%@ Language=JavaScript %>
علي الوردي : (22)
المنطق الأرسطي أداة الطغاة ،
وكليّة الحقوق تعلّم طلابها السفسطة
د. حسين سرمك حسن
# المنطق الأرسطي قابل لدعم الطغيان :
-------------------------------------
إن الغاية الثورية الكبرى الثالثة التي كان الدكتور علي الوردي يضع عينه عليها – في كتابه "مهزلة العقل البشري" - من هذه المداورة الطويلة التي تناول فيها الفكر الأفلاطوني في صراعه مع السوفسطائيين الذين محقهم وتسلّم راية " الحقيقة المطلقة " و " المنطق الرياضي " منه أرسطوطاليس ، والتي تتمثل في مراجعة الفكر والتاريخ العربيين والإسلاميين ، فإنه يمهد لها بالإشارة إلى أن أرسطو كان معلم طاغية من أكبر الطغاة في تاريخ العالم وهو الإسكندر المقدوني مما يثبت أن منطق أرسطو قابل عبر التلاعب بـ "مقدماته الكبرى والصغرى" أن يصل إلى "نتائج" تدعم الطغيان وتبرّره ، وهذا ما حصل أيضا للإسلام بعد أن ظهر فيه الأفلاطونيون الذين أطاحوا بالديمقراطية الإسلامية وزينوا للخلفاء والأمراء طريق الطغيان والإستبداد :
(( .. وظهر الإسلام بعد ذلك . وكان الإسلام في أول أمره ديمقراطيا ، ولكنه انحطّ أخيرا على يد السلاطين من أمراء المؤمنين فصار لا يختلف في نظامه السياسي عن أية دولة أخرى من دول " السيف والنطع " " . وعندئذ ظهر الأفلاطونيون في الإسلام فأخذوا يصولون ويجولون . وابتكروا لهم سلاح تهمة " الزندقة " علاوة على تهمة " السفسطة " . والويل لمن كان حينذاك سوفسطائيا وزنديقا)) (157) .
وتتصاعد حدة خطاب الوردي وهو يهاجم المنطق الأفلاطوني والأرسطي الذي يقدم الأداة الفكرية التي تبرّر سلوك الطغاة العملي فيقول بنبرة هجائية ساخرة :
(( قام السلاطين ، رضي الله عنهم ، يدّعون أنهم خلفاء رسول الله وظِلّ الله في أرضه . وقام الواعظون معهم يقولون : هذا هو الحق الذي لا يتجادل فيه اثنان ولا يتناطح فيه عنزان . ومن مهازل القدر أن يرجع فلاسفة الإسلام إلى أفلاطون وأرسطوطاليس فيمجّدونهما وربما قدّسوهما . فقد ذهب الفارابي في تمجيد أفلاطون إلى درجة أنه جعله في مستوى الأنبياء . ووصف الفارابي رئيس المدينة الفاضلة بأنه أفلاطون في ثوب النبي محمد . وجاء ابن رشد بعد الفارابي فأخذ يطنب في تمجيد أرسطو حتى وصل به إلى فوق طور الإنسان وجعله أسمى صورة تمثّل فيها العقل الإنساني حيث اتضحت به قدرة الإنسان على الإقتراب من العقل المطلق . وسمّاه ابن رشد : " الفيلسوف الإلهي " )) (158).
ولا يُفلت الوردي هذا الموضوع النظري دون أن يربطه بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه آنذاك ، يستثمره ليعرض سلبيات مناهج ( كلية الحقوق ) في العراق التي لا تهتم بالمنطق الحديث وتتبع المنطق الصوري المتبع في المناهج التدريسية فتخلق عقولا تفكر بالطريقة نفسها التي كان يفكر فيها الفارابي وابن طفيل وابن رشد ، وبذلك لم تعد لعنة المجادلة " المنطقية " الأرسطية مقتصرة على وعّاظ السلاطين بل امتدت إلى عقول من يُفترض أنهم جيل جديد تُناط به مهمة تغيير الواقع الفكري والاجتماعي المتخلف في العراق ، والمقصود بهذا التوصيف هو الأجيال المتعلمة في الكليات وخصوصا في الكليات التي من الممكن أن نسميها بـ "الكليات الحاكمة"، بمعنى أنها المؤسسات التي تنتج كفاءات تُمسك بحركة المجتمع وتحدد مساراتها وتضبطها، أي أنها بمصطلحات علم الاجتماع "جهات مرجعية" تشكل نماذج التماهي أمام أفراد المجتمع خصوصا من الفئة الشابة ؛ تماهٍ يحدد خصال شخصياتها ويحدد مسارات سلوكياتها العامة خصوصا ، مادام الوردي يعتقد أن في السلوك الشخصي للفرد الواحد مراوغة هائلة يديرها اللاشعور من خلال آلياته الدفاعية الماكرة . وبعبارة أخرى فإن من العوامل التي عرقلت مسيرة دولة العراق التحديثية هو السير على هدي أسس المنطق الأرسطي العقلاني الصوري الذي أرى – وهذا الكلام للشارح : أنه مازال مسيطرا على تفكير المجتمع العراقي ليس كدولة ومؤسسات رسمية ، ولكن كنخب فكرية – سيأتي الحديث عنها لاحقا – تُعد ومنذ وقت مبكر على رؤية وممارسة الحقيقة الأرسطية المطلقة ، وفي أخطر أشكالها أن يتم هذا "التدريب" في ساحة مؤسسة من المفترض فيها أن تنتج أجيالا تتعامل مع مفهوم العدالة عمليا ، كمحامين أو كقضاة ، وهو أمر بالغ الخطورة في حياة أي مجتمع ، ولكن المجتمع العراقي لا يتعامل مع هذا الأمر الحاسم بصورته المؤثرة في حياته . يقول الوردي :
(( ومن المؤسف أن نرى المفكرين عندنا لايزالون حتى يومنا هذا يعيشون في الجو العقلي الذي يعيش فيه الفارابي وابن طفيل وان رشد . وهذا يصدق على رجال الدين كما يصدق على كثير من هؤلاء الذين يتظاهرون بالثقافة الحديثة )) (159) .
ويقدم الوردي مثلا عمليا يثبت وجهة نظره في ما يمكن أن يسبّبه المنطق الأرسطي النظري ، في حياة أي مجتمع من سلبيات على شتى الصعد لأنه منطق قادر على تبرير أي شيء بأي شيء . يقول الوردي :
(( كنت ألقي في العام الماضي محاضرات اجتماعية على بعض الطلاب المتخرجين من كلية الحقوق العراقية . وقد هالني ما رأيت في بعضهم من جدل عنيف على النمط القديم الذي يحتكر الحق في وجهة نظر واحدة . .. وعجيب أن تكون كلية الحقوق العراقية غافلة عن هذا الفرق . فهي تعلّم طلابها منطق السفسطة وتمرّنهم على الجدل في سبيل الآراء المتناقضة ثم تقول لهم إن ذلك هو منطق الحق المطلق الذي لا شك فيه ولا شبهة )) (160) .
والمشكلة تتسع بأذاها حين يعلن الوردي أن الأمر لم يعدْ يقتصر على كلية الحقوق المدنية ، ولكنه يمتدّ ليشمل بأذرعه الأخطبوطية - وهذا أمر متوقع – كلية الشريعة أيضا . يقول الوردي :
(( ومثل هذا يجري في كلية الشريعة أيّدها الله . فالطلاب هناك يدرسون عقائدهم الموروثة ، على أساس أنها الدين الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فإذا قلنا لهم : " ما يدريكم لعل هناك عقيدة أصلح من عقيدتكم " اتهمونا بالزندقة والسفسطة ، وكلتا التهمتين أمر عسير )) (161) .
07.05.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
07.05.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |