<%@ Language=JavaScript %> د. حسين سرمك حسن علي الوردي : (24) هل الدين ثورة أم أفيون ؟ الدين والدولة متنافران بالطبيعة ، وإذا التصق الدين بالدولة فهو دين كهّان لا دين أنبياء

 

 

علي الوردي : (24)

 

هل الدين ثورة أم أفيون ؟

 

الدين والدولة متنافران بالطبيعة ، وإذا التصق الدين

 

بالدولة فهو دين كهّان لا دين أنبياء

 

 

 

د. حسين سرمك حسن

 

 

# هل القرآن سجل للعلوم والفنون ؟

----------------------------------

إن الوردي يدعو إلى كتابة التاريخ وفق هذه النظرة الصراعية الدينامية التي وصفها القرآن . فالقرآن يرى أن كل نبي يرسل يقاومه المترفون ويناصره المساكين المسحوقون . وهذا يحصل في كل زمان ومكان ولذلك فالصراع والتنازع الاجتماعي حقيقة أزلية في التاريخ . لكن المشكلة تكمن في أن المسلمين تناسوا أو أُنسوا هذا الجانب من نظرة القرآن إلى الصراع ، واتجهوا إلى اعتبار القرآن كتابا للإعجاز العلمي وسجلا للآداب والفنون كما يقول الوردي :

(( أخذ المسلمون في عهودهم المتأخرة يفهمون القرآن على غير حقيقته . فهم اعتبروه سجلا للعلوم والفنون على اختلاف أنواعها . ففيه أسرار الذرة والفلك ، وفيه الأدوية والعقاقير ، وفيه الجغرافيا وعلم طبقات الأرض . وهم يناشدون كل عالم أن يقتبس علومه من القرآن . وإذا عجز العالم عن العثور عمّا يطلبه فيه كان ذلك دليلا على قصور ذهنه، فهو لو صبر على البحث لوجد في القرآن كل ما يروم ))(170) .

وفي هامش مهم على الصفحة 128 من كتابه : "المعجزة أو سبات العقل في الإسلام" ، وارتباطا بهذه الموضوعة نفسها : موضوعة الإعجاز العلمي للقرآن ، يقول جورج طرابيشي:

(( ولنلاحظ أنه في زمن الردة هذا تعاظمت الدعوة في الساحة العربية الإسلامية ، لا إلى اجتراح ثورة كوبرنيكية مستأنفة ، بل إلى إنكارها وإنكار ضرورتها أصلا . وفي هذا السياق الإنكاري رأت النور وتطورت – بل تضخمت – نظرية الإعجاز العلمي للقرآن وشرعت تشغل ملء المساحة التي كانت تشغلها في الأزمنة اللاهوتية ، حسب تقسيم أوغست كونت الشهير لمراحل التاريخ البشري ، نظرية الإعجاز البياني للقرآن . ومع أن هذه النظرية الطارئة تدّعي الإنتماء إلى الحداثة العلمية أو تريد الرد على تحدّيها ، فإن ما يغيب عن دعاتها ومروجيها في الحقل التداولي للآيديولوجيا الإسلاموية المنداحة موجتها اليوم هو أن الحداثة العلمية قامت تحديدا على فصل العلم عن الدين والإقرار له بالسؤدد التام في حقله . والحال أن دعاة الإعجاز العلمي للقرآن إنما يحاولون العكس تماما من خلال ربط العلم بالدين واستتباعه له . هذا في حال التسليم بمنجزاته . أما في حال عدم التسليم به ، فإن نظرية الإعجاز العلمي للقرآن قد تقود ، لا إلى ادعاء الإنتصار المنافق للحداثة ، بل على العكس إلى شكل متطرّف وفصامي من القدامة كما في مثال الشيخ عبد العزيز بن باز ، المفتي السابق للديار السعودية ، الذي كان أصدر في عام 1982 كتابا يحمل هذا العنوان الدال : (الأدلة النقلية والحسية على سكون الأرض) ، وفيه أفتى بضلال من يقول " بدوران الأرض حول الشمس وجريان الشمس حول نفسها " لأن هذا القول " مخالف للأدلة السمعية والحسية ، ويفضي إلى تكذيب الرسل وعدم الثقة بأخبارهم " وفضلا عن أنه " مخالف للنصوص والمنقول ... فإنه مخالف للمشاهد المحسوس ومكابرة للمعقول والواقع " ، إذ " لو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان والجبال والأشجار والأنهار والبحار لا قرار لها ، ولشاهد الناس البلدان المغربية في المشرق ، والمشرقية في المغرب ، ولتغيرت القبلة على الناس حتى لا قرار لها " .

وفي الوقت الذي لا يتردد فيه ابن باز في مداورة سلاح التبديع والتكفير في مثل هذه القضايا الفلكية ينتهي إلى تأسيس العلم في تبعية مطلقة للشرع فيقول : " يجب أن يعرض المسلمون آراء الفلكيين على الكتاب والسُنّة في أمر الشمس والقمر وغيرهما ، فما وافق الشرع من آرائهم قُبل ، وما خالف رُدّ عليهم ")) (171) .

لكن الوردي يعتبر هذه من الأفكار السلطانية التي نشرها بين المسلمين الوعاظ الذين عاشوا على فضلات موائد المترفين . وهي وسيلة لتخدير عقول المسلمين وشل إرادتهم وتبرير وتعزيز جور الحكام .

# هل الدين ثورة أم أفيون ؟

----------------------------

ثم يناقش الوردي وجهتي نظر متضادتين لـ "نيتشه" الذي يقول : " الدين ثورة العبيد " ، وماركس الذي قال : " الدين أفيون الشعوب " ولكنه يعتبرهما متكاملتين فالدين ثورة وأفيون في وقت واحد . أفيون عند المترفين ، وثورة عند الأنبياء . وفي التقاطة مهمة يبرّر الوردي عدم ظهور أنبياء في العصور الحديثة بما طرأ على الفكر البشري من تطور حيث كان الناس قديما أولو نزعة دينية عميقة ، أما الآن فقد أخذت عقولهم تصطبغ تدريجيا بالصبغة العلمانية ، ولهذا أصبحوا يتأثرون بالنظريات العلمية أكثر من تأثرهم بالأفكار الغيبية . ويرى الوردي أن التاريخ الإسلامي منذ ظهور الدعوة المحمدية كان عبارة عن صراع مستمر بين المترفين ممثلين بقريش ، والثوار ممثلين بالرسول والصحابة الذين تدرّبوا على يديه وعانوا معه أنواع البلاء والإضطهاد . ولقد كان نمو الترف من نتائج إسلام الفتوحات الذي رافقه الكثير من اضطهاد الشعوب المفتوحة ولكن الثوار من حملة الدين كانوا صمام الأمان في أيام الخلفاء الراشدين حيث كانوا يقفون إلى جانب الشعوب المفتوحة ويؤيدونها في شكواها . كان حملة السيف وحملة القرآن وقت الخلفاء الراشدين جبهة واحدة تقريبا ، لكنهم انشقوا في عهد الدولة الأموية .

ويمسك الوردي بظاهرة مهمة هي أن معظم حملة السيف كانوا من العرب ، في حين أن معظم حملة الدين كانوا من الموالي :

(( وهذه ظاهرة لم نجد لها أثرا كبيرا في أيام الراشدين ذلك لأن حماة الدين وحماة الدولة كانوا آنذاك من العرب . فلما تعصّب بنو أمية للعرب وسوّدوهم على الموالي ، مال الموالي إلى الدين واتخذوه سلاحا في أيديهم يحاربون به السيادة العربية )) (172).

# الدين والدولة متنافران بالطبيعة ، وإذا التصق الدين بالدولة فهو دين كهّان لا دين أنبياء :

--------------------------------------------------------------------------

وهنا يقدم الوردي وجهة نظر هامة في موضوعة صلة الدين بالدولة . فهو يرى :

(( أن الدين والدولة أمران متنافران بالطبيعة . فإذا اتحدا في فترة من الزمن كان اتحادهما مؤقتا ، ولا مناص من أن يأتي عليهما يوم يفترقان فيه . وإذا رأينا الدين ملتصقا بالدولة زمنا طويلا علمنا أنه دين كهان لا دين أنبياء . وما أولئك المعممون الذين آزروا الدولة في جميع أطوارها إلا مشعوذون من طراز الكهنة الذين آزروا فرعون ، والسَدَنة الذين أيّدوا نيرون ، والتجار الذين قاتلوا تحت راية أبي سفيان رضي الله عنه . إنهم يرضون لفرعون أن يستعبد الناس ولا يرضون للناس أن ينقموا عليه استعباده . يحق للسلطان أن يقسو ولا يحق للرعية أن تشكو . وهذا رأي يلائم مزاج الخرفان ، لا مزاج بني آدم )) (173) .

وحين اتضحت معالم الدولة الإسلامية في عهد عمر لم تحصل القطيعة بين الدين والدولة – اللذين يصفهما الوردي بأنهما كانا زوجين متنافرين وحّدهما شهر العسل - لأن الذين تسلموا زمام القيادة كانوا من الصحابة الذين تدربوا على يدي محمد ، ومُرّنوا على الثورة معه . لكن المنافرة الحقيقية بين الدين والدولة واتساع الفجوة بينهما بدأت في عهد عثمان :

(( وربما جاز لنا أن نصف مقتل عثمان بأنه كان وثيقة الطلاق بين الزوجين المتنافرين ، حيث اتخذ دعاة الدولة قميص عثمان شعارا لهم ، بينما اتخذ دعاة الدين مباديء الثورة لهم شعارا ، وعندئذ سار الدين في طريق ، وسارت الدولة في طريق آخر )) (174)  .

وقد تجسّد هذا الطلاق النهائي في النزاع بين علي ممثلا للدين وللثورة ، ومعاوية ممثلا للدولة المترفة . وشتان بين من تربى في بيت النبي ملتصقا به ومدافعا بروحه عن الدين الثائر ، ومن تربى منذ صباه على حرب الإسلام والكيد له . ومن نتائج هذا الصراع يلتقط الوردي دليلا يفنّد آراء المؤرخين حول السبب الذي جعل الشعوب المفتوحة تدخل في الدين الجديد أفواجا رغم أن الشعب المفتوح بطبيعته ميّال لمقاومة الفاتح . فهو يرى أن المؤرخين أخطأوا حين عدّوا السبب هو خوف تلك الشعوب من السيف أو لغرض التهرب من الجزية أو لقناعتها بالدين الجديد كونه أفضل من دينها القديم . أما المبرّر الحقيقي فهو حسب قول الوردي :

(( إن الذي أدخل الشعوب المفتوحة في الإسلام أمران : جور بني أمية وثورة بني علي . وبين الجور والثورة تنبعث الحركة الاجتماعية بشتى صورها . حنق بنو أمية على الموالي ، وحنق الموالي على بني أمية . ولا مناص من أن يحنق بعضهم على بعض . فالحركة الاجتماعية لا تخضع للمنطق ، إنما هي تجري حسب نواميسها المحتومة أراد الناس أم أبوا ... لقد فتح الأمويون الأمصار باسم الإسلام ، وإذا بالشعوب المفتوحة تقاومهم باسم الإسلام أيضا . ولهذا صار الإسلام على نوعين : نوع يؤيّد الغالب ، ونوع يؤيّد المغلوب . ذلك يقول بأن السلطان ظل الله في الأرض ، وهذا يقول بأن الله للظالمين بالمرصاد . وكل فريق اتخذ الدين سلاحا له ، يصول به ويجول )) (175) .

ثم يستعرض الوردي الفروقات بين شخصية وسلوك علي ، وبين شخصية وسلوك معاوية ؛ فروقات تجعلهما على طرفي نقيض تماما . ففي الوقت الذي اتضحت في عهد علي كل السمات الثورية في الإسلام بصورة أكبر مما اتضحت في عهد النبي ، اتضحت في معاوية كل السمات المناقضة التي يعلّق عليها الوردي بالقول :

(( يتضح من هذه القرائن التاريخية أن معاوية أصبح محصنا بالأحاديث والآيات المقدّسة من كل جانب . فهو خليفة رسول الله ، ويلبس قميص الله ، ويحكم بأمر الله ، وهو فوق كل ذلك من أهل بيت الله . ولا حول ولا قوة إلا بالله )) (176) .

يشن الوردي هجوما شديدا على من أسماهم بـ "بعض رجال الدين" في خاتمة الكتاب : ( خاتمة المهزلة : بعض رحال الدين ) ، حيث يبيّن أن بعض رجال الدين قد هاجموه ، وكفّروه ، وطلبوا محاكمته بعد أن ألقى محاضرة أشار فيها إلى التفسخ الخُلُقي الذي كانت عليه قريش قبل الإسلام ، وتشابه هذا التفسخ مع التفسخ الذي يعيشه المترفون في الوقت الحاضر . وبعد أن يعلن عن محاولة جرت للإعتداء عليه وهو في بيته ، وكيف أن خطيب جامع من جوامع بغداد المعروفة قد قال في خطبة الجمعة :

(( هناك ثلاثة أمور تؤدي إلى فساد البلاد ، هي : القمار ، والبغاء ، والدكتور علي الوردي ))

يختم الكتاب بصيحة ثورية تفاؤلية يصرّ فيها على إعادة التاكيد على أطروحاته التي فجّرها في كتابه السابق : (وعّاظ السلاطين) ، فيقول :

(( أودّ أن أختم هذا الكتاب بما ختمت به كتاب ( وعّاظ السلاطين ) من قبل ، هو أن زمان السلاطين قد ولّى وحل محله زمان الشعوب . وقد آن الأوان لكي نحدث انقلابا في أسلوب تفكيرنا . فليس من الجدير بنا ونحن نعيش في القرن العشرين ، أن نفكّر على نمط ما يفكر به أسلافنا في القرون المظلمة .

إن الزمان الجديد يقدم لنا إنذارا . وعلينا أن نصغي إلى إنذاره قبل فوات الأوان . إنه زاحف علينا بهديره الذي يصمّ الآذان . وليس من المجدي أن نكون إزاءه كالنعّامة التي تُخفي رأسها في التراب حين تشاهد الصياد . فهي لا تراه وتحسب أنه لا يراها أيضا .

إن الجيل الجديد مُقبل على قراءة دراسة الأفكار الحديثة . وقد أصبح ذهنه مشبّعا بما فيها من منطق واقعي . وهو لذلك لا يستسيغ هاتيك الأفكار " العاجّية " التي أكل الدهر عليها وشرب . إنه يطلب من رجال الدين أن يأتوا له بآراء تماشي الزمان لكي يحترمهم ويصغي لأقوالهم، وإلا فهو لابدّ أن يسخر بهم ويتركهم وراءه. الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام . والذي يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد .

يقول حكيم الإسلام علي بن أبي طالب : " لا تعلموا أبناءكم على عاداتكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم "

آما آن لنا أن نصغي إلى هذا النداء الذي يأتينا من وراء القرون ؟ ))

ومن المهم أن نذكر بأن الوصف الذي يقدّمه الوردي لمواجهة الآراء العتيقة للآراء الجديدة بمن يحارب الرشاش بالسيف – سلاح عنترة – هو محاولة ناجعة للتذكير بالمثال الذي ضربه في المقدمة عن حرية المرأة ؛ عن الرجل الذي يحارب بسيف الآراء القديمة رشاش حرية المرأة الذي لا يُقاوم ، حيث قال في الصفحة 17 و18 من مقدمة الكتاب :

(( كان الرجل في الزمان القديم بطلا يحمل السيف ، وكانت المرأة ضعيفة محتاجة إلى الرجل ، في أمر معاشها فهي مضطرة أن تخدمه وتغريه ... أما اليوم فقد بطل فعل السيف .. إذ حلّ محله زمان الذكاء والدأب وبراعة اليد واللسان ، وبهذا خرجت المرأة لتنافس الرجل في عمله وشعرت بأنها قادرة على منافسته ، فلا سيف هناك ولا مصارعة... ولو كان السيف في زماننا هذا فعّالاً كما كان قديما ، لاستطاع الرجل به أن يقول للمرأة : ارجعي إلى البيت ، ثم ينفذ قوله بحد السيف إذا شاء .

ولسوء حظ الرجل أن السيف أصبح يوضع في المتاحف ، حيث جاء مكانه المسدس والرشاش والحيلة البارعة . وليس من الممكن إذن أن يأمر الرجل المرأة بالرجوع إلى البيت ثم تسمع له وتطيع )) (177) .

 

 

تاريخ النشر

30.05.2015

 

 

صفحة الكاتب والناقد الأدبي العراقي  

د. حسين سرمك حسن

 

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

30.05.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org