%@ Language=JavaScript %>
المفارقات في "المساعدات الأميركية العسكرية"
لبعض دول المنطقة
الدكتور بهيج سكاكيني
منذ اليوم الأول للعدوان الهمجي الذي شنته السعودية مع ما استطاعت تجنيدهم من المأجورين من دول في المنطقة أو من أفراد عسكريين من هنا وهناك عبر شركات دولية متخصصة بتوفير مأجورين وقتلة، أعلنت الولايات المتحدة وعلى لسان قمة هرمها السياسي الرئيس أوباما الدعم الكامل للعدوان وأعلن انه بينما لا تشارك الولايات المتحدة بقوات أرضية في العدوان الا انها شكلت ومنذ اليوم الأول غرفة عمليات مشتركة مع القيادة العسكرية السعودية وذلك لإدارة الحملة العسكرية وتوفير الدعم اللوجستي والاستخباراتي وتمرير المعلومات عن كافة التحركات التي تجمعها طائراتها الاستطلاعية التي لا تفارق المنطقة، بما في ذلك احداثيات الأهداف المتحركة والثابتة المراد قصفها وتدميرها. وعلى انه أي الرئيس أعطى الأوامر للإسراع بتزويد الطائرات المغيرة بكل أنواع الصواريخ والقنابل والذخيرة اللازمة حتى لا يتوقف العدوان لحظة واحدة.
وإذا ما عدنا في الذاكرة قليلا الى عام 2009 عندما اعتدت السعودية على الأراضي اليمنية آنذاك كان عليها انتظار أكثر من عشرة أيام لوصول صواريخ لطائرات F-15 بعد نفذت ذخيرتها مما أثار جنون السعودية التي تدفع بسخاء منقطع النظير لشركات الاسلحة الكبرى الأميركية وتعتبر من أفضل الزبائن على المستوى العالمي. ومنذ اليوم الأول برز مدى التنسيق الكامل مع العدوان السعودي عندما قامت احدى السفن الامريكية بإنقاذ حياة طيارين بعد أن سقطت طائرتهم المغيرة في المياه، نتيجة اصابتها او لقلة خبرة الطيارين، فلم تكن طواقم المرتزقة ذوي الخبرات العالية قد وصلت بعد الى السعودية لتولي المهمات على ما يبدو.
ومؤخرا أقدمت الولايات المتحدة على تقديم الخدمة الراقية والمتطورة جدا الا وهى تزويد الطائرات بالوقود وهي في الجو، وكأن هذه الطائرات تأتي من بلد آخر بعيد وليس من الأراضي السعودية الملاصقة للأراضي اليمنية، وحقيقة لا نستبعد ذلك على الاطلاق. فالذي قيل ان هنالك ما يقرب من مئة طائرة F-15 و F-16 " لتحالف الناتو العربي" فهل هذا العدد غير كافي لضرب أكثر دولة فقيرة في المنطقة ولا تملك أي دفاعات جوية ولا طائرات مقاتلة بهذه الكفاءة (وهي دمرت أصلا وهي رابضة في مواقعها)، وبالتالي يجب الابقاء عليهم في السماء لإحداث مزيد من الدمار الذي أعاد اليمن الى العصر الحجري نتيجة القصف المتواصل. أم ان المطلوب هو حرب إبادة جماعية لسكان اليمن قاطبة، وهذا يستدعي عدم توقف في الطلعات والضربات الجوية؟ ام ان هذه هي تدريبات ميدانية ضرورية لطياري "تحالف الناتو العربي" لمهمات قادمة في دول أخرى بعيدة عن مرابض هذه الطائرات؟ نتساءل؟
ولا يسع الانسان المتابع للأحداث أن يغض النظر عن وجود المفارقات في "الخدمات" " والمساعدات العسكرية الأميركية" المقدمة ( طبعا ليس ببلاش) لبعض الدول العربية التي من المفترض ان تكون صديقة او حليفة استراتيجية للولايات المتحدة بحكم وجود معاهدات موقعة بين الطرفين مثل مصر والعراق، وخاصة وان الإدارة الامريكية قد شكلت "حلفا دوليا" "لمحاربة الارهاب، وكلا تلك الدولتين تعاني من الارهاب على أراضيها يتمدد هنا وهنالك كالسرطان في الجسد.
على الجانب المصري تمنعت الولايات المتحدة من تسليم مصر طائرات "الاباتشي" الامريكية لمصر التي كانت ضمن لائحة المعدات العسكرية التي كان عليها تزويد الجيش المصري بها، على الرغم من الحاجة الماسة للجيش المصري لها في مكافحة العناصر الإرهابية القاعدية وداعش في سيناء والتي ما زالت تعشش في تلك المنطقة. كما تمنعت الولايات المتحدة من الافراج عن طائرات F-15 التي أرسلتها مصر الى الولايات المتحدة للصيانة والتطوير، وكذلك تمنعت عن تسليم مصر عدد من طائرات F-16 ضمن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين. وقامت الولايات المتحدة باحتجاز الجزء المتبقي من المعونة السنوية التي تقدمها للجيش المصري التي تبلغ 3 مليارات دولار وذلك منذ توقيع مصر على معاهدة كامب ديفيد المشؤومة عام 1978مع إسرائيل برعاية أمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. وكان هذا في محاولة للضغط على الجيش المصري لإعادة الاخوان المسلمين الى السلطة في مصر بعد ان ازيح الرئيس مرسي عن سدة الحكم من قبل الجيش المصري نتيجة المظاهرات الشعبية العارمة التي خرجت منددة بحكم الاخوان المسلمين. وكان ان تحالفت الولايات المتحدة في تلك الفترة مع التيار الإسلام السياسي في المنطقة الممثل بتنظيم الاخوان المسلمين وبإشراف تركي أردوغاني. قصارى الحديث ان قطع المعونات والمساعدات الامريكية جاء كوسيلة ضغط على النظام المصري ومحاولة اعادته الى الحظيرة الامريكية ودوره ضمن المنظومة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة. وبقي الحال على ما هو مما جعل مصر السيسي للتوجه لروسيا للحصول على صفقة أسلحة لمساعدة الجيش المصري في الحرب على الارهاب في سيناء الى جانب تنويع مصادر الأسلحة، وأغلب الظن ان الحركة كانت حركة تكتيكية أكثر مما هي استراتيجية كما ذهب البعض لرؤيتها.
ويبقى السؤال المهم متى بدأت الإدارة الامريكية بحلحلة موضوع "المساعدات والمعونات" التي تقدمها الى مصر أو الافراج عن طائراتها المحتجزة أو التي وعدت بالتزود بها؟ وعدت مصر بطائرات "الاباتشي" عندما كان وزير الخارجية كيري يدور في المنطقة وذلك لتجميع اكبر عدد ممكن من الدول العربية "للتحالف الدولي" لمحاربة الارهاب وكانت الولايات المتحدة تريد ان تنضم مصر لهذا التحالف بحكم موقعها واهميتها في المنطقة. وعندها فقط افرج عن بعض طائرات "الاباتشي" فلم يكن من المعقول ان تتبجح أمريكا في "محاربة الارهاب" في اللحظة التي تتمنع بها عن تزويد مصر بطائرات "الاباتشي" الفعالة في مكافحة التجمعات الإرهابية في سيناء. أما طائرات F-16 فلم يفرج عنها ولم يتم تزويدهم لمصر سوى قبل فترة بسيطة وبعد بدء العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن من قبل "تحالف الناتو العربي" التي انضمت اليه مصر. ولقد قام الرئيس أوباما بنفسه بالإعلان عن الافراج عن طائرات F-16 وتسليمها لمصر، وليس مصادفة انه تم الإعلان عن المشاركة الفعلية للطائرات المصرية في قصف مواقع داخل اليمن لأول مرة بعد أيام معدودة من الافراج عن هذه الطائرات الامريكية من قبل الادارة الامريكية.
والحالة العراقية لا تختلف البتة عن الحالة المصرية وعلى الرغم من وجود اتفاقيات استراتيجية ومعاهدات دفاع مشترك وقعت مع الجانب الأمريكي قبل خروج معظم القوات الامريكية من العراق. هنا أيضا تمنعت الولايات المتحدة من تسليم الجيش العراقي بالأسلحة والمعدات العسكرية التي تم الاتفاق عليها ودفعت اثمانها مقدما من قبل الحكومة العراقية السابقة التي كان يترأسها السيد المالكي، والتي كانت العراق بأمس الحاجة اليها لمكافحة الارهاب وتمدد الجماعات القاعدية وتنظيم داعش داخل الأراضي العراقية والاستيلاء على مدن رئيسية ومنشآت حيوية نفطية ومصادر مياه ومحطات لتزويد الكهرباء. بقيت الإدارة الامريكية تماطل وتجد الاعذار الواهية لعدم تسليمها الأسلحة المتفق عليها، وهنا أيضا اضطرت الحكومة العراقية آنذاك للتوجه الى روسيا وعقد صفقة أسلحة على وجه السرعة والتي سلمت مباشرة من قبل موسكو لمساعدة العراق في حربه على الارهاب. وبالإضافة الى ذلك تلكأت وما زالت الطائرات الامريكية وأجهزة رصدها من ضرب مواقع داعش، لا وبل السماح لأرتال من مسلحيها من التنقل بحرية بعتادهم العسكري من منطقة الى أخرى ضمن المناطق المسموح بها أمريكيا طبعا، فلم يكن القضاء على الارهاب واجتثاثه كاملة هدفا أمريكيا. الى جانب كل ذلك استخدمت الولايات المتحدة "المعونة والمساعدات" كأداة من ضمن الأدوات الأخرى للضغط على فرض التغيير السياسي في التركيبة الحكومية العراقية ومنع المالكي من الترشح مرة أخرى لرئاسة الحكومة.
وعمليات الابتزاز لم تنقطع ليومنا هذا على الرغم من ان الولايات المتحدة وادواتها لعبت الدور الأكبر في المجيء بالسيد البغدادي ولا نبالغ ربما إذا ما قلنا انه فرض فرضا، ولكن هذا نتركه للزملاء العراقيين فأهل الديار ادرى بشعابها. والدليل الى ان عملية الابتزاز ما زالت قائمة تتضح معالمها من التلكؤ وفشل طائرات "التحالف الدولي" التي تقوده الولايات المتحدة من محاصرة داعش ومنع تمددها في الأراضي العراقية اللهم الا في المناطق التي حرمت عليها من قبل هذا "التحالف الدولي". وربما الدليل الاخر هو أن زيارة البغدادي للولايات المتحدة مؤخرا تحولت الى مناقشة التأثير الإيراني في العراق وتنامي دور الحشد الشعبي في محاربة الارهاب وخاصة في الدور الرئيس الذي لعبه في تحرير مدينة تكريت من تنظيم داعش. فالولايات المتحدة غير راضية عن قوات الحشد لأنها على ما يبدو "تعكنن" كما نقولها بالعامية على المخططات الامريكية في العراق. وتدلل على ان التحليلات الامريكية مضللة وخاطئة بشأن قدرة الشعب العراقي على مقاتلة الارهاب متى أخذ القرار السياسي العراقي المستقل. بالإضافة الى ذلك فقد اهملت الطلبات التي قدمها السيد البغدادي بشأن تزويد العراق وجيشه بالمعدات والأسلحة المتطورة الضرورية للتمهيد لمعركة استرجاع وتحرير مدينة الموصل. والإدارة الامريكية تضع شرط "مشاركتها" في تحرير الموصل بعدم مشاركة قوات الحشد الشعبي، ولا نستبعد أن تكون قد وضعت شرط أن تنضم الى الجوقة قوات من "تحالف الناتو العربي" لإدخال العنصر المذهبي في الصراع، وتسجيل سابقة خطيرة أولية لاستخدام هذه التحالف الغير مقدس للعب الدور القذر في المنطقة بالنيابة عن البسطار الأمريكي، فكل شيء أصبح مفتوحا على كل الاحتمالات في المنطقة ضمن الاستقطاب الغير مسبوق في المنطقة.
الخلاصة والعبارة من هذه المفارقات فيما يختص بما يحدث في اليمن اليوم وما يقدم الى "تحالف الناتو العربي" من قبل الولايات المتحدة الامريكية وما حدث ويحدث في العراق ومصر يدل بشكل واضح وصارخ على كل الدعم سيقدم لكم (من قبل أمريكا) في حالة استخدامه للاعتداء على بعضكم البعض وتدمير قدرات وبلدان بعضكم البعض. أما الدعم خارج هذا الاطار وحتى ان كان لمحاربة الارهاب في بلدانكم فانه سيبقى محدودا ومقننا ومرتبطا بأجندتنا ( أي اجندة الإدارة الامريكية) وخضوعكم لنا ودوركم في منظومتنا الاستراتيجية لمنطقتكم.
الدكتور بهيج سكاكيني
18.04.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
18.04.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |