<%@ Language=JavaScript %>  الدكتور بهيج سكاكيني ديمبسي ....والرجوع بخفي حنين

 

 

ديمبسي ....والرجوع بخفي حنين

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

الزيارة المفاجئة لرئيس هيئة الأركان للقوات الامريكية الجنرال ديمبسي لبغداد أتت في فترة زمنية هامة جدا ولا نبالغ اذا ما قلنا أنها مفصلية في الحملات التي يشنها الجيش العراقي مدعوما بقوات الحشد الشعبي ورجال العشائر الذين باتوا يعملون ككتلة متآلفة لتحرير المناطق والمدن التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي الذي عاث فسادا وقتلا وذبحا وتدميرا للبشر والحجر ومعالم الإرث الحضاري والإنساني والثقافي التي تمتد الى الالاف السنين. وأتت زيارته في الفترة التي وربما لأول مرة تأخذ هذه القوى مجتمعة زمام المبادرة الميدانية في القتال دون الاعتماد او التنسيق مع ما يسمى ب"التحالف الدولي" لمحاربة داعش، والذي ما هو الا أداة من الأدوات التي تمت لملمتها على عجل وبشكل انتقائي واقصائي من قبل الولايات المتحدة بغرض ادامة الصراع في المنطقة ومزيد من استنزاف قدراتها العسكرية والمادية والبشرية والاقتصادية. ولقد وصلت القيادة السياسية والعسكرية وكذلك القيادات الشعبية والعشائرية بكافة مكوناتها الاجتماعية والسياسية والمذهبية (على الرغم من كراهيتنا لاستخدام هذا المصطلح) الى قناعة تامة ومن خلال الدلائل المادية على الارض بان هذا "التحالف الدولي" لم ولن يقوم باجتثاث الإرهاب لأنه لم ولن يكن يوما يسعى الى ذلك، انما كان هدفه هو تحجيم التنظيم الإرهابي والسماح له بالسيطرة على بؤر معينة ضمن إطار وبما يخدم المصالح الغربية في المنطقة وعلى رأسها المصالح الامريكية. الى جانب التوصل الى الادراك الكامل بأن التنظيم الإرهابي لم ولن يوفر أحدا من المكونات والفسيفساء الاجتماعية للشعب العراقي فالسنة والشيعة والمسيحين والايزيدين ..الخ والجميع مستهدف ان لم يكن اليوم فغدا.

على هذه الخلفية أتت زيارة الجنرال ديمبسي وكان ان سبقت زيارته بعض التصريحات من منسق التحالف الدولي ومبعوث الرئيس أوباما الدولي ضد داعش الجنرال الأمريكي السابق جون آلين، وذلك في ندوة قام بتنظيمها معهد مجلس الأطلسي للأبحاث في واشنطن والتي اكد فيها على انه " ينبغي ان نكون حذرين جدا وان نتجنب وضع أي جدول زمني ( لتحرير الموصل) بل علينا فقط ان نكون على استعداد عندما تحين الفرصة" وكان ان سبق هذا الحديث تصريحات على ان تحرير الموصل سيبدأ في ابريل أو مايو المقبل. ولقد جاء التصريح بهذا الزمن دون استشارة او علم للقيادة السياسية او العسكرية للجيش العراقي، وهذه وقاحة وصلافة منقطعة النظير وان دلت على شيء فإنما تدل على ان الولايات المتحدة تعتبر نفسها الامر الناهي بالشأن العراقي وأنها هي المرجعية الوحيدة. ولا شك ان هذا التصرف الارعن اثار ردود فعل كبيرة على الساحة العراقية حتى من الأطراف التي تساوقت في السابق أو ما زالت من الممكن ان تتساوق معها الان. والى جانب ذلك فقد صرح الجنرال آلين بمزيد من المواعظ حيث قال بأن " استعادة المدن سيتطلب اكثر من الجهد العسكري، فبعد طرد مسلحي التنظيم سيكون على الحكومة العراقية ان ترسل قوات شرطة وفرق طبية وان توفر الماء والغذاء للسكان"، وكأن الحكومة العراقية أو اية حكومة تريد من الأمريكي ان ينبهها بما يجب ان تقوم به بعد التحرير، وكأن القائمين عليها لا يفقهون وبحاجة الى دورة في المعاهد الامريكية ليدركوا ذلك. هذه الرعونة والصلف والتعالي على الغير هي السمة المميزة للطبقة السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة والذي يعتبرها الرئيس أوباما "الاستثنائية الامريكية" أما بوش من قبله فكان يعتبر انه صاحب "مهمة الهية" لتغيير الكون. والغرض الرئيسي من تصريحات الجنرال كان ارسال الرسالة الى الحكومة العراقية والجيش العراقي بأن لا تقدم على البدء بعملية التحرير للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش والاهم أيضا انها رسالة مبطنة للحكومة بان لا تتعامل مع إيران ولا أن تتقبل الدعم الإيراني في هذا الخصوص بالتحديد، وعلى انها فيما أقدمت على ذلك فإنها ستترك لوحدها في الميدان دون الحصول على الدعم من الولايات المتحدة او مما يسمى "بالتحالف الدولي".

لم تستجب السلطات العراقية لهذه الرسائل المبطنة او تلك التي وصلتها بشكل مباشر اما عن طريق الوسطاء "والمحبين للشعب العراقي" وما اكثرهم، أو بالشكل المباشر في الاروقة المغلقة. ومن هنا جاءت زيارة رأس الهرم العسكري الأمريكي بنفسه لإبلاغ الرسالة والتهديد رسميا وليس عبر القنوات الأخرى. وكان من الطبيعي أن تستخدم ورقة الطائفية والمذهبية ضمن هذا الإطار ومن هنا جاءت تصريحات ديمبسي حول "التحالف الدولي" محذرا "بتفكك هذا "التحالف" اذا ما فشلت الحكومة العراقية في رأب الصدع والانقسامات الطائفية في العراق". وعلى ان القيادة السياسية العراقية يجب ان توفي بالوعود التي قطعتها على نفسها بمد اليد الى المكون السني في العراق، كما انه أبدى قلق الولايات المتحدة وكذلك حلفاءها في المنطقة من التقارب العراقي-الإيراني. ولمزيد من اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي فقد صرح ديمبسي في المنامة ان التضامن في التحاف ضد "الدولة الإسلامية" والذي يتضمن دول عربية سنية يمكن ان يتعرض للتفكك في المدى الزمني القادم، مشيرا الى قلقه بأنه " سيكون من الصعوبة بمكان ان يبقى على التحالف لمجابهة التحديات القادمة والتي تتعدى المنطقة الا فيما أقدمت الحكومة العراقية على تكوين حكومة وحدة وطنية التي هم ملتزمون بتكوينها". وعلى ان الهدف الملح لكل من واشنطن وقوى التحالف هو ضمان ان السلطات العراقية ذات الأغلبية الشيعية ستحافظ على حقوق المكونات السنية والكردية العراقية. ولم يسلم الجيش العراقي من التعليقات فقد أشار ديمبسي الى انه " عسكريا، فانني قلت بوضوح (للحكومة العراقية) بان هنالك قيادات عسكرية يجب تغييرها واستبدالها" وليس مستبعدا ان يمون قد طرح أسماء بعينها بها الخصوص. واستطرد " بانه ما زال هناك نقص في التجنيد، وعلى انه في الكثير من الحالات فان الكثير من المجندين لا تدفع رواتبهم في الوقت المحدد .." وكأنه قطع كل هذه المسافة ليقول هاتين الكلمتين ويتعاطف مع المجندين الجدد، متناسيا أن الولايات المتحدة هي من حلت المؤسسة العسكرية وسرحت كل الجيش العراقي بضباطه وجنوده بعد الغزو مباشرة عام 2003 ولم تدفع أي راتب لهؤلاء.

ولم يخفي الجنرال ديمبسي امتعاضه من حجم الدعم الذي قدمته وتقدمه ايران للجيش العراقي وقوى الحشد الشعبي في معركة تكريت وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الدفاع العراقي. وكان الرد من قبل وزير الدفاع العراقي على ما يبدو قاسيا لاذن الجنرال ديمبسي حيث قال " اننا في حالة حرب ونحن ننظر الى الأصدقاء لمساعدتنا في هذه المجابهة" ولقد أشار صراحة الى الدعم الكبير الذي تقدمه ايران للعراق في معركتها مع الإرهاب على أراضيها.

ختاما نقول ان الجنرال ديمبسي أتى لوضع الضغط على الحكومة العراقية وفرملة الهجوم على تكريت مستخدما أوراقا اعتقد أنها قوية ولكنه بالتأكيد صفع ولم تؤخذ تهديداته المباشرة او تلميحاته الغير مباشرة محمل الجد، كما دللت عليها التصريحات  التي أتت من وزير الداخلية العراقي فيما يخص تكريت أو العمل على تحرير الموصل على ايدي عراقية بالتوقيت الزمني العراقي وعدم طلب رسمي للدعم من قبل الولايات المتحدة التي أخذت قرارا أساسا بعدم تقديم الدعم على امل ان تفشل مجهودات الجيش العراقي في استعادة تكريت او غيرها من المناطق كما فشلت سابقا في عدة محاولات. ولكن التقديرات الامريكية باءت بالفشل وها هي القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي وقوات العشائر تتقدم وتحرر تكريت ولقد دخلت الى مركز المدينة في خلال الساعات الأخيرة ومن المؤكد انه سيتم تحريرها بالكامل في غضون الساعات القليلة القادمة.

ولا شك ان الجنرال ديمبسي قد رجع بخفي حنين. ولكن يجدر الانتباه الى احتمال تحريك النزاعات الطائفية البغيضة من قبل البعض في المراحل القادمة فتصريحات ديمبسي قد تنذر على اقدام الولايات المتحدة عبر ادواتها في المنطقة وداخل العراق بالتحديد لإثارة النعرات لإفساد فرحة الشعب العراقي بتحرير تكريت والعمل على تحرير بقية المناطق للتحضير لعملية تحرير الموصل.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

12.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

12.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org