<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي قولي لهم أماه.. ان يتذكروا

 

 

 

قولي لهم أماه.. ان يتذكروا

 

 

د. كاظم الموسوي

 

قولي لهم اماه.. ان يتذكروا، عنوان جميل لكتاب ممتع.. قصص قصيرة، ذكريات، يوميات، شهادات من سيرة ذاتية لمثقف عضوي، شارك فيها وعاش تفاصيلها وسجلها بامانة ونشرها تحت هذا العنوان. "قولي لهم اماه.. ان يتذكروا" كتاب جامع بأشكال ادبية وأنواع فنية وقدرة ابداعية.. وقد تكون القصص والذكريات التي سطرها المؤلف من اوائل التجارب المتفردة عن الكفاح الوطني الثوري للشعب البلغاري. وقد ترجمت بعضها الى العربية، وللمترجم الراحل ميخائيل عيد، الذي ترجم هذه المذكرات، وغيرها من النصوص الابداعية لكتاب مشهود لهم، ودور الثقافة والنشر السورية دور محمود في هذا النشر والإعلام. كما حفلت المكتبات العربية وخصوصا جهود مترجمي دار التقدم للنشر في موسكو بما نشر من الادب السوفييتي عن مراحل النضال الوطني للشعوب السوفييتية ضد الفاشية والنازية ومن اجل التحرر والتقدم والأمن والسلام العالمي. حيث انتشرت في اللغة العربية من ابداعات وملاحم الشعوب السوفييتية للروائي المعروف بدونه الهادئ، ميخائيل شولوخوف وقصصه الاخرى والعديد من الكتب التي من بينها والتي لا تنسى لمن قرأها، رائعة نيقولاي استروفسكي "والفولاذ سقيناه"، وفادييف في "الحرس الفتي". وآخرون وروائع اخرى خلدت ابطالها وقصصهم عن حب الحياة والأمل في التضامن من اجل انهاء دخان الحروب وبناء عالم جديد، للشعوب التي كابدتها وعاشت صفحاتها، في الاتحاد السوفييتي وبلغاريا وغيرها من الدول الاخرى التي لها مؤلفاتها بالتأكيد.

مؤلف هذا الكتاب اسمه غينو غينوف- فاتاغين، مناضل مشارك في حرب التحرير البلغارية من العبودية والاستغلال والاستبداد. ورغم ذلك سجل في تقديمه: ليس هذا الكتاب تسجيلا متتابعا للطريق الكفاحي لجيلنا وإنما هو نتف مقتطعة من مراحل المسيرة النضالية. بينما كتب الناقد البلغاري تودور يانتشف عن الكتاب: قصة وثائقية صريحة ومؤثرة حول البطولة. وهو يقرأ النص: "يمكن النظر الى قصة الجنرال غينو غينيف، الذي عرف باسمه الانصاري المجيد فاتاغين، الوثائقية الرائعة "قولي لهم اماه.. ان يتذكروا" التي تقتطع لحظات هامة من الحياة، والنضالات، والمصاعب، والمأثرة الثورية لفصائل الانصار من سريتي "خرستو بوتيف" و"فاسيل ليفسكي". وما السمات المميزة لهذا العمل الابداعي غير الكبير حول المقاومة، الذي هو فني بقدر ما هو وثائقي، لان المؤلف بعث الى الحياة من جديد كل ما لمسه اثناء سنوات حياة شبابه في حركة الانصار، بعثه وكأنه في وقتنا الحاضر بتلك الاصالة من المشاعر التي تجعلنا ننفعل معه، نفرح ونعاني مع المصائر الانسانية". وواصل الناقد قراءته لنص الكتاب وكتب عن تجربة المؤلف السياسية والقتالية وتطوراتها العملياتية وتقدمه الشخصي فيها، حيث كان احد الناشطين والمنظمين للحركة الانصارية في مدينته بلوفديف وقائدا لها مما اتاح له ان يضمن كتابه مادة حياتية غنية.

ولد المؤلف فاتاغين في 21/6/1920 في قرية تابعة لمحافظة بلوفديف منحدرا من عائلة فلاحية، وعمل في منظمات شبابية وحركة الانصار المقاومة حتى الانتصار والتقدم في المناصب القيادية للحركة السياسية والعسكرية الشعبية في بلاده. وأصدر كتبا عديدة غير هذا الكتاب عن شخصيات بلغارية مقاومة وعن فنون الحرب والاختبار والزمن لكل صباح حالم في بلغاريا.

والكتاب في طبعته العربية الاولى في 462 صفحة من القطع المتوسط، صدر في دمشق عام 1982، ولم يذكر تاريخ الاصدار بلغته الاصلية، وأية طبعة اعتمدت في الترجمة. استهل المؤلف كتابه بوصف للمنطقة التي بدأ النضال فيها ومجموعة الشباب التي انتظمت في حركة المقاومة. ورصد بذكاء وذاكرة حية حيوات من اشترك معه من الاشخاص، والصعوبات والظروف التي واجهتهم والأيام التي مرت عليهم، او التي عاشوها في تلك المنطقة وفي ذلك الزمان. قسم الكتاب الى فصول قصيرة ووضع لها عناوين مستلة من مضمونها، بأسماء ابطالها او بالأماكن التي تمت فيها. موثقا فيها وقائعها وأحداثها بمصداقية واعتراف حقيقي فيها. ناقلا ما حصل، من بطولات وانتصارات، من خسارات وفقدان، من خيانات وغدر، من نكسات وتعقيدات، من شهادات ووقائع، تثبت ثراء تلك التجربة وغنى تلك الايام. ليعدها لصوت الشعر وتذكر بوتيف الذي ترنم فيه ووضع عنوان الكتاب من فقراته، لتروي الام، كل القصة، كل الصفحات، كل السجل، وان يتذكروا. ليتذكر من بعد كل من عاش التجربة او جاء بعده، زمنيا، ليعرفوا تاريخ الوطن ونضال الشعب. لتعرف الاجيال التضحيات والدماء الزكية التي عبدت الطريق وبنت البلاد ونهضت بالأمة لما ترنو له وتصبو اليه.

في صفحات الكتاب سطور ممتعة فعلا عن الاحداث اليومية التي عاشها المؤلف، عن اللقاءات والنشاطات والأعمال الانصارية. كما ان المؤلف مثلما خاض التجارب تلك عرف اهمية التاريخ فيها ولها، او وضع حكمه امامه وهو يكتب ما ضمته فصول الكتاب. كتبها بأسلوب شيق ورصد مستمر لسيرها كما عاشها واشترك فيها. اورد تفاصيلا عن اللقاءات مع غيره من المناضلين ومن هم وما هو دور كل منهم، وكذلك عن الاسماء المتغيرة والحياة السرية التي خاضها. كتب: "التاريخ اصدق حكم على الانسانية. لا احد يستطيع ان يبدله، وان يسبقه او ان يدفعه الى الامام، حتى محاولات الشطب عليه بقلم او الدخول فيه او الهروب منه كلها ضلال عابث. ثمة مراحل في تطور التاريخ تتحتم فيها تحولات نوعية نادرة في جميع مجالات الحياة. مراحل تتوتر فيها القوى الاخلاقية والجسدية الى اقصى حد فتحيا فيها قيم الشعوب المعنية في اتجاه واحد.." ص 107.

ضمن المؤلف في صفحاته الاخيرة كيف احس بالنصر، بأيام الحرية مثل حلم لا يصدق. حين تستمر الثورة ويبدأ الزمن الذي لا يتكرر. وهو مقتنع بدروس التاريخ وأهميتها ولهذا انهى الكتاب بما قاموا به في المدينة من بناء بيت تذكاري لكل الشهداء ليبقى دائما اللقاء بهم وتذكر البطولات التي اجترحوها من اجل هذه اللحظات الجديدة.

كتاب "قولي لهم، أماه، ان يتذكروا"، عن المقاومة وأدبها، سجل شعب وكفاح جيل، بنى وأنجز ما استطاع اليه، واثبت في فصوله صفحات بطولة ووفاء لمن اسهم فيها وفي خيارات شعبية وإرادات وطنية، وأيام لها تاريخها ومستقبلها. رغم تاريخ صدوره وتقلب الاحداث في البلاد يبقى صورة وشهادة لأيامه وزمنه ووثيقة تاريخية للأجيال التي تميز بينها والمستقبل الذي تنشده. ويظل الكتاب وما صدر معه وأمثاله وما توفر منها الان في المكتبات العربية من تلك الكتب رواية تتجدد، ونموذج تسجيل امين له نكهته وروحه وأهميته، عن تلك الايام وتلك اللحظات ومقارنة بما يأتي وسيأتي بعد.

هامش للتاريخ: في التجربة العراقية لحرب الانصار سجلت ايضا تجارب وفعاليات واجتماعات وحفلات، وصدرت كتب عنها ايضا، وتقارير ونشرات.. شاب كثير منها للأسف ما يؤشر الى عكس المطلوب منها، او ما لا يليق بها. وخصوصا التقصد او الامعان بوعي او بجهل لتهميش وتهرب من الحقيقة ووقائعها رغم كل ما فيها من اعتبارات اخلاقية في ثناياها ودماء شهداء ابطال ضحوا خلالها ولحظات صعبة مرت على الابطال الحقيقيين فيها. لاسيما حالات تغافل  تصل الى مستوى تزوير او تشويه الوقائع التي مازال اشخاصها احياء يعيشون بيننا، وعدم ادراك مهمة التوثيق التاريخي والشهادات الامينة لها، والصدق في التعبير عنها. اورد المؤلف غينوف- فاتاغين في نص له بان "التاريخ مثل المدرسة، فيه طلاب جيدون واردياء. البعض يفهم فورا، والبعض الاخر يجب ان تقنعه" ص 340. فان بعض الكتب والمواد الاعلامية التي صدرت ونشرت ولا تتمتع بالمعرفة الحقيقية والموضوعية والبحث الجاد من اجل التاريخ والشهادة المخلصة له تسقط في الصنف الثاني من الطلاب، وتحسب عليه، وتكشف عن امراض تنتقد بشدة بينما تمارس بصلافة، كالمكارثية ولكنها معكوسة هنا، فمثلما كانت تحارب الاصوات التقدمية حوربت هذه الاصوات في تلك الكتابات رغم الزعم بصفتها السياسية او الحزبية، وكذلك مرض الاقصاء الذي يحارب هو الاخر ايضا ولكنه يمارس هو الاخر ايضا في تلك الكتابات والإصدارات الاعلامية. وتلك قضية يتطلب الانتباه لها وإعادة النظر فيها والتراجع عن ارتكاب الاخطاء او الاستمرار فيها، كي تكون الكتابات شهادات جميلة ونقية ومحترمة من الجميع، من الاصدقاء و"الأعداء"، ان وجدوا، ومن الكتّاب أنفسهم لجهودهم وسمعتهم المهنية وحساب التاريخ. (قد نعود للتفصيل في قراءة وتوضيح ما صدر من تلك المطبوعات لاحقا وكشفها بموضوعية، هنا اشارة فقط وتنبيه علمي للتاريخ)!.

 

09.02.2015

 

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

09.02.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org