<%@ Language=JavaScript %> د. حسين سرمك حسن محبرة الخليقة (24) تحليل ديوان "المحبرة" للمبدع الكبير "جوزف حرب"

 

 

 

محبرة الخليقة (24)

 

تحليل ديوان "المحبرة" للمبدع الكبير "جوزف حرب"

 

 

د. حسين سرمك حسن

 

بغداد المحروسة

2012 - 2013

 

ملاحظة : حلقات من كتاب للكاتب سوف يصدر عن دار ضفاف (الشارقة/بغداد) قريباً .

 

السيّد الفأس: الذكورة المعصوبة

 

( ومحوتُ كلّكْ .

ظلّي جعلتكَ . ها تبدّلتِ

الرياحُ ،

وصرتُ ظلّك . )

 

 

في قسم "السيّد الفأس" سيثير لديك العنوان وبصورة مباشرة ، وبعد إحالات القسم السابق "السيّدة الشجرة" الضمنية والمكشوفة ، رمزيّة مرتبطة بالرجولة وووظائفها ، وبالمعاني الذكورية ودورها الحضاري . وفوق أن الفاس رمز جمعي شائع للذكورة يتكرّر في أحلامنا وآدابنا وفنوننا وأمثالنا ، فإنه كان أداة أساسية أوصلت الرجل إلى سدّة العرش في السلطة الدنيوية ، وإلى عروش الآلهة في السلطة الأسطورية والدينية . هذا ما يجمعه الشاعر في نصّ "السواحل" ، وهو النصّ الإفتتاحي من هذا القسم :

(.....

والنيْرُ ، والفؤوسُ ،

والمعاولْ ،

جميعها

أوصلت الرجالَ للعرشِ ،

وللإلهْ ،

كـأنهم

مياهْ ،

قد أوصلتها الريحُ أمواجاً

إلى

السواحل . – ص 472 و473) .

وليس تناقضاً من الناحية الرمزية أن يوصف الرجال بالمياه وأمواجها التي أوصلتها الريح إلى سواحل الحياة ، حيث اعتدنا على أن نصنّف الماء كرمز أنثوي خالص . لكن الأفضل هو أن نميل إلى "ازدواجية الدلالات" في الرمز الواحد خصوصا الرموز الكونية الكبرى كالماء والنار والسماء والأرض وغيرها . فنحن نتداول منذ القدم تعبير ماء الرجل ، ونزل على الفتاة الماء ، وماء الشهوة .. وغيرها . كما أن في رمزية الماء وجهاّ كامناً عنيفاً كما يتمثل في الفيضانات والطوفانات . وحتى الفأس يمكن أن تحمل هذه الدلالات المزدوجة برغم أن الميل الغالب فيها هو نحو القطع والإختراق والتدمير وكلّها معان ذكورية ، وليس أدل على هذه الدلالة المزدوجة من اللغة حيث أن مفردة الفأس تؤنّث وتُذكّر . وقد احتفت الحضارة الذكورية بالفاس احتفاءً كبيراً ، ويتمثل ذلك خير تمثيل في قصيدة "خلق الفأس" السومرية التي تتكوّن من 108 سطور تبدأ بالإشارة إلى خلق الإله "إنليل" للفأس :

(إنليل الذي يجلب البذور إلى الأرض لزراعتها

......................

هو الذي جاء بالفأس إلى الوجود وخلق اليوم

هو الذي خلق العمل وقدر المصير

إن فأسه من الذهب وراسها من اللازورد

فأس بيته ... من الفضة والذهب

فأسه التي ... هي من حجر اللازورد )

وبعد أن يعطي الفأس إلى ذوي الرؤوس السود كما كان يُلقب سكان بلاد الرافدين ليمسكوا بها ، تنتهي القصيدة بمقطع طويل يتضمن وصف فوائد الفأس :

(الفأس والسلّة تبني المدن

الدار الثابتة الأركان بنتها الفأس ، الدار الثابتة الأركان أنشأتها الفأس

الدار التي لا تستسلم لملكها

الفأس يجعلها تستسلم لملكها

للرديء .. النباتات تحطّم الرأس

الفأس تطعن

الفأس قرر مصيرها الأب "إنليل"

المجد للفأس ) (48) .

ومع وصول أمواج مياه الذكورة إلى سواحل الحياة البشرية ، وتسيّدها على عرش الأرض والسماء ، تحوّل مركز الخصب من جسد الأنثى المبارك والممارسات المرتبطة به التي تزاوج بين فعل رحمها وخصوبة الطبيعة ، إلى فعل الذكور (وتحديداً فعل القضيب الذكوري) . لقد اختُصر هذا الفضاء الأنثوي من جسد الأنثى الذي كان كلّه رموز ومكامن دلالات خصبية إلى النتوء الإختراقي الذي استمات صاحبه لخلع المرأة عن عرشها المبرّر بطبيعة وظائفها ، والمشرعن حتى ببنيته الشكليّة . ولكن الفعل الإخصابي الذكوري (متأثراً بأسس السحر التشابهي) لم يفلت من ترسّم الخطى التي اختطتها الأنوثة على خارطة الحياة والطبيعة ، فحاول تقليدها باستثارة فعل الطبيعة الكامن بفعله الجنسي ، وهو يدور حول الحقول :

(             ويمسكونْ

قضبانهمْ ،

ويعصفون ْ

فيها بيمناهمْ ،

وباليسرى يلوّحونْ

لِما يرونَ من سَحابِ الأفقِ ،

ثمّ يقذفونْ

منيّهمْ

على التُرابْ ،

كأنّهُ

قد أمطرَ السحابْ . – ص 476 و477) .

لقد جرت مماثلة بين الإله الذكر والسماء ، وبين منيّه والمطر ، فشاعت طقوس استثارة الخصب بقذف المني على التربة التي سوف تزرع أو في الحقل الذي سوف يُحصد ، أو بممارسة الفعل الجنسي في الحقول . وقد تمّ تمجيد الحيوانات المعروفة بقوة طاقتها الجنسية أو قدرتها على الجماع ، أو فيض منيّها ، كما حصل مع "الثور" الذي كان يُقدّر ويُعبد ، وظلّت قرونه تزيّن رؤوس الآلهة الأبناء حتى عصور متأخرة ، وكان بعض الآلهة يلقبّون بـ "الإله الثور" تعبيراً عن قوّته الجسمية وطاقاته الإخصابية ، وفي "ممفيس" كانت النساء يجلسن أمام الثور المقدّس المخصّب الذي لا يراه غيرهن ، كاشفات فروجهنّ كي يخصبهنّ منيّه (نصّ"إله الخصب" – ص 479) . وصفة الثور هي من الصفات التي يوصف بها العريس الإلهي :

(ايها الثور العظيم ، الثور القوي الذي يدوس المراعي المزهرة

ويجول في المروج مانحاً الخير برحمة

الذي يخصب الحبوب ويجعل الحقول تبتهج

يداي النظيفتان تسكبان تقدمة أمامك) (49) .

ولأن الإنشغال الرئيسي للإنسان القديم كان المحافظة على الخصب نسلاً وحقلاً لتأمين البقاء ، والديمومة من خلال الأولاد والأحفاد ، فقد كان من الطبيعي في مراحل حياته المبكرة – كما قلنا – أن تكون الأنثى العشتارية هي رمز الخصب ومثيرته والمحافظة عليه . وكان فرجها الكريم يُعبد في نُصب في المعابد . ولكن بعد أن بدأت سيطرة الذكورة بالتنامي ، وأزيحت الأم عن عرشها ، بقي الهمّ الرئيسي للإنسان والمجتمعات هو موضوعة الخصب ، فكان لزاماً على الإله الجديد أن يضطلع بهذه المهمة الجديدة ، فأنشأ ديانته التي أصبح فيها العضو الذكوري هو الإله الجديد :

(             بعدما أدركَ هذا الخلقُ سرّ

الخصبِ في العضو الذكوريِّ ، وأنْ لا

خصبَ للمرأةِ من

ريحٍ وماءْ

أصبح العضو الذكوريُّ

إلهاً

للنساءْ – ص 481) (نصّ "صباح السرّ") .

وحفلت المعابد بنصب على هيئة قضبان ذكورية يتبرك بها المؤمنون . وكان بعضها – كما حصل في المعابد الساميّه القديمة - مركوزاً على حجر له شكل الفروج تتمسّح به النسوة المتعريّات ، ويمتطينه كالراكبات على السروج (نصّ "طقس" – ص 483) ، أو يكون عددها بعدد أيام السنة ، تسجد النساء أمامهن ويتقلدنهن كعقود الأزهار كما هو الحال في معبد "كاجورا" الهندي (نصّ "كاجورا" – ص 484 و485).

لقد استولت الخاصية القضيـبّية للإلـه التي تعبّـرعنـه على كل مناحي حياة الإنسان الطقسية واللاهوتية ، حتى أن إسم الآلهة غالبـاً ما يكون ثراً بالمعلومات التي تعكس هذه الخاصية . وسـواءً أكـان ذلــك الإله هـرمس أو باخـوس هو الذي يُعبـد ، أو سابـازيوس وليبر أو يهوه ، فإنه دائماً القضيب السماوي المشخّص0 وقـد أوضح (جون أليغرو) بشكل جيّـد أن الجذور السومـرّيـة لباخوس ولهرمس أو سابازيـوس كـان لها جميعـاً معنى (القضيب المنتصب) ، وأحياناً معـنى (القضيب السماوي المشيّد) . ونشيد القضيب الذي أعطانا (أريستوفان) مثــــــلاً عنـــه كــان يُسمــى ديـتـــــامـــب - Un Dithyrambe  مــــن الســـومـريــة (DE – DI – DUL – AN – BI – US ) الذي يعنــي (نشيد مـن أجل إنعاظ القضيب). وفي العبريـة كانت للكلمـة التي تــدل علـى انتحابات النسـوة معنـى (المقوّم ــ redresseur) ، وأن الأسـم السومـري للمنشـد يعنـي (منشـط القضيـب) ، وأسطورة أوزيريس والممارسات الجنائزية تصادق أيضاً بكل وضوح على التضامن الغيبي بيـن الأنتصــاب والبعث وحتى أنهـــا جعـلت مـن الأنتصــاب شرطــــاً كافيــاً للبعث .

لقـد أعادت أيزيـس جمع أشلاء زوجها أوزيريس عدا قضيبه ، وطالما أن الربة السـاحرة لم تجـده فأن سحـرها بأجمعه لم يكن فعالاً مطلقاً كي يوقظ الإله القتيل لكنها ما إن أضافت ألى جثته قضيباً مصنعاً حتى بُعث أوزيريس . ما معنى هذا ؟

معنى هذا أنّ الرجل قام بخلق أسطورة تكوين وانبعاث خاصّة به ، تتيح له القيامة الذاتية بفعل قواه الجنسية ممثلة بقضيبه من دون الحاجة إلى الأنثى .. وهو انهواس صارخ بعقدة حسد الأنوثة . إنّه لا يريد حتى الإقرار بفضل الرحم الأمومي الذي بذره وحمله وأنجبه كما هو مقرّر في سياقات الطبيعة والذاكرة والوجدان الجمعي . ويتمثل هذا النزوع المنسعر المعصوب في قصّة ولادة باخوس (ديونيسوس) :

(              كانَ

"باخُسْ"

إبنُ "زوشٍ" .

أمّهُ ماتتْ ولمْ تنجبهُ . فاستلّتْ

يدا زوشٍ جنين الأمِّ ، كي يولدَ حيّاً . خاطهُ

في جنبهِ ، فاكتملتْ أيّامهُ فيهِ ، ولمّا استلّهُ كانَ

بهيّاً

وقويّاً

وممجّدْ . – ص 487 و488) (نصّ "باخس") .

 

28.01.2015

 

للمزيد ..

صفحة الكاتب والناقد الأدبي العراقي  

د. حسين سرمك حسن

 

 

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

28.01.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org