<%@ Language=JavaScript %> د. حسين سرمك حسن هل سطا د. عبد الله ابراهيم على مصطلح "التخيّل التاريخي" أم ابتكره؟ (4)

 

 

 

 

هل سطا د. عبد الله ابراهيم على مصطلح "التخيّل التاريخي" أم ابتكره؟ (4)

 

 

 

د. حسين سرمك حسن

 

بغداد المحروسة - 4/4/2014 

 

طريقة اقتباس لا تتفق مع شروط البحث العلمي :

-----------------------------------------------

ولكن هناك مشكلة أكبر تواجهنا وهي أن د. عبد الله ابراهيم لا يكتفي بهذا التعامل في مصادرة مصطلح التخيّل التاريخي من بول ريكور حسب ، بل يقوم بطريقة اقتباس لا تتفق مع شروط البحث العلمي المعروفة ، وتذكّرنا بالوصف الذي أطلقه الكاتب "حيدر علي سلامة" على هذا التصرّف في تعليقه آنف الذكر .

هل هذه الطريقة مقبولة من الباحث العلمي ؟

يقوم الدكتور عبد الله بطريقة غريبة في التعامل مع نصوص بول ريكور تفرض علينا كمختصين يتوخّون المصداقية ويؤمنون بقداسة البحث العلمي بذل جهود مضاعفة مُرهقة ومُضنية جدا في هذه الحياة الجائرة التي تشتت جهودنا بضغوطها من جانب ، وفي ظل هذه الثورة العلمية الإنفجارية التي خلقها عالم الإنترنت بحيث تصبح محاولتك البحث والكشف عن المصادر الأجنبية "الحقيقية" للإقتباسات المُترجمة كمن يبحث عن إبرة في جبل هائل – وليس كومة  - من القش من جانب آخر .

ما هي هذه الطريقة ؟

لأنني أعتبر نفسي قارئا جيّداً لبول ريكور ، وناقدا له إلى حدّ اكتشاف أخطاء – من وجهة نظري طبعاً - في طروحاته وارتباكات خصوصاً من ناحية إمكانية تسخير هذه الطروحات للأهداف اليهودية الصهيونية بالرغم من بروتستانتيته  .. وغيرها ، أقول كنتُ أتابع اقتباسات د. عبد الله ابراهيم التي يأخذها من مؤلفات بول ريكور ويضعها بين قوسين ، فماذا وجدتُ ؟

كنت أقف حائراً ، لأن أسلوب الأسطر والعبارات والفقرات التي تسبق الإقتباس الموضوع بين قوسين ، والأسطر والعبارات والفقرات التي تلي الإقتباس من بول ريكور الموضوع بين قوسين ، هو نفس أسلوب أو مقارب لأسلوب نص ريكور الذي اقتبسه د. عبد الله ، ووضعه بين قوسين ، حيث يمتاز أسلوب ريكور بجمله القصيرة السريعة ، المكثفة ، والبليغة ، والعميقة الشعرية ، التي لا تشبه أسلوب د. عبد الله ، بجمله الطويلة نسبيا ، والمباشرة ، المتخفّفة من الصياغات الشعرية البلاغية العميقة ، والخالية من الجمل الإعتراضية ، وغيرها من السمات الأسلوبية .

عدتُ إلى مؤلفات ريكور ، وكلّها ضخمة .. بل ضخمة جدا .. ويكفيني القول إن مؤلف ريكور الزمان والسرد بأجزائه الثلاثة يقع في 1134 صفحة !! و"الذات عينها كآخر" في 720 صفحة !.

عدتُ إلى النصوص التي يقتبسها د. عبد الله ابراهيم من بول ريكور ، ويضعها بين قوسين ، لأقارنها بنصوص ريكور الأصلية ، فوجدت – ويا للعجب – أنّ عبد الله يقتبس مقاطع طويلة من بول ريكور ، لكنه يضع سطرين أو ثلاثة أو أكثر قليلا فقط من هذه المقاطع الطويلة بين قوسين ، ثم يضع في نهايتها رقما للإشارة إلى الإقتباس في الهامش !! أمّا الباقي فيصادره ليكون له .. أي للدكتور عبد الله ابراهيم ، ليصبح من بنات أفكاره ، ومن جهده الأصيل ؟؟ . خذوا هذه الأمثلة :

1-في الصفحة 6 و7 من مقدمة كتابه (التخيل التاريخي) ، يقول د. عبد الله ابراهيم :

(ويتأدّى عن فعل الحبك ، ما اصطلح عليه "بول ريكور" بـ "الهوية السردية" ، وهي البؤرة التي يقع فيها التبادل والتمازج والتقاطع والتشابك بين التاريخ والخيال بوساطة السرد ، فينتج عن ذلك تشكيل جديد يكون قادراً على التعبير عن حياة الإنسان بأفضل مما يعبّر عنه التاريخ وحده ، أو السرد الأدبي بذاته ، فحياة البشر تُدرك على نحو أسهل وأمتع حين يجري تمثيلها بالتخيلات التاريخية ، لأن (فهم الذات هو عملية تأويل ، وتأويل الذات بدوره يجد في السرد واسطة بامتياز مفضّلا إياها على بقية الإشارات والعلامات والرموز . والسرد يقتبس من التاريخ بقدر ما يقتبس من القصص الخيالية ، جاعلا من تاريخ الحياة قصة خيالية ، أو قصة تاريخية ، شابكاً أسلوب العمل التاريخي "الحقيقي" للسير بالأسلوب الروائي للسير الذاتية الخيالية) (1).

انتهى كلام د. عبد الله ابراهيم ، فما الذي قام به هنا .

 أولا وضع د. عبد الله كلاما لبول ريكور بين قوسين يبدأ من (فهم الذات .. ) وينتهي في (.. السير الذاتية الخيالية) ، وأخبرنا في الهامش أنه مُقتبس من الهامش رقم (1) على الصفحة 251 من كتاب بول ريكور (الذات عينها كآخر) .

لنرى ما يقوله ريكور في هذا الهامش من تلك الصفحة 251 :

(إن أفهوم الهوية السردية الذي أدخلته في المجلد الثالث من كتابي : الزمان والسرد كان استجابة لإشكالية أخرى : في نهاية رحلة طويلة عبر السرد التاريخي والسرد القصصي الخيالي تساءلت إن كانت هناك من بنية للتجربة كفيلة بأن تستوعب الصنفين الكبيرين للسرد . عندها قلت بفرضية الهوية السردية بشخص واحد أو لجماعة بأكملها ، وهذه الهوية تصبح بحسب هذه الفرضية مكان القلب والتبادل والتمازج بين التاريخ والخيال والقصص . وبحسب المعرفة الحدسية السابقة للمعرفة الحقيقية التي عندها لحالة الأشياء ، أوَ لسنا نعتقد بأن حياة البشر تصبح أسهل للقراءة وأمتع حين تؤوّل بحسب الحكايات التي يرويها الناس عنها ؟ وهذه الحكايات نفسها عن الحياة ألا تصبح اسهل للفهم حين نطبّق عليها النماذج السردية ، أي مع إيجاد حبكات مقتبسة من التاريخ الفعلي أو من مصنفات الخيال (الدراما أو الرواية) ؟ بدا لي عندها أنه من الممكن جدا أن نقبل السلسلة التالية من التأكيدات على أنه صحيحة : إن فهم الذات هو عملية تأويل (...) للسير الذاتية الخيالية) (ص 251) (20).

ما الذي نستنتجه الآن ؟

نستنتج أن ليست الأقوال التي وضعها د. عبد الله بين قوسين تعود لريكور ، ولكن الأقوال التي قبلها ، أيضاً ، بالرغم من أن عبد الله قدّمها مختصرة ومركزة .

لكن لماذا وضعها خارج القوسين ؟

ليس السبب هو أنه ذكر أن بول ريكور هو الذي طرح مصطلح ("الهوية السردية" وهي البؤرة التي يقع ... إلخ) ، ولكن لأن ذكر الأقوال المختصرة داخل القوسين سيكشف بشكل لا لبس فيه أن ريكور يقصد عملية "التخيّل التاريخي" التي يزعم د. عبد الله أنه مبتكرها ، ولهذا جعل قوسي الإقتباس من ريكور يبدآن بعد قوله : "أن حياة البشر تُدرك على نحو أسهل وأمتع حين يجري تمثيلها بالتخيّلات التاريخية .." . فمصطلح التخيلات التاريخية يجب أن يكون خارج الأقواس لأنه ليس لبول ريكور ، بل لدكتور عبد الله ابراهيم كما يعلن وكما يريد أن يقنعنا !!

ومن المهم جدا أن أشدّد امام السادة القرّاء على حقيقة أن من شروط البحث العلمي هو أن الباحث - حين يأخذ أقوالا ويتلاعب بشكلها – عليه أن يضع المصدر في الهامش ، وبعده كلمة (بتصرّف) .

2-في الصفحة 7 من المقدمة ، يقول د. عبد الله ابراهيم ، وبقدر تعلّق الأمر بريكور :

ثم بانتقال السرد من مستوى الفرد إلى مستوى الجماعة ، وهو ما يشكّل الإتجاه العام للتخيل التاريخي ، حتى تكون للهوية السردية الجماعية قيمتها الأساسية ، فكل أمة أو جماعة ، وهي تسرد تاريخها ، لا تستطيع أن تتخلص من نسيج الحكايات حول ماضيها ومزج الخيال بالواقع . ثمّة علاقة جدلية بين تاريخ الأمة والحكايات المتخيّلة الداعمة لها ، وعن ذلك تنتج الهوية السردية الجماعية ؛ لذا فإن التاريخ يصبح قصّة مروية ، وتصبح القصص التي ينسجها خيال الأمة تاريخاً ، ويتلاقى الزمان الكوني الخارجي بالزمان الداخلي المعيش (3)

(إنتهى كلام د. عبد الله ابراهيم ، وها هو يخبرنا عن الهامش رقم (3) هذا بأنه منقول من الصفحة 661 من كتاب بول ريكور (الذات عينها كآخر) .

لكن عن أي اقتباس يتحدّث د. عبد الله ؟

فلا اقواس ولا إحالات . ثم أن وجود علامة النقطة (.) بعد كلمة (بالواقع) تعني أن الإقتباس يبدأ من مفردة (ثمّة) وينتهي بمفردة (المعيش) . وإلّا لقام عبد الله ، وهذه من أبسط الشروط الإجرائية للبحوث بوضع علامة (...) لتدل على القفز على بعض الجمل . لكن – من جديد – جعل مصطلح (التخيل التاريخي) قبل علامة النقطة (.) وذلك ليؤكد بأن هذا مصطلحه ولا علاقة لبول ريكور به بالرغم من أن ريكور – مع "هايدن وايت" كما سنرى – يُعتبر من أشد وأكثر المشتغلين على هذا المصطلح في النصف الثاني من القرن العشرين . ومع ذلك دعونا نعد إلى القول الأصلي لريكور لنرى ما فعله به د. عبد الله . يقول ريكور :

(إننا نلتقي الهوية السردية في التاريخ كذلك ، أي إن ما قلناه على الصعيد الفردي ينطبق كذلك على صعيد الجماعة ، فكل أمة أو جماعة تاريخية تسرد تاريخها أي أنها لا تستطيع أن تتخلص من نسج القصص حول ماضيها ومزج الخيال بالواقع ، والتاريخ ايضا يجيب عن السؤال من قام بالعمل ، ويروي لنا كل قصة حياته بشتى مراحلها ، أي إنه يدخل هويته الذاتية في الزمان فيشعر بالحاجة إلى صياغة مثل هذه الحياة بقالب قصصي . هناك إذاً علاقة ديالكتيكية بين تاريخ أمة معينة والقصة المتخيلة تنتج منها الهوية السردية الجماعية ، لذا فإن التاريخ يصبح قصة مروية وتصبح القصص التي ينسجها خيال الأمة تاريخا ، ويتلاقى الزمان الكوني الخارجي مع الزمان الداخلي المُعاش (كذا في النص الأصلي!) (ص 661) (21).

لم يذكر ريكور هنا مصطلح التخيل التاريخي صراحة ، بل ضمنا ، ولكن د. عبد الله ابراهيم أضافه وكأن ريكور لا يعرفه ، وهو – أي د. عبد الله – الذي سيصوغ له المصطلح المطلوب الذي يوفّر بؤرة لأفكار ريكور الوصفية والتحليلية التي تحوم حول مصطلح يلم شتاتها ويكثفها ويركزها .

ولكن لماذا لم يذكر ريكور نفسه هذا المصطلح بالصيغة التي ذكرها عبد الله حين قال :

(ثم بانتقال السرد من مستوى الفرد إلى مستوى الجماعة ، وهو ما يشكل الإتجاه العام للتخيل التاريخي) ؟

السبب هو أنّ د. عبد الله لم يفهم قصد ريكور الذي يرى أن هذا الإنتقال ليس هو جوهر الإتجاه العام للتخيّل التاريخي . فالتخيّل التاريخي بالنسبة لريكور يمكن أن يحصل على المستوى الفردي أيضاً ، وهنا تأتي الأهمية الكبيرة للأسطر الثلاثة التي حذفها عبد الله ابراهيم من هذا الإقتباس وهي :

(والتاريخ ايضا يجيب عن السؤال من قام بالعمل ، ويروي لنا كل قصة حياته بشتى مراحلها ، أي إنه يدخل هويته الذاتية في الزمان فيشعر بالحاجة إلى صياغة مثل هذه الحياة بقالب قصصي)

ولولا هذه الأرضية الأساسية ، كيف حلّل ريكور العديد من روايات القرن التاسع عشر كنماذج سردية على التخيل التاريخي . وكيف يشمل هذا المصطلح روايات أورلاندو لفرجينيا وولف ويوليسيس لجيمس جويس وغيرها . كيف يشمل فيلم التشويق (Argo) الذي أنتج في عام 2014  ؟ 

إن التخيل التاريخي يوفّر مجالا رحبا لانتعاش الهوية السردية الفردية والجماعية .

والمشكلة أن القول المقتبس لريكور أخذه د. عبد الله ابراهيم من القسم الأخير من الكتاب ، وهو (الثبت التعريفي) أي قائمة التعاريف ، وتحديدا من التعريف الأخير وهو تعريف "الشخصية السردية – narrative identity" الذي جاء فيه ما يؤكد رأينا :

(حين نتساءل أمام وقوع حدث معيّن عمّن كان مسؤولا عنه فإننا نرد بإعطاء اسم أحدهم ، أي بإعطاء إسم علم معيّن غير أن هذا الشخص الذي أعطيناه هوية لا تُختصر حياته بهذا الحدث فقط ، ومن أجل التعرّف إليه لا بد من أن نروي قصة حياته بأكملها . غير أن سرد حياة لا يمكن أن يكون موضوعيا بل يُمزج فيه الواقع بالخيال ، ونحن نميل دوما إلى ذلك لأن وضع الأحداث بقالب قصصي يسهّل علينا عملية فهم هذا الفرد واستيعاب مختلف أطوار حياته . وهذه هي الهوية السردية (...) وفي هذه الهوية يلتقي الزمن الكوني الخارجي مع الزمن المُعاش) (ص 660 و661) (22).

 

17.01.2015

 

للمزيد من المقالات ..

صفحة الكاتب والناقد الأدبي العراقي  

د. حسين سرمك حسن

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

17.01.2015  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org