<%@ Language=JavaScript %> د. حسين سرمك حسن لا تثقوا بالولايات المتحدة : (22) التنمية الأميركية المُميتة

 

 

لا تثقوا بالولايات المتحدة :(22)

 

 التنمية الأميركية المُميتة

 

 

إعداد : د. حسين سرمك حسن

2015

 

# تمهيد :

-------

تبذل الولايات المتحدة الأميركية الكثير من الجهود السياسية والإعلامية القائمة على التزوير والكذب والخداع لإقناع الرأي العام العالمي بأنّها حريصة على تنمية البلدان التي تتعامل معها – خصوصاً البلدان النامية – وتطويرها وإسعاد شعوبها . وقد وقع الكثير من السياسيين والمثقفين والمختصين التكنوقراط في مصيدة هذه المزاعم ، وباتوا يتعاملون معها على أساس أنّها نوايا حقيقية صادقة في حين أن الواقع العملي يكذّب هذه المزاعم الأميركية كلّ لحظة . ما يتحقق كل مرّة - وبالتأكيد - هو أن الولايات المتحدة تمتص دماء أي شعب تمد يدها "التنموية" نحوه ؛ تهدّم بناه الاقتصادية والاجتماعية التي استقرت لعشرات السنين ، وتضاعف مستويات الفقر المُدقع الشرس فيه ، وتدفع بأناسه نحو براثن البطالة الساحقة ، والتفتيش في المزابل بحثا عمّا يسدّ رمقهم ، وبأطفاله نحو الشوارع للعمل المُنهك والضياع ، وبنسائه نحو أعمال تخرّب صحتهن وتقتل أجنتهن أو تقسرهن على ممارسة الدعارة أو بيع أطفالهن . ومقابل ذلك تجعل هذه "التنمية" نسبة ضئيلة من الشعب المُستهدف وحوشاً ثرية ترتبط بها مصيرياً وتروّج لأهدافها و "منجزاتها" وتساعدها على تدمير مقدّرات بلدانها واستنزاف ثرواتها . ومن المتوقّع أن تثور اعتراضات كثيرة على هذه الإستنتاجات .. لكن الحكم الفيصل هنا هو النتائج الواقعية من ناحية ، والمُدعمة بالإحصائيات من ناحية أخرى ، والتي سنقدّمها هنا عبر عدّة حلقات لتثبت أنّ "التنمية" الأميركية لشعوب العالم هي من نوع التنمية الوحشية المميتة التي لا ترحم .

# خداع العالم بالرطانة والخطابة؛ الرئيس الأميركي يكذب بشأن مكافحة الفقر في العالم النامي:

----------------------------------------------------------

(يروّج الصحفيون الأميركيون الماكرون وذيولهم في العالم الثالث للـ "الوضوح الأخلاقي" و "المثالية" التي تتمتع بها القيادة السياسية الأميركية الفاسدة ، ويرون أن هذه "المركزية الجديدة للمبادىء الأخلاقية" تتمظهر في إدارة بوش في "لغة الإدارة البليغة" ، وتُستنتج حقيقة وحيدة هي عرض هذه الإدارة زيادة المساعدة الإنمائية لدول العالم الثالث (وهي أصلا أقل بكثير مما تقدمه بلدان غنية أخرى بما يتناسب مع حجم اقتصاد كل منها) .

إن الخطابة جد مؤثرة فعلاً . "إنني أحمل هذا الإلتزام في روحي" . هذا ما قاله الرئيس الأميركي في آذار 2002 معلناً تأسيس "شركة تحدّيات الألفية" لمضاعفة الأموال المخصصة لمكافحة الفقر في العالم النامي . وفي عام 2005 ، حَذَفتْ الشركة هذا التصريح من موقعها على الشبكة الإلكترونية بعدما قلّصت إدارة بوش ميزانيتها المُقرّرة بمليارات الدولارات ، واستقال رئيسها "بعدما أخفق في دفع عجلة المشروع قدما" ، ولم "ينفق شيئا تقريبا" من المليارات العشرة  التي وُعد بها أصلا . في الوقت نفسه رفض بوش دعوة رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" إلى مضاعفة العون المقدّم إلى أفريقيا ، وأبدى استعداده للانضمام إلى باقي الدول الصناعية في شطب الديون المترتبة على القارة الأفريقية (فقط) إذا جرى خفض المساعدة في المقابل ، وهو إجراء يرادف "الحُكم بالموت على أكثر من ستة ملايين إفريقي في السنة ممن يلقون حتفهم لأسباب من الممكن درؤها ومعالجتها" . وعند وصول السافل "جون بولتون" ، مندوب بوش الجديد ، إلى الأمم المتحدة قبل انعقاد قمتها لعام 2005 بوقت وجيز ، طالب فور وصوله بحذف الجملة : "أهداف التنمية الألفية" حيثما وردت في الوثيقة التي أُعدّت بعناية بعد مداولات طويلة لمعالجة مسائل "الفقر والتمييز بين الجنسين ، الجوع والتعليم الإبتدائي ، وفيات الأطفال وصحة الأمهات ، البيئة والمرض" .

والبلاغة العظيمة دائما ما ترفع المعنويات ، ويُطلب منا أن نبدي إعجابنا بصدق وأمانة الذين ينتجونها ، حتى ولو تصرّفوا على نحو يذكّرنا بملاحظة "ألكسيس دوتوكفيل" في كتابه "الديمقراطية الأمريكية" من أن الولايات المتحدة استطاعت "أن تبيد العرق الهندي .. من غير أن تنتهك مبدأ عظيما واحداً من مبادىء الأخلاق في نظر العالم) . (تشومسكي : الدول الفاشلة ، الهيمن أم البقاء ؟).

غارودي : التنمية الأميركية المميتة تسحق حتى أوروبا :

-------------------------------------------------------

قد كانت الحربان العالميتان [= الغربيّتان] مصدر غنى للولايات المتحدة ، وجعلاها سيّدة العالم من الناحية الاقتصادية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ومن ناحية سياسية وعسكرية منذ انهيار النظام السوفيتي ١٩٩٠ . وما " النظام العالمي الجديد " ، الذي حلم به القادة الأمريكيون إلّا اسم آخر لسيطرة الولايات المتحدة على العالم .وأصبح "حق التدخل" هو الاسم الجديد للاستعمار ، ولم تعد أوروبا ، قادرة على أن تكون منافسا ، وإنما تابعاً . وقالت معاهدة مايستريخ بوضوح، وفي ثلاثة مواقع من نصوصها ، إنه يتطلب أن نجعل منها " الركيزة الاوروبية لحلف الاطلسي ":

ففي الخطة العسكرية ، ستلعب أوروبا من الآن فصاعدا دورًا مكملا : من العراق إلى الصومال . وفي الخطة السياسية ، تستسلم لنفس الأوامر : فسياسة السوق الزراعية، ستقبل أمام احتياجات منظمة التجارة العالمية ، مثلما قبلت فرنسا في وضع ١٥% من أراضيها متروكة دون زرع ، بهدف فتح السوق العالمية أمام زارعي الحبوب الأمريكيين الكبار .وفي الخطة الصناعية ، نستذكر ما تحدثت عنه جريدة اللوموند في ٢٢ كانون الأول ١٩٩٢ عن " القلق من الفحم الأوروبي " . ففي عام ١٩٥٥ ، وبعد توقيع معاهدة روما المنظمة لأوروبا ، تم إحصاء ٢ مليون عامل يعملون في مناجم المجموعة الاوروبية ، وهبط عدد هؤلاء العمال عام توقيع معاهدة مايستريخ إلى ٢٥٠ ألف عامل فقط . أما عن كمية الانتاج ، فقد أنتجت الدول الاثنتا عشرة قبل ثلاثين عاما ٤٠٠ مليون طن ، أما إنتاج عام ١٩٩٢ فقد بلغ ١٨٠ مليون طن فقط . وتُعتبر فرنسا الضحية الاساسية لنقص الانتاج. ، حيث هبط إنتاجها من ٢٨ مليون طن عام ١٩٧٣ إلى ١٢ مليون طن عام ١٩٩١ ، وهبط الانتاج البريطاني ٥٠ % ، والألماني ٤٠ % ؛ كل ذلك لمصلحة المستوردين الأمريكان والدائرين في فلكهم، من كولومبيا إلى فنزويلا ، وحتى إلى أندونيسيا . وفي مجال المعلوماتية ، ترفض منظمات شركة بول التي اتفق على تزويد الطائرات العسكرية الأمريكية بها ، بعد أن رُفض العقد المتعلق بها بناء على توجيهات الادارة الأمريكية . وكي تستطيع شركة آ . ب . أم ، وهي الشركة الأولى في العالم بين شركات المعلوماتية ، أن تنافس في سوق يسيطر عليها اليابانيون ، بحثت لنفسها في أوروبا عن دور ثان ، لتحل محل المجموعة الألمانية سيمنز التي أقلعت عن تنفيذ هذا العقد . وفي ميدان صناعة الطيران ، تآمرت شركة لوكهيد مع وزراء يلتسين- آنذاك - المعتمدين من صندوق التنمية الدولي ، للحصول على تقنية الصاروخ "بروتون" المعد لإطلاق الأقمار الصناعية ، من الاتحاد السوفيتي السابق ، وتعهدوا بتحويل الامر إلى مسألة تجارية ، في محاولة ليحل محل الصاروخ الاوروبي آريان .

أما ما يتعلق بصناعة الصُلب ، فقد قررت الولايات المتحدة عام ١٩٩٣ أن ترفع رسوم الاستيراد من تسعة عشر بلدا ، سبعة منهم أوروبيون . وهذه الحقوق الجمركية الاضافية التي فرضتها لنفسها الولايات المتحدة هدفت إلى منع العاملين الأوروبيين في ميدان الصلب من بيع الفولاذ في الولايات المتحدة.  كانت الولايات المتحدة منفذا لـ ٢ مليون طن أي ما يعادل إنتاج اللورين بكامله ، هذا الإنتاج المُهدّد بالموت بسبب الإجراء الأمريكي .

وقد أعلنت جنرال موتورز وفورد وكريزلر إجراءً عدوانيا مشابها في صناعة السيارات ، وهذه الحماية الصناعية " الأمريكية أولا " تشير إلى المدى الذي تقوم به منظمة التجارة العالمية في حماية السوق الأمريكية ، وفتح أسواق العالم كله للمنتجات الأمريكية .

وفي الخطة الثقافية ، استسلمت أوروبا لغزو الفيلم الأمريكي ، والتلفزيون . فمن أصل ٢٥٠ ألف ساعة بث في أوروبا ، تنتج مجموعة الدول الاثنتي عشرة ، ٢٥ ألف ساعة فقط . أما حصة سوق الفيلم الأمريكي في فرنسا فهي ٦٠ % وتصبح نسبة العائدات ١٢٠ مقابل واحد فقط ، بغية اقتلاع دماغ شعب عن طريق رشقات " الماحق " أو جيمس بوند الذي اخترعته هوليود ، وحصاد دولارات مسلسل دالاس .

أدخلت هذه التبعية الأوروبية ، السياسية والمادية والاخلاقية ، العالم في مرحلة جديدة من الاستعمار . لقد وضعت قوة الشرق وأوروبا خارج اللعبة ، أو أنها أُذِلّت . وأصبح الميدان حرا لظهور استعمار من نوع جديد ، استعمار لا يشبه أشكال الاستعمار الاوروبي المنافس ، والمقهور من الآن فصاعدا ، إنما استعمار مُركّز وشامل على المستوى العالمي تحت الهيمنة الأمريكية). (غارودي : الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط) .

الولايات المتحدة تكره نظام الضمان الاجتماعي في أوروبا ؟ :

الولايات المتحدة تكره منذ القديم النظام الاجتماعي في اوروبا الذي يقدم أجورا وشروط عمل وعوائد محترمة ، فالولايات المتحدة لا تريد وجود ذلك النموذج لأنه خطير . فقد تراود الناس أفكار غريبة . ومن المفهوم أن انضمام بلدان أوروبا الشرقية ذات الاقتصاديات المستندة إلى تدنّي الأجور وقمع العمالة قد يساعد في تقويض المعايير الاجتماعية في أوروبا الغربية وسيكون ذلك مفيدا جدا للولايات المتحدة . (تشومسكي : طموحات إمبريالية) .

 

... وتسحق البلدان النامية :

--------------------------

(إنها وسائل متعددة : هناك أولا الأساليب السابقة التي اختبرت في أمريكا اللاتينية منذ زمن طويل ، وعلى الأخص بعد الحرب العالمية الثانية ، منذ "التحالف من أجل التقدم"  الذي أعلنه الرئيس جون كنيدي ، حتى مبادرة "بوش" من أجل سوق مُتفرّدة من ألاسكا وحتى أرض النار . وآلية العمل بسيطة : فهناك اتفاقيات للإستثمار ، والقروض ، والهبات ، مع دول أمريكا اللاتينية بشكل خاص ، والهدف المُعلن مساعدتها في عملية " التصنيع " ، أما الهدف الحقيقي فهو السماح للشركات متعددة الجنسيات لتنمية أرباحها من خلال أعمالها في تلك البلاد ، التي تتوفر فيها اليد العاملة الرخيصة ، كما تقوم حكوماتها بالإنفاق على البنى التحتية . وفي نفس الوقت ، تتمتع المواد الأولية القادمة من تلك البلاد بانخفاض أسعارها ، جاعلة بذلك التبادل غير المتساوي يزداد اتساعا، أكثر فأكثر.

في عام ١٩٥٤ ، كان يكفي الفرد البرازيلي أن يبيع ١٤ كيسا من البن لشراء سيارة جيب من الولايات المتحدة ، وفي عام ١٩٦٢ أصبح عليه أن يبيع ٣٩ كيس مقابل السيارة المذكورة .

كان مواطن جامايكا يشتري الجرار الأمريكي ، عام ١٩٦٤ ب ٦٨٠ طنا من السكر، وصار الرقم عام ٣٥٠٠ ، ١٩٦٨ طن . لقد تابعت البلدان الفقيرة مساعدتها المالية للدول الغنية . وتتجاوز فوائد القروض ، القروض الأصلية مرات . ويبلغ عائد كل دولار ، دولارين أو ثلاثة تذهب إلى جيوب الدائن . وغالبا ما تساوي فوائد القروض قيمة الصادرات ، محققة بذلك " التنمية الممكنة " ، إذ ليس هناك ، بهذا المنوال ، بلد " على طريق التنمية " ، كما يسمونه نفاقا ، وإنما بلاد محكوم عليها ببؤس متنام ، من خلال تبعية متنامية .

وتشكل " المساعدات المزعومة " لبلدان العالم الثالث ، أحد العوامل الاكثر تأثيرا  لفرض التبعية والتقهقر . إن " المساعدة " المعلنة والمتعددة الأشكال ، 0,7% من إجمالي الناتج القومي للدولة المانحة . ورغم تواضع هذا الرقم ، فإن نصفه هو الذي يُمنح فعلا .

ويشكل " تصنيع " بلدان العالم الثالث ، ونقل التكنولوجيا ، وسيلة أخرى للهيمنة وزيادة منافع الدول الغنية . والمثال النموذجي هو مثال " المعجزة البرازيلية " في التنمية الصناعية ، و " التدخل البيئي " للبلدان الغنية في غابات الأمازون .

أما الميزان فهو كما يلي : إن هذه البلاد – أي البرازيل - الأغنى بمواردها الطبيعية هي الأكثر فقرا. إن تراكم الثروة لدى قطب واحد يمثل أقلية ، يقابله حقيقة إن ١٣٠ مليون نسمة من أصل ١٥٠ مليون ، يرتعون بالفقر، ونصف هؤلاء يعيشون في بؤس مطلق .

إن " التدخل البيئي " ، وهو الإسم الجديد للنهب والسلب الاستعماريين أوضح ما يكون في غابات الامازون . لقد دمرت مجموعة السبعة ، أي البلدان السبعة الأكثر تصنيعا ، ويوجد لدى الشركات متعددة الجنسيات والاساتذة الفعليين "للإنسانية" ، وبشكل خاص شركات جوديير ، ونيبور ، وفولكسفاجن ، وغيرها ، دمرت ملايين الهكتارات من الغابات ، وأغرقت مئات الألوف من الهكتارات الاخرى من أجل بناء سدود هيدروليكية ، كاستثمار منهجي للكتلة البيئية ، من خلال التعامل مع الغابات ، لتسمح بإنتاج ٥ مليار برميل نفط في العام  ،وهو ما يزيد عن إنتاج العربية السعودية.

ويوجد لدى الشركات متعددة الجنسيات أهداف أخرى ، نراها من خلال استثمارهم ، و"نقلهم للتكنولوجيا"  ، مسألة الإخلال بالتوازن البيئي في إحدى أهم " رئات " العالم : فتحت زعم " المشاريع المشتركة " ، أي إشراك الاستثمارات الوطنية ، تفرض هذه الشركات تقنيتها . فقد أقامت ، مثلا ، سدّاً عملاقا في مدينة "توكوري" ، بعد أن محت مئات آلاف الهكتارات من الغابات ، كي تزود بالطاقة الضرورية ، مصانع معالجة البوكسيت ، وهي عملية ملوثة للبيئة إلى حد لا يشجع على إنشاء مثل هذه الصناعة في الولايات المتحدة ، وخاصة أن الحصول على الطاقة من البرازيل ، بسعر ١٦١ دولار للطن الواحد من البترول ، في الوقت الذي يباع فيه في أسواق أمريكا الشمالية بـ ٢٨١ دولار .

هذا هو منطق النهّابين في كل الأصقاع ، ففي البرازيل تسيطر الشركات متعددة الجنسيات على ٨٥ % من إنتاج الكاكاو و ٩٠ % من إنتاج القهوة و ٦٠ % من إنتاج السكر و ٩٠ % من إنتاج القطن والاخشاب .وتسيطر الشركات الأجنبية على ٨٠ % من انتاج البوكسيت و ٨٠ % من الأحجار الكريمة و ١٠٠ % من انتاج الكوارتز الممتاز ، الضروري لصناعة الالكترونيات .

لقد تم خلق نموذج للتنمية في كل ميادين الاقتصاد : السيارات ، الالكتروينات ، البتروكيماويات .. إلخ ، بالتعاون مع قباطنة الصناعة المحلية ، تكون فيه مراكز القيادة خارج البلاد ، مشكلة بذلك تبعية اقتصادية شاملة . هذه التبعية الاقتصادية ، وهذه الصيغة المنحرفة للنمو المفروضة على شعب بأكمله ، تستدعي بالضرورة تبعية سياسية مباشرة أو غير مباشرة لضمان تسديد القروض . " تكرس البرازيل ٤٠ % من عائدات التصدير لتسديد فوائد القروض . أما الارجنتين فتدفع ٥٠ % من هذه العائدات." توجب مرور قرنين كاملين ، على الثورة الفرنسية ، ليصبح شائعا ما دعاه ماركس في منتصف القرن الماضي : تهتّك الرأسمالية ، ولتحقق الوعي في مسألة العودة إلى شريعة الغاب ، المؤسسة عبر الأيديولوجيا والممارسة العملية لحرية السوق ، وهما العاملان اللذان قادا العالم اليوم للإنقسام إلى قسمين : الشمال والجنوب ، مع كل نتائج  النمط الغربي للتنمية الذي كلّف العالم الثالث من الموتى كل يومين ، ما يعادل ضحايا هيروشيما. أما التباعد بين الشمال والجنوب فما زال يتعاظم يوما بعد يوم . ولم يتوقف تنامي انقسام مشابه ، حتى داخل البلدان الغنية ، بين الذين يملكون ، والذين لا يملكون ، مع تصاعد لا يرحم لمعدلات البطالة ، والتسريح ، وعدم المساواة .. وما زال التفاوت بين هذين الطرفين يتعاظم يوما بعد يوم .

والواقع أن ثلث العاملين في العالم البالغ عددهم ٢٨٠٠ مليون ، عاطلون ، عن العمل ، وقد انخفض الانتاج في بلدان العالم الثالث بين عامي ١٩٩٠ و ١٩٩٣ ، بنسبة ١٠%. وحدث الأمر نفسه في مجموعة دول أوروبا الشرقية ، بعد عودة الرأسمالية اليها : فقد انخفضت دخول ٧٣ % من الاسر البلغارية إلى أقل من الحد الادنى للأجور ، بينما كان عام ٤٢ ، ١٩٩٠ 42% فقط ، ووصل 50 % من الأسر البولونية إلى مستوى الفقر عام ١٩٩٢ ، مقابل ٤٠ % عام ١٩٩١ . وحدث الأمر نفسه في الاتحاد السوفيتي السابق، حيث يعيش ١٠ مليون إنسان عند عتبة الفقر عام ١٩٩١ . وفي البلدان الافريقية شبه الصحراوية بلغ معدل البطالة ٥١ % ، وهو ضعف ما كان عليه في أعوام الخمسينات ، وفي أمريكا اللاتينية ، ارتفعت البطالة في القطاعات المدنية من 13,4% إلى 18,6%). (غارودي : الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط) .

# ما هو أساس السياسة الإقتصادية الأميركية ؟:

---------------------------------------------

(لسنا بمؤمنين بعد الآن بحروب نابليون من أجل حرّيات البحار ليس إلا ، مثلما لا نؤمن اليوم بحروب بريطانيا العظمى من أجل الحرّيات البشرية ، الهدف واحد في الحالتين ألا وهو الإستئثار بالسطوة والجاه ومصائر الشعوب الأخرى)

(توماس جيفرسون)

(أساس السياسة الإقتصادية الأميركية هو استخدام القوة لمنع حدوث تنمية مستقلة في أي مكان آخر ، كما فعلت بريطانيا من قبل . ففي امريكا اللاتينية ومصر وشرقي آىسيا وأماكن أخرى فُرِض أن تكون التنمية "تكميلية" وليس "تنافسية" ، وكان هنالك تدخل واسع النطاق في التجارة . فعلى سبيل المثال ارتبطت مساعدات مشروع مارشال بشراء المنتجات الزراعية الأميركية ، فشكلت أحد اسباب ارتفاع نصيب الولايات المتحدة من تجارة الحبوب في العالم من 10% قبل الحرب إلى أكثر من نصف مجمل حجم التجارة في 1950 ، بينما انخفضت صادرات الأرجنتين بنسبة الثلثين . واستُخدم أيضا مشروع المساعدات الأميركية المسمى "الغذاء من أجل السلام" لدعم الشركات الزراعية وشركات الملاحة الأميركية وللتغلب على المنتجين الأجانب . وذلك كجزء من اجراءات أخرى لمنع حدوث تنمية مستقلة . كما أن تدمير زراعة الحبوب في كولومبيا تدميرا كاملا بهذه الأساليب شكل احد العوامل في نمو صناعة المخدرات هناك . وانهارت صناعة النسيج في كينيا عام 1994 عندما فرضت إدارة كلنتون نظام الحصص ، فسدّت بذلك طريق التنمية الذي اتبعه كل بلد من البلدان الصناعية ، وحذّرت "المصلحين الأفارقة" بأن عليهم تحقيق تقدم أكبر في تحسين الشروط الخاصة بعمليات الاستثمار و"أحكام اصلاحات السوق الحر" بتطبيق سياسات تجارة واستثمار تلبي متطلبات المستثمرين الغربيين . كما أن كلنتون الذي يحرّكه نفس التعلق والولع بحرية التجارة قد مارس ضغوطا على المكسيك للتوقيع على اتفاقية تنهي بموجبها شحن البندورة الرخيصة الثمن إلى الولايات المتحدة فكانت بمثابة هدية لمزارعي البندورة في فلوريدا كلّفت المكسيك نحو 800 مليون دولار سنويا وشكلت انتهاكا لاتفاقيات التجارة الحرة في أميركا الشمالية (NAFTA) ومنظمة التجارة العالمية . وقد فسّرت الإدارة القرار بصراحة : البندورة المكسيكية أرخص ثمنا ويفضلها المستهلكون هنا . هكذا تعمل السوق الحرّة ، لكن نتائجها خاطئة . أو لعل البندورة تشكل خطرا على الأمن القومي . ولكن اي معروف يدين به كلنتون إلى مزارعي البندورة في فلوريدا سوف يتقزم بجانب متطلبات صناعة الاتصالات الهاتفية ، التي وصفت بأنها "أكثر أسرار انتخابات عام 1996 إحاطة بالكتمان" وهو "أن قطاع الاتصالات الهاتفية أكثر من اي قطاع آخر ، أنقذ بيل كلنتون الذي تلقى تبرعات هامة للحملة الانتخابية من هذا القطاع الذي يحقق أرباحا مذهلة " . فقانون الاتصالات الهاتفية لعام 1996 واتفاقية منظمة التجارة العالمية هما في الواقع رسالة شكر . (تشومسكي : الدول الفاشلة ، الربح فوق الشعب).

# الإستهتار من أسس السياسة الإقتصادية الأميركية :

----------------------------------------------------

(إن اليد الخفية للسوق لن يكون في إمكانها العمل إطلاقاً بدون قبضة خفية ، فـ "ماكدونالدز" لا يمكنها أن تحقق الازدهار بدون وجود "ماكدونيل دوجلاس" مُصمّم المقاتلة (إف – 15) . والقبضة الخفية التي تبقي على العالم مكانا آمنا لوادي سليكون التكنولوجي اسمها الجيش الأمريكي والقوة الجوية والأسطول ومشاة البحرية) .

(توماس فريدمان)

صحيفة نيويورك تايمز

وحين نستخدم مفردة "الاستهتار" فالمقصود بها المعنى الدقيق من هذه الكلمة كما يرد قاموسيّاً ؛ استهتر الشَّخصُ اتَّبع هواه فلا يُبالي بعاقبة أفعاله أو أقواله ؛ استهتر الطِّفلُ على الرغم من تحذيره ؛ استهترالشابُّ بالعادات والتقاليد ؛ امرأة مستهترة . فالولايات المتحدة لا تعبد سوى مصالحها ؛ عجل الذهب ، وتتخذ القرارات دون أدنى اعتبار لحضور أو دور أو وجود أو مصلحة أو دلالة أي دولة مهما كان دورها وقيمتها على الإطلاق . وارتباطاً بموضوعنا خذ هذا المثال :

(قرّر الرئيس "بيل كلنتون" لأسباب انتخابية قذرة ، وهي منافسة الجمهوريين في قاعدتهم الانتخابية ، عن طريق كسب أصوات الكوبيين المعادين للثورة ، والاقوياء في ولاية فلوريدا ، إلى تشديد الحصار على كوبا بتنفيذ القوانين التي وضعها الجمهوريون أنفسهم وبشكل خاص القانون المعروف بـ "هلمز بورتون" ، والذي يعاقب المؤسسات الاجنبية التي تُنشئ استثمارات لها في إيران وليبيا . ولم يثر الإجراء غضب ضحاياه الأوائل من أبناء الشعب بسبب تدخله في المكسيك فحسب ، بل أثار أيضاً غضب شركات متعددة الجنسيات لها استثمارات في كوبا  كما في إيران وليبيا  .

وإنه لأمر ذو دلالة أن قانون هلمز  بيرتون الذي أقره الكونغرس بمبادرة من الجمهوريين في ٣ كانون الثاني ١٩٩٦ ، قد وقعه كلينتون في ١٢ آذار والقاضي بفرض عقوبات دولية ضد حكومة فيدل كاسترو، بغية المساعدة في وصول وشيك وبالطريق "الديمقراطي"!!  لتشكيل حكومة جديدة في كوبا .

ويكشف هذا الموقف عن خداع ودجل ما يسمى بالتعددية الحزبية في الولايات المتحدة ، إذ يحكمها بشكل دائم حزب واحد ، هو (حزب المال (، ويكشف دخول الملياردير "روس بيرو" حلبة الانتخابات الرئاسية آنذاك عن حقيقة هذا الخداع . ويحمل قادة حزب المال سواء أكانوا ديمقراطيين أم جمهوريين ، الهمّ الأكبر نفسه ، وهو فرض الهيمنة على العالم كله ، لفتح الاسواق لمشاريعهم بدون عوائق .

وكانت المكسيك التي قبلت نير وعبودية (ألينا) هي الضحية الأولى . كانت مجموعة دوموس الاختصاصية بالاتصالات اللاسلكية قد استثمرت في كوبا (٧٠٠ ) مليون

دولار ، فمُنع مديروها مع عائلاتهم ، وحتى أطفالهم من الاقامة في الولايات المتحدة ، منذ أن وضع قانون هلمز  بورتون ، موضع التطبيق في ٢٤ آب ١٩٩٦. وهكذا أصبح قانون أمريكي ، له قوة القانون خارج الولايات المتحدة ، تشريعا للعام كله .

ولم يتوقف تدخلهم عند هذا الحد . ففي نفس اليوم ، أي في ٢٤ آب ، ومن خلال تطبيق

نفس القانون الأحادي الجانب ، وجهت ضربة للمؤسسة الكندية (شيريت انترناشيونال) ، فقد تسلّمت الشركة إنذارا مدّته (٤٥ ) يوما لتضع حدّاً لاستثماراتها في مناجم كوبا  وبشكل خاص استخراج ومعالجة النيكل . واذا تجاوز الأمر هذه المدّة دون تنفيذ مضمون الإنذار ، ستقوم سلطات البوليس والجمارك بمنع مديري هذه المؤسسة وعائلاتهم من دخول الولايات المتحدة ، علما أن اثنين من المديرين من بريطانيا .أثار هذا الاجراء غضب حكومة كندا ، لانها الشريك التجاري الأول لكوبا ، إذ يبلغ حجم التبادل بين الدولتين ٥٠٠ مليون دولار سنويا .

هنا ، تعطينا " اتفاقية ألينا " كل معناها الحقيقي ، إنها التجربة الأولى التي توضح كيف تؤذي الهيمنة الأمريكية شركائها "الاتباع"  .

وأعلنت الحكومة المكسيكية ، يدعمها القطاع الخاص في الاقتصاد المكسيكي رفضها لهذه الاجراءات المخالفة للحقوق الدولية . كما اقترحت الأحزاب الرئيسية الأربعة التصويت على قانون للرد على مثل هذا الاعتداء على السيادة الوطنية . وقال بيان الاحزاب : علينا أن نطبق قانون المعاملة بالمثل : "العين بالعين والسن بالسن" ، لحماية المشاريع الوطنية من التوقف بسبب ضغوط خارجية ، ولبناء نظام معونة لمصلحة الذين سيرفضون الخضوع للضغوط الأجنبية .

وإلى أن يأتي من هو قادر على الرد على سنّ أمريكا الوحشي وعينها الوقحة .. فسيبقى هذا الإستهتار "قاعدة" أمريكية تتلاعب بشؤون سكّان العالم.

# نماذج من السلوك "التنموي" للشركات الأميركية :

-------------------------------------------------

(ما هو في صالح جنرال موتورز هو في صالح أمريكا)

مسؤول أمريكي

شركة كاتر بيلار :

اعتمدت مؤخرا على قدرات انتاج فائضة في الخارج لتكسير إضراب كبير ، نقلت 25% من انتاجها إلى الخارج ، وتنوي زيادة المبيعات في الخارج بنسبة 50% مع حلول عام 2010 ، وذلك بعون من دافع الضريبة في الولايات المتحدة . ويلعب بنك التصدير والاستيراد دورا بارزا في استراتيجية كاتربيلار بتقديمه اعتمادات بفوائد قليلة لتسهيل العملية حيث توفر 2% من عائدات كاتربيلار السنوية البالغة 19 مليار دولار . أي أن الشركات المتعددة الجنسيات تعتمد على الدولة الأم في الخدمات الحاسمة . بتقديم قروض بلا فوائد بكرم وهبات دافع الضريبة المُغفّل . وهذه العملية ستوفر أيضا سلاحا مناسبا قويا ضد العمال الذين يتجرأون على رفع رؤوسهم (كما اتضح من الإضراب الأخير) . والأكثر من ذلك فإن هذا سيؤدي إلى تحسين عافية "أسطورة الاقتصاد" التي تعتمد كما يقول ألن جرينسبان على "المزيد من شعور العمال بعدم الإطمئنان" . مثلما فعلت إدارة كلنتون عندما توقفت عن مناداتها بحرية التجارة وفرضت رسوما على الكمبيوترات العملاقة المستوردة من اليابان لمنافستها المنتجين في الولايات المتحدة (الذين يطلق عليهم  اسم "شركات خاصة" مع أنهم يعتمدون اعتمادا كبيرا على الدعم العام والحماية العامة) .

جنرال موتورز :

تنوي شركة جنرال موتورز اغلاق أكثر من عشرين مصنعا في الولايات المتحدة وكندا ، لكنها في ذات الوقت أصبحت صاحبة أكبر شركات تستقطب العمال في المكسيك مستفيدة من مميزات "المعجزة الاقتصادية" التي خفضت أجور العمال بشكل حاد خلال العقد الأخير ، كما تسبّبت "المعجزة" هذه في خفض حصة العمال من الدخل الفردي في المكسيك من 36% في السبعينات إلى 23% في عام 1992 . في وقت يسيطر على 94% من حصص البورصة أقل من ثمانية آلاف حساب بنكي (الف وخمسمائة منها لمستثمرين أجانب) ، . على الجانب الآخر افتتحت جنرال موتورز مصنعا برأس مال 690 مليون دولار في ألمانيا الشرقية سابقا حيث العمال مستعدون للعمل ساعات أطول من نظرائهم المدللين في القسم الغربي من البلاد ويحصلون على 40% فقط من أجور نظرائهم الغربيين وعلى أرباح أقل ، وذلك بحسب الفايننشيال تايمز . وتُعتبر بولندا أفضل المستثمرين حيث الأجور فيها أقل بـ 10% مما يطلبه العمال المدللون في ألمانيا الغربية ، كما تمّ خصم ضرائب العطلات كمحفز للمستثمرين وغيرها من الهبات الممنوحة لرجال الأعمال . وقد قامت جنرال موتورز بشراء مصنع سيارات قرب العاصمة البولندية من خلال تمرير صفقة من تحت الطاولة ، حيث سهلت الحكومة للشركة حماية كمركية بنسبة 30% . وبالمثل قامت شركة فولكس ولكن بالاستثمار في مناطق الأجور الرخيصة لبناء مصنع سيارات في جمهورية التشيك لتصدير المنتج إلى الغرب . وكشفت دراسة لمركز مورجان ستانلي الدولي أن تكلفة أجور العمال في بولندا أقل بنحو 21 مرة عن نظيرتها في ألمانيا الغربية ، وأقل 31 مرة عن بريطانيا ، وأقل بنحو 75% عنها في المجر. في وقت وجدت فيه شركة "بودي" الألمانية لتصنيع السيارات والتي تقوم ببناء مصنع في بولندا أن تكلفة الإنتاج قد تكون أقل بنحو الثلث في ألمانيا الشرقية السابقة عنها في الغربية . ومن المخاطر هو الضغط على العمال في اوروبا الغربية . قال مسؤول عمالي بريطاني يهددوننا "إذا لم تستسلموا وتخفضوا أجوركم ، فإننا سنذهب بمشروعاتنا إلى أماكن أرخص" .

# طرد العمال :

وبعد أن تم التصويت على اتفاقية النافتا تم طرد العمال من مصنعي "هانيول" و"جي" نتيجة محاولتهم تشكيل اتحادات مستقلة ، وهو ما يشبه ما قامت به شركة فورد للسيارات في عام 1987 حين طردت أغلب العمال وخفضت أجور الباقين بشكل ملحوظ . ولم تتمكن اي تظاهرة عمالية من الظهور بسبب العقوبات التعسفية التي مورست ضدهم ، ونفس ما قامت به فولكس ولكن في عام 1992 حين طردت 14000 عامل وأبقت فقط على اولئك الذين تم ترويضهم وأعلنوا عن تخليهم عن القيادات العمالية وأطاعوا زعماء عماليين مستقلين مدعومين من قبل الحكومة النيوليبرالية !. (تشومسكي : الربح فوق الشعب ، الهيمنة أم البقاء ؟ ) .

شركة شيفرون- تيكساكو :

في نيجريا، بالإضافة إلى تأجيجهما للحرب الأهلية بتمويلهما الجماعات المسلحة مقابل امتيازات، اتحدت الشركتان النفطيتان الشهيرتان : سوكال وتيكساكو تحت اسم " شفرون - توكسيكو" مما ساهم في تحويل الحياة إلى جحيم حقيقي لأشخاص أغلبهم ليست له إمكانية شراء دراجة.

مبادرة "Chevron-Toxico "، التي سعت إلى إدانة تحركاتهم:
"تخيلوا أنفسكم تعيشون مع خط أنابيب يقطع ساحتكم، وساحة جيرانكم. تخيلوا أن في آخر هذا الأنبوب، اقل من 300 متر من بيتكم، تشتعل النار. نار ترتفع إلى أكثر من 60 متر في السماء، محترقة 24 ساعة يوميا، سبعة أيام في الأسبوع. تخيلوا أن تلك النار تحترق بشراسة منذ أربعين سنة. تخيلوا أن تلك النار تسبب الربو لأطفالكم ولأطفال جيرانكم. تخيلوا انه من تلك النيران بدأت، كما لاحظتم ظاهرة الأشخاص فاقدي البصر، والمشوهين خلقيا وأمراض الجلد والسرطان في مجتمعاتكم. تخيلوا انه حين تسقط الأمطار تتسلل وتمطر عبر سقف بيتكم. تخيلوا الضجيج العنيف والمتتالي كأزيز الطائرة، يأتي من تلك النيران. تخيلوا الدخان، سواد الدخان، والرائحة الكريهة الناتجة عن الحريق وعمّا يتضمنه من مواد كيميائية. تخيلوا أنفسكم تحاولون زرع الخضروات في بستانكم التي تنزل عليها أمطارا كيميائية أو أنكم تصطادون في بحيرة ملوثة. تخيلوا أنفسكم تعيشون بلا ليل. الآن تخيلوا أن في الطرف الآخر من العالم رجال أغنياء يكسبون المال من جراء تلك النيران، الكثير من المال
".

التمييع السريع للغاز الطبيعي والمستخرج في الوقت نفسه مع البترول، بالإضافة إلى التبذير الذي يمثله، يبدو بعيدا من أن يكون غير مؤذٍ. كما أن تجميعه ليس اقتصاديا في الوقت الحالي. بهذا، 20% من المسح السريع للغاز الطبيعي في العالم يتم في نيجيريا، حيث يبدو 75% من الغاز المستخرج مخلفا لآثاره، بينما في الولايات الأمريكية فالأمر لا يزيد عن 0.05 % من الغاز. وقد احتجت حركات شعبية ضد "اللاعقاب" الذي تتمتع به الشركات البترولية في نيجيريا، والمتظاهرون في اغلب الأحيان يتعرضون للقمع و العنف، ولا تتورع شيفرون - تيكساكو عن حمل عدد من العسكريين في طائراتها الهليكوبتر لإطلاق النار على المتظاهرين المسالمين . علاوة على هذا، السنة الماضية، قرر النظام النيجيري مضاعفة أسعار الوقود، مما أجبر الناس إلى التوجه نحو الحطب للطهي، مما ألحق الضرر و التشويه للغابات.

من سنة 1971 إلى سنة 1992، نشطت تيكساكو في الإكوادور لاستثمار البترول في منطقة " أوريونت" الواقعة في قلب الغابة العذراء في الشمال، حيث يعيش العديد من المواطنين المحرومين. وقد بنت خط أنابيب يتجاوز منطقة الأنديز. وفي أغلب عملياتها البترولية، فهي لا تسكب أقل من 15 مليون لتر يوميا من الماء الملوث والذي يمتزج بالفولاذ الثقيل المستعمل لاستخراج البترول في عمليات التنقيب في الهواء الطلق. تركت تيكساكو خلفها أكثر من 600 ألف لتر من ذلك التنقيب، الذي يمتد يسري إلى قاع الأرض و يمنع بالتالي السكان من الماء الصالح لشرب، ناهيك عن تلوث التربة. ومن جراء كل هذا، تفوق نسبة الإصابة بالسرطان بـ 1000 مرة العدد الطبيعي. (شبكة فولتير) .

# ملاحظة عن هذه الحلقات :

----------------------------

هذه الحلقات تحمل بعض الآراء والتحليلات الشخصية ، لكن أغلب ما فيها من معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية مُعدّ ومُقتبس ومُلخّص عن عشرات المصادر من مواقع إنترنت ومقالات ودراسات وموسوعات وصحف وكتب خصوصاً الكتب التالية : ثلاثة عشر كتاباً للمفكّر نعوم تشومسكي هي : (الربح فوق الشعب، الغزو مستمر 501، طموحات امبريالية، الهيمنة أو البقاء، ماذا يريد العم سام؟، النظام الدولي الجديد والقديم، السيطرة على الإعلام، الدول المارقة، الدول الفاشلة، ردع الديمقراطية، أشياء لن تسمع عنها ابداً،11/9) ، كتاب أمريكا المُستبدة لمايكل موردانت ، كتابا جان بركنس : التاريخ السري للامبراطورية الأمريكية ويوميات سفّاح اقتصادي ، أمريكا والعالم د. رأفت الشيخ، تاريخ الولايات المتحدة د. محمود النيرب، كتب : الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط ، وحفّارو القبور ، والأصوليات المعاصرة لروجيه غارودي، نهب الفقراء جون ميدلي، حكّام العالم الجُدُد لجون بيلجر، كتب : أمريكا والإبادات الجماعية ، أمريكا والإبادات الجنسية ، أمريكا والإبادات الثقافية ، وتلمود العم سام لمنير العكش ، شوكة في حلق المتحكّمين لآمي جودمان وديفيد جودمان ، كتابا : الإنسان والفلسفة المادية ، والفردوس الأرضي د. عبد الوهاب المسيري، كتاب: من الذي دفع للزمّار ؟ الحرب الباردة الثقافية لفرانسيس ستونور سوندرز ، وكتاب (الدولة المارقة : دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم) تأليف ويليام بلوم .. وغيرها الكثير.

 

تاريخ النشر

11.06.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

11.06.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org