<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن ما بعد الانهيار: حوار مع الجن

 

 

 

ما بعد الانهيار: حوار مع الجن

 

 

حمزة الحسن

 

 

انتشرت في الشهور الأخيرة ظاهرة القنوات الفضائية العربية
التي يديرها مشايخ وفقهاء من كل الألوان،
وليس في ذلك مشكلة، ففي الغرب هناك محطات خاصة بالقطارات والمطارات والحانات والصيدليات وغيرها،
لكن قنواتنا العتيدة تخطت حدود الواقع المزري أصلا الى الأسطورة.
ودخلنا الاسطورة ثم الخرافة،
حتى ان بعض تلك القنوات عن طريق مشايخ منتقين صاروا يجرون حوارات مع الجن
في الهواء الطلق والمباشر،
بل ان أحدهم أخرج جنّياً من دماغ سيدة متصلة على المباشر،
وليس ذلك فحسب بل أجبره على دخول الاسلام، على أساس ان هذا الفقيه الطرطور نفسه مسلم.

ما حاجة هؤلاء المشايخ الى ذلك وعندنا في عالم السياسة والتجارة والثقافة والحرب واللبن والنقد والشعر والاقتصاد والمصارف من الشياطين
ما يفيض عن مساحة الصحراء؟

هل الحوارات العادية مع رجال ـــ نساء السياسة تدخل في خانة الحوار مع البشر؟
عندما تسمع سياسيا يقول في لقاء مفتوح لو انه كان صاحب قرار لاستطاع في أيام اعادة الاوضاع الى سكتها،
وانجاز العدالة والتنمية، وتحقيق الرفاه الاجتماعي الى آخر الهراء،
هل هذا الكائن ينتمي فعلاً الى عالم البشر؟

أو يقول سياسي خرج في السنوات الأخيرة من مجاري مكبوسة بالخوف والرعب انه قادر على تحرير الموصل في اسبوع اذا توفرت له ثلاث فرق عسكرية،
مع ان الفرقة الوحيدة القادر على قيادتها فعلا عن خبرة عريقة هي فرقة كاولية.

بل شاهدت وانا أكاد أغص من الدهشة راقصاً انتقل الى السياسة من مراقص أوروبا على قناة عربية معروفة التوجهات،
يشرح خطة تحرير الموصل انطلاقاً، كما قال حرفياً، من خبرته في حرب الخليج الاولى،
ووصف كل تضحيات ودماء وانجازات الجيش وفرق المتطوعين وتحرير قصبات ومناطق كثيرة،
وصف كل ذلك بأنه( انجاز تكتيكي) لا يرقى ، يقول، الى( الاستراتيجي)،
مع اليقين القاطع ان كل خبرة هذا( المحلل السياسي) والمحارب القديم لم تكن تتجاوز العمل كجندي خدمة ــــ مراسل ـــ لدى أحد الضباط،
وكل مؤهلاته التكتيكية والاستراتيجية هي صبغ الحذاء وتنظيف سرير الضابط والسهر الليلي على راحته وربما أبعد.

متى نخجل من الدم المسفوك ونصمت بعض الوقت ونتوقف عن طرح المشاريع القاتلة في لحظات عصيبة كما تفعل كل شعوب العالم،
ونترك الجنود والمحاربين ينجزون بالعرق والعذاب والشتاء والوحل والدم وانكار الذات،
مهمة تحرير بلدهم لأن الأرض ليست السلطة؟

ماذا يعني هذا الكم الغريب من حوارات المشايخ مع الجن،
وعن العشاء الليلي مع النبي في الحلم كما قال فقيه سعودي،
مع ان الأكل والنظر وسماع ومصافحة هذا الفقيه هو نوع من الاثم والخطيئة التي لا يمكن التحلص منها بكل أنواع الجزر الخلابة،
وكل أنواع الصلاة والموسيقى والنبيذ والرياضة واليوغا،
ولا يمكن نسيان صوته الكريه تحت أعنف المدافع؟

على المستوى الآخر، هل صار الجن على هذه الصورة من البلادة حتى يخرج رأسه من جسد سيدة حسناء لكي يصبح صديقاً لشيخ دجال قبيح الشكل والجوهر؟
كيف يمكن بهذه العلنية والوقاحة تعميم التفاهة،
حتى يصبح الوهم واقعاً والواقع وهماً؟

من دون أدنى شك ان العامل الرئيس في هروب الناس الى هؤلاء المشعوذين هو غياب مشروع نهضوي فكري في مستوى الحاضر،
وفشل خطابات السياسة والثقافة والفكر المضادة،
ويأس الناس من الوعود والبرامج والمشاريع التي أسفرت عن حمامات دم وخراب وفقدان الأمل وانحباس الآفق،
وعجز اللغة في التحول من لغة بيع الأوهام عن طريق الانشاء والحذلقة والتقعر الى لغة معرفية تحلل وتفكك وترسم صورة الحاضر والمستقبل.

اذا كان في استطاعة دجال أن يُخرج الجن من جسد واحد على الهاتف المباشر،
فكم نحتاج من الدجالين لطرد الجن الأكثر شراً،
الجن المرئي والمسموع والمحصن بالقانون والسلاح والمال والخطابات،
جن رجال السياسة؟

اذا كان الجني المسكين قد استجاب من قراءة سورة واحدة أو آية وخرج على البث المباشر من جسد المرأة،
فكم يحتاج، مثلاً، صالح المطك وعلاوي والبارزاني والنجيفي وغيرهم من الكتب المقدسة والأدعية والبخور وحلقات الدراويش والتراتيل وقرع أجراس الكنائس،
والصلوات والتوسلات والمظالم،
والوحل والخيم والمهجرين والجثث والسرقات،
والدماء للخروج من جسد هذا الوطن؟

 

حمزة الحسن

05.01.2015

 

عن موقع الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152681001097266

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org