%@ Language=JavaScript %>
خاطرة في ذكرى الانتصار على النازية
الدكتور بهيج سكاكيني
احتفلت الإنسانية جمعاء بالذكرى السبعون عاما على الانتصار على النازية وانتهاء الحرب العالمية الثانية. نقول الإنسانية وليس الدول او الرؤساء الذين اصطف بعضهم لوضع أكاليل على النصب التذكاري للجنود المجهولون الذين ضحوا بحياتهم، في الوقت الذي نرى به بعض هؤلاء الرؤساء يشاركون فعليا في المذابح التي ترتكب بحق شعوب بعض الدول الان، او اللذين يقفون متفرجين على المجازر التي ترتكب ضد شعوب أخرى. ولنا في آخر هذه المجازر التي ترقى الى عملية إبادة جماعية أو تلك التي تصنف على انها جرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها السعودية وما يسمى "بالتحالف" العربي بدعم كامل لوجيستي وسياسي واعلامي وعسكري وذلك بتقديم كل أنواع أسلحة الدمار بما فيها الأسلحة المحرمة دوليا كالقنابل العنقودية والفسفورية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.
خرجت الدول الأوروبية منهكة بشريا واقتصاديا وعلى كافة الأصعدة من الحرب على النازية، ولا عجب ان بقيت الولايات المتحدة الدولة الأقوى على المستوى العالمي آنذاك بحكم عدم مشاركتها في الحرب الا في سنواتها الأخيرة وبحكم بعدها الجغرافي عن ساحات المعارك الطاحنة التي كانت تدور رحاها في أوروبا. ولقد ساعد هذا العامل الولايات المتحدة في الهيمنة على القرار الأوروبي منذ ذلك التأريخ، وما مشروع مارشال الذي تبنته الإدارة الامريكية "لإعادة اعمار" أوروبا في ذلك الوقت الا وسيلة للتحكم في القرار السياسي الأوروبي ووضع دوله تحت المظلة الامريكية. لم تنتظر الولايات المتحدة وعملت على إقامة الحلف العسكري حلف شمال الأطلسي عام 1949 لمجابهة ما أسمته "التمدد الشيوعي" و " "الخطر الشيوعي" الذي ابتدعته والذي لم يكن في حقيقة الامر الا وسيلة عدوانية للدفاع عن المصالح الامبريالية العالمية والرأسمالية المتوحشة التي تعتاش على امتصاص دماء الشعوب والسيطرة على مقدراتها. اقامت أمريكا الحلف لأنها أرادت محاصرة الاتحاد السوفياتي ولأنها ومنذ ذلك الحين لا تقوى على رؤية اية قوة قد تناهضها أو "تهدد" مصالحها الاستراتيجية فهي تريد أن تبقى المهيمنة والمسيطرة على العالم ومقدرات الشعوب. ولهذا فرضت الولايات المتحدة مبدأ عدم التعايش السلمي مع الاتحاد السوفياتي ونشأت ما سمي بالحرب الباردة التي استمرت لعقود من الزمن الى ان انهار الاتحاد السوفياتي وتفككت جمهورياته وسقطت المنظومة الاشتراكية لأسباب عديدة لا مجال لمناقشتها في هذه العجالة.
عندما هزمت النازية عسكريا استبشرت شعوب العالم خيرا وعمت السعادة على جميع أبناء هذا الكوكب الذي نعيش في كنفه. النازية قامت على فلسفة الغاء الآخر ودونيته بالمقارنة مع الجنس الآري. فلسفة ضالعة في عنصريتها وصلت الى حد الايمان بعدم أحقية هذا الغير في الحياة ومن ثم تبرير التصفيات الجسدية وعمليات الابادة الجماعية التي ارتكبت بحق العديد من الاجناس والاعراق. المجازر التي ارتكبتها النازية لم توفر أحدا، ومن الخطأ الاعتقاد بان هذه المجازر قد ارتكبت بحق يهود أوروبا فقط فلقد ابيد العديد من الغجر والملايين من الشعب البولندي فقد خسرت بولندا آنذاك أكبر نسبة مئوية بالنسبة لتعداد السكان على ايدي النازيين ( 17%)، كما خسر الاتحاد السوفياتي آنذاك ما يقرب من 25 مليون شهيد بين عسكري ومدني ، 2 مليون منهم في مدينة ستالينغراد لوحدها.
ولنا الحق أن نتساءل في هذه المناسبة ونحن أبناء هذا الكوكب هل اتعظت الدول والطبقة السياسية في العديد منها والتي في أغلبها أقامت الاحتفالات لإحياء هذه الذكرى كل على طريقته؟ هل هزمت المنظومة الفكرية والثقافية والفلسفية التي قامت عليها النازية؟ هل هزم الايمان أو الاعتقاد باستثنائية فئة على أخرى وبالتالي أحقيتها في تدمير الغير تحت أي ذريعة وخاصة الذرائع الملفقة والمضللة والكاذبة لتبرير عدوانها واستخدام ما أنتجته آلة الحرب المتطورة ذات التقنية العالية وذات القدرة التدميرية الهائلة؟ هل هزمت نظرت التعالي على الغير ودونيته؟ وهل هزم الفكر السلطوي ونزعة الهيمنة والاستئثار؟ وهل شهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية ما طمحت البشرية برؤيته على هذا الكوكب؟ عالم يعم فيه السلام والاخاء والمحبة والتعايش ما بين الاجناس والاعراق على اختلاف الوانها ومشاربها في لوحة الفسيفساء الأممية المتنوعة.
لعل الإجابة على العديد من هذه الأسئلة يشير ويؤكد على ما أن كانت البشرية تطمح اليه لم يتحقق وما زال الطريق امامنا طويلا. مسلسل الحروب ومحاولات الهيمنة والسيطرة وإلغاء الغير لم ينتهي بعد والتاريخ القديم والحاضر يقف شاهدا حيا على ما نقول. من فلسطين الى فيتنام الى الغزو الأمريكي للعراق وافغانستان الى التدمير الذي تشهده سوريا والتي حشدت اليه قوى الظلام والإرهاب من كل بقاع العالم، الى الدمار الذي لحق بليبيا والان اليمن وغيرها. وما يربط بين هذه السلسلة من الاحداث هو عدم تقبل الغير وعدم تقبل احقيته في اختيار الطريق الذي يريد وهذه النزعة للهيمنة والسيطرة على العالم والشعوب ومقدراتها تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، من منع "التمدد الشيوعي" و "الخطر الشيوعي" الى " نشر وفرض الديمقراطية" الى "بناء الدول" و " الدفاع عن القيم والمبادئ الغربية" الى تدمير " أسلحة الدمار الشامل" الى " حقوق الانسان" والتدخل " لحماية المدنيين" الى " مكافحة الارهاب" الى " الخطر الايراني" و "التمدد الشيعي" الى "تمدد النفوذ الصيني في آسيا وافريقيا" الى "خطر روسيا على الامن العالمي" ...الخ.، ومن المؤكد اننا سنسمع المزيد من الأسباب الواهية والمفبركة.
والمصيبة أن هنالك مدرسة المحافظين الجدد في أمريكا التي ترى ان سبب الهزائم في فيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا التي منيت بها أمريكا الدولة التي "اختارها التاريخ لحكم العالم" يكمن في عدم استخدامها القوة الكافية. المصيبة ان أمريكا أمضت معظم سنوات القرن الواحد والعشرون في حروب متواصلة كلفت الخزينة الامريكية ما يقرب من 6 ترليون دولار أمريكي. وهذا الدور الأمريكي المفترض لقيادة العالم بأسره لا يقتصر على الحزب الجمهوري ومنظريه الروحيين من المحافظين الجدد، بل يتعداه الى "الليبراليين الديمقراطيين" فها هو السيد أوباما يتحدث بنفس اللغة حول الاستثنائية الامريكية وعلى ان أمريكا هي الدولة التي لا يمكن التخلي ""indispensable, exceptionalعنها ولا يمكن العمل بدونها فاليها تلتجأ الدول للمساعدة بكل كبيرة وصغيرة بحسب قوله.
بينما تحتفل الإنسانية بالانتصار على النازية نرى ان الولايات المتحدة ومن خلفها عدد من الدول الأوروبية تعمل على إعادة تأهيل النازية واحزابها في أوكرانيا تحت ذريعة التصدي " لتمدد النفوذ الروسي". فالولايات المتحدة استثمرت 5 مليارات دولار دفعت لأحزاب قومية متطرفة في أوكرانيا الى جانب أحزاب نازية تجاهر في نازيتها وكذلك الى منظمات وجمعيات غير حكومية لإحداث الانقلاب في أوكرانيا على حكومة شرعية منتخبة. وهذا يكشف عن زيف الاحتفالات والكلمات التي أطلقها الرئيس أوباما وبعض رؤساء الدول الأوروبية بهذه المناسبة. وربما مقاطعة الدول الغربية والولايات المتحدة لحضور الاحتفالات التي أقيمت في موسكو بمناسبة الانتصار على النازية بسبب موقف روسيا من أوكرانيا الداعي بالأساس الى ان يقرر الشعب الاوكراني مستقبله وشكل الحكم الي يريده في البلاد بعيدا عن التدخلات الأجنبية وعدم اقحام وزج أوكرانيا في حلف الناتو، نقول هذا التصرف الارعن للولايات المتحدة والانصياع الأوروبي لها يدلل على عدائية موجهة الى روسيا، سببها الأساسي هو تنامي الدور الروسي على الساحة العالمية والوقوف أمام النزوات والمغامرات والنزعات العسكرية الامريكية ومحاولة فرض هيمنتها على الساحة الدولية التي صالت وجالت وعربدت فيها الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ما يقرب من خمسة عشر سنة.
في الختام نقول، أنه وبالرغم من مرور 70 عاما على الانتصار العسكري على النازية، وبالرغم من حجم الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية على كافة الأصعدة وخاصة على المستوى الإنساني، ما زالت البنى والمنظومة الفكرية الثقافية والفلسفية التي بنيت عليها النازية متواجدة وان بشكل خفي ومغلف بغلاف براق وخادع للتمويه عن المكنون والجوهر، وعلى ان الطريق الى تحقيق ما كانت تصبو اليه البشرية بعد الانتصار العسكري الذي تحقق على النازية ما زال طويلا.
الدكتور بهيج سكاكيني
13.05.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
13.05.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |