<%@ Language=JavaScript %> د. حسين سرمك حسن لا تثقوا بالولايات المتحدة : (23) التنمية الأميركية تُدمّر الشعوب من خلال خبراء الإقتصاد

 

 

 

لا تثقوا بالولايات المتحدة :(23) 

 

التنمية الأميركية تُدمّر الشعوب من خلال خبراء الإقتصاد

 

 

إعداد : د. حسين سرمك حسن

 بغداد المحروسة – 2015

 

 

# لماذا تصرّ الولايات المتحدة على دور التكنوقراط التخصّصي في تنمية البلدان النامية ؟ :

يقول الخبير الإقتصادي "التائب" "جون بيركنس" في اعترافاته :

(إن ما نتقن صنعه نحن قراصنة الاقتصاد هو أن نبني امبراطورية عالمية . فنحن نخبة من الرجال والنساء يستخدمون المنظمات الدولية لخلق أوضاع تُخضِع الأمم الأخرى لاحتكار الكوربوقراطية – corporatocracy التي تدير شركاتنا الكبيرة وحكومتنا وبنوكنا . ومثل نظرائنا من رجال المافيا نؤدي نحن قراصنة الأقتصاد بعض الخدمات ، كمنح قروض لتنمية البنية التحتية وبناء محطات توليد الكهرباء ، ومد طرق رئيسية ، وإنشاء موانىء ومطارات ومناطق صناعية ، هذه القروض مشروطة بأن تتولى إدارة هذه المشروعات شركات إنشائية وهندسية من بلادنا (الولايات المتحدة) . جوهر الأمر ألّا يخرج القدر الأكبر من أموال القروض من الولايات المتحدة ، بل تنتقل من مكاتب البنوك في واشنطن إلى مكاتب الشركات الهندسية في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو . ورغم أن المال يعود بشكل مباشر تقريبا إلى مانحي القروض وهم أعضاء الكوربوقراطية فإن البلد التي حصلت على هذه القروض عليها أن تردها مع الفوائد . ويحقق قرصان الاقتصاد أكبر نجاح حين تكون القروض كبيرة لدرجة تضمن عجز الدولة المستدينة عن سداد ما عليها من ديون في ظرف سنوات قليلة . آنئذ نسلك سلوك المافيا ونطلب رطلا من اللحم مقابل الدين (حسب طريقة شايلوك في تاجر البندقية لشكسبير) . وتضمن قائمة مطالبنا واحدة أو أكثر من التالي : السيطرة على تصويت للدول في الأمم المتحدة ، أو بناء قاعدة عسكرية ، أو الهيمنة على موارد الثروة كالبترول أو قناة بنما ، بالطبع يبقى المستدين مثقلا بالدين ، وبذلك يضاف بلد آخر إلى امبراطوريتنا العالمية .

... وعن هذا الطريق – على سبيل المثال - هربت رؤوس أموال من روسيا تُقدّر بين 14 إلى 19 مليار في عام 1991 وحده) . (جون بيركنس : اعترافات قرصان اقتصادي)

 

# صار خبراء الإقتصاد خطرا على الأرض وساكنيها :

----------------------------------------------------

وقد كشفت اليونيسيف أن هذا العلاج بالصدمة دمّر الاقتصاد وضاعف الفقر وله تداعيات اجتماعية خطيرة ، ففي روسيا قُدِّر أن عدد الوفيات ارتفع بين عامي 1989 و1993 بأكثر من نصف مليون ، وهذا يؤيد ما قاله "هنري دالي" كبير الاقتصاديين في البنك الدولي حين قال :

(إن السياسات الصارمة التي نفرضها على الدول للحصول على نتائج جيدة قد تركت آثارا جانبية بالغة لا يمكن تخيلها لدرجة أننا نحن الاقتصاديين صرنا خطرا بالغا على الأرض وساكنيها) .

وفيما بين عامي 1989 و1993 زاد معدل الوفيات في رومانيا بنسبة 17% وبنسبة 12% في بلغاريا وبنسبة متقاربة في ألبانيا وأوكرانيا ، بل زادت نسبة الوفيات في روسيا بنحو 32% وتناقص أمد الحياة للرجال في روسيا عام 1992 بنحو سنتين كما ارتفع معدل الانتحار إلى الثلث في بولندا ، والخُمس في رومانيا ، والثلاث في روسيا .

كانت أحوال الدول الاشتراكية قبل الاصلاحات الأميركية أفضل بكثير من الآن ، ونسبة الفقر والتفاوت بين الدخول حتى أقل من المجتمع الغربي ، فزادت نسبة الفقر في بولندا من 20 إلى 42% ، أما التدهور في صافي دخل الأسرة فقد بدا شديد الوضوح في بلغاريا وبولندا ورومانيا وروسيا وأوكرانيا (بحسب احصاءات 1993) حيث صار أقل بنسبة 60 – 70% عما كان عليه قبل سنوات الاصلاح ، وفي نفس الوقت زادت حدة الفروق في الدخل كما هبط معدل استهلاك الطعام بشكل حاد مع انخفاض مماثل في معايير رعاية الأطفال ، وهو ما أدى إلى انتكاسة لم يكن قد حصل مثلها أبداً في الماضي في كل أوربا الشرقية ، وتدهورت الإنجازات العقلية والنفسية لشعوب هذه المنطقة . أما الزيادة التي شهدتها الجريمة فقد تجاوزت كل النسب الممكن تخيلها  ، حيث تضاعفت في المجر بين عامي 1989 و1992 على سبيل المثال ، كما تزايدت نسبة المجرمين من الأحداث صغار السن بشكل متسارع . (تشومسكي : الغزو مستمر 501) .

 

# لا فرق بين خبراء الإقتصاد والأطباء النازيين :

------------------------------------------------

يرى تشومسكي أنه أصبح من الصعب جدا معرفة الفرق بين خبراء الإقتصاد والأطباء النازيين . فهناك تقرير لمنظمة اليونسكو (لم تنقله وسائل الإعلام الأميركية الديمقراطية) يُقدر الكلفة البشرية "للإصلاحات" التي تهدف إلى إعادة أوروبا الشرقية لوضع مماثل لدول العالم الثالث . وقد قدرت المنظمة المذكورة عدد الضحايا في روسيا بنصف مليون شخص سنويا منذ عام 1989 ، كنتيجة مباشرة للاصلاحات. وبسبب انهيار الخدمات الصحية ، ازدادت نسبة الأمراض ، كما ازدادت حالات سوء التغذية .. إلخ . أما في باقي دول أوروبا الشرقية فالأرقام متشابهة . لكنها مدهشة في العالم الثالث . فعلى سبيل المثال ، قدّر تقرير اليونسكو عدد الأطفال الذين يموتون سنويا في أفريقيا نتيجة الديون المتراكمة على القارة بنصف مليون طفل . كما بلغ عدد الضحايا من الأطفال بسبب أمراض يسهل شفاؤها أحد عشر مليون طفل سنويا . رغم أن كلفة علاج هذه الأمراض لا تبلغ أكثر من "سَنْتَين" (فِلسين !) إلا أن خبراء الإقتصاد يقولون لنا أن القيام بهذا العمل يعتبر تدخُلا في نظام السوق. (تشومسكي : طموحات إمبريالية) . 

# التنمية الأمريكية المميتة مقابل المواقف الإنسانية العظيمة لفنزويلا وكوبا في مساعدة الشعب الأمريكي :

---------------------------------------------------------------

و "التخريب الفنزولي" كما يُوصف في واشنطن آخذ لاإمتداد إلى و م كذلك . وربما يدعو ذلك إلى التوسع في سياسة "احتواء" فنزويلا التي أمر بها بوش في آذار 2205 . نقلت صحيفة واشنطون بوست في تشرين الثاني 2005 خبرا مفاده أن مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ بعثوا برسالة إلى "تسع من شركات النفط الكبرى جاء فيها : نظرا للزيادة الهائلة المتوقعة على فوتتير التدفئة الشتوية ، نريد منكم أن تتبرعوا ببعض من أرباحكم القياسية لمساعدة ذوي الدخل المحدود على تغطية تلك النفقات" . فلم يتلقوا سوى ردٍ واحد من شركة "ستيغو" الفنزويلية . عرضت سيتغو أن تزود سكان بوسطن من ذوي الدخل المحدود بنفط رخيض الثمن ، وسكان مدن أخرى في وقت لاحق . فجاء الرد من وزارة الخارجية الأميركية بأن شافيز إنما يفعل ذلك لتحقيق "مكاسب سياسية" ليس إلا ، إن هذا مماثل نوعا ما لتقديم كوبا منحا دراسية لشباب أميركيين محرومين في كليات الطب بكوبا ، وذلك على خلاف تام مع المساعدة المقدمة من جانب و م وبلدان أخرى . وليس من الواضح ما إذا كانت هذه العاطفة وسماحة القلب ستجد من يقدّرها حق قدرها لدى من سيحصلون على الـ 12 مليون غالون من وقود التدفئة بأسعار محسومة (تزودهم بها ستيغو) ولاسيما المؤسسات الخيرية المحلية و45 ألف أسرة من ذوي الدخل المحدود في ماساتشوستس. إن الوقدو سيوزع على الفقراء الذين يواجهون ارتفاعا في أسعار النفط يتراوح بين 30 و 50 بالمئة ، ومن يتلقون "إعانة وقود هزيلة تثير الشفقة ، لذلك تعد هذه "التقدمة" بمثابة غوث كبير للناس الذين لن يتمكنوا من قضاء فصل الشتاء من دونها" ، بحسب مدير الهيئة غير الربحية التي توزع وقودا زهيد الثمن على "ملاجىء المشرّدين ومصارف الطعام والجماعات الإسكانية ذات الدخل المحدود". . وقال أيضا بأنه "يأمل في أن تطرح الصفقة "تحدّياً ودّياً" على شركات النفط الأميركية التي أفادت مؤخرا عن جني أرباح فصلية قياسية – فتستخدم كسبها غير المتوقع هذا لمعاونة الاسر الفقيرة على تخطّي فصل الشتاء " إنما عبثا على ما يظهر .

# مقابل ذلك أميركا تدمّر حتى الشعوب الفقيرة  :

------------------------------------------------

# تدمير اقتصاد غرينادا :

قد لا يعرف بعض السادة القرّاء اين تقع هذه الدولة : "غرينادا" . جرينادا (بالإنجليزية: Grenada) هي دولة تقع في جزر الهند الغربية في البحر الكاريبي، وأصل اسمها «غرناطة» تلك المدينة الأندلسية الشهيرة. ويبلغ عدد السكان في جرينادا 95,000 نسمة، وتبلغ مساحتها 344 كم². ومناخها لطيف ومناظرها جميلة، إضافة إلى شواطئها التي تجتذب أعدادا غفيرة من السائحين. وتأتي جرينادا في مقدمة الدول المنتجة لثمار جوزة الطيب. تصوّر حتى هذه الدولة الصغيرة الاقل من حجم مدينة لم تسلم من مخالب الوحش الأمريكي وتنميته المميتة . فبمجرد وصول مجموعة يسارية إلى الحكم فيها عام 1979م يقودها "موريس بيشوب" الذي كان يعتنق المذهب الماركسي، وتولّى منصب رئيس الوزراء ، وأقام علاقات طيبة مع كوبا، وتبنّى عددًا من السياسات اليسارية لصالح السكّان الفقراء ، حتى قامت الولايات المتحدة الأميركية بفرض حصار اقتصادي عليها (على ثمرة جوزة الطيب !!) ، ثم اجتاحتها القوات الأميركية بأمر من الرئيس الكاوبوي "رونالد ريغان" لتنصّب حكومة تابعة لها تنفّذ سياساتها الإقتصادية .

وبعد هذا الحصار الاقتصادي الأميركي الطويل والتخويف الرهيب ، جلبت برامج الاصلاح الكوارث الاقتصادية والاجتماعية حتى من قبل القطاع الخاص الذي صممت لمصلحته . مستويات قياسية من الادمان على الكحول والمخدرات والامراض الاجتماعية المزمنة . وقد هرب أغلب السكان من "بلدهم الجميل" فعلا . نقطة واحدة هي أن غرينادا صارت "جنة البنوك" ، ومأوى سريع لغسيل الأموال وتجنب الضرائب والاحتيال المالي ، مع وجود 118 مصرف من مصارف ما وراء البحار . واحد لكل 64 من السكان !!

وبالمناسبة فقد طبّلت إدارة ريغان لاحتلال غرينادا الصغيرة ، ووصفته بـ "النصر المؤزّر" حيث تمكنت الولايات المتحدة من أن تقف من جديد "مرفوعة الرأس" بحسب وصف الرئيس "رونالد ريجان" ، وذلك بعد أن تمكن ستة آلاف من صفوة الجنود الأميركيين من التغلّب على المقاومة التي شكّلها عدة عشرات من عمال البناء الكوبيين وقليل من المجندين الغريناديين دفاعاً عن غرينادا . وقد تمّ تقليد هؤلاء الجنود ثمانية آلاف من ميداليات الشرف !!، وقد لاحظ السفّاح الكلب الجنرال "شوارزكوف" – حارق أطفال ملجأ العامرية - أن الكوبيين قاتلوا بشراسة في جرينادا أكبر مما كان متوقعا . (النظام العالمي الجديد والقديم) .

 

# وتدمير الإقتصاد التقليدي في ليبيريا :

تقع دولة ليبيريا – التي قد لا تلفت انتباه الكثيرين - في غرب أفريقيا ، وتبلغ مساحتها 111,369 كم2 وهي موطن لحوالي 3.7 مليون نسمة. ابتداء من عام 1820، استعمر المنطقة العبيد المُحرّرون من الولايات المتحدة بمساعدة من جمعية الاستعمار الأمريكية وهي منظمة خاصة اعتقدت بأن العبيد السابقين سيحصلون على المزيد من الحرية والمساواة في أفريقيا. وهو أصل تسمية البلاد بليبيريا المستمدة من كلمة ليبرتي والتي تعني الحرية. كما أرسل العبيد المحررون من سفن العبيد هناك بدلًا من إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية (وهذه جريمة اخرى من جرائم الولايات المتحدة ضد الإنسانية) . في عام 1847، أسس هؤلاء المستعمرون جمهورية ليبيريا وأقاموا حكومة على غرار نظيرتها في الولايات المتحدة وسموا العاصمة مونروفيا تيمنًا بجيمس مونرو خامس رئيس للولايات المتحدة ومؤيد بارز للاستعمار. أطاح انقلاب عسكري بالمؤسسة الليبيرية في عام 1980، مما طلق بداية عهد من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وحربين أهليتين متعاقبتين خلفتا ما يقرب من 250,000 قتيل ودمرتا اقتصاد البلاد.

خلال قرون طوّر شعب البيل في ليبيريا مئات الأصناف من الرز تطابق بدقة التفاصيل البيئية الصغيرة في النظام البيئي الصغيرة في النظام البيئي لكل منطقة من البلد . بحيث يمكن زراعة عشرات أنواع الرز معا في حقل صغير واحد . والحصول على انتاج عال جدا . نصح الخبراء الأميركيون باستخدام تقنيات "ثورة زراعية" ذات رأسمال كثيف تستخدم الكيمياويات المشتقة من البترول التي ، فضلا عن كونها عالية الكلفة بالنسبة للفلاحين الفقراء ، تعطي انتاجا أقل وتفرط بالمعارف الزراعية التقليدية وبالتنوع الكبير للبذور التي تم تحسينها وانتخابها وتطويرها وتنويعها والحفاظ عليها خلال قرون . وباستخدام البذار الأجنبي انخفض الإنتاج بمقدار 50% وستكف مناطق كثيرة من ليبيريا الريفية عن الوجود بأي معنى من المعاني وكذلك ستختفي كثير من تفاصيل ثقافة ليبيريا الأصلية . تستورد ليبيريا الآن 90% من الأرز والمواد الغذائية الضرورية ، وهي عرضة لنقص الغذاء . ستضمن أرباح الشركات الغربية مهما يكن ذلك مدمرا لليبيريا ، ومع تقليل التنوع في المحاصيل وتزايد مخاطر الأمراض والكوارث سيطلبون الهندسة الوراثية لتقديم محاصيل مصممة صناعيا .. لتحقيق أرباح للصناعات البيولوجية .. وهكذا . واتباعا لمبادئهم المعتادة ينصح الخبراء الأميركيون ليبيريا بأن تحوّل اراضيها الزراعية إلى مزارع تنتج محاصيل نقدية (محاصيل للتصدير حصرا) وهو ما يخدم الشركات الأميركية . وكان شعب ليبريا قد طور تقنية تعدين معقدة أيضا .. وهذه تم تدميرها لضمان أرباح شركات التنقيب متعددة الجنسية .

ليبيريا هي واحدة من أفقر البلدان في العالم حيث نسبة العمالة الرسمية عند 15% فقط. في عام 2010، كان الناتج المحلي الإجمالي الإسمي للبلاد 974$ مليون بينما حصة الفرد الواحد تبلغ 226 دولار أمريكي وهو ثالث أدنى دخل في العالم. إن 89% من الليبيريين يدفعون رشوة وهي أعلى نسبة وطنية في العالم وفقًا لمشعر الفساد العالمي في عام 2010.

في عام 2007، كان 20.4% من الأطفال تحت سن 5 سنوات يعانون من سوء التغذية

في عام 2008، كان في ليبيريا طبيب واحد فقط و 27 ممرضة لكل 100,000 شخص . وهناك عدد من الأمراض المعدية على نطاق واسع للغاية بما في ذلك السُّل وأمراض الإسهال والملاريا. في عام 2007، بلغت معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية نحو 2% من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15- 49. بينما كان معدل انتشار مرض السُّل 420 لكل 100,000 نسمة في عام 2008.

قُدر حجم الديون الخارجية لليبيريا في عام 2006 بحوالي 4.5 مليار دولار أي 800% من الناتج المحلي الإجمالي. تمتلك ليبيريا أعلى نسبة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم مع 16 مليار دولار أمريكي في مجال الاستثمار منذ عام 2006. بعد تنصيب إدارة سيرليف في عام 2006، وقعت عدة بلدان اتفاقيات امتياز بمليارات الدولارات في مجال الحديد الخام وصناعات زيت النخيل مع عدة شركات متعددة الجنسيات . تشغل شركة فايرستون للمطاط وتصنيع الإطارات أكبر مزرعة وشركة في العالم للمطاط في ليبيريا منذ عام 1926.

 

# وتدمّر الشعوب الكبيرة :

--------------------------

تدمير أوروبا الشرقية :

----------------------

خلال الثمانينات أصاب الركود أو الإنحدار اقتصاديات شرق أوروبا ، لكن الخراب الشامل بدأ منذ أن تبنت منهج التنمية الأمريكية ووصفة الصندوق النقدي الدولي مع نهاية الحرب الباردة في 1989 . ففي الربع الأول من عام 1990 انخفض الناتج الصناعي البلغاري (الذي كان ثابتا قبل ذلك) بمقدار 17% ، وفي هنغاريا 12% ، وفي بولندا أكثر من 23% ، وفي رومانيا 30% . وأفادت اللجنة الاقتصادية الأوروبية التابعة للأمم المتحدة أواخر 1991 أن انتاج المنطقة قد انخفض 1% عام 1989 ، 10% عام 1990 ، ثم 15% عام 1991 . مع توقع انخفاض آخر بمقدار 20% حتى نهاية العام . ومع ما يفوقه سوءا عام 1992 . كانت النتيجة الأولى هو زوال وهم الديمقراطية . في روسيا أدى الإنهيار الاقتصادي لكثر من الحرمان والمعاناة ، إضافة إلى السخرية من كل السياسيين ، إضافة إلى طبقة من متنفذي الحزب السابقين الذين يتحولون إلى نخبة عالم ثالثية تخدم السادة الأجانب . إن الدعم الذي تحظى به القوى الديمقراطية محدود ، ليس بسبب معارضة الديمقراطية ، بل بسبب ما صارته هذه الديمقراطية في ظل التحكم الغربي ، فهي إما تحمل المعنى الخاص الذي تمليه حاجات الأغنياء ، أو أنها ستكون هدفا لعمليات ضرب الإستقرار والتخريب والخنق والعنف . لا يثير فقدان الإيمان بالديمقراطية مخاوف الغرب طالما انها لا تتحدى حكم رجال الأعمال . كان على أوروبا الشرقية أن تظهر أن التحرير الإقتصادي وفكرة ادخال اقتصاديات السوق عملية لا عودة عنها ولا مجال لطريق ثالث يحمل ملامح ديمقراطية اجتماعية . وقد كان تحويل الملكية إلى العاملين ينال دعما شعبيا في بولندا وتشيكوسلوفاكيا ولكنه غير مقبول من المشرفين الغربيين . أغلقت الدول الغربية أسواقها لحماية صناعتها وزراعتها ، وقد كان من الممكن لفتح اسواق التصدير إنعاش أوروربا الشرقية ، وعندما أزالت بولندا كل الحواجز أمام الإستيراد رفضت الجماعة الأوروبية القيام بالمثل . ودعت جماعة الضغط الخاصة بصناعة الفولاذ لإعادة بناء صناعة أوروبا الشرقية بطريقة تدمجها ضمن النظام الصناعي الغربي ، وحذرت الصناعات الكيميائية الأوروبية من أن بناء اقتصاديات شرق أوروبا يجب أن لا يتم على حساب القدرة الصناعية الكيمياوية في غرب أوروبا . يجب أن تعود أوروبا الشرقية أو معظم أجزائها إلى الدور الخدمي الخاص بالعالم الثالث .

راقبت الولايات المتحدة تطوّرات أوروبا الشرقية بشيء من عدم الارتياح . وسعت خلال الثمانينات لإعاقة العلاقة بين الشرق والغرب ، وإعاقة انحلال الإمبراطورية السوفيتية . وفي آب 1991 نصح بوش الأوّل أوكرانيا بعدم  الإنفصال عن الاتحاد السوفيتي حتى قبل أن تبدأ بالتوجّه إلى الانفصال . كان أحد الأسباب هو أن الولايات المتحدة لم تعد في موقع مناسب للانضمام إلى أوروبا التي تقودها المانيا .

اقترح الرئيس بوش الأول عام 1991 "قانون دعم الحرية" لحل هذه المشكلة . ويشمل تحركا سريعا حتى لا تخسر الشركات الأميركية أمام المنافسين في سوق الاستهلاك الضخمة في الاتحاد السوفيتي السابق . سيقدم القانون فرصاً جديدة للمزارعين الأميركيين والشركات الزراعية ولأرباب الصناعة وسيتيح "حرية" من النوع الذي يجري "دعمه".

# وتدمير روسيا :

----------------

(لقد تم إنجاز الأسبقية الأولى ، وهي الإخضاع الاقتصادي للقوة العظمى السابقة . فما إن تهاوى الاتحاد السوفيتي حتى تمكنت الولايات المتحدة من الإستيلاء على نحو ما يقدر بـ 300 مليار دولار من الممتلكات الروسية)

                                    (بيرجنسكي)

إن وصفة الولايات المتحدة والبنك الدولي والصندوق النقدي الدولي التي فُرضت على الامبراطورية السوفيتية السابقة كانت قد طبقت على بوليفيا أوّلاً حيث حطمها نفس المستشارين الذين انتقلوا إلى شرق أوروبا .

في روسيا (قبل بوتين) في عام 1993 أظهرت استطلاعات الرأي التي قام بها مركز تايمز ميرور الأمريكي أن اختار ثلث المستطلع آراؤهم الرأسمالية كنموذج مثالي لمستقبل روسيا بعد أن كانت نسبتهم قد بلغت 40% وانخفض عدد الروس (حسب النيويورك تايمز) الذين يعتقدون أن حياتهم ستكون أفضل في ظل الرأسمالية من 24 إلى 18% . ومن المظاهر التي لا تبينها استطلاعات الراي مشاهد النساء العاريات في معارض زجاجية" في الأحياء ذات الأضواء الحمراء في المدن الغربية واللائي جلبتهن المافيا لتقديمهن كسلعة في صناعة الجنس الشرهة في أوروبا الغربية ، وكذلك مشاهد تدفّق المخدّرات إلى الغرب مع مضي سياسة "العلاج بالصدمات" في أوروبا الشرقية .

لقد تمكن "جيفري ساتش" الاقتصادي من جامعة هارفارد والذي أشرف على تجربة بولندا قبل أن ينتقل منها إلى روسيا ، أن يحصل على جائزته الكبرى في بوليفيا فصنع هناك "معجزته الاقتصادية" وبفضله تحققت كارثة إنسانية عصفت بالبلاد . نظام البنك الدولي في روسيا أدى إلى ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية بنحو مئة مرة في سنة واحدة ، وهو ما قلّل من قيمة الدخل بنحو 80% . وتم ترويج البرنامج باسم الديمقراطية . لقد تسبب "العلاج" الاقتصادي بقتل "المريض" ، ودمّر الاقتصاد القومي وأصيب نظام المشروعات الصناعية الحكومية بالإفلاس ، وحصل تدهور سنوي في الناتج الصناعي بنسبة 27% . وقد تؤدّي خطط الخصخصة الحالية إلى إفلاس نصف المشروعات الصناعية وانهيار الخدمات التعلينمية والطبّية . مع زيادة متسارعة في هجرة رأس المال وغسل الأموال وزيادات سلع الرفاهية التي يتم تمويلها عبر نهب الموارد الأساسية للشعب الروسي . صار 87% من السكان دون خط الفقر مع تدهور كبير في نصيب الفرد من الغذاء منذ عام 1989 (باستثناء الخبز والبطاطس طعام السكان الأشد فقرا) ، بحيث يستنزف الإنفاق على الطعام 80% من دخل الأسرة . إضافة إلى انهيار العلوم السوفيتية والتعليم والمستشفيات ، وعادت أمراض نسيتها البشرية ، وصار الموتى يُدفنون في مقابر جماعية ، واختفى التماسك الأسري وصار كل فرد في المجتمع يبحث عن نفسه .

# وتدمير بولندا :

----------------

نشر الخبراء كذبة أن أحوال بولندا صارت أفضل مما كانوا تحت النظام الشيوعي "البغيض" . السوق البولندي منخفض الأجور ومعفى من الضرائب على الأرباح ومتدهور في اتحاده العمالي ، الذي تنخر البطالة في قواعده مع فشل جهود اتحادات العمال في إيقاف قطار الخصخصة الذي يركبه المستثمرون الأجانب ويتعلق به النهّابون المحليون . في عام 1988 انخفضت دخول المزارعين إلى النصف (يشكلون 30% من السكان) كما انخفض انتاج اللحوم نتيجة انخفاض الطلب في المدن . ويتوقع أن ينخفض ما دون مستويات 1980 حين كان العجز في اللحوم سبباً في إضراب العمال وهو ما كان مقدمة لانهيار الشيوعية . وفيما بين 1992 – 1993 وهو العام الذي وصف بأنه عام الانتعاشة الاقتصادية وأنه سيعوض الانهيار الاقتصادي في عام 1989 انخفضت الأجور الفعلية لمستوى اكثر تدنّياً – لمن لا تزال لديهم وظائف - بينما ارتفعت الأسعار إلى المستويات العالمية . أظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر من 50% من السكان يعتقدون أن النظام السياسي الشيوعي كان أفضل . وإذا لم يُتدارك الأمر فإن البؤس الإنساني سيكون أكبر مما هو عليه الآن ، وستصبح "الورطة القومية" أخطر مما تبدو على السطح في مدن العواصم في أوربا الشرقية . وعندما اقترب موعد الانتخابات عام 1993 بدأت الصحف الأميركية تعلن مخاوفها من احتمال الإنقلاب على الديمقراطية وهو في الحقيقة انقلاب على البؤس الذي جاءت به الديمقراطية الأميركية . حل الحزب المناصر لحرية السوق والفكر الإصلاحي المدعوم غربيا في المرتبة الثالثة حيث حصل على 10% من الأصوات . ورغم أن أحزاب الديمقراطية الاشتراكية وحزب المزارعين اليساري قد كسبا الانتخابات بنصيب 50% من الأصوات فإن الدلائل تشير مع ذلك إلى عدم اهتمام الشعب نتيجة فشل النظام السياسي كما تقول وول ستريت جورنال . ورغم أن 57% من السكان يعارضون إصلاحات السوق الحر فإنها ستستمر مفروضة على الشعب رغم ذلك . ومنذ عام 1990 أظهر استطلاع الرأي أن 13% فقط من العمال و37% من المديرين يفضّلون خصخصة مصانعهم .

# قاتل اقتصادي يدمّر اقتصاد بولندا :

أشارت تقارير الأتحاد الأوروبي بوضوح إلى أن مجموعة من السُذّج أمثال "جيفري ساتش" جيء بهم ليصبحوا خبراء "العلاج بالصدمات" ، قد سبّبت الكوارث . فقد طبق هؤلاء مبادىء مختزلة ومبتورة عن التطبيق الواقعي دون أي اهتمام بالواقع الاجتاعي الأمر الذي جلب "الألم" بدلا من "الأمل" . وقال الخبير الهولندي "جان بركوير" أن ساتش كان مخطئا جدا في اعتقاده بأنه "ليس هناك من فقراء والكل يعيش حياة طبيعية" في بولندا ، فأكثر من 90% صاروا يحصلون على دخل أقل ونسبة قليلة من السكان تحصل على اشياء كثيرة . وحين سُئل ساتش عن كل هذه الأمور عبر لقاء هاتفي قال :

(لا أعرف حقيقة ما الذي جرى مع البولنديين ، صحيح أن الشعب البولندي ليس فيه أغنياء ، لكن الشعب البولندي لا يعاني) .

ولعل هذا القول لا يتفق مع مشاعر رجل الشارع في بولندا الذي يكفي أن يسمع ياسم ساتش حتى يشعر بالغثيان.

 

# المعونات : من جيب أمريكا الأيمن إلى جيبها الأيسر :

-----------------------------------------------------

وتُعد القطاعات الخاصة للسلطة الغربية صاحبة المنفعة الأساسية حيث تقدم الموارد البشرية والمادية فرصاً رائعة للربح فيزداد المستثمرون ثراء بينما يقوم الرأسماليون من رجال الدولة (ومنهم مناضلون سابقون) في العالم الثالث الجديد ببيع موارد الدولة في صفقات مربحة ، كما تقدم قوانين العمل الجديدة منفعة مزدوجة للمستثمرين الغربيين : استغلال العمال المهرة والمدربين بأبخس الأجور ، وفي ذات الوقت تخفض تكلفة العمل والأجور في الدول الغربية عن طريق الابتزاز والتهديد للعمال الغربيين بأن المستثمرين يمكن أن يتركوا ويذهبوا إلى أجور أرخص في الشرق .

ومن المنتفعين ؛ المصدرون الغربيون والمستشارون . وقد صُممت المساعدات الخارجية لهذا الغرض ، وكانت بولندا أكبر متلق واعتبرت الدولة الأكثر استعدادا لاتباع القواعد الليبرالية الجديدة ، ومن بين 25 مليار دولار وعد الغرب بولندا بها لم تستلم سوى 10% من هذا الرقم ، وفي صورة "منَح" لا تكفي لإنشاء طريق من الطرق السريعة . وبُدِّد جزء كبير من الدعم على "المستشارين الغربيين الذين تدفقوا على بولندا ليأخذوا حصتهم من رأس المال الدولي" الذي أرسل لتحقيق "السيطرة المرغوبة" . وبحسب وول ستريت جورنال فإن أغلب مساعدات الاستشارات الفنية يذهب لجيوب المستشارين الغربيين ومن ثم كان الاقتصاد الغربي أكبر الرابحين من القروض الغربية لبولندا . وكان أجر الاستشاري الغربي يبلغ 1200 دولار في اليوم ، أي أكثر بنحو 100 مرة عن أجر نظيره البولندي . وحققت الشركات الغربية أرباحا هائلة هي بنسبة 80% وأغلبها من هيئات المساعدة . فصندوق الإعانة البولندي – الأمريكي الذي قدمته إدارة بوش ابتدع نظام تمويل المشروعات الصغيرة في وقت باتت الأرباح تتضاعف لمديري الصندوق ومستشاريه . ويعمل مديرو الصندوق بالطريقة التي تزيد من أرباحهم من خلال اصطياد إعانات الاستثمار . وكما في القروض الإئتمانية يشترط المانحون تخصيص 50% من القروض لصالح الصادرات الغربية ، وهي صادرات تتفاوت اشكالها من حبوب الذرة إلى الخبراء الاقتصاديين . وفي روسيا وضع المستشارون الغربيون ما بين 50 إلى 90% من أموال الإعانات في جيوبهم ، ويمارسون ما يجعلهم يضمنون استيراد المعدات الأميركية في أي نشاط جديد . وقد استخدمت المجموعات التجارية الأميركية الجديدة صناديق أموال دافعي الضرائب لمساعدة رجال الأعمال الأميركيين للتوسع في روسيا لجني أرباح جديدة ، لكن الروس لم يرو أغلب هذه الإعانات التي تُنفق على أسفار ورحلات المستشارين بين ذهاب وإياب .

# نفاق الولايات المتحدة في التنمية الإقتصادية :

----------------------------------------------

تنافق الولايات المتحدة في كل شيء : في السياسة ، في العلاقات الدولية ، في حقوق الإنسان ، في الإعلام ، في الإقتصاد ، في التحالفات .. في كل شيء .. في كل شيء . لاحظ الآن نفاقها في ما يتعلق بالإقتصاد : فقد نصت المادة (٣٠١ ) من القانون الأمريكي على حق أمريكا بحماية منتجاتها الوطنية ، بينما تفرض اتفاقية (الجات ( المُسمّاة فيما بعد بـ "المنظمة العالمية للتجارة" ، فرضت مبدأ "التبادل الحر" على كل البلدان الاخرى ، والذي يفسح المجال لتصدير كل المنتجات الأمريكية .

وجاء قانون "هلمز بورتون" عام ١٩٩٦ ، وقانون "أماتو كنيدي" اللذين أقرّهما نفس الكونغرس الأمريكي ، طمعا في منع كل المجتمع الدولي من المتاجرة مع بلدان يحدّدها الكونغرس وحده . ووحدها أصبحت الولايات المتحدة تشرّع للعالم كله .

ولا بد من بروز مقاومة جديدة ، لا للتخلي عن مايستريخ فقط ، ولكن للانسحاب أيضاً من صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، وكل المنظمات الاخرى التي تستخدم أداة في يد الارادة الأمريكية في الهيمنة على العالم .

# النفاق الأمريكي في تجارة الدواء وتدمير صحّة البشر :

------------------------------------------------------

المفاوضات الأميركية الأوسترالية بشأن إبرام "اتفاق للتجارة الحرة" الجارية منذ عام 2003 ، هي شكل على ارتكاب الخداع أشكالا قصوى. لقد أُعيقت من جانب واشنطن لخشيتها من أن استراليا تتبع إجراءات "قائمة على البيّنات" وتحظر "تسويق الأدوية الموصوفة إلى المستهلك مباشرة" ، بينما يُفضّل "الصانعون الأميركيون نظاما يتمتعون فيه بحرّية تسويق منتجاتهم وتحديد أسعارها تبعا لاستعداد السوق للدفع " . فاعترض المفاوضون الحكوميون الأميركيون زاعمين أن استراليا ضالعة في تشويش السوق على نحو غير مقبول . إن شركات المستحضرات الطبية والصيدلانية تُجرّد من حقوقها المشروعة إذا ما طُلب منها إبراز بيّنة تثبت صحة زعمها أن منتوجها الأخير أفضل من بعض البدائل الأرخض ثمنا ، أو إذا ما بثّت إعلانات تلفزيونية يقول فيها بطل رياضي أو ممثلة سينمائية للمشاهدين : اسألوا طبيبكم إن كان هذا العقار يناسبكم (إنه يناسبني جدا) ، حتى من غير أن توضح في بعض الأحيان من أجل ماذا من المفروض تناول هذا العقار . إذن ، الحق في التضليل يجب أن يكون مكفولا "للأشخاص" الخالدين برغم مَرَضيتهم ، والأقوياء النافذين للغاية الذين صنعتهم الحركية الراديكالية على صعيد القضاء .

ربما يكون نظام العناية الصحية الأسترالي هو النظام الأنجع في العالم كله ، وعلى وجه التخصيص ، فإن اسعار الأدوية فيها لا تمثل سوى كسر فقط من اسعارها في الولايات المتحدة . فالأدوية نفسها التي تنتجها الشركات عينها ، تدر أرابحا كبيرة وإنْ كانت لا تُقاس بمثيلاتها في الولايات المتحدة . حيث تُبرّر تلك الأرباح عادة بحجج مشكوك فيها كالزعم أنها لازمة لأغراض البحث والتطوير . هذا ويجد العالم الاقتصادي "دين بايكر" أن مقدار التوفير على المستهلكين سيكون هائلا فيما لو زيد التمويل العام 100 بالمئة من نفقات البحث والتطوير ، وهكذا تنتفي حجج شركات الأدوية والعقاقير الطبية في حقها بالتسعير الاحتكاري، والجمهور هنا يلعب بالفعل دورا اكبر بكثير من المعترف به، مادام تطوير االأدوية يرتكز على العلوم الأساسية التي تُموّل جميعها عمليا من جيب الجمهور. وحتى مع أخذ تقديراتها بعين الإعتبار ، فإن البحث والتطوير لدى الشركات يُركز أكثر ما يُركّز على الغاية التسويقية : فشركات الأدوية الأميركية الكبرى تُنفق على التسويق والإعلان والإدارة أكثر بمرتين مما تنفقه على أي نوع من أنواع البحث والتطوير ، مع الإفادة في الوقت عينه عن تحقيق أرباح ضخمة .

أحد الأسباب الكامنة وراء نجاعة النظام الصحي الأسترالي هو أن أستراليا ، شأنها شأن بقية البلدان ، تعوّل على ممارسات يقوم بها البنتاغون عندما يشتري أبسط السلع مثل مشابك الأوراق : فالحكومة تستخدم قوتها الشرائية للمفاصلة في الأسعار ، وهذا عمل محظور فانونا بالنسبة للأدوية في الولايات المتحدة . والسبب الآخر هو اعتماد أستراليا إجراءات قائمة على البيّنات : "فلكي تفرض شركات الأدوية الأميركية ثمنا مرتفعا لصنف جديد من الدواء على الحكومة الأسترالية ، يتعيّن عليها في الواقع أن تقدّم دليلا على أن الدواء الجديد يمتاز بقوائد يُمكن إثباتها ، وهو ما يُعد عائقا في وجه التجارة في نظر الولايات المتحدة" . كذلك تعترض شركات الأدوية الأميركية على الطلب الأسترالي المُلزم بأن "تُثبت الشركات بالدليل القاطع وجود مزايا سريرية مهمة ، وفعالية تكاليف مُرضية" بالمقارنة مع أصناف الأدوية المتوافرة في السوق، هذا عدا عن "تركيز أستراليا المفرط على فعالية التكاليف" بشكل عام . إن صناعة الأدوية الأميركية تشجب مثل هذه الإجراءات واصفة إياها بـ "الماكرة" ، وهي كذلك فعلا بجهة تعارضها مع الحق في التضليل الذي يدخل في صلب الأسواق القائمة حقيقة . (تشومسكي : طموحات إمبريالية ، الغزو مستمر).  

# قصّة قصيرة مُضحكة تلخص جانباً من خدعة التنمية الأميركية :

---------------------------------------------------------------

السماء تمطر على شاطئ ما ، في بلدة صغيرة تبدو مهجورة تماما. فهي مثل غيرها من المدن تمر بظروف اقتصادية صعبة والجميع غارق في الديون، ويعيش على السلف.

فجأة ،

يأتي رجل سائح غني إلى المدينة و يدخل الفندق ... ويضع 100 دولارًا على كاونتر الاستقبال، ويذهب لتفقد الغرف في الطابق العلوي من أجل اختيار غرفة مناسبة.

- في هذه الأثناء يستغل موظف الاستقبال الفرصة ويأخذ المائة دولار ويذهب مسرعًا للجزارليدفع دينه.

- الجزار يفرح بهذه الدولارات ويسرع بها لتاجر الماشية ليدفع باقي مستحقاته عليه.

- تاجر الماشية بدوره يأخذ المائة دولار ويذهب بها إلى تاجر العلف لتسديد دينه .

- تاجر العلف يذهب لعاهرة المدينة لتسديد ما عليه من مستحقات متأخرة ... غني عن الذكر أنها هي أيضاً أصبحت تعرض خدماتها عن طريق السلف نسبة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة.

- عاهرة المدينة تركض مسرعة لفندق المدينة (حيث يعمل موظف الاستقبال في أول القصة) والتي تستأجر فيه الغرف الخاصة لخدمة زبائنها وتعطي لموظف الاستقبال المائة دولار.

- موظف الاستقبال يعود ويضع المائة دولار مرة أخرى مكانها على الكاونتر قبل نزول السائح الثري من جولته التفقدية.
ينزل السائح والذي لم يعجبه مستوى الغرف ويقرر أخذ المائة دولار ويرحل عن المدينة ... ولا أحد من سكان المدينة كسب أي شيء.

هكذا ، أيها السيدات والسادة ، تدير حكومة الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديات العالم !!! (موقع غار عشتار).

# ملاحظة عن هذه الحلقات :

----------------------------

هذه الحلقات تحمل بعض الآراء والتحليلات الشخصية ، لكن أغلب ما فيها من معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية مُعدّ ومُقتبس ومُلخّص عن عشرات المصادر من مواقع إنترنت ومقالات ودراسات وموسوعات وصحف وكتب خصوصاً الكتب التالية : ثلاثة عشر كتاباً للمفكّر نعوم تشومسكي هي : (الربح فوق الشعب، الغزو مستمر 501، طموحات امبريالية، الهيمنة أو البقاء، ماذا يريد العم سام؟، النظام الدولي الجديد والقديم، السيطرة على الإعلام، الدول المارقة، الدول الفاشلة، ردع الديمقراطية، أشياء لن تسمع عنها ابداً،11/9) ، كتاب أمريكا المُستبدة لمايكل موردانت ، كتابا جان بركنس : التاريخ السري للامبراطورية الأمريكية ويوميات سفّاح اقتصادي ، أمريكا والعالم د. رأفت الشيخ، تاريخ الولايات المتحدة د. محمود النيرب، كتب : الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط ، وحفّارو القبور ، والأصوليات المعاصرة لروجيه غارودي، نهب الفقراء جون ميدلي، حكّام العالم الجُدُد لجون بيلجر، كتب : أمريكا والإبادات الجماعية ، أمريكا والإبادات الجنسية ، أمريكا والإبادات الثقافية ، وتلمود العم سام لمنير العكش ، شوكة في حلق المتحكّمين لآمي جودمان وديفيد جودمان ، كتابا : الإنسان والفلسفة المادية ، والفردوس الأرضي د. عبد الوهاب المسيري، كتاب: من الذي دفع للزمّار ؟ الحرب الباردة الثقافية لفرانسيس ستونور سوندرز : وغيرها الكثير.

 

 

تاريخ النشر

16.06.2015

 

 

صفحة الكاتب والناقد الأدبي العراقي  

د. حسين سرمك حسن

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

16.06.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org