%@ Language=JavaScript %>
تحليل خمسين رواية عربية نسوية :
رواية (قبل اكتمال القرن) ( قرن الخراب العراقي العظيم )
للمبدعة "ذكرى محمد نادر"
(6)
د. حسين سرمك حسن
بغداد المحروسة 2010
# المُبدعة المُحللة : سيكولوجية علاقة الضحية بالجلاد :
وعلى الرغم من أنني ذرفت دموعا على المصائب المتلاحقة التي واجهتها سُبل ، إلا أنني أعتقد أن "حنان المومسات " قد سمّم روحها ، وأن "حكمة" السلطانة قد أثّرت في أفكارها وسلوكها من حيث لا تعلم . هذا يعيدنا إلى علاقة سُبل بنوّاف وتفصيلاتها التي طرحتها عبقرية "ذكرى" – وهي ليست مختصة بعلم النفس – كأنموذج لعلاقة الجلاد بالضحية وأسسها السيكولوجية .
لقد جاء الإعتقال الأول لسُبل عندما اقتحم زوّار الفجر الأوغاد بيت الرضواني باحثين عن ابن عمها "عامر" وأخيها "الجهم" ، وكليهما منتميان لتنظيم سياسي معارض للسلطة الطغيانية . لم يجدوا عامرا ، وألقوا القبض على الجهم ، وأخذوا معهم سُبل وأبيها مرتضى برغم أنه – أي الأب - سبق أن قدم براءة من العمل السياسي ووقعها في مديرية الأمن . وُضعت سُبل أوّلا في غرفة شديدة الإضاءة ، جدرانها ملساء مطلية بلون أبيض دهني مشع ، وتنبع أنوارها الساطعة من سقفٍ عالٍ بتحكم خارجي ، والفكرة الأساسية من هذا الإجراء الذي تتفق عليه كل مراكز التعذيب السياسي وأسرى الحرب هو خلق حالة من " الحرمان الحسّي – sensory deprivation" ، حالة يختلط فيها الليل بالنهار .. تنعدم فيه كل مؤشرات تحولات الزمن .. وبذلك تضطرب الساعة الحيوية الداخلية .. يضطرب الإيقاع الحيوي لدى السجين .. لا يعرف ما الذي يجري في الخارج إلا من خلال السجّان .. السجّان يصبح دليله في حياته كلها .. ينشأ نوع من الاعتمادية .. اعتمادية السجين على السجّان .. اتكال الضحية على الجلّاد .. وهذا البياض الشديد هو عامل مخيف .. لا يبهر العينين ويعيق الاسترخاء حسب بل يبدأ بمسح الذاكرة الحديثة للسجين الذي بسبب فقدان المتغيرات المطلق وحرمانه من ملاحقة التحولات – النهارية خصوصا – لا يعد يسجل شيئا في "ذاكرته القريبة – recent memory " فيعود مرتدا إلى استرجاع مخزونات " ذاكرته البعيدة – remote memory " .. مخزونات ذكريات طفولته وصباه .. العلاقات الجميلة مع أفراد عائلته واحبائه .. وهنا سيواجه السجين وهذا ما حصل لسُبل سلاحا ذا حدّين ؛ لقد استعادت سُبل - وهي في حصار الزنزانة البيضاء - قصصا كثيرة : قصة حبّها الوحيدة الخائبة .. قصة حبّ أختها مراثي لابن عمتها "عامر" والذي تخلّى عنها بلا رحمة .. قصة حبّ أخيهما الجهم الفاشلة لابنة عمته "هانيا" .. قصة الحب الصامتة لخمسين عاما بين الأعمى عازف الربابة والشمّرية جدّتهما التي لم يعترف بها إلا أخيرا . والرواية هي تجربة الموت والحب بامتياز كما سنرى :
( أيقنت سُبل بحنان مخيلتها أنها أحبّت بيتها ، بتعب جدرانه ، ومرض طلائها الحائل لونها الأبيض إلى رمادي مغبر شوّهته خرائط مطر السنوات الماضية . أرسلت عينيها في رحلة شوق إلى الغرف المتراصة بعوالمها السرّية ، واشتاقت أن تكون هناك لتنجز ، كما بدأت مع مراثي ، حياكة جوارب "الوليد" الصوفية ، لقدميه المنهكتين من ألم الروماتزم ، حيث يقضي خدمته العسكرية في جبال الوطن الثلجية القصيّة – ص 144 ) .
وبقدر ما كانت هذه الذكريات مؤاسية وتستعيد سعادات الزمن الضائع البهيج رغم مراراته ، فإنها تتضمن نوعا من النكوص ، نوعا من البحث عن الرحم الأمومي الحامي .. وهذا ما يريده الجلاد .. أن يشعر السجين بالحاجة السريعة للعودة إلى أحضان العائلة وخيمتها الحانية .. وفي سبيل ذلك قد يصبح السجين مستعدا لتقديم التنازلات التي يصمّمها الجلّاد صغيرة عادة ، لتتراكم فتصبح تنازلات سوقية / ستراتيجية تكسر ظهر وجود الفرد . وليس شرطا أن يشعر الفرد السجين بالحاجة إلى الأم كما حصل لـ ( رجب اسماعيل ) بطل رواية (شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف ، الذي سقط إلى الأبد بعد موت أمّه رغم صموده خمس سنوات ، ولكن أن يحس بحاجة إلى مكافئات الرحم الأمومي .. البيت .. العائلة .. الأخت المساندة .. الحبيب ... شيء مفضل في البيت حتى لو كان قطة ... إلخ . لقد جعل نواف بقاء سُبل في الغرفة المشعة بألم البياض طويلا حتى جعلها ترغب في استعجال التحقيق ، وهذا تكتيك آخر.. وفي بطانته شعور بسيط يتنامى لاحقا مفاده أن مقادير الأمور هي بيد الجلّاد .
بعد عدة أيام أقتيدت سبل لمقابلة نواف الضامن في مكتبه الأنيق المريح :
( مكتب فخم لرجل لم تشك لحظة مذ وقع عليه بصرها ، بأن هناك قدرا سيجمعهما – ص 150 ) .
وهذا الحدس غير مُبرر أبداً ، فهي لم تر نوّاف ، ولم تعرفه من قبل ، ثم ما الذي يجمع الضحية مع الجلاد ؟ لكنه الإحساس الاعتمادي الذي تنامى بفعل العزلة . سألته أولا عن أبيها وأخيها فأجابها بأنها ليست في وضع يسمح لها بطرح الأسئلة .. ودعاها إلى الاهتمام بنفسها فقط .. وذكرها بأنه كان طيّبا جدا معها . ثم بدأ نواف الدرس الأول كما وصفته ذكرى : ( كان درسه الأول قد بدأ فورا . منذ أن طرفت عيناه برؤيتها . نظم في ذهنه المتقد خطة لترويض لبؤة الحظ الليلي العاثر في استثمار مفيد . جلس هادئا على كرسيه ينقر بأصابعه على بعض الأوراق . قلب في كتاب شعر . لم تلتقط عيناها اسم كاتبه . خمّنت أنه قد مر قبلها في هذه الغرفة – ص 152 ) .
وكل هذه حركات مدروسة ، والحوهريّ فيها ومقصدها النهائي أن يتعزز في وجدان السجين المأسور وجها السلطة الأبوية : الحانية الحامية ، والخاصية المدمرة . وكل وجه تكون له تجلّياته ، والأفضلية أوّلا للوجه الباطش . وها هو نواف يضغط على جرس ليدخل فورا شخص أشار إليه بإصبعه فأدخل رجلاّ مُدمّى . علق نواف على ذلك قائلا بمرح ظاهر :
-عادة لا تتم هذه الأمور هنا ، ولكن قد يحدث أحيانا ..
ورغم أنه لمح في عينيها وهج الكراهية ، إلا أنه كان يراهن على تطويع هذه الكراهية .
تأتي الخطوة اللاحقة الخطيرة حين زُجّت - هي وأختها - في سجن العاهرات .. هنا تسمّمت روحها باسر سلطة الغواية من دون أن تدري . وليس شرطا أن نُمسك بالأسباب متسلسلة ، ولكن يكفينا في علم النفس ان نمسك بالنتائج لنعود منها إلى المسبّبات كما سنرى . لقد اجبرها نواف على رؤية أن السياسة من الممكن أن تتعايش مع الدعارة . أطلق سراحها بعد اسئلة عادية وتافهة جدا . الهدف هو إشعار السجين بلاجدواه .. بضياع مقدراته .. بشلل إرادته وعجزه عن التحكم بمصيره .. من يتحكم بمصيره هو الجلاد . الجلاد الذي سيصبح "مُنقذا" ، وهذه أخطر المراحل ، في الخطوة اللاحقة ، حيث أعيد استجواب سُبل ولم يكن نواف الضامن موجودا . نُقلت إلى غرفة واسعة جدا بلا نوافذ ، خالية من الأثاث سوى كرسي منفرد يحمله المحقق كلما تحرك .. هكذا يتم إشعار السجين بالعجز .. وفي بعض الأماكن يعطونه كرسيا بلا مساند كي يحرموه من أي متكأ مادي معاون مهما كان . وسُبل تقف الآن ، والمحقق جالس يتحرك على كرسيه بحرية يسألها :
(أين "عامر" ؟ من هي سلمى ؟ ضُبطت وأنت تسيرين معها .. كنتما في المدرسة معاً .. لا ينفعك الإنكار .. تكلمي ؟ - ص 167) .
هنا .. وفي هذه اللحظة تذكرت السلطانة بثدييها العظيمين وحكمة لياليها حين قالت :
" السياسة كالدعارة .. لكليهما شبهة "
فلمجرد أنها كانت تمشي في المدرسة الإعدادية مع "سلمى" فقد أصبحت مشبوهة بتهمة رهيبة تستحق عليها التعذيب في الوقت الذي لا تُعذب فيه العاهرات اللائي شاهدتهن وهن يمرحن في السجن . إنهن يسيطرن على أشخاص بقوة نوّاف وجبروته ويتلاعبن بهم . وفوق ذلك فإن الدولة القامعة قد جعلت السياسة شبهة دمّرت حياة سُبل ومستقبلها قبل تعرضها للسجن والتحقيق . لقد خاضت تجربة حب عظيمة مع شاب هام بها حد الإنسحار .. ثم فجأة انقطع عن لقائها .. لم تشعر بما اضمره كلامه في لقائهما الأخير . سألها حبيبها :
-يُقال إن لكم انتماء سياسيا مختلفا ؟
( تنحنح وكأنه سيقول شيئا آخر ، لكنه صمت . كانت تدور حوله مثل عصفور مبهور بغرام عشه المبتكر . كانت خلفه تماما حين نقرته بأصابع راقصة ، وابتسمت كلماتها بين شفتيها : ماذا يعني هذا ؟ أخبرها وهو خافض العينين عن هواجس عائلته العارفة بالطريقة التي عُلّق فيها الصفوان على عمود الكهرباء. وعامر وهروبه المستمر . صالبت سُبل يديها فوق صدرها :
-لقد نسيت أن تذكر أن لي أختا هاربة من بيت العائلة . ألم يذكر احد هذا الأمر ؟
هزّ رأسه قبل أن يجيب :
-لم يذكر أحد . هذه الأمور يمكن تداركها . قد تحدث لكل العوائل . ولكن – ص 146 ).
تصوروا أن هروب فتاة من بيت أهلها لا يستفز عائلة الرجل المُقبل على الزواج من سُبل .. ولكن ما يقلقها أن يكون فيها مناضل مكافح من أجل حرية الشعب ؟
أي أن احتمالات انحراف الفتاة الهاربة وعهرها أقل خطرا من انتماء أحد أبنائها لحزب معارض ؟ ألم تقل ذكرى إن السياسة أسوا من الدعارة ؟ . ألن نستعيد ، مثلما استعادت سُبل وهي بين يدي المحقق الشرس الآن حكمة الحكيمة السيدة "السلطانة" : " السياسة كالدعارة ، لكليهما شبهة " .
تذكرتها سُبل وهي ترد على أسئلة المحقق بأنها غير منتمية لحزب ولا صلة لها بالسياسة وبذلك تكون خارج دائرة "شبهة" السياسة . هدّدها المحقق .. فبكت .. هدّدها :
-إنك لا تعرفين ما ينتظرك . الهول والجحيم لا يعادلان لحظة واحدة مما يجب عليك الحذر منه .. سأقتلع عينيك ، وأنتف هذا الشعر الطويل وأقلعه .
ثم لطمها بكفه الضخمة المتمرسة فتورمت شفتها فورا . وفي هذه اللحظة دخل نواف الضامن . هذا هو التوقيت المضبوط لتحقيق المضمون " الإنقاذي " لدوره . وهنا تكون الخاتمة والإنعطافة الجذرية في علاقة الضحية بالجلاد . التحوّل الكارثي يحصل عندما تشعر الضحية بأن جلّادها صار منقذها . هنا يحصل تضاد وجداني مرعب يطيح بالفرد الضحية ويقلب مفاهيمه ويجعل عواطفه هي التي تقود أفكاره ومبادئه لا العكس كما هو الحال الطبيعية :
(كانت ترتجف وهي تمسح فمها بظاهر كفها حين فُتح الباب ودخل نوّاف الضامن . كانت في عيني سُبل ترقد نظرة امتنان وترحيب وكأنه خلاصها . وكان هو ما يريده تماما – ص 168)
واضطلع بدور المنقذ فورا ، فقد ألقى أوامره على المحقق المعذِّب الذي خرج مستعدا وانصرف في حين ربت نواف على كتف سُبل ومسح دموعها وبصوت وديع راح يواسيها :
-يا صغيرة .. يا حلوة .. أنا سأحميك .. أنت خائفة .. صحيح أليس كذلك ؟ - ص 168) .
كان يذكّرها وهو يضمها إلى صدره "الحاني" بما يمكن أن يفعله بها الجزارون .. إنهم سيقطعونها .. لقد لمست فعليا ما يمكن أن يفعله بها الجزارون .. وهي بحاجة إلى من ينقذها . وبالنسبة للبنية السيكولوجية للبنت – وسُبل كانت في الصف السادس الإعدادي ، أي في ذروة مراهقتها – وخصوصا في عمر سُبل هو أنها تحتمي دائما بالأنموذج الأبوي الحامي .. الأب الذي يمكن أن نصعد بقواه الخارقة عندما نكون أطفالا أو في محنة مميتة إلى السماء فنجعله إلهاً . لكن هذا الأنموذج أطيح به عن عرشه بمهانة موغلة في الأذى النفسي أمام عيني سُبل . أطاحت به يد الطغيان القاسية ونهشته مخالبها بلا رحمة .. في كل مداهمة كان مرتضى الأب يصيح :
-والله وقّعت ..
يقصد التوقيع على البراءة .
والعراق العظيم من أعظم البلدان ريادة في كل شيء ، حتى في بدعة "البراءة" التي بدأت في العهد الملكي من الجميع .. شيوعيين وبعثيين على حد سواء. ثم جاء الشيوعيون ليطلبوا البراءة من البعثيين .. وجاء البعثيون ليطلبوا البراءة من الشيوعيين .. ثم جاء القوميون .. وجاء البعثيون .. وجاء أبناء الاحتلال .. وهكذا . ولا نعرف إلى متى يبقى بعير البراءة على التل . فالواضح أنه سيبقى طويلا بعد مساءِ الطغيانات والعبودية .
لقد خرج مرتضى من الاعتقال الأول بعد أن قدم البراءة .. وتحول إلى كائن هو عبارة عن الأنبوب الواصل بين المطبخ والمرحاض . كائن يتجنب كل شيء .. في حين أن الإنسان هو برأيي " حيوان مُخاطر " أو " حيوان مُغامر " . عاش مرعوبا ولم تقل لنا ذكرى ماذا فعلوا به في المعتقل . من المفترض أن من يعطي البراءة يخرج متخففا ومطمئنا من الخلاص . لكن أن يخرج مرعوبا مدى الحياة فلابد أن شيئا جللا حصل .
محنة ( بس .. وقـّع ) حسب رواية الشهيد (قاسم عبد الأمير عجام) :
من مذكرات الشهيد الحبيب الناقد (قاسم عبد الأمير عجام ) :
6/1/1979 :
(( في البيت التقينا بشقيقتي وزوجها وأطفالها ، وكان البيت ميدانا للركض وملعبا للكرة . لكن الطاحونة دارت . الحديث إياه : إستسلم استسلم يا أبا ربيع فما عادت المقاومة تجدي ، إخلدْ إلى الهدوء وانعمْ بالبركة فالكلّ فعلوها قبلك ، والصغار سجّلوا في (الطلائع) وأمّهم بدأت عملها في الحزب ، وسينضم أبوهم غداً ، فمتى ستفعلها أنت ؟ القرار ، واضح . الكل في حزب الدولة ولا غيره منبر أو كيان أو حركة . وكالعادة أضافت لهم السيّدة الوالدة مقولاتها المعتادة ورغبتها في الأمان وراحة البال وحاجتهم إلى سلامتي ، وبدأت تعيد قصص من عُذبوا حتى الموت .
كفى كفى . ودارت في الذهن أحاديث البارحة مع عديلي ، مطاردته حتى إرغامه على (التوقيع) – آهٍ من التوقيع – قلقه على أخته الطالبة الجامعية ، صور التعذيب التي حدّثوه عنها ، وتهديده باختطاف ابنته الطفلة الوحيدة وربما زوجته .. و ..و . غادروا مساء .
تمنّوا لي السلامة والصبر على المكروه ، فودّعتهم وعدت أجتر همومي مذهولا : كيف وصلتُ إلى هذا المنعطف ؟ كيف أصبح ممكنا أن أفكر أنا ، أنا ، بإمكانية ولوجه ؟ من منّا الجبان ومن منّا الشجاع ؟ الذي يموت تحت التعذيب وهو يدري أنه كان يركب سفينة مخروقة أم الذي يقرر الانتقال إلى سفينة أولئك الذين حاصروا السفينة الأولى ودفعوها نحو الهاوية ؟ ولكن هل يستطيع أحدٌ أن يقرّر ؟ وهل بمستطاع أحدٍ في بلادنا أن يقرّر لنفسه موقفا ؟ لست أدري شيئا ، ولا أعرف إلا أني حوصرت في عنق الزجاجة وأن الحياة ما عادت ممكنة بدون ركوب سفينة الحزب الحاكم ، القرار صريح أن تركب معنا أو تغرق في بحر الدم والعذاب ، ولست أريد أن أخسر الحياة في معركة خاسرة مقدّما من أجل ناس تنازلوا عن سبب المعركة وأهدافها . فما زال في القلب والرأس طموح بالعمل والخدمة . نعم ، الخدمة العامة ، والإبداع والسعي إلى حياة أخرى أجمل وأنظف – ص 166) 11/1/1979 :
(( أخيراً وقع المحذور . جاء أحد (زوّار الفجر) واقتادني إلى المركز ومنه إلى المقر حيث مات الذي أحكي لك قصته ، وخرج من عنق الزجاجة شخصٌ آخر مخذولاً مذهولا يتلمس طريقا جديدا . فيا للحياة في هذا البلد من مهنة شاقة – ص 167) .
16/4/1979 : (( قديما قالوا : نعمتان مجهولتان ، الصحة والأمان . فكأنهم يقرؤون غد العراقيين الذين يعيشون أيامهم هذه التي نحيا ، فلا صحة بعد أن فقدوا الأمان . فكيف إذا كان الفقدان كلّياً إذ ليست هناك عصابات من قطّاع الطرق تخيفك ، فتفكّر أن تلجأ منها إلى مكان آكثر أمانا أو إلى قوة مضادة . الأمر هنا أنك لا تجد من تلتجيء إليه ولا مكانا تلتجيء إليه لسبب بسيط جدا هو لأنك عراقي . أجل ، وليس في الأمر مبالغة ولا تهويل ، فمادمت عراقيا فأنت وفق شريعة (الطريق الخاص) لابد أن تكون بعثيّاً . لماذا ؟ لكي تعيش . نعم ، لكي تعيش فقط . ولكي تبقى بعثيا مأمون الجانب عليك أن (توقّع) على قرار يحكم عليك بالإعدام مع سرعة التنفيذ فيما لو عملت لصالح جهة أخرى ... اليوم بدأتُ واحدا من مشروعاتي الصغيرة : قراءة الرواية الفرنسية .... وغداً أعود إلى العمل بعد إجازة مرضية - قرّرها لعشرة أيام - طبيب الأمراض النفسية ، فهل ذلك كاف للإبتعاد عن أصل المحنة ؟ ومنذ متى أهرب أنا من العمل ؟ ومنذ متى يُقال لي إنك مصاب بداء الكآبة ؟ وأنا ذلك الذي كان يغبطه الآخرون لشدة تفاؤله وثقته بالغد ، لعلّها بعض نتائج (التطبيق المبدع) لشعار ( الإنسان غاية الثورة ووسيلتها ) . لعلها كذلك وأنا أجهلها ، ولكن كيف سننجز مشاريع العمل مادام الآخرون يطاردونك في ساحاته كي تكون خروفا ؟ وبعد ... أفليس من حقنا أن نتساءل : هل كان قائل : الصحة والأمان نعمتان مجهولتان عراقيا عاش حياتنا هذه ، أم نبيّاً يتنبأ ويحذّر من مصير الحياة في ظلّ العسف والزيف ؟ - ص 167 و168 و169 ) ( القابض على الجمر – إعداد وتقديم د.نادية غازي العزاوي ) .
10.05.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
10.05.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |