عندما يصبح الدفاع عن الوطن "إحراجا للجيش"

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

غريب أمر قوى الضلال في لبنان التي تصب كل حقدها على المقاومة اللبنانية في كل مناسبة وبدون مناسبة أحيانا، فالمعزوفة وخاصة تلك المتعلقة بالانخراط في مكافحة العناصر الإرهابية في سوريا وعدم السماح لها بالتلاعب بالأمن الداخلي اللبناني أو تشكيل أي تهديدا للمقاومة اللبنانية التي تقف سدا منيعا أمام أي اعتداءات إسرائيلية على لبنان الى جانب الوقوف مع الدولة السورية والجيش العربي السوري.

هللت هذه القوى الضالعة في خيانتها والمتسولة على اعتاب ممالك ومشايخ الخليج وخاصة آل سعود بالاختراق الذي حصل في جشر الشغور السورية وبعض المناطق في الجنوب السوري، ظنا منها أن حلمها في اسقاط الدولة السورية قد بدأت عليه بوادر الصحوة بعد تلقيه الضربات الموجعة الواحدة تلو الأخرى بحيث انها أدركت بداخلها ان الحلم أصبح بعيد المنال. وملئت تصريحات قيادات طبقتها السياسية المتهالكة الصحف والمجلات الصفراء وانبرت أقلام المرتزقة تهلل وتكبر للحاصل وتبشر بالمستقبل الواعد الذي طال انتظاره. وعقدت الاجتماعات في الخليج للتحضير لسوريا "ما بعد الأسد"، كما كان الحال بعد أيام واسابيع عندما بدأت الازمة السورية. وأصبح رجل الشارع منهم خبيرا عسكريا ومحللا استراتيجيا ما شاءالله ، وانضمت "مراكز الأبحاث الاستراتيجية" الخليجية التي أقيمت من قبل السلاطين والممالك والمشايخ لتنطق بالكفر الذي يريدونه الى الجوقة والمنظومة الإعلامية بهدف زرع الإحباط وإدارة حرب نفسية شعواء.

وكالعادة لم تدم هذه النشوة والتهليل والتكبير ولو لأيام معدودة، حيث كانت ان بدأت معارك القلمون لتطهيره من رجس المجموعات التكفيرية من قبل الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية. ولقد أحرزت المقاومة والجيش العربي السوري نجاحات كبيرة في مدة زمنية أذهلت العدو والصديق وتراجعت قوى الظلام من النصرة وجيش الفتح الذي شكل من حثالات متبقية من هنا وهناك على عجل من قبل قطر والسعودية وتركيا تحت اشراف الولايات المتحدة بالتدريب والتزويد بالأسلحة النوعية، على أمل ان يقبل به "كمعارضة معتدلة" من قبل "المجتمع الدولي". سقطت التلة تلو الأخرى وفرت عناصر المجموعات التكفيرية قبل تناول غذاءها في كثير من الأحيان كما أظهرت الصور الميدانية من الأماكن التي تم انسحابهم منها هربا خوفا على حياتهم، فهؤلاء في نهاية المطاف مرتزقة وليس لديهم أي ارتباط بالأرض المتواجدين عليها، وبالتالي ليس لهم مصلحة بالدفاع عنها.

ومع تطهير التلال والجرود على الحدود السورية اللبنانية فان فلول هذه المجموعات التكفيرية لم يكن أمامها سوى الهروب في اتجاه الحدود اللبنانية ولا شك ان البعض سيحاول الدخول الى الأراضي اللبنانية في اتجاه عرسال التي يعرفها معظمهم حق المعرفة. فقد شكلت ولسنوات خلت منذ بدء الازمة السورية محطة للاستراحة والطبابة والنقاهة والعبور الى سوريا وارسال السيارات المفخخة الى الداخل اللبناني وتهريب السلاح بالإضافة الى كونها منطقة محرمة على الجيش اللبناني. كل هذا تحت غطاء سياسي واجتماعي وتقديم الحواضن الجغرافية والاجتماعية من قبل قوى 14 آذار ومن لف لفهم من المحرضين على الفتنة والاقتتال المذهبي والطائفي في لبنان. هؤلاء الذين كانوا ينكرون وجود مثل هذه التنظيمات الإرهابية في لبنان حتى وبعد ظاهرة الشيخ الأسير في طرابلس.  وكانوا ينكرون على الجيش اللبناني التدخل لإنهاء البؤر الإرهابية التي تواجدت هنا وهناك في لبنان.

القوى اللبنانية التي دعمت القوى التكفيرية منذ البداية في محاربة الدولة السورية بالمال والسلاح وليس "بالحليب والبطاطين" وتسهيل عبورهم عبر الحدود وفتح المشافي لعلاج جرحاهم، لم يرق لها الانتصارات التي حققتها المقاومة اللبنانية والجيش العربي السوري في منطقة القلمون والسيطرة على اغلب الجرود فيها. فطالما شكلت هذه الجرود والمنطقة الوعرة التي يصعب السيطرة عليها مكانا آمنا لهؤلاء السفاحين اكلي لحوم البشر والذي كانت القوى اللبنانية الداعمة لهم تعول عليهم لإلحاق الأذى بالدولة السورية الى جانب استخدامهم ورقة داخلية في مجابهة حزب الله في لبنان بالتنسيق الكامل مع قوى إقليمية وعلى رأسها آل سعود. لم ننسى ما قاله قبل ما يقرب منذ سنتين أمير الارهاب السعودي بندر بن سلطان عندما هدد بإشعال الوضع الداخلي في لبنان فيما اذا ما اقترب الجيش العربي السوري من القلمون حيث كان يتواجد جيش الإسلام وقائده زهران علوش الممول سعوديا والذي كان يعمل تحت امرة المخابرات السعودية. تبدلت الأسماء وبقي الممول والمتلقي للدعم والاسناد واحد.

من يرصد ردود فعل هذه القوى على خسارة القوى التكفيرية للعديد من مواقعها في القلمون لغاية الان يستطيع أن يرى مدى حالة الإحباط التي تعيشها هذه القوى والخيبة التي منيت بها. فمنهم من قال ان حزب الله قد خسر المئات من مقاتليه في هذه المعارك وجاء كلام السيد حسن نصرالله ليدحض هذه الافتراءات والاكاذيب عندما اعلن في حينها قبل أيام ان عدد شهداء الحزب هم ثلاثة فقط. وذهب البعض الاخر للتقليل من المعارك والانتصارات التي تحققت بالقول انه لم يكن هنالك العيديد من "المسلحين" أو بان الانسحابات التي تمت ما هي الا انسحابات تكتيكية..الخ. ومنهم من ذهب في محاولة تأليب الرأي العام اللبناني على الحزب بقوله أن هذه المعارك قد تعرض حياة الجنود اللبنانيين المختطفين منذ مدة من منطقة عرسال الى الخطر وقد يقدم خاطفيهم من "المسلحين" بإعدامهم كردة فعل على الهجوم. وهذا الفريق نسي أو تناسى انه هو الذي سعى لعدم تدخل الجيش في عرسال لإنهاء ظاهرة "المسلحين" بها. وهو نفسه الذي أجرى الوساطات لخروج "المسلحين" بصحبة الجنود اللبنانيين الذين تم اختطافهم من قبل الارهابيين. وتناسوا أيضا أن قضية المختطفين كان من الممكن انهاءها لولا وجود قوى إقليمية أرادت على ابقاءها واستخدامها كورقة مقايضة في الداخل اللبناني أو السوري. غريب أمر هذه الفئة التي أصابتها الصحوة الان بشأن المختطفين من الجنود اللبنانيين.

أما ما تفتق به التحليل "الاستراتيجي" لبعض الجهابذة مؤخرا فيما يختص بالمعارك الدائرة في القلمون هو ان حزب الله والجيش العربي السوري قد أقدما على هذه الخطوة وبهذا التوقيت بالتحديد لإحراج الجيش اللبناني الذي سيضطر الى مقاتلة الإرهابيين والتصدي لهم في حال محاولتهم العبور الى الأراضي اللبنانية.

والسؤال الي يجب أن يطرح الان منذ متى أصبح الدفاع عن الوطن واراضيه من قبل الجيش الوطني يشكل احراجا له؟ هل نحن بصدد تعريفات جديدة لمهام الجيش الوطني في هذا الزمن الرديء الذي تغيرت به الكثير من التعاريف والمفاهيم بحيث أصبح من الضروري إيجاد قاموس سياسي جديد؟

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

19.05.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي