<%@ Language=JavaScript %>

 

 

 

 

هل سطا د. عبد الله ابراهيم على مصطلح "التخيّل التاريخي" أم ابتكره؟ (7)

د. حسين سرمك حسن

 

 

بغداد المحروسة - 4/4/2014 

 

إدانة النقّأد الآخرين وآليّة الترجيع العكسي – Reaction Formation ؛ النقّاد العرب يبيعون التمر إلى أهالي البصرة :

قد يندهش الكثير من السادة القرّاء حين يجدون د. عبد الله كثير التأكيد وشديده على ظاهرة سلبيّة تتمثل في تبعية النقد العربي لأطروحات النقد الغربي . وهي حقيقة واقعة حتى أن أحد النقاد قال إن النقد العربي يعتاش على سلال نفايات النقد الغربي ، فكل ما يتخلّص منه النقد الغربي من مفاهيم نقدية ، ليتوجّه نحو تيارات نقدية جديدة ، يتلقفه الناقد العربي وكأنه فتح جديد ويعيد إحياءه والعمل به بحماسة ، كما حصل مع البنيوية مثلا التي تلقّفها بعض "المفتونين" بعد أن انحسر مدّها في أوروبا . لكن أليس من المفروض أن تصدر هذه التقييمات القاطعة من نقّاد وباحثين عرب حقّقوا العكس تماماً ؛ أي أنهم تحرّروا بصورة شبه كاملة من أطروحات ومصطلحات النقد الغربي ، وصاغوا معجم مصطلحاتهم الخاص وأفكارهم (المحلية) الخاصة ؟

وسأحدّد قصدي بقدر ارتباطه بالموضوعة المركزية لبحثي هذا فأقول :

حين يكون العنوان الرئيسي لأحد اللقاءات مع د. عبد الله ابراهيم الذي نُشر في جريدة "أخبار الأدب" المصرية هو :

(معظم النقّاد العرب يعملون في ضوء النظريات الغربيّة) (37).

وفي نفس اللقاء قال د. عبد الله :

(تشتبك في مدوّنة النقد العربي المؤثرات على نحو شديد الإختلاط ، وفي الغالب لا يكون هناك حرص على تمثّل هذه المؤثرات ، إنّما يُصار إلى تسويقها كما ظهرت في مرجعياتها الثقافية ، والسطو عليها بدون هضم سياقاتها) (38).  

وتعليقي على هذه الآراء هو أن أعود إلى الشرط المركزي الذي طرحته وهو : أن على الناقد نفسه أن يتحرر من المصطلحات الغربية ويخلق مصطلحاته الخاصة به لكي يبدأ بإدانة خضوع النقاد الآخرين للنظريات والمصطلحات الغربية .

فهل مصطلح التخيّل التاريخي – وبعد الذي قدّمناه – هو مصطلح سكّه د. عبد الله بجهده بحيث نعدّه ابتكارا شخصيّاً له ؟

وهل يعتقد القارىء الكريم أن المصطلحات التي يتداولها د. عبد الله في كتاباته مثل مصطلح "السرد النسوي" و"المركزية الغربية" و "التهجين السردي" و"السرد والإمبراطورية" ، و"تمثيل الأحداث التاريخية" .. وغيرها، هي مصطلحات صاغها هو بجهوده الذاتية وبنشاطه النقدي والمعرفي ليُثري بها النقد الغربي ؟

الجواب : كلا .

حتى المصطلحات النقدية التي تشتمل على فلسفات وأفكار تناهض الغرب والحضارة الغربية ابتكرها – ويا للمفارقة - مفكرون غربيون . فما الذي يقوم به النقّاد العرب الذين يعانون من عقدة الإنخصاء حسب مفاهيم التحليل النفسي التي يترتب عليها الإنبهار المستسلم والتبعية ثم الإقتداء بالمتفوّق – المعتدي ، تحليلياً -  Identification with the Agressor، فنحاول محاربتهم بسيوفهم ، وهي بضاعتهم تُردّ إليهم ، فيصبح حالنا كمن يريد بيع التمر إلى أهالي البصرة . ويترتب على هذا السلوك السايكولوجي محاولات مستميتة لـ "تطوير" المصطلح المُقتبس أو المستولى عليه ، ونفخه ، وتضخيمه ، لتعويض مشاعر الإنخصاء وإطفائها نسبيّاً .

هذا موضوع طويل وشائك ، فدعونا نعد إلى مواقعنا المتواضعة ، ونقول إنه في المصدر نفسه الذي يقتبس منه د. عبد الله ابراهيم ، وهو كتاب "الزمان والسرد" يتحدث بول ريكور عن مواقف المفكرين الغربيين من "نزع المركزية الغربية" (ص 220) . ويمكن لأي قاريء أن يجد على الإنترنت تواريخ وشروحات وتعريفات كافية بل فائضة عن أغلب المصطلحات النقدية بل الفلسفية والمعرفية التي يسرح فيها الكتاب والنقّاد العرب ويمرحون – طبعا أنا منهم - ، وينظّرون ويضعون فيها المؤلّفات . وكم بودّي أن يجلس ناقد عربي مع ناقد فرنسي ويتناقشان حول البنيوية أو التفكيكية مثلا . صدقوني الكثير من النقاد العرب لا يعرفون المعنى الحقيقي للبنيوية أو التفكيكية . وبالمناسبة اسألوا أهل التفكيكية إن كنتم في شك : هل ترجمة التفكيك والتفكيكية صحيحة أم الأدق والأصح هو التقويض والتقويضية كما اقترح ذلك الباحث الدكتور "سعد البازعي" في أكثر من مؤلّف له ؟ .

المهم ، أعود إلى القول إن المصطلحات التي يتداولها د. عبد الله ، حاله حالنا نحن إخوته النقّاد العرب ،  ليست له ، مثل التخيل التاريخي ، والسرد النسوي ، والسرد والإمبراطورية ، والتهجين السردي ، وتمثيل الأحداث التاريخية .. وغيرها وغيرها ، بل هي مصطلحات موجودة في التراث النقدي الغربي وفي أدبياته الراهنة والمستمرة التدفّق وليست من نحت العقل النقدي العربي ، ولا من ابتكارات النقّاد العرب . وهذه الحقيقة يجب أن ينتبه إليها أعضاء لجان تحكيم الجوائز العربيّة قبل أن يدبّجوا البيانات عن الأصالة والإخلاص ونحت المصطلحات "العربيّة" . لكن هم أنفسهم متواطئون بسبب وقوعهم "الإختياري" في المصيدة نفسها كما سنرى بعد قليل . 

وحين أشرتُ إلى أوالية "التكوين العكسي - Reaction Formation" في هذا العنوان الفرعي ، وهي الأوالية التي يُقصد بها – في التحليل النفسي - التعبير عن الدوافع المُستهجنة سلوكيا في شكل معاكس أو في شكل استجابة مضادة ، أي اتخاذ الفرد لاتجاه معين يكون مضادا لاتجاه آخر غير مقبول ومثير للقلق في داخله ، ولكن اتجاهه الجديد يكون مفرط الحماسة والتأجّج في إدانة الإتجاه المعاكس وشجب السلوك المناقض الغير مقبول الذي يمارسه هو نفسه ، أقول حين أشرتُ إلى هذه الأوالية فلأنّ فيها تفسيراً لجانب من سلوك بعض النقّاد العرب النقدي في إدانتهم المتحمّسة ، العامة والمتكررة ، للنقّاد العرب الآخرين ، واتهامهم بالسطو على المفاهيم والمصطلحات النقدية الغربية ، ، في الوقت الذي يمارسون فيه السلوك المُدان نفسه ! .

 

22.01.2015

 

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

22.01.2015  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org