%@ Language=JavaScript %>
ثابت حبيب العاني وصفحات من السيرة الذاتية
د. كاظم الموسوي
(غلاف الكتاب)
حين يرد اسم ثابت حبيب العاني (1922- 1998) في جلسة او لقاء مفتوح يذكر الرجل بخصال طيبة وسمعة اجتماعية محمودة، وحين يشاد به في غير هيئات حزبه الذي افنى عمره في الانتماء والكفاح الوطني فهذا يعني ان ما كتبه من صفحات من سيرة ذاتية تعيد للقارئ تلك الصفحات والسطور من تجربة ومخاضات معاشة، لها صدقيتها بإطارات المنقول والمروي عنها وعنه. هذه الصفحات نشرت بعد رحيله من قبل عائلته وأصدقائه. كتبها صفحات، او لمحات كما ذكر، من تاريخ النضال الوطني والتطورات السياسية في تاريخ العراق، ليقدم بها شهادة مكتوبة تكشف تاريخ الرجل وكفاحه، وتسجل مسيرته في الحياة والنضال من اجل الشعب والوطن.
كتابه الوحيد الذي استجاب له ودوّنه، وهو يشعر بأنه "مهمة ليست سهلة" او "مهمة معقدة" تتطلب ان تتناول الاحداث "بصدق وبعيدا عن النزعة الذاتية" كما قدم مذكراته، والتي تتفق او تتقارب مع كثيرين ممن كتبوا مذكراتهم من رفاقه في قيادة الحزب الشيوعي في كثير من الامور المشتركة او العامة، ولكن تتميز عنهم بما عاشه هو شخصيا وخبره في سنوات صعبة مرت عليه واختص بمسائل محددة منها وعرف بها. حاول ابو حسان، ابو ماهر، (من اسمائه وكناه) ان يرصد ويثبت ما عاشه شخصيا وما ارتبط بحياة الحزب في لمحات احيانا او في تذكر لها. راويا قصته بتسلسل تاريخي في اغلبها، وتنقل بما اراد ان يبقى له فيها. لاسيما ما تميز به شخصيا في الشأن العسكري والعمل في صفوف الجيش والتنظيم الشيوعي في الثكنات العسكرية، وتكليفه بقيادة او تنظيم منظمات حزبية مدنية اخرى، او قيادة تظاهرات واحتجاجات وزيارات ديمقراطية عامة.
بدا بكتابة مذكراته عام 1984 ولكنها تعرضت للتلف والغرق في نهر الزاب وهو يعبره مجبرا من ضفة الى اخرى ضمن حركة الانصار في شمال العراق، ثم اعاد كتابتها من جديد واضطر مكرها لحرقها وهو يمتثل لقرار حزبي بعد القصف الكيمياوي والرحيل الى الاراضي التركية وخشية الوقوع بأيدي السلطات التركية. وهكذا انتهت محاولاته البكر او مساعيه لتلبية رغبته واستجابته لطلبات من احبهم وأحبوه. الى ان يختمها بالقول: "ولذا فان مذكراتي هي عبارة عن وجهة نظري حول احداث شهدتها وعرفتها وعايشتها وساهمت فيها، كما هي مواكبة لشخصيات عاشت تلك الاحداث ونقلت انطباعاتي عنها". ويؤكد في صفحاتها ان عناصر كثيرة لعبت دورا في شخصيته ومساهمته في المعترك السياسي، ولهذا ابتدأ بصور متعددة من الطفولة والمدينة التي ولد فيها وحمل اسمها لقبا له، الى العائلة التي وفت له واخلص لها حتى الرمق الاخير وانحدارها الطبقي والاجتماعي والمدارس التي تعلم فيها وتدرب في مستوياتها. وبدايات مشاعره العدائية للاستعمار البريطاني وتوجهه او تقبله طروحات وأفكارا قومية، بحكم بروز تيار وطني واسع يحمل مهمة خوض الصراع ضد الاستعمار، قبل تبلور رؤاه وتأثراته بالانتماء الشيوعي، الاممي.
استبقت عائلة الفقيد في تقديمها ما يمكن نقده وملاحظته في الكتاب بقولها "وها هي الصفحات من سيرة الفقيد جاهزة لإطلاع القارئ رغم ما قد يعتريها من نواقص غير قليلة، فهي لا تغطي فترات مهمة من تاريخ العراق السياسي. كما انها تتضمن اراء واستنتاجات قد لا تتفق مع ميل بعض القراء والمتابعين لفترة حساسة من تاريخنا. وتبقى هذه المذكرات عبارة عن ذكريات وانطباعات ووجهة نظر الفقيد عن الفترة التي عاشها خلال تلك السنوات العاصفة". وفي كل الاحوال فان المذكرات المنشورة اصبحت بيد القراء والتاريخ، ومن هنا فالأسئلة التي يمكن ان تسال او القراءة النقدية لها تظل هي الاخرى في حسابات التاريخ ووجهات النظر الضرورية. ليست لهذا الكتاب وللمؤلف او من ينوب عنه فقط، وإنما لكل من يتنكب ويسجل مذكراته من القيادات السياسية والشخصيات التي لعبت دورا في الحياة السياسية والفكرية في العراق، ايضا. وما يمكن قوله هنا ان اغلب من اصدر مذكراته حاول ما استطاع الكتابة عما اراده هو لا عما ينبغي ان يقدمه او ينتظر من شهادات تضع الامور بموقعها الفعلي والضروري لها. حيث ان الرغبة شيء اخر غير الواقع او غير ما حصل فعلا، له تفاصيله وحيثياته ونتائجه، وكان من الضروري توضيحه كما هو ونقل الموقف منه مرتبطا بتطوراته وانعكاساتها، ونقده بما يتطلب في وقته او تحليله وتبيينه. وهذا ما يبحث عنه القارئ من كتّاب المذكرات، طرح الوقائع وتسليط الاضواء على ما كان وظل اشكالا او موضع جدل ونقاش، لاسيما وصاحب المذكرات له دور فيه شخصيا او بحكم موقعه ودوره السياسي والقيادي في الحزب والحركة الوطنية.
كأي مناضل شيوعي في العراق وغيره من البلدان المشابهة تعرض من بدايات الوعي الى التضييق والسجن والاضطهاد والتعذيب والعمل السري والاختفاء والتفنن في مواجهة القوى المتحكمة والمتسلطة، وهو ما حصل وكتب عنه. وكم كان جميلا وصفه والتعبير عنه من حب المؤلف لمسقط رأسه وأصدقاء الطفولة والمدارس والعمل الوظيفي وتذكرهم بالأسماء والأدوار لكل من عمل معهم من بدايات الوعي السياسي والاختيار وحتى الانضمام الى الحزب الشيوعي والانشداد لقيمه والعمل ضمن صفوفه منذ عام 1943 في ظروف قاسية ومواجهات صعبة، كما تذكر حياته الخاصة وزواجه والمهن والاماكن التي عمل فيها وارتبط فيها بالعمل الحزبي او تواصل مع نشطائه وفعالياته. ولم يخل من مروره وتنقلاته بين عواصم مختلفة ولقاءات متنوعة. وهنا دوافع المذكرات والصراحة في اغلب اسطرها. أي انها تشد القارئ لكثير من الامور وتسلسل الاحداث في تلك المرحلة، والتشوق لما يعرف بمؤلفها ويقربه اكثر للقارئ الذي تعرف عليه او لم يعرفه قبلها.
ثابت حبيب العاني محترف حزبي، او اسم على مسمى، تفرغ للنضال واختار الطريق وتحمل ما تحمل، ولأنه تخرج من الاعدادية العسكرية، واشترك في تأسيس اول اتحاد طلابي في الجيش العراقي (ص47)، ودخل الى الكلية العسكرية وفصل منها كلف بمهام العمل العسكري، تنظيما وتحضيرا وإعدادا، في العمل السري او في ظروف العلن. كما ان ما كتبه يعد شهادة رسمية وتوثيقا من ممارس مباشر في هذا المجال بذاته. وهو ما ميّز كتابته عن غيره، على الاقل في هذا الشأن المهم تاريخيا وسياسيا. ولكنه كغيره من رفاقه الذين كتبوا مذكراتهم لم يفصلوا في هذه القضية التي تعكس اهتمام الحزب وسياساته في مسائل مهمة، تتعلق بمفهومه عن الثورة والدولة ودور العوامل المختلفة فيهما، وكل ما سجله مهم جدا ولكنه قليل جدا، لاسيما علاقاته مع رفيقه المسؤول الحزبي عن التنظيمات العسكرية قبله، عطشان ضيول الايزرجاوي، ولتجميده حزبيا في هذه القضية تأثيراتها الاخرى. ومثلها بما يتعلق بقضية التجميد من قيادة الحزب لاحقا، وهو نصير في كردستان وبعد سنوات من قرار التجميد المبلغ بأسبابه، في الوقت الذي وضع نفسه في لحظات حرجة، ولكنه كسب جماهير الانصار، قاعدة الحزب الرئيسية في كردستان العراق، ونال حبها له رغم انه صار مبعدا من موقع القيادة دون ان تعرف الاسباب لها، بينما رضي تناقضه مع حال رفيق له ثارت عليه قاعدة الحزب لأسباب اكثر من معلنة واحتفظت القيادة الحزبية له بموقعه الحزبي وتسليمه مسؤوليات اكثر من قبل ما كانت لديه اثناء ممارساته الخاطئة. رغم ان المؤلف اشار الى تلك "الظروف" على عجالة مثل غيرها من المواضيع المهمة لمعرفة قارئ المذكرات، واغلب الامور مكشوفة او مفضوحة.
ما يلفت الانتباه او ما يميزّه هنا عن غيره ايضا، هو اعترافه، او التصريح المكتوب، بأكثر من مكان بدور الحزب في احداث يتهرب من تحملها كتّاب تاريخ الحزب، او من بقي من قياداته، مثل احداث الموصل (ص234) بعد "محاولة انقلاب الشواف"، وكذلك تلكؤ وتباطؤ اتخاذ القرارات الحزبية في الظروف الحاسمة وتقديم ضحايا جسيمة وخسائر تاريخية لم تعوّض بسهولة بعدها. فكتب عن غياب قيادة الحزب عن معرفة اللحظة التاريخية و"الحلقة الرئيسية في السلسلة" وتشتت الموقف منها وإضاعة فرصتها. وفي تقرير رفعته اللجنة العسكرية التي كان مسؤولها تفاصيل ومعطيات تؤيد ذلك. اورد منها: "كان الجيش العراقي في ذلك الوقت، يضم خمسة آلاف ضابط. وينتظم خمسمئة ضابط منهم، بين ملازم وزعيم، في الخلايا واللجان الحزبية التابعة للحزب الشيوعي. كما لدينا صلة بألف ومئتي ضابط كأصدقاء متبرعين شهريا للحزب. أي ان قوانا من الضباط كانت قد بلغت الف وسبعمئة ضابط. وكان عدد الجنود وضباط الصف في الجيش العراقي انذاك 110 آلاف، وقد بلغت قوانا المنظمة فيه اكثر من ثلاث آلاف عضو، أي بنسبة 2- 2,5%، وأرفقنا في هذا التقرير احصائية بقوى الخصم. وكانت قوة الاخوان المسلمين تأتي بالدرجة الثانية بعد قوانا، وتليها قوة القوميين ثم البعثيين وفي اخر القائمة قوة القاسميين. وأرفقت بالتقرير الخطة التي وضعها جلال الاوقاتي، وقدم التقرير الى المكتب السياسي باسم اللجنة العسكرية". (ص ص 260-261). واستكمل :"في لقائي مع السكرتير سلام عادل وجدته متعاطفا مع المقترح، غير ان الرد الذي وجهه اعضاء المكتب السياسي الموجودون في العراق، وهم كل من سلام عادل وزكي خيري وعامر عبد الله ومحمد حسين ابو العيس وجورج تلو وعزيز محمد وسلام الناصري ومرشح المكتب السياسي عزيز الشيخ، في شهر حزيران 1961 كان مخيبا للامال. فقد تضمن الرد نقدا لاذعا للجنة العسكرية التي قيل فيه انها تستهين بالجماهير" (ص261).
شهادة ثابت حبيب العاني في صفحاته المنشورة إضافة مهمة في التوثيق لمحطات حاسمة في تاريخ الحزب وفي عكس لمحات من ما كان يدور في قيادة الحزب وسياساته العامة في تلك الظروف الصعبة التي مرت على تاريخ العراق. وفيها مفارقة ظريفة ليست شخصية طبعا، شاركه فيها اخرون ايضا، هي ان حوافز وعيه السياسي كانت محملة ومندفعة من النضال ضد الاستعمار البريطاني واستغلاله واضطهاده للشعوب وللمستعمرات التي ابتلت به، ومنها الشعب العراقي والوطن العراقي، وإذا به وبغيره طبعا، يقضون اخر ايامهم في عاصمة هذا البلد المستعمر، لاجئين او منفيين، ولكل ظروفه وأسبابه بالتأكيد، بل ويدفنون في ارضها، في لندن، وغيرها من عواصم الاستعمار القديم والجديد. لا يجدون في ارض تضحياتهم مساحة قبر اخير، تضم رفاتهم وتعيدهم الى مرابع الولادة وصرخات الوالدة الحنون. ومع كل ذلك يضم الكتاب بعض الاشارات التي تقرأ بين السطور، ومعها ظل العاني صادقا مع نفسه وإخلاصه للحزب الذي "يعود الفضل لهذا الحزب في بلورة وعيي السياسي وصقل شخصيتي في اطار هذا الكائن الاجتماعي، أي الحزب" كما ثبت هو ذلك، ولمّح الى منعطفات او مواقف كانت لها تاريخ. وظلت هي الاخرى تسأل عن اضاءات اخرى لدراسة وبحث وقائعها وتداعياتها، ليس فيما حصل حينها فقط، وإنما فيما يحصل الآن ايضا.
* الكتاب بـ540 صفحة من القطع الكبير، حقوق النشر والطبع لدار الرواد المزدهرة، بغداد، طبعة 1، 2014، تصميم الغلاف للفنان فيصل لعيبي.
تاريخ النشر
22.06.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
22.06.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |