<%@ Language=JavaScript %> د. حسين سرمك حسن محبرة الخليقة (38) تحليل ديوان "المحبرة" للمبدع الكبير "جوزف حرب"

 

 

محبرة الخليقة (38)

 

تحليل ديوان "المحبرة" للمبدع الكبير "جوزف حرب"

 

 

د. حسين سرمك حسن

 

      بغداد المحروسة

      2012 – 2013

 

 

ملاحظة : حلقات من كتاب للكاتب سوف يصدر عن دار ضفاف (الشارقة/بغداد) قريباً . 

 

وكلّ هذه حقائق ، ولا تخدعوا أنفسكم بالتزويقات النرجسية القائمة على الإنكار والعقلنة التي يقوم بها لاشعورنا ، ولا دعوات الحداثة وما بعدها الزائفة . فإن من الظواهر الغريبة في هذا المضمار ؛ مضمار العدوان ، هو أن الغرب كلّما صار أكثر حداثة صار أكثر عنفاً وعدوانية وشراسة وحقداً على الحياة والإنسان . خذ مثلاً : في الفترة من 1480- 1499 حصلت تسع حروب ، أما في الفترة الممتدة بين 1900 و1940 ، وبعد أن صار العالم أكثر حداثة ، وقطع مسافات ضوئية في سطوة العقل وفضاءات التطوّر ، فقد وقعت (892) حرباً !! وفي مفتتح القرن الحادي والعشرين قتل الامريكان الخنازير أكثر من مليون عراقي بريء في عملية احتلالهم للعراق . لم تكن هناك "نقاط" توقف مسيرة الدم والتقتيل لدى الإنسان منذ خلقه حتى يومنا هذا ، وسوف تستمر في المستقبل . هتلر وحده قتل 17 مليون نسمة ، ولينين أباد عدداً يتراوح بين 6- 8 مليون نسمة . وفي عهد ستالين يُقدر عدد القتلى بين 20 – 50 مليون نسمة . أما ضحايا جكم ماو تسي تونغ في الصين فإن عددهم يتراوح بين 27 – 29 مليون انسان . والخلاصة أن ما لا يقل عن 167 مليون إنسان لقوا مصرعهم في مذابح القرن العشرين ، ومعظهم من مسؤولية الحضارة الغربية (75) . وأن أحدث أدوات الفنّ الأسود وأكثرها غرابة وتعقيداً وتطوّراً تُصنّع في الدول الغربية ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية .. لا نقاط ، ولا حتى فواصل في حكاية العدوان الحمراء ، فهي مفتوحة على آلاف الليالي السود . فما هي الشهادة التي قالها جوزف حرب أكثر من ذلك ؟ :

(                   لا نقطةٌ لجملةِ الوحشيِّ فينا .

             جملة الوحشيِّ فينا

                    لن تصيرَ كاملهْ .

                    فمنذُ بدءِ الخلقِ حتى الآنَ ،

                    لم نصلْ لفاصلهْ. – ص 1036) (نصّ "فاصلة") .

ولا يسلم الشاعر الإبن ، الذي تغلي في أعماقه المشاعر المتضادة ، المتعلقة بضغوط بقايا تلك الرغبات الأسطورية بين ولاء الإله الإبن القتيل ، وحوافزه الإنقاذية المكبوتة في كونه نتاجاً للأم الإلهة المقدّسة ، وبين القدر "العضوي" الذي يمهّد له الطريق الحازم ليلعب دور الأب "القاتل" حتى لو بإخفاء الذكر والملامح . والسير النفسي على الحبال الدقيقة للعبة التوازن اللاشعورية هذه ، قد تُربك الحلول التي يصوّرها الشاعر لتصفية مظاهر هذا العدوان المسموم والطافح ، فتختل اتجاهات طعنات الثأر التي توجّه إلى الرحم الأمومي من جديد موشّحاً بموقف الفداء الأصلي :

(                  حينَ استلَّ السيفَ الجنديُّ ليقتلَ

    والدةَ الطاغيْ نيرونٍ ، مَنْ سجّى روما

                   في نعشْ ،

                   قالتْ : أُغرزْ سيفَكَ في بطنٍ

                   حملتْ ذاكَ الوحشْ . – ص 1040) (نصّ "ندم الأم") .

ونفس مضاعفات لعبة التوازن الصعبة هذه ، توصل الشاعر الإبن من جديد إلى حلول أخرى لمداراة يأسه من عدوان الإنسان ومكره الموروث ، "ينفصل" فيها من ساحة المواجهة ، وينسحب من أرضية الصراع الأوديبي الملتهبة ، ليقف على تلّة الحسابات المعقلنة المجردة كـ "مراقب" يقضي بحلول حلمية مستحيلة ، حلول "أسطورية" تحكمها قوّة الرغبة :

(                 مرّاتٍ

                  وليأسي من هذا الإنسانْ ،

                  الوحشيِّ ، الشرهِ ، الدمويِّ ، الشبقيِّ ،

          الساكنِ فيهِ

                  اثنانْ :

                  شيطانٌ سرّيٌّ ،

                  وجبانٌ ماكرْ ،

                  أحلمُ لو كانت حواءُ

        امرأةً

                  عاقرْ ،

                  في

                  جسد تابوتيٍّ ،

                  أحلمُ لو آدمُ كانَ

        عقيماً ، أو

                  رجلاً مخصيّْ . – ص 1050 و1051) (نصّ "أمنية") .

والشاعر – وهو هنا يُظهر دقّة عالم – لا يقطّع أوصال ظاهرة العدوان ، ولا يظلم الإنسان ، فهذا الإنسان في أيّ مكان من هذا العالم هو ضحيّة لـ "جلّاد" أكبر هو السلطة الطغيانية الجائرة ، التي تحاصره من كل جانب وبكل الوسائل ، وتُحصي عليه أدقّ سكناته وحركاته . هي "الأخ الأكبر – Big Brother" الذي تحدث عنه "جورج أورويل" في روايته النبوئية "1984" ، ولم يصدّقه أحد في العالم الغربي آنذاك . الأخ الأكبر ، حاكم "أوقيانيا" ، الذي جعل "ونستون سمث" بطل الرواية المسكين يقطع عشرات الكيلومترات ليعثر على فسحة بمترين في غابة ليقبّل حبيبته ويهمس في أذنها بضع كلمات من دون رقابة أو تسجيل لحديثهما . ثم ظهر أن كل ما يقوم به ويقوله مسجّل ومصوّر لدى الأخ الأكبر . و "أخونا الأكبر" الآن هو كل الأنظمة الشمولية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية برغم براقع الديمقراطية الحلّابة المخادعة . فقد كشفت فضيحة "سنودن" أن الحكومة الأمريكية تتجسس على كل مواطنيها .  قال سنودن لصحيفة "غارديان" أن "وكالة الأمن القومي قد بنيت البنية التحتية التي تسمح لها بالتجسس علي كل شيء تقريبا. . وبهذه القدرة، تستقبل الغالبية العظمى للاتصالات البشرية تلقائيا . وتجمعها في نظامها ، وتحللها ، وتقيمها ، وتخزنها لفترات من الزمن . الجميع مراقبون ومسجلون" . وهذا حال اسوأ من حال ونستون سمث في ظل سلطة الأخ الأكبر في الرواية الشهيرة تلك . وهذه هي سلطة جامعة "الكراسي الثلاث" التي يتحدّث عنها جوزف حرب في زمننا الراهن ، ولا أعرف لماذا جعل الكرسي مؤنثاً :

(                    في

                     أقبية السلطهْ ،

                     جامعةٌ من قاعاتِ التعذيبِ ،

              ومِنْ

                    غرفِ الإستجوابْ .

                    جامعةٌ بثلاثِ كراسٍ : كرسيٌّ

              نتعلم فيها

                    حبَّ

                    الحاكمْ ،

                    كرسيٌّ

                    للخوفْ ،

                    كرسيٌّ

                    نتعلمُ فيها مِنْ أستاذِ السلطةِ

           كيفَ نخبيءُ أعيننا

                    حتى

                    يغدو العقلْ

                    لا يخرجُ إلّا

                    من حافره الصوتا ،

                    مثل

                    البغلْ ،

                    وهو يقودُ لمقبرةٍ

                    عرباتِ الموتى . – ص 1041 – 1043) (نصّ "الكراسي الثلاث") .     

وهنا سوف تتجلى جوانب أخرى مهمة جداً من رسالة جوزف حرب في هذا العمل ، ولا أعتقد أننا نستطيع أن نلم بكلّ أبعاد هذه الجوانب من دون أن نتوقف عند هذا المشهد المفزع من رواية "1984" لنتعرّف على الحالة الكارثية التي أوصل الأخ الأكبر إليها هذا المواطن البسيط الذي لم يكن يبغي سوى ممارسة حياته اليومية البسيطة .. وأن يعيش .. ويقرأ ما يريد .. وأن يحب ويُحب ، بلا رقابة أو تقييدات على فكره وإرادته أو حروب تُشن على الدولة المجاورة . لا أعتقد أنّني قرأتُ في حياتي وصفاً لنتيجة من نتائج "الفن الأسود" مثل هذه :

("... كلاّ، لكّني أؤمن به، وأعلم أنكم سوف تفشلون. إنّ هناك شيئاً في العالم لا أعرفه، روح ما، أو مبدأ ما، لن يكون بوسعكم أن تقهروه أبداً ".

- هل تؤمن بالله يا «ونستون»؟

- كلاّ.

- إذن، أيّ شيء هو هذا المبدأ الذي سيهزمنا؟

- لا أعلم، إنّه روح الإنسان.

- وهل تعتبر نفسك إنساناً؟

- نعم.

- إذا كنت، أنت، إنساناً يا «ونستون»، فأنت الإنسان الأخير. إنّ نوعك منقرض، ونحن الوارثون. هل تدرك أنك «وحيد» ؟ إنّك خارج التاريخ، إنّك غير موجود!.

تبدل أسلوبه؛ وقال على نحو أكثر خشونة:

- وأنت تعتبر نفسك أسمى، أخلاقياً، منّا ، بأكاذيبنا ووحشيتنا؟

....

....

- أنت الرجل  الأخير – قال «أوبرين» - إنك حامي الروح الإنسانية، سترى نفسك الآن على حقيقتها، إخلع ملابسك.

فتح «ونستون» كابح السلك الذي يمسك أجزاء ردائه السروالي إلى بعضها، تحت الرداء السروالي كانت هناك أسمال بالية قذرة صفراء، هي بقايا لملابس داخلية. رأى، وهو يلقيها إلى الأرض أنّ هناك مرآة ذات ثلاثة جوانـب، عند نهاية الغرفة، اقترب منها، ثم توقف فجأة ! وانفجر في بكاء لا إرادي .

قال «أوبرين»: «انظر إلى الحالة التي أنت فيها. انظر إلى السخام القذر الذي يكسو جسمك. انظر إلى القذارة التي بين أصابع قدميك. انظر إلى تلك القرحة المتقيحة، المثيرة للاشمئزاز، على ساقك. هل تعلم أنك نتن، مثل معزة ؟ لكنك ربّمـا لم تعـد تلاحظ ذلك. انظر إلى هزالك، هل ترى ؟ إنّ بإمكاني أن ألاقي إبهامي وسبابتي حول زندك، وأستطيع أن أقصم رقبتك مثل جزرة، هل تعلم أنك فقدت خمسة وعشرين كيلوغراماً منذ أن وقعت في قبضتنا ؟ حتى شعرك أصبح يتساقط في خصل.. أنظر».

نتف شعراً من رأس «ونستون» وقدّم خصلة منه إليه. «إفتح فمك، لم يتبقَ لديك سوى أحد عشر سناً، كم كان لديك عندما أُحضرت إلينا ؟ وحتى هذه القلة المتبقية لديك تتساقط هي الأخرى، انظر هنا».

أمسك بأحد الأسنان الأمامية المتبقية لونستون ، بين إبهامه القوي وسبّابته. سرت وخزة ألم عبر فك «ونستون» ثم انتزع السن المتقلقل من مكانه ، وقذفه عبر الزنزانة، ثم قال: «إنك تتفسخ، إنك تنهار إلى قطع، ما أنت ؟ كيس من القذارة ؟ والآن استدر وانظر إلى المرآة، ثانية . هل ترى ذلك الشيء الذي أمامك ؟ إنّه الإنسان الأخير ، تلك هي الإنسانية ، إذا كنت إنساناً .. والآن ارتدِ ملابسك ثانية ... لقد ضربناك وسحقناك ..... إنك ترى ما عليه جسمك ، أمّا عقلك فهو في حال لا تختلف . إنني لا أعتقد أنّ لك ، الآن ، الكثير من الكبرياء . لقد رُكلت وجُلدت وأُهنت.. وصرخت من الألم .. وتمرغت في دمّك وقيئك على الأرض ، ونشجت طالباً الرحمة . لقد خنت كل شخص وكل شيء) (76) .

لقد فشل «ونستون سمث» في مقاومة التعذيب ، وكان هذا الفشل صارخاً وكاملاً . وتحاصر المخاوف القارئ الذي يحتفظ بالأمل في أنّ «ونستون سمث» سيكون قادراً على المقاومة على الرغم من كلّ الصعوبات . ولكن لا خلاص للقارئ ولونستون سمث على حدّ سواء . إنّ «سمث» هو «الإنسان الأخير» كما يخبرنا بذلك «أورويل» بلغة «نيتشوية» فريدة . ومثلما تحطّمت المثقلة الزجاجية الوردية ساعة اعتقاله ، فإنّ اللحم الوردي للإنسان قابل للتمزّق أيضاً مهما كان متحصّناً بالأفكار والنظريات . لا توجد أيّ حماية في النظريات . الأفكار مثل الزجاج ، من الصعب رؤيتها، ولكن من السهولة أن تتحطم بالعنف . لكن هل هناك إمكانية لقراءة مختلفة . كلنا عرضة لنسيان الضراوة والنجاح الذي قاوم به «سمث» دكتاتورية «أوقيانيا» . نحن ننسى ذلك لأنّ «سمث» ، في النهاية ، خان كلّ شيء ، وانهار ، وسقط .

إنّ هذه المداخلة الطويلة هي مفتاح حاسم لفهم جهد الشاعر في قسم الفن الأسود هذا . إنّه "الفن" الأسود الذي يصمّمه الجانب الأسود المظلم من نفس الإنسان ، ويفضحه في الوقت نفسه . وهو فن غريب ومتنوّع ومرعب ، ناتج عن عالم غريب ومعقّد وشائك . علينا أن نقتنع بما عرضه علينا الشاعر من دناءات النفس البشرية وانحطاطاتها ، وأن نتوقّع أكثر الآلام فضاعة تسبّبها لنا ابشع طرق التعذيب في هذا "الفن" . يجب أن لا نتسلّح بالنوايا البيض ونحن نواجه الطغيان والجلّادين . إن مقاومة اساليب دمويّة مثل هذه تتطلب إيمانا حديدياً لا يتزحزح ، وإرادة فولاذية لا تتصدّع . إنّ زمان المطوّلات الشعرية الحالمة التي تصوّر الطغيان كمملكة من ورق تتطاير بنفخة من فم المناضل ، أو مجموعة من الرعاديد الذين سيفرّون بزعقة غاضبة ثورية واحدة ، قد ولّى إلى الأبد . إنّ سلطة "الأخ الأكبر" مخيفة تثير الذعر ، وهذا الأخ مسلّح بكل قوى العدوان وأدواته ، ولن تكون مواجهته "سفرة" نضالية سريعة . إنه لن يتورّع عن استخدام أبشع وأحدّ الوسائل لإسقاط الإنسان المقاوم . قد يقطّع أوصاله ببساطة .. يفنيه . في الأرجنتين وخلال حكم العسكر اختفى (100) ألف مواطن لم يُعثر لهم على أثر لحد الآن . وحين تقرأ قسم الفن الاسود هذا ، ينبغي اولاً أن ندرك الإمكانية المبيّتة لأن نتحوّل إلى أي واحد من هؤلاء الجلّادين .. فهل نحن قادرون على أن ننظر في عيني الوحش الرابض ونلجمه ؟ أم ننا نتحيّن الفرصة لكي نطلقه ونتحرّر حتى لو كان تحرّرنا على حساب أنين إخوتنا وتكسرات عظامهم وتمزقات لحمهم الحيّ وانثكال عائلاتهم ؟ :

(                   جسمي به وحشٌ . دمي سجينهُ .

            فإنْ فتحتُ في يومٍ

                          جراحهْ ،

                   فإنني أطلقتُ من جسمي

                          سراحهْ . – ص 1032) (نصّ "السجين") . 

إن نصوص الفنّ الأسود هذه تذكير من خلال "الأسود" بـ "الأبيض"  الذي انفقد من حياتنا إلى الأبد ، أبيض الرهافة والمطر والخصب والبذل الرحمي والحب الذي اكتسحه سواد نفوسنا . وبعد رحيل أمل دنقل وأحمد مطر ومحمود درويش وصمت النوّاب الذي يشبه الموت خصوصاً عن احتلال بلاده ، لم نعد نقرأ شعراً يتحدث عن آلام الإنسان العربي المميتة في أقبية السجون وظلمات غرف الإستجواب المخيفة .. لم نعد نسمع شاعراً يتحدث عن انتظار الأمهات المحطّمات على أبواب السجون والمعتقلات وهنّ يفتشن عن ابنائهن المغيّبين أو المعتقلين في أيام المقابلات . يقولون هذا الشعر لا يدخل في خانة الحداثة وما بعد الحداثة . صار الشعراء يتحثون عن كائن النحاس المحلّق شاقولياً في الجحيم ، وإسقاطات المربّع الأزرق ! وما هو المربع الأزرق ؟ أنا لا أعرفه !  

 

 .. في أحد السجون السياسية، كان هناك جلاّدان ينفذان أحكام الإعدام بالسجناء، كان الأول، وهو طويل وضخم الجثة ، يكتفي بفتح البوابة الأرضية تحت قدمي المشنوق الذي سيهوي في الفراغ معلقاً من الأنشوطة لافظاً أنفاسه ، أمّا الجلاّد الثاني ، وهو نحيف وقصير القامة ، فإنه لا يكتفي بفتح البوابة الأرضية تحت قدمـي المشنـوق ولكنـه يقفز بنفسه ويتعلّق بجسم المشنوق ويتأرجح معه في الهواء كاسراً حتى عظام رقبته !! ومتأكداً من موته!!

ويهمني هنا ان استعين بميشيل فوكو لإشباع الموضوع ونقل حالة تثبت بلا لبس وحشية الإنسان وماديته المتأصله . ينقل لنا (فوكو) في كتابه (المراقبة والمعاقبة- ولادة السجن) وصفا لحادثة رهيبة حصلت في القرن الثامن عشر.

( حُكم علي (داميان) في الثاني من آذار سنة 1757 بان يدفع غرامة معنوية هي الإقرار بذنبه علنا أمام باب كنيسة باريس الرئيسي حيث يجب أن يسحب ويقاد في عربة عاريا إلا من قميص يستره حاملا مشعلا من الشمع الملتهب وزنه قرابة الكيلو غرام ثم وفي العربة نفسها عند ساحة (غريف) وفوق منصة الإعدام التي ستنصب هناك يجري قرصه بالقارصة في حلمته وذراعيه وركبتيه وشحمات فخذيه على أن يحمل في يده اليمني السكين التي بها ارتكب الجريمة المذكورة جريمة قتل أبيه، ثم تحرق يده بنار الكبريت، وفوق المواضع التي قرص فيها يوضع رصاص مذاب وزيت محمي وقار صمغي حارق، وشمع وكبريت ممزوجان معا وبعدها يمزق جسده ويقطع بواسطة أربعة أحصنة ثم تتلف أوصاله وجسده بالنار حتى تتحول الي رماد يـذري في الهـــواء.

وأخيرا تم تفسيخه كما ذكرت صحيفة (غازيت امستردام) ودامت هذه العملية الأخيرة مدة طويلة جدا، لان الأحصنة التي استخدمت لم تكن متعودة علي الجر بحيث انه بدلا من أربعة كان لابد من استخدام ستة ومع ذلك فلم يكن هذا كافياً، فتوجب من اجل اقتطاع ركب البائس التعيس قطع أعصابه ومفاصله بفأس.. جاء أحد منفذي التعذيب وقد شمر عن ساعديه واخذ الكماشة الفولاذية المصنوعة خصيصاً لهذا الغرض واخذ يقرصه في شحمة الفخذ الأيمن ثم في الركبة.. وانتقل منها الى الحلمتين. هذا المنفّذ وان بدأ قوياً متيناً لقي الكثير من العناء في اقتلاع قطع اللحم التي كان يأخذها في الكماشة مرتين أو ثلاث مرات من الجانب ذاته وهو يفتل. وما كان يطلع معه كان يشكل في كل قسم جرحاً بضخامة قطع النقود الكبيرة..... كان القارص ذاته يأخذ بملعقة من حديد من طنجرة من هذا الدواء المغلي شيئاً وينثره رشاً فوق كل جرح... وشُدّت الأحصنة، فسحب كل منها طرفاً بشكل متوازٍ وكان كلّ حصان يقوده مُنفّذ. وبعد ربع ساعة تكرّرت الحفلة ذاتها.. وأخيراً وبعد عدة محاولات كان لابدّ من تغيير اتجاه الخيول عند الشدّ. فخيول الذراع الأيمن سُحبت باتجاه الرأس، وخيول الرُكَب ردّت باتجاه الرُكَب ما أدّى إلى كسر الذراعين عند المفاصل.. وتكررت هذه السحوبات عدّة مرات دون جدوى.. وكان لابدّ من الاستعانة بحصانين لوضعهما أمام ذينك المربوطين بالركب بحيث صارت الخيول ستة دون جدوى... وبعد محاولتين أو ثلاث محاولات سحب كلّ من المنفّذ «سمسون» والمنفّذ الذي قرصه سكيناً من جيبه , وقطعوا الفخذين من دون جذع الجسم . وكانت الخيول الأربعة في أقصى قوتها تشد فسحبت الفخذين وراءها , أي الفخذ من الجهة اليمنى أولا , والآخر بعده , وبعدها حدث ذات الشيء بالذراعين وفي موضع الكتفين والباطين وفي الأقسام الأربعة , لقد توجب قطع اللحم حتى العظم تقريبا , وكانت الخيول تشد بكل قوتها فسحبت الذراع الأيمن أولا ثم الذراع  الآخر بعده .

وبعد اجتزاء هذه الأقسام ,  نزل المعرّفون لكي يكلموه , ولكن جلاده قال لهم إنه مات , رغم أني في الحقيقة كنت أرى الرجل يضطرب والفك السفلي تذهب وتجيء كما لو كان  يتكلم . وبعد ذلك بقليل قال أحد الجلادين : أنهم عندما رفعوا جذع الجسم لرميه  فوق الحطب المشتعل , كان مايزال حيّاً . وسُلخت الأطراف الأربعة عن أمراس الخيول ، ورُميت فوق الحطب المشتعل المعد داخل العرصة على خط  مستقيم من منصة الشنق , ثم غُطي الجسم بالحطب وبالرزم ووضعت النار في القش المختلط  بهذا الخشب .

... تنفيذا للقرار تحول كل شيء الى رماد . وكانت القطعة الأخيرة التي وُجدت في الجمر . لم تترمد كلها إلا فيما بعد الساعة العاشرة والنصف مساءً . وظلت قطع اللحم والجذع  حوالي أربع ساعات تحترق . وظل الضباط الذين كنت واحدا منهم , وابني أيضا , مع رماة بشكل فصيلة , في المكان الى حوالي الساعة الحادية عشر . وأرادوا معرفة السبب الذي حمل كلبا على النوم في اليوم التالي في الحقل الذي كانت فيه المحرقة , وقد طرد منه عدة مرات , ولكنه كان يعود دائما . ولكنه ليس من الصعب فهم أن هذا الحيوان وجد هذا المكان أدفأ من أي مكان آخر) (77).

 

 

 

تاريخ النشر

21.06.2015

 

 

 

صفحة الكاتب والناقد الأدبي العراقي  

د. حسين سرمك حسن

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

21.06.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org