<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني الحضور السعودي في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي لم يكن بريئا كغيره من الزيارات السابقة

 

 

الحضور السعودي في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي

 

 لم يكن بريئا كغيره من الزيارات السابقة

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

اختتمت أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي بدورته الناسعة عشرة التي أقيمت في مدينة سان بطرسبورغ الروسية بحضور مميز وواسع على صعيد التمثيل الاقتصادي والسياسي والإعلامي، ليؤسس تشققا واضحا في منظومة العقوبات المفروضة على روسيا والتي تقودها وتسيرها الولايات المتحدة ضمن تململ أوروبي واضح من هذه السياسة التي تضر بالمصالح الاقتصادية الأوروبية على وجه الخصوص. ويجدر الإشارة هنا الى الزيادة الملحوظة في عدد الدول المشاركة في هذا المنتدى لهذا العام فقد قفز العدد من 62 دولة العام الماضي الى 114 دولة هذا العام.

المملكة العربية السعودية حضرت المنتدى بوفد ترأسه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الذي يشغل أيضا منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والذي "يقود" العدوان الهمجي "للتحالف" على اليمن منذ أكثر من ثلاثة أشهر دون هوادة أو توقف. ومن هنا فان مثل هذه الزيارة واجتماعه بالرئيس بوتين أثناء الزيارة له دلالات خارج عن الأطر الاقتصادية بالرغم من أهميتها.

والمتتبع للأحداث في المنطقة يدرك أن الدبلوماسية السعودية قد نشطت في السنوات الأخيرة وبالتحديد منذ بدء الازمة السورية عام 2011 حيث قام عتاولة السياسة الخارجية والأمنية والاستخباراتية لآل سعود بالتوجه الى روسيا في محاولة ثني روسيا عن مواقفها المبدئية الداعمة للدولة السورية والإصرار على أن أية حلول للازمة السورية يجب أن تكون بالمفاوضات بين المكونات السورية بعيدا عن التدخلات الأجنبية مهما كانت بالإضافة الى أن روسيا لن تسمح بتكرار التجربة الليبية في سوريا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. هذا عدا عن محاولات تخفيف الدعم الروسي لإيران في مباحثاتها مع الدول الغربية على برنامجها النووي. وفي كلا الحالتين قدمت السعودية الوعود بإبرام صفقات اقتصادية واستثمارات الى جانب التهديد السافر بإطلاق يد الارهاب في روسيا إذا ما بقيت روسيا على مواقفها المبدئية في التعامل مع قضايا وأزمات المنطقة.

وربما كانت زيارة الأمير بندر بن سلطان الأولى الى موسكو في أغسطس 2013 والتي سرب بعض ما دار بينه وبين الرئيس بوتين آنذاك أول كشف علني عن النوايا والخبايا السعودية في شراء المواقف الروسية. في ذلك الحين كان أمير الارهاب بندر بن سلطان يرأس جهاز الاستخبارات السعودية قد تسلم الملف السوري من رفيق دربه وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، بعد ان فشل الأخير هو والسلطان العثماني أردوغان في اسقاط الدولة السورية والاطاحة بالرئيس الدكتور بشار الأسد. وفي تلك الاثناء كانت الولايات المتحدة تعمل على تكوين تحالف دولي للقيام بالاعتداء العسكري المباشر على سوريا كما حصل في ليبيا، تحت الذريعة الكاذبة والملفقة من أن الجيش العربي السوري قد استخدم أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية بالرغم من عدم وجود أي دليل مادي لذلك نتيجة التحقيق الذي أجرته بعثة مختصة من الأمم المتحدة التي ذهبت الى دمشق للتحقيق، وتبين لاحقا أن الإرهابيين هم من قام بذلك.

في تلك الفترة أشارت صحيفة التليغراف اللندنية (27 أغسطس 2013) تحت عنوان "السعوديون يعرضون صفقة في مجال البترول على روسيا في حالة تخليها عن سوريا". وقد أوردت الصحيفة عندها العرض السعودي الذي جاء على لسان بندر بن سلطان الذي قال في اجتماعه مع بوتين " دعونا ننظر كيف يمكننا أن نضع سويا استراتيجية روسية - سعودية مشتركة موحدة في مجال البترول. الهدف هو الاتفاق على سعر البترول والكميات المنتجة التي تضمن استقرارا في الأسواق العالمية للبترول". بمعنى ان السعودية عرضت على روسيا ان تشارك بالتحكم بأسعار البترول العالمية وخاصة أن السعودية هي من يتحكم بمنظمة الاوبيك (منظمة الدول المنتجة للنفط) والتي روسيا ليس عضوا فيها. واستطردت الصحيفة على لسان الأمير بندر " نحن نتفهم المصالح الجمة الروسية في مجالات البترول والغاز في المتوسط من إسرائيل الى قبرص. كما نتفهم أهمية خطوط الغاز الروسي الى أوروبا. نحن ليس لدينا أي مصلحة أو نية للدخول في منافسة في هذا المجال. بإمكاننا ان نتعاون في هذا المجال."

ولقد ذكرت الصحيفة أن ما سرب أيضا من المباحثات أن الأمير بندر قدم وعود الى بوتين على الإبقاء على القاعدة البحرية لقطع الأسطول الروسي في ميناء طرطوس في حالة سقوط نظام الرئيس الأسد، ولكنه أوعز بحدوث هجمات إرهابية من عناصر شيشانية في حالة عدم التوصل الى اتفاق. " أنا أستطيع اعطائك الضمانات بحماية الألعاب الأولمبية العام القادم. المجموعات الشيشانية التي تهدد أمن الألعاب تقع تحت سيطرتنا". واستطرد بندر بحسب الصحيفة ليقول من أن "الشيشان العاملين في سوريا هم بمثابة أداة ضغط يمكننا ان نشغلها أو نوقفها. هذه المجموعات لا تخيفنا. نحن نستخدمهم في وجه النظام السوري ولكن لن يكون لهم أي دور في المستقبل السياسي في سوريا". ما لم تذكره الصحيفة هو الوعد بابرام صفقات شراء الأسلحة الروسية التي قد تصل الى ما يقرب من 10 مليارات دولار وذلك بالإضافة الى كل ما ورد فيما إذا غيرت روسيا موقفها من سوريا وخاصة عدم الوقوف للمشروع في مجلس الامن الداعي للتدخل العسكري في سوريا تحت البند السابع وكذلك التخلي عن الرئيس الدكتور بشار الأسد. وعند الانتهاء لم يجد حرجا أمير الارهاب أن يحذر من انه "لا مهرب من العمل العسكري" فيما إذا رفضت روسيا غصن الزيتون المقدم".

بهذا المنطق يتصرف موفد رسمي من السعودية مع دولة كبرى مثل روسيا. منطق عصابات المافيا التي تستخدم لغة التهديد والوعيد ومحاولة شراء مواقف من هم في السلطة. هذه هي البلطجة السياسية بعينها التي اعتمد ويعتمد عليها امراء آل سعود مستفيدين من المليارات في الخزينة المحصلة من بيع البترول وحرمان الشعب السعودي من هذه الخيرات والنعم التي لا يتمتع بها الا السلطان وشيوخ القبائل والمتسولين على الأبواب الذين ينتظرون المكارم الملكية. لم تنظر روسيا والرئيس بوتين طويلا لرفض هذه الرشوة السياسية وان كانت ستدر عليها المليارت الخليجية الموعودة فمتى بدأت السعودية فان ربع مجلس التعاون الخليجي عادة ما تتبع.

ولم تكن العمليتين الإرهابيتين التي ارتكبتا في فولغوغراد في 20 اكتوبر و29 ديسمبر2013 بعيدة على ما يبدو عن التهديدات التي أطلقها أمير الارهاب بندر بن سلطان. فالتفجير الأول تم في حافلة نقل عام أدى الى سقوط سبعة ضحايا. أما التفجير الثاني كان أكثر دموية حيث فجرت انتحارية نفسها في ردهة مدخل محطة القطارات الرئيسية في فولغوغراد ذهب ضحيتها 15 قتيلا وعشرات الجرحى. هذه الحوادث حصلت في الوقت الذي كانت تستعد فيه روسيا لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي.

وحاولت السعودية التقرب من روسيا مرة أخرى عن طريق دفع صفقة أسلحة للجيش المصري بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وكان ذلك عندما تسلم الجيش السلطة في مصر بعدما قام بإبعاد الرئيس السابق مرسي على أثر مظاهرات عمت البلاد ضد تنظيم الاخوان المسلمين. عندها قام البنتاغون والإدارة الامريكية باحتجاز المساعدة المالية السنوية التي تبلغ 3 مليارات  التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا للجيش المصري منذ أن قام نظام السادات بتوقيع الاتفاقية سيئة الصيت اتفاقية كامب ديفيد. ولقد قامت الإدارة الامريكية بحجز المبلغ كوسيلة للضغط على العسكر للقيام بإعادة الرئيس مرسي الى الحكم.  عندها كان موقف السعودية ضد تنظيم الاخوان المسلمين التي وضعتهم السعودية على لائحة المنظمات الإرهابية ولاحقت عناصرها داخل السعودية وطالبت دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذ نفس المواقف من حركة الاخوان المسلمين.

لم تستطع المليارات السعودية أن تشتري الموقف الروسي وهي (أي الأموال) التي شكلت عاملا أساسيا ان لم يكن الأساسي في السياسة الخارجية لآل سعود. فعمدت بالتنسيق مع الولايات المتحدة على التلاعب بأسعار النفط العالمية كوسيلة لشن حرب اقتصادية على روسيا التي يعتمد اقتصادها الى حد كبير على بيع مصادر الطاقة من بترول وغاز. وقامت السعودية ببيع البترول للدول الاسيوية بأسعار وصلت الى نصف السعر العالمي فهبط سعر البرميل مما يقرب من 120 دولار الى ما يقرب من الخمسين دولار في مدى أشهر قليلة. ولا شك ان روسيا كانت الى جانب إيران وفنزويلا من الدول الأكثر تضررا الى جانب الدول الأخرى. وكان من الواضح ان الهبوط في الأسعار كان لأسباب سياسية محضة بحسب كل التحاليل الاقتصادية. ولقد وقفت السعودية ضد خفض الإنتاج لدول الاوبيك للعمل على استقرار الأسعار العالمية للبترول الذي تدهور بشكل كبير حتى وان أدى ذلك الى تضررها هي أيضا حيث فرض عليها النقص في عائدات النفط الى استخدام صندوق الاحتياط لأول مرة منذ سنوات. كل ذلك وبتوجيه من الإدارة الامريكية كان مسلطا بالأساس الى روسيا وإيران كوسيلة لثنيهم عن المواقف المبدئية في القضايا الإقليمية الى جانب الضغط على روسيا في موقفها في أوكرانيا.

لم تكن هذه المرة الأولى التي استخدمت السعودية كأداة ضد روسيا، حيث قامت باستخدام البترول واسعاره العالمية كوسيلة ناجعة وإحدى الأسباب الرئيسية التي أدت الى انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية في بداية التسعينات من القرن الماضي. وعندها أيضا كانت الولايات المتحدة هي المحرك الأساسي، حيث اضطر الاتحاد السوفياتي لبيع برميل البترول بثمانية دولارات بدلا من 34 دولارا مما سبب عجزا كبيرا في الميزانية ولم يستطع الاقتصاد السوفياتي عندها امتصاص هذه الضربة فانهار تحت وطأتها. 

بعد كل هذا العرض لا نستغرب أن يرى البعض على ان زيارة الوفد السعودي وبهذا المستوى والتمثيل الذي يرأسه وزير الدفاع وولي ولي العهد السعودي المقرب من الإدارة الامريكية، نقول النظر الى هذه الزيارة والعقود التي ابرمت ببناء ستة عشر مفاعلا نوويا للأغراض السلمية إضافة الى عقود واستثمارات مشتركة تصل الى 10 مليارات دولار، انما هي محاولة أخرى لمقايضة الموقف الروسي الذي اثبت صلابته مؤخرا ولو متأخرا في الازمة اليمنية. وبالتحديد بالنسبة للموقف من انسحاب الجيش اليمني وقوى المقاومة الشعبية المتمثلة بجماعة أنصار الله وغيرهم من الانسحاب من المدن الرئيسية التي سيطروا عليها وطردوا أنصار الرئيس الفار هادي الى جانب العنا القاعدية. فروسيا تصر على عدم الانسحاب في المرحلة الحالية خوفا من ان يملأ الفراغ القاعدة وداعش الارهابيتين وهو الموقف الذي يتبناه أنصار الله ويصرون عليه.

الزيارة تأتي ضمن هذا المنظور الذي تريد منه السعودية كسب الود الروسي في محاولة يائسة لتغيير المواقف روسيا بالنسبة للعديد من ملفات المنطقة التي يبدو انها قد تجد فرصة للحل بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني التي يعتقد البعض أنها أصبحت وشيكا الملف اليمني والملف السوري، ويجب أن يتعاون البلدان من أجل تحقيق السلام في كل من اليمن وسوريا ويجب ان تكون روسيا أكثر مرونة في هذين الملفين إذا لم تتنطح فرنسا مرة أخرى خدمة للكيان الصهيوني والسعودية وتعطل التوقيع او تؤجله كما جرى في المرة السابقة. ونستطيع أن نستشف هذا مما صرح به السيد جمال الخاشقجي المقرب من آل سعود في مقابلة مع وكالة الانباء الروسية "سبوتنيك" حيث قال " نتمنى أن يؤدي هذا التقارب الى درجة أعلى من التفاهم بين البلدين في الملفات المهمة، خاصة الملف اليمني والملف السوري، ويجب أن يتعاون البلدان من أجل تحقيق السلام في كل من اليمن وسوريا ويجب ان تكون روسيا أكثر مرونة في هذين الملفين". (سبوتنيك 21 يونيو 2015).

من هنا نقول ان الزيارة الأخيرة للوفد السعودي لحضور المنتدى الاقتصادي في بطرسبورغ كغيرها من الزيارات الرسمية التي سبقتها والتي ذكرنا بعضها لم تكن بريئة ولا تسعى الى تحقيق السلام في المنطقة بقدر ما تسعى الى حلحلة المواقف الروسية تجاه قضايا المنطقة وتقريبها من وجهات النظر السعودية. لم تنجح المحاولات السابقة في تحقيق ذلك ولا نعتقد ان هذه سيكتب لها النجاح.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

 

تاريخ النشر

22.06.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

22.06.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org