<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني قراءة في تصريحات كيري الأخيرة

 

 

قراءة في تصريحات كيري الأخيرة

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

التصريح الذي ادلى به مؤخرا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن التفاوض مع الرئيس بشار الأسد لإنهاء الحرب في سوريا، اثار الكثير من الجدل وخاصة بين أدوات الولايات المتحدة وبعض حلفاءها. فالولايات المتحدة وحتى لبضعة أسابيع أو حتى أيام كانت تصرح ان الرئيس الأسد لن يكون ضمن أي عملية او حل سياسي مستقبلي في سوريا. ليس هذا فحسب بل قامت وقبل فترة بسيطة بالتوقيع على اتفاقية مع تركيا يتم بموجبها تدريب عناصر من المعارضة السورية (مجموعة مرتزقة جديدة تحت مسميات جديدة) في معسكرات على الأرضي التركية الى جانب معسكرات في قطر والسعودية والتي كان من المؤمل وصول تعدادها الى ما يقرب من 15000 مقاتل على مدى زمني يتراوح بين السنة والثلاثة سنوات وزجهم في الحرب الدائرة في سوريا. بمعنى ان هنالك مخطط على الأقل على المدى المتوسط أو هكذا تراءى للأدوات وبعض الحلفاء.

لا شك ان تخبط السياسة الامريكية حيال الملفات الساخنة التي تدور في المنطقة وربما على الساحة الدولية قد يعود الى وجود شرخ وتضارب وجهتي نظر بين مدرستين في المؤسسة السياسية الامريكية حول كيفية التعاطي مع مسلسل الهزائم التي منيت بها السياسة العدوانية المباشرة مؤخرا، وهو ما يستشف من خلال متابعة مركز الأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة.  تلك السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة على المستوى العسكري والاقتصادي والسياسي منذ انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفياتي عام 1990، والتي أعطت الفرصة للولايات المتحدة في حرية التصرف كشرطي دولي ومحاولة بناء الإمبراطورية والهيمنة الكونية الامريكية، التي مهد لها بالأفكار والكتابات من قبل المحافظين الجدد في واشنطن، وهو ربما مع عبر عنه الرئيس بوش الاب في خطابه الشهير في 11 سبتمبر عام 1990 التي أعلن فيه مسؤولية الولايات المتحدة في بناء "نظام عالمي جديد".  ولا شك ان البعض على الأقل الذي يمثل احدى المدارس الفكرية يرى ان الولايات المتحدة قد خسرت كثيرا في حربها في أفغانستان وكذلك في غزو العراق عام 2003 وكلا الحربين  قد أرهق الخزينة الامريكية، ودافع الضرائب الأمريكي الذي لم يعد يرى أي فائدة تجنى من الحروب الخارجية الامريكية الباهظة الثمن على المستوى المالي والبشري، الى جانب التدني الواضح في مستوى المعيشة للمواطن الأمريكي والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية التي يحصل عليها. وهذا ما اشارت اليه العديد من التقارير واستطلاعات الرأي التي أجريت في أمريكا. وربما هذا يؤكد مسعى التيار المناهض للحرب للوقوف بالضد من المدرسة الفكرية الأخرى ورجالها في الطبقة السياسية في الولايات المتحدة سواء في الكونغرس او مجلس الشيوخ او خارجهما الى جانب البعض في الإدارة الامريكية، الذين ما زالوا يكابرون ويدعون الى مزيد من التدخل والتدخل العسكري المباشر في شؤون الدول كما هو الحال في سوريا، وأوكرانيا وفنزويلا واستعراض القوة العسكرية ضد روسيا. هذا التيار ومؤيديه يرفضون الاعتراف بالتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية وما زالوا يدعون الى استخدام العصا الغليظة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، سواء داخل او خارج الشرعية الدولية ومجلس أمنها. وربما خير ما يؤكد على وجود هذين التيارين والمدرستين هو السجال القائم بالنسبة للملف النووي الإيراني، والتهديد بنقض اية اتفاقية توقعها الإدارة الحالية مع إيران بالرغم من انه إذا ما تم تسوية النقاط العالقة وتم التوقيع على اتفاقية فإنها بالحكم القانوني تعتبر اتفاقية دولية وربما هذا ما يفسر إصرار الوفد المفاوض الإيراني على أن تمرر هذه الاتفاقية في مجلس الامن حتى يتم التزام الدول الموقعة عليها دوليا.

تصريحات السيد كيري الأخيرة لم تأتي من فراغ بل هي تأتي ربما من قراءة دقيقة للوقائع على الأرض سواء عما يدور على الساحة والجبهة السورية، الى جانب التغيرات التي تشهدها المنطقة والواقع الإقليمي وكذلك الواقع والمتغيرات الدولية.

أما على الساحة السورية، ما نريد ان نؤكده في البداية على أنه من الضروري للسيد كيري وبعض حلفاء الولايات المتحدة (ولا نذكر بالأدوات هنا لأنها ستتبع ما تؤمر به) هو الاعتراف وبشكل واضح وصريح ان ما يدور في سوريا ليست حربا أهلية بل انما هي حربا ضد الارهاب بكافة انواعه وتسمياته وان اختلفت في ألوان الاعلام التي تستعرضها بين الحين والأخر او الوجوه التي تحاول تسويقها عبر شاشات التلفزيونات. وعلى ان التغيرات في أسماء أو تحالفات بعض المجموعات الإرهابية لن يغير من هوية القتلة والإرهابيين ومن طبيعة الصراع والحرب من كونها حربا ضد الارهاب بكل المقاييس والابعاد.

وهذه التصريحات تأتي على خلفية الصمود الأسطوري للدولة السورية والوطن السوري بثالوثها المقدس القيادة والجيش والشعب بتلاحم غير مسبوق من حيث الزمن والصلابة والعمق بوجه تحديات جمة على المستوى الإنساني والاقتصادي والعسكري والمحاولات المستميتة لخنق الدولة بكل مكوناتها وعلى مدى أربعة سنوات، اذا لم نكن نريد ان نستدعي حالة الحصار والطوق الخانق الذي عانى منه الوطن السوري قبل ذلك، وذلك بتجنيد عشرات الالاف من المرتزقة من كافة بقاع العالم دون استثناء غربية، واسيوية، وافريقية ومن اكثر من 80 دولة، والقيام بتدريبهم وتسليحهم وتقديم كل أنواع الدعم اللوجيستي والإعلامي والسياسي والعسكري..الخ للإبقاء عليهم. هذا الصمود هو الذي عزز محور المقاومة الذي قدم كل أنواع الدعم للشعب السوري في محاربته للإرهاب لإدراك مكوناته أن المستهدف هو الدور السوري ومحور المقاومة بكل ما يعنيه هذا المحور، من كونه كتلة تقف امام المخطط الامبريالي للمنطقة بكاملها والتي تقوده الولايات المتحدة مع ادواتها وعملائها في المنطقة. ومن هنا فقد تصرف هذا المحور وبكل مكوناته على أساس "الكل للواحد والواحد للكل" وهو ما أدى الى افشال الهجمة وعزز من الصمود. ليس هذا فحسب بل ان وقوف روسيا التي قدمت الكثير لهذا المحور أيضا وخاصة في المحافل الدولية والدعم السياسي والعسكري أدى الى تقوية هذا المحور وفاعليته على الأرض السورية. وبالتالي فان تصريحات السيد كيري تأتي بعد فشل كل المخططات والسبل التي اتبعت لإسقاط الدولة السورية واستنفاذها.

تأتي تصريحات كيري بعد ان اثبت الجيش السوري وحلفائه على الأرض انهم قادرين على التعامل مع كل الجبهات على امتداد الجغرافية السورية. فمؤخرا أحبطت محاولة بناء جدار عازل على غرار جيش لحد في منطقة الجولان على الرغم من الدعم الكامل والمطلق من قبل العدو الصهيوني. ليس هذا فحسب ولكن أيضا بعد انقلاب السحر على الساحر وتغير قواعد الاشتباك على جبهة الجولان وامتدادها الى الجنوب اللبناني أصبحت سوريا وحزب الله بحل من القيود التي فرضتها تفاهمات معينة، وأصبح الإسرائيلي يحسب ألف حساب لأي خطوة خوفا من ارتدادها عليه بشكل كارثي. وأصبحت إسرائيل تطالب بعودة قوات الأمم المتحدة على جبهة الجولان بعد أن سهلت للإرهابيين خطفهم، واحتلال مراكزهم معلنة بان ليس لديها مشكلة مع بقاء جبهة النصرة على الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة. وكذلك أسقط الجيش السوري مخطط قضم أراضي من درعا وإقامة امارة او منطقة حزام أمني على الحدود الأردنية، كما تعامل في نفس الوقت مع الشمال السوري. بمعنى ان الجيش السوري وقوات الدفاع المدني الشعبي بالإضافة الى الحلفاء المخلصين في محور المقاومة أبطلوا جميعا المراهنات على استثمار المجموعات الإرهابية على كافة الجغرافية السورية. وهذا بمجمله ما جعل عدد من الدول الاوربية تنادي بعودة العلاقات مع دمشق ومن هنا رأينا وفود من برلمانات أوروبية وشخصيات مرموقة تطرق أبواب العزة والكرامة أبواب دمشق في محاولة للبدء بتصحيح العلاقات وان كانت بشكل خجول، بينما نسمع صيحات المكابرة من خلال بعض التصريحات من هذا المسؤول أو ذاك بان أعضاء هذا الوفد او ذاك لا يمثلون الا أنفسهم وان سياسة الحكومة فرنسية كانت ام بريطانية ما زالت عند مواقفها التي لا ترى أو تقبل بان يكون الرئيس الدكتور بشار الأسد جزء من الحل السياسي في سوريا. وهذا ما أكد عليه كل من وزير الخارجية الفرنسي والبريطاني بالإضافة الى التركي وذلك تعليقا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كيري. ولكن في نهاية المطاف الكل يدرك انه فيما لو قررت الولايات المتحدة فعلا ان تفتح أبواب الحوار مع دمشق بحسب تصريح كيري سواء بشكل مباشر او غير مباشر فان هذه الأصوات سرعان ما تخبت كما تعودنا على ذلك وتعود الى بيت الطاعة البيت الأبيض.

وتأتي هذه التصريحات بعد ان عجزت الولايات المتحدة ان تلوي ذراع إيران وتمنعها من الوصول الى ان تصبح قوة إقليمية يؤخذ حسبانها في المنطقة، واعتبارها عامل مهم في حل مشاكل المنطقة وخاصة فيما يخص بمحاربة الارهاب، الذي تمدد بشكل سرطاني وأصبح يهدد ليس الدول الوطنية في المنطقة فقط، بل دولا تعتبر أدوات ودمى لتنفيذ الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، الى جانب الدول الغربية وخاصة الدول الأوروبية التي سهلت او تغاضت عن تحركات الكثيرون من مواطنيها وانضمامهم الى المجموعات الإرهابية للقتال في سوريا والعراق على الأقل كما اتضح بشكل جلي، هذا عدا عن اللذين ذهبوا ليقاتلوا مع بوكوحرام الإرهابية. ومما لا شك فيه ان الولايات المتحدة وجدت نفسها في موقف محرج للغاية من الثقل والتأثير الإيراني في مجرى الاحداث فيما يخص محاربة الارهاب على الساحة العراقية، وهي ( أي الولايات المتحدة) لا تستطيع ان تحارب هذا الدور الايراني علانية لأنها ستظهر على حقيقتها عندئذ للذين ما زالوا يؤمنون بان "التحالف الدولي" انما تشكل لمحاربة الارهاب وليس لخدمة المصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة. ومن الضروري ان ننوه هنا الى الخبث في بعض التصريحات التي صاحبت التصريح بشان التفاوض مع الرئيس الدكتور بشار الأسد. ففي معرض حديثه يقول " لحمل الأسد على التفاوض يجب ان نوضح له ان هناك عزما من قبل الجميع على السعي لهذه النتيجة السياسية وتغيير حساباته بشأن التفاوض. يجري العمل في هذا الصدد الان. واني مقتنع بأن الضغط سيزداد على الأسد بجهود حلفائنا وجهود آخرين". من هم هؤلاء الاخرين؟ طبعا المقصود بهم حلفاء الدولة السورية والمقصود هنا إيران وروسيا لان كلا الدولتين يقدمون دعما كبيرا لسوريا وعلى كافة الأصعدة. السيد كيري يريد بإدخال كلمتي "حهود الاخرين" إعطاء الانطباع بأن إيران من الممكن ان تقوم بالضغط على سوريا أو تقديم تنازلات في مواقفها فيما يخص الملف السوري، وذلك مقابل الحصول على تنازلات أمريكية في المفاوضات حول ملفها النووي. وبالتالي فان هنالك مرامي خبيثة لإدخال هاتين الكلمتين في معرض التصريحات التي أدلى بها. لقد سعت الولايات المتحدة وما زالت في إيجاد نوع من الشرخ ولو البسيط بين مكونات محور المقاومة والقوى والدول المؤيدة والداعمة لسوريا في حربها على الارهاب ولكن هذه المكونات وقفت سدا منيعا كانت وما زالت سدا عصي عن الاختراق وغير قابل للمساومة، لان الكل يدرك انه مستهدف، وان القضية أكبر بكثير من سوريا. ما زلنا نذكر محاولات ال سعود لشراء الموقف الروسي بالزيارة التي قام بها أمير الارهاب القاعدي آنذاك الأمير بندر بن سلطان الذي حاول اغراء بوتين بشراء صفقات أسلحة للسعودية من روسيا بمليارات الدولارات، الى جانب إيقاف الهجمات الإرهابية لعناصر قاعدية شيشانية وخاصة اثناء الألعاب الأولمبية في روسيا، وكذلك عدم منافسة روسيا في تصدير غازها الطبيعي الى الأسواق والدول الأوروبية. عندها سمع أمير الارهابيين "المجاهد" الأمير بندر بن سلطان كلاما قاسيا وعاد بخفي حنين. اما إيران فقد رفضت المرة تلو الأخرى المحاولات الامريكية لربط المفاوضات حول برنامجها النووي بالأزمة السورية أو بأي ملف آخر من ملفات المنطقة.

ربما هذا يجرنا الى نقطة أخرى مرتبطة بالعراق ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي هناك. من الواضح بان الحكومة العراقية والشعب العراقي بمكوناته المختلفة قد ضاق ذرعا "بالتحالف الدولي" وبعدم وجود نية حقيقية صادقة لدى الولايات المتحدة التي تقود هذا التحالف لمحاربة الارهاب الممثل بتنظيم داعش، كما بينت الاحداث على مدار الأشهر الماضية منذ بدء العمليات العسكرية في العراق. كما ضاقت ذرعا بعدم الاستجابة للطلبات المتكررة من قبل الحكومة العراقية بان تقوم الولايات المتحدة بتزويد الجيش العراقي بالأسلحة الضرورية لمحاربة الارهاب على أراضيها، وخاصة وان اثمان هذه الأسلحة كان قد سدد من قبل العراق، وكذلك لجوء الإدارة الامريكية الى عمليات المماطلة المفضوحة والتأخير في هذا المجال. كما وضاقت الحكومة العراقية والجيش العراقي والشعب العراقي بتصريحات السياسيين والعسكريين الأمريكيين، بان محاربة داعش يحتاج الى سنوات طويلة، وعلى ان تحرير الموصل سيحتاج الى ثلاثة سنوات، وعلى ان الجيش العراقي غير مؤهل لخوض المعارك وتنقصه الخبرة والتسليح، وهي التي كانت تدعي انها عملت على انشاء الجيش العراقي طيلة سنوات احتلالها للعراق، الى جانب ادعاءها بان استخدام قوات الحشد الشعبي لقتال داعش من شأنه ان يؤجج النزاعات الطائفية وهي التي بنت نظاما سياسيا في العراق بعد غزو العراق عام 2003 وغذت النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية في العراق لتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي.  اختصارا نقول ان الجيش العراقي مدعوما من قوات الحشد الشعبي ورجال العشائر الى جانب البيشمركة ولو بدرجة اقل، قد اخذت زمام المبادرة في الحرب على داعش مع دعم كامل من الخبرات العسكرية الإيرانية التي قدمت الدعم اللوجيستي والتسليحي والمستشارين العسكريين في الميدان وساحة المعارك، ولقد اثبتت كل هذه القوى مجتمعة انها قادرة على تحقيق التقدم ومقارعة الارهاب الداعشي. والدلالة على ذلك التقدم المذهل الذي حققته هذه القوى في عملية تحرير تكريت التي ما زالت مستمرة للان، والتي تم تكبيد تنظيم داعش خسائر كبيرة في هذه العملية. وبالحكم العسكري تعتبر تكريت الان مدينة محررة نظرا لإحاطتها من جميع الجهات وبحكم المساحات التي حررت منها. هذه العملية أربكت الحسابات الامريكية التي راهنت على إبقاء العراق وما يدور على الساحة العراقية أسيرة للإدارة الامريكية، التي كانت تسعى للعودة الى العراق بطرق وأساليب مختلفة. وفي محاولة لتدارك الموضوع أرسلت رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الامريكية الجنرال ديمبسي، في محاولة لفرملة اندفاع القوى العراقية لتحرير المناطق من سيطرة داعش. ولم يبخل الجنرال المخضرم في تقديم النصائح والارشادات "والصبر الاستراتيجي" وعدم التهور الخ من هذه السوالف، الى جانب التهديدات المبطنة، ولكنه عاد بخفي حنين كما كنا أوضحنا في مقال سابق. ونأمل أن تبقى الحكومة العراقية متمسكة بزمام المبادرة وان لا تستجيب للضغوطات الامريكية بوقف حملتها العسكرية ضد داعش. الولايات المتحدة تتخوف من ان تتكرر تجربة تكريت في الموصل وعندها ستفقد كل ما خططت له للعراق كما وستفقد كل اوراقها في إقامة "التحالف الدولي" لمحاربة داعش. ولذلك فهي تريد إيقاف ذلك بأي ثمن، ولا شك ان تأجيج الصراعات والخلافات الطائفية والمذهبية يأتي على رأس أولويات هذه الاجندة. ولكن الأخطر من ذلك للولايات المتحدة ومخططاتها في المنطقة سيكون استمرار الجيش العراقي وقوى الحشد الشعبي ورجال العشائر على وجه التحديد في التقدم ومقاتلة داعش التي بدأت بعض من قياداتها بترك الأراضي العراقية والدخول الى الأراضي السورية الى منطقة الرقة. ما تتخوفه على ما يبدو الإدارة الامريكية هو فعل الكماشة من قبل الجيش السوري والعراقي والاطباق على عناصر داعش من الجانب السوري والعراقي. نحن نأمل ان يتم هذا فهو الطريق الوحيد ليس فقط لمحاصرة الارهاب بل والقضاء عليه في البلدين، وهذا يعني توجيه ضربة قاضية للمخطط الامبريالي للمنطقة. وربما النجاح الذي تحقق في العراق وإمكانية محاصرة داعش من قبل الجيش العراقي والجيش السوري والقضاء عليها وخروج الولايات المتحدة من المولد بلا حمص كما يقول المثل البلدي هو ما استدعى تصريحات كيري بشأن التفاوض مع الرئيس الدكتور بشار الأسد.

ان استمرار العدوان الدولي المدعوم إقليميا من الأدوات وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية وقطر، الى جانب الجامعة العربية الرسمية وتركيا وإسرائيل بشكل واضح وفاضح، واطالة أمد الازمة والعدوان قد أدى الى نتائج ليست في المجمل لصالح معسكر الأعداء الذين ينهشون في الجسد السوري على الرغم من حجم الدمار الذي تسببه العدوان على المستويين البشري والاقتصادي. فالعدوان قد أدى التي تعزيز وتلاحم محور المقاومة بشكل غير مسبوق وصموده، وربما كانت هذه اول مرة تشارك فيه كل قواه وبشكل مادي مباشر متجسد على ارض واحدة. وهو بهذا لم يثبت فقط مدى تلاحمه استراتيجيا بل على انه سيخرج منها منتصرا وقد اكتسب كما هائلا من الخبرات الميدانية على كافة الأصعدة وهذا ما اصبح يؤرق الأعداء وعلى رأسهم الكيان الصهيوني. بالإضافة الى ذلك فقد تعزز دور إيران كقوة إقليمية لا يستهان بها بأي شكل من الاشكال، كما استطاع محور المقاومة ان يغير قواعد الاشتباك لصالحه ويثبت مواقعه على مساحة المنطقة كلاعب قوي وفاعل لا يمكن تجاوزه، على الرغم من التصريحات الفاقعة الطعم واللون والاثر من اشباه الرجال الإقليميين.

الى جانب كل ذلك فان الازمة السورية والعدوان الكوني عليها اعطى دورا إضافيا ودفعة قوية لعودة روسيا والصين كلاعبين أساسيين على الساحة الدولية، وليس أدل على ذلك المواقف في مجلس الامن الدولي واستخدام الفيتو المزدوج من قبل روسيا والصين، والوقوف بحزم امام الهيمنة الامريكية على المجلس وهذا لم يكن ليحدث لولا الاحداث في سوريا وصمود الدولة السورية أمام الارهاب العالمي. كما أن إطالة العدوان على سوريا وامتداد الارهاب وانتشاره في المنطقة كأحد تداعيات هذا العدوان وتجنيد الإرهابيين من ارجاء العالم قاطبة، أعطى فرصة لدخول روسيا الاتحادية الى المنطقة وإقامة علاقات متينة مع بعض دول المنطقة بعد غياب الاتحاد السوفياتي لأكثر من عقدين من الزمن. وعلى الرغم ان هذه العلاقات لم ترتقي الى مستوى العلاقات الاستراتيجية الا انها قد عملت على كسر الاحتكار الأمريكي في المنطقة وهذا ما يقرأه جيدا بعض عتاولة ومخضرمي المفكرين والمحللين الأمريكيين الذي بنيت السياسة الخارجية الامريكية على أفكارهم أمثال هنري كيسنجر الذي كتب عن خطورة اتباع سياسة تصادمية مع روسيا من قبل الإدارة الامريكية بالنسبة لأوكرانيا أو محاولة فرض اجندات داخلية على روسيا لأنها ستؤدي الى كارثة. وهذا ما حذر منه مؤخرا أيضا الرئيس السوفياتي السابق غورباتشوف الذي قاد عملية إعادة البناء المعروفة بالبريسترويكا والتي أدت الى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية عام 1991. وقد ذهب غورباتشوف الى حد القول بأن عملية المجابهة قد تؤدي في نهاية المطاف الى مجابهة نووية مدمرة (National Post 30 Jan 2015). ولا شك ان البعض في الطبقة السياسية الامريكية ومراكز القرار يأخذون هذا بعين الاعتبار. نعم ان سوريا ليست أوكرانيا التي لها حدود مشتركة ومباشرة مع روسيا كما ان لها امتدادات تاريخية كنا قد أشرنا لها في احدى المقالات السابقة، الا ان سوريا لها مركز هام جدا بالنسبة لروسيا من الناحية الجيوسياسية بالإضافة الى أنها تشكل حلقة هامة في التحدي التي تقوده روسيا على الساحة الدولية لتطبيق الشرعية الدولية فيما يخص بحل النزاعات الدولية والالتزام بالمعايير الدولية وعدم القفز عليها كما فعلت الولايات المتحدة وحلف الناتو في ليبيا.

في النهاية نود ان نؤكد على ان سوريا وعلى الرغم من تكالب قوى عظمى وأدوات وعملاء مرموقين وضالعين في عمالتهم للولايات المتحدة قد استطاعت الصمود امام عدوان كوني بحكمة القيادة وتلاحم الجيش والشعب السوري الى جانب الدعم الغير مشروط والمبدئي والدائم لحلفائها المخلصين المدافعين عن الحق. كما استطاعت ان تفرض معادلات محلية وإقليمية ودولية، وبالتالي فان تصريحات السيد كيري او غيره بضرورة التفاوض مع الحكومة السورية والرئيس الدكتور بشار الأسد تحديدا وعدم وضع شرط رحيل الرئيس الأسد كشرط للتسوية السياسية، لم تأتي من فراغ ولا هي منة أو مكرمة من السيد كيري أو غيره، بل انما هي نابعة من قراءة واقع فرضته تغيرات محلية وإقليمية ودولية لم تعد في صالح المعسكر المعادي الذي بدأ يلملم أوراقه حتى يحقق ولو بعض المكاسب البسيطة في المنطقة. ولكن حتى هذه الدعوات إذا لم ترقى الى محاربة الارهاب وقطع دابره ووقف تجنيد المرتزقة وتقديم كافة اشكال الدعم لهم، وتجفيف منابع تمويله، وبشكل واضح لا لبس فيه، والاقرار بان مستقبل سوريا يحدده الشعب السوري دون تدخل خارجي وبالتالي الكف عن السياسة العدوانية تجاه سوريا وشعبها وقيادتها، تبقى هذه التصريحات في إطار الدعوات الفارغة والفاقعة التي لا معنى لها. فهل ستترجم الاقوال الى أفعال؟ هذا ما ستكشفه الفترة القادمة.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

17.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

17.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org