وتدخل المنظمة الارهابية في صراع مع هذه النظم الكبرى،
تدخل هذه المنظمة في صراع أشباح يقلب كل قواعد وأسس القوة للامبراطوريات الجديدة المحسنة،
ويتغير مكان الصراع المعلوم الى مكان مجهول،
كما يتغير زمان الصراع المعلوم الى زمان مجهول،
ولا تعود القواعد العسكرية الضخمة والاسلحة الفتاكة والاستخبارات قادرة على توقع الضربة القادمة الا في حالات نادرة.
فماذا تنفع الصواريخ العابرة للقارات مع أشباح؟
هكذا تنقلب كل استراتيجيات هذه الدول التي تدربت على السحق الكلي أو الجزئي للأعداء الواضحين من" مارقين" و" أعداء محتملين" و" أعداء مؤجلين" و" أشرار"...الخ.

العدو الشبح يصبح لغزاً،
وفي هذا اللغز تكمن القوة وتتحول القنابل الذرية الى متجر عتيق،
وتدخل هذه النظم في حراسة مهلكة عصابية ضد الاشباح،
ولا أحد يعرف من أين سيأتي البرابرة،
الذين أرادوا لهم أن يكونوا" حلّاً"، فصاروا ورطةً:
الفراغ الذي يتركه الأشباح في المحطات والشوارع والحدائق والمؤسسات،
الفراغ المملوء بالشرطة والكاميرات هو الأكثر إمتلاءً بالضجيج الصامت والمترقب،
هو الأكثر انهاكاً من ظهور الاشباح،
فقد يكون الظهور والانفجار هدنةً مؤقتةً،
لكن الترقب والتوقع والانتظار حرباً نفسية مرهقة.

لم تعد ساحة الصراع قواعد عسكرية أو حشودا علنية أو مؤسسات أو بنى تحتية يمكن تدميرها في ساعات،
بل تصبح قواعد سرية وكهوفاً وأنفاقاً في الوديان والجبال،
والأسوأ عندما تصبح الأشباح داخل هذه الدول،
وتدخلها في هيستيريا الحراسات والانذارات في حرب استنزاف مثل رأس جبل الجليد لا يُرى إلا الجزء الظاهر،
في حين ان المعارك مع الاشباح تجري في كل مكان حتى يصبح المكان نفسه شبحاً:
في المطارات، الحدائق، المصارف، الشوارع، الانترنت، الصور،
دون أن ترى هذه النظم الأشباح النائمة،
إلا في لحظة الانفجار.

الصراع مع الأشباح منهك ومخيف ومستنزف،
لأن المنظمة السرية الخفية تحجز مكان القتل،
عكس الدول المعادية الصغيرة التي يمكن سحقها، وتمتلك المبادرة والمبادأة،
وتمتلك أيضا الزمان عندما تقرر أن تضرب في أي وقت،
وخارج التوقيت التقليدي في صراع الدول الكبرى مع الدول الضعيفة.

اللحظة المفصلية في الاقتتال بين هذه النظم والمنظمات الارهابية عندما تبدأ هذه الاشباح في الطرق على الأبواب الداخلية،
عندما تتحول المطاردة الى اذلال للنظم الكبرى والحليفة،
عندما تتحول القواعد العسكرية الضخمة الحديثة الى لعب أطفال غير قادرة على العثور على شبح ارهابي في سوق أو شارع أو متجر،
عندما تصبح القوة عجزاً،
ويصبح العجز إهانةً.

تتحول شرطة وجيوش ومخابرات الامبراطور الى قطعان هائمة مذعورة في الشوارع والمراقص والمتاجر والمؤسسات،
تتوقع المتلصص من خلف الاشجار والظلام والحيطان.

لن يعود الشبح الى العلن،
ولن يحترم" الخطوط الحمراء"،
ولن يدخل في صراع حسب شروط الامبراطورية،
لأن قوة الشبح في الغموض واللغز والسر،
وهو غموض يعري عجز النظم في اعادة المارد الى القمقم،
حتى لو قرأوا له كل لوائح حقوق الانسان،
فليس غير الشبح والمنظمة الارهابية والقرصان من يعرف نفاق الامبراطور.

لكن هناك لحظة تضع فيها المنظمة الارهابية رأسها تحت المقصلة والسحق،
عندما تتحول الى "كيان" علني و" دولة" ومؤسسات،
نتيجة إطمئنان سابق بسبب العقد السري مع النظم الممولة والداعمة،
في شروط الالتزام واحترام الخطوط الحمراء،
واحتكار الخراب والقتل على دول منهكة ومستنزفة ومعادية اليوم أو غداً،
لكن النهاية ستكون عبر ممر طويل من المكاسب للطرفين،
ووضع الدول الضحية للارهاب تحت علاقات السيطرة والاستغلال بذرائع الحماية من شبح الارهاب.

هذا هو السبب الذي جعل منظمات الارهاب السرية تقلب قواعد اللعبة وتعود الى السرية التامة،
وتعيد ترتيبات الأمن وتمنع الظهور العلني السابق المكثف قبل انقلاب المارد:
قوة الشبح ، قوة المنظمة الارهابية، ليست في الظهور،
بل في السر واللغز والاحتجاب، في غير المتوقع، والمخفي، في الصمت، في المنتظر،
عندها لا يستطيع الامبراطور هذه المرة القبض على القرصان،
الذي تعلم أحفاده أن السرقة بسفينة صغيرة مكشوفة وبلا عقيدة حارة للتمويه ــــ مفهوم القضية ــــ تجعل الاتباع يتحملون مشاق القتال والموت، يعرضه للخطر والسحق:
من الأفضل أن يظل يطوف شوارع العالم كشبح،
تاركاً الدول الراعية والمنتجة له عرضةً للذل،
والرعب والانذار والانهاك والاستنزاف،
والانتظار المهلك والتوقع المرْ،
لبرابرة قد لا يصلون اليوم،
لكنهم سيأتون غداً،
رغم ان كلفة الإنتظار هي الأقسى.

 

حمزة الحسن

 

19.01.2015

 

عن صفحة الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152715607137266

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

19.01.2015  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org