<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني قراءة في الاحداث المتسارعة على الساحة العراقية

 

 

قراءة في الاحداث المتسارعة على الساحة العراقية

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

تسارعت الاحداث والوقائع الميدانية على الساحة العراقية بالنسبة لمحاربة داعش من قبل الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي بالإضافة الى رجال العشائر الذي كان البعض منهم ولفترات يرفض الانضمام الى محاربة هذا التنظيم الإرهابي بتنسيق مع الحكومة والجيش العراقي تحت ذرائع قد تكون بعضها محقة ولكن في معظمها لا يمكن تقبلها، وخاصة وان البلد بأكمله يتعرض الى عملية تدمير ممنهجة ومبرمجة لا تطال الانسان العراقي ونسيجه الاجتماعي فقط، بل أصبحت تطال الهوية والارث الحضاري والإنساني والامتداد التاريخي لحضارات يمتد عمقها الى اكثر من 2000 سنة على الأرض العراقية واصبح الهدف هو محاولة الغاء هذا الارث من الوجود وذلك بتدمير الدلائل المادية والمحسوسة والملموسة على تواجده، خدمة لأغراض واهداف ورؤى أبعد بكثير من نزعاتهم الحيوانية وعداءهم الدفين لكل ما هو انساني وحضاري. فالذين اوجدوهم ومولهم، مقدمين كل وسائل الدعم للإبقاء عليهم ما زالوا يتطلعون ويحلمون الى تفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية متصارعة فيما بينها، ومحو كل أثر حضاري في المنطقة ما أمكنهم ذلك، باستخدام أدوات مثل داعش والنصرة وغيرهم من المجموعات الإرهابية التكفيرية التي يسعون لتبديل أسمائهم الان للعمل تحت يافطة جديدة تخدم نفس الأغراض والاهداف.

من هنا نرى ان الاحداث الأخيرة والتقدم السريع الذي أحرز في الساحة العراقية بالإضافة الى الساحة السورية والاحداث التي تسارعت في اليمن قد أربك محور الأعداء وزاد من تعقيد وصعوبة تمرير مخططاتهم في المنطقة. وما الحراك الذي تشهده المنطقة من أحداث  كان الحجيج الى الرياض من قبل بعض رؤساء الدول، وتوقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة وتركيا لتدريب اعداد كبيرة من المرتزقة والارهابيين وزجهم للقتال في الساحة السورية، وكذلك الدعوات التي تنادي بها الأطراف الممولة للمجموعة الإرهابية النصرة وتوجيه اوامرها للتنظيم بالابتعاد عن تنظيم القاعدة لاعتمادها كفصيل "معتدل" من قبل "المجتمع الدولي"  ربما من أبرزها، والتي بمجملها تهدف الى إعادة التموضع وبناء تحالفات، ومحاولة لملمة الأمور بسرعة للتعامل مع الأوضاع الجديدة التي فرضها محور المقاومة الذي تمكن من الامسك بزمام الأمور على الأقل في سوريا والعراق واليمن وتغيير الأوضاع الميدانية لغير صالح محور الأعداء.

ولا بد لنا من التوقف قليلا عند الساحة العراقية والاشارة الى بعض النقاط هنا نظرا لأهمية ودلالة الاحداث الأخيرة والتي تبشر بقرب تحرير تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين على ايدي الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ورجال العشائر بدون غطاء جوي أو اية مساعدة من قبل ما يسمى بقوات "التحالف الدولي" الذي ما هو الا دمية في أيدي الولايات المتحدة، اقامته لخدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

أولا: ان تحرير واندحار تنظيم داعش من هذه المدينة سيكون له تأثير معنوي كبير جدا على كلا الطرفين. فإندحار داعش سيكون له تأثر معنوي سلبي للغاية على نفوس المرتزقة الإرهابيين من الناحية القتالية على الأقل. ولقد رأينا كيف ان التنظيم بدأ يصفي جسديا ويعدم العديد من عناصره الذين باتوا يفرون من أمام زحف الجيش العراقي بمؤازرة كبيرة وواضحة من قوات الحشد الشعبي ورجال القبائل. بالإضافة الى ذلك الشعور بالهزيمة والخيبة الذي يستدل عليه بالاعتماد المكثف للتنظيم في الفترة الأخيرة على السيارات المفخخة والانتحاريين كمحاولة يائسة في منع التقدم الذي تحرزه القوات العراقية المتقدمة. ومظهر آخر مهم ضمن هذا السياق الذي يجدر الانتباه اليه هو الاخبار التي تواردت عن سفر بعض القيادلت وعائلاتهم الى الرقة في سوريا. وبالإضافة الى ذلك فان التنظيم يعمد الان الى تفخيخ المباني في المدينة. ومؤخرا بدأ عناصر داعش بتدمير متاحف وقرى تاريخية بكل ما تحتويه من كنوز وارث تاريخي انساني حضاري يعود الى الاف السنين. جميع هذه المؤشرات تستدعي الوقوف عندها لأنها تدل على انكفاء واضح في العمليات القتالية للتنظيم وبدء انهيار بنيته القتالية التي طالما ما ضخمتها وسائل الاعلام الغربية والدوائر الرسمية في الولايات المتحدة خاصة. وهذا يقودنا الى النقطة الثانية التي اريد أن أوردها هنا.

ثانيا: التقديرات الأولية الامريكية كانت تصب في ان القضاء على تنظيم داعش سيتطلب عشرة سنوات أو حتى ثلاثون سنة بحسب تقديرات وزير دفاع امريكي سابق. والبعض ذهب للقول بانها حرب مفتوحة لا جدول زمني لها، اما بالنسبة لتحرير الموصل التي دخلتها جحافل المغول الإرهابيين الجدد فقد قدرت مصادر عسكرية أمريكية أن ذلك سيأخذ ثلاثة سنوات، وعلى ان الجيش العراقي يجب بناءه وتدريبه تسليحه قبل التفكير في المعركة. ودخلت الفترة الزمنية اللازمة للقضاء على تنظيم داعش في حلبة المزاد العلني. وطبعا الأسباب من وراء ذلك كان وما زال استخدام هذه الأداة كجيش مرتزق ضمن الاستراتيجية الكونية للإمبريالية الامريكية الى أكبر فترة زمنية ممكنة وارضاء لتحالف المؤسسات المالية الضخمة والمجمع الصناعي العسكري لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من الابقاء على حالة عدم الاستقرار أو خلقها في بؤر هنا وهناك. لم يكن ولن يكون الهدف المنشود للولايات المتحدة القضاء على داعش، وانما احتواءها في المناطق التي تريدها الإدارة الامريكية لتحقيق مآرب معينة. وهذا ما أجمع عليه العديد من المراقبين الذين يتوخون الحقيقة دون مواربة. فالطيران الأمريكي تدخل في العراق عندما اقتربت جحافل المغول من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، بينما تركت مدينة عين  العرب السورية ذات الأغلبية الكردية لتجابه مصيرها. وفي اوج الهجوم الداعشي على المدينة ومحاصرتها والتنكيل بسكانها، خرج علينا وزير الخارجية الامريكية جون كيري ليبلغنا ان عين العرب لا تشكل أهمية للاستراتيجية الامريكية في حربها على داعش. ولم يتدخل الطيران الأمريكي الا بعد ان كادت المدينة ان تسقط بأيدي الدواعش، وبعد ان تمكنت الولايات المتحدة في تقديري من عقد صفقة بشروطها مع الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا في تلك المنطقة مستغلة الوضع المأساوي التي عايشها السكان المحاصرين. نعم، أبعد مسلحي داعش عن المدينة ولكن خلاص المدينة كان بتدميرها وتحويل معظم ابنيتها الى ركام.

الولايات المتحدة حاولت بكافة السبل تأخير الجيش العراقي والشعب العراقي من مقاتلة الدواعش وبعدة أساليب وخاصة باللعب على الوتر المذهبي والطائفي، وهي التي خلقت نظاما طائفيا قائم على المحاصصة بدلا من المواطنة بعد احتلال العراق عام 2003. ولا شك ان هناك أطرافا عراقية ساعدت وسهلت السياسة الامريكية، لا بل وان بعضها شكل حاضنة للمجموعات الإرهابية. الولايات المتحدة لم تقم بتسليح الجيش العراقي بما يلزمه من سلاح يستطيع استخدامه على الأقل لمنع التمدد السرطاني للدواعش، وذلك لأنها لم تكن جادة أصلا في محاربة الارهاب بالإضافة الى انها ارادت ان تبقي العراق رهينة لتحقيق أطماعها في المنطقة. ومؤخرا كان هنالك تصريح من احدى قيادات الحشد الشعبي مفاده ان الولايات المتحدة كانت ضد قيام الجيش العراقي بأخذ زمام المبادرة وبدء الهجوم على داعش بهدف تحرير تكريت عاصمة صلاح الدين وغيرها من المناطق وصولا الى تحرير الموصل. ومن هنا نرى ان الإنجازات التي حققها الجيش العراقي مدعوما بالحشد الشعبي ورجال العشائر كشف عورة السياسة الامريكية وحلفاءها وادواتها في المنطقة واهدافهم الحقيقية والدفينة من التلكؤ والتباطء في تسليح الجيش العراقي التي اضطر لعقد صفقات أسلحة مع روسيا التي أمدت العراق بالطائرات والصواريخ والذخائر اللازمة. كما بينت زيف الادعاءات من ضعف الجيش العراقي وعدم توفر الإمكانيات لديه من القيام بمحاربة الارهاب على الأرض العراقية، حيث انه يتضح الان أن وجود القرار السياسي الذي اتخذ بالبدء بتحرير المناطق من الدواعش، الى جانب المساندة والدعم الإيراني الكبير للجانب العراقي الذي لم يعد يخفى على أحد والذي اعترف به السيد مسعود البرزاني الى جانب وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي بشكل علني، بدأ يؤتى بثماره. ويجب ان نؤكد ان كل ما حققه الجيش العراقي في الآونة الأخيرة تحقق دون أي دعم من "التحالف الدولي" ليس لان الحكومة العراقية قد رفضت أي دعم بل لان الولايات المتحدة لم تقدم أي دعم عن تعمد وسبق إصرار وأبقت طائراتها في مرابضها في الكويت لأنها لم تكن تريد أن يتولى العراقيون أمرهم بأنفسهم. وقد وصلت الوقاحة في الجانب الأمريكي بالتصريح ان معركة الموصل قد تبدأ في نيسان أو أيار المقبل، وربما هذا التصريح كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير على قول المثل العربي. وقد اثار هذا ردا غاضبا من جانب وزير الدفاع العراقي الذي قال ان معركة تحرير الموصل ستكون بأيدي عراقية فقط والعراقيون هم وحدهم من سيحدد متى ستبدأ هذه المعركة. والذي يبدو ان وصول رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي مؤخرا الى بغداد ربما يحمل في طياته الضغط على القيادات السياسية والعسكرية في بغداد لإيقاف الهجوم العسكري للجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ورجال العشائر أو على الأقل وضع عراقيل امام هذه الإنجازات المتسارعة. الولايات المتحدة لا تريد أن تخرج مرة أخرى من المولد بلا حمص كما يقولون وتريد ان تعطي لنفسها دورا في العملية ولو زورا.

ثالثا: لعب الدور الايراني بما قدمته وتقدمه إيران للعراق من أسلحة ودعم لوجيستي واستخباري وارسال الخبراء والمستشارين العسكريين بالإضافة الى عناصر تقاتل في الميدان جنبا الى جنب مع الجيش العراقي، دورا أساسيا ومفصليا في التقدم الذي أحرزه الجيش العراقي وعلى العديد من الجبهات. وكان لظهور الجنرال قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس بالحرس الثوري الايراني في محافظة صلاح الدين رسالة واضحة من ان إيران لها يد في قتال داعش في العراق. ولقد بات التأثير الإيراني على مجمل العمليات العسكرية ضد التنظيم الإرهابي في العراق يشكل مصدر قلق وارتباك للإدارة الامريكية، لأنه أولا يكشف الدور الأمريكي المساند للإرهاب أو على أفضل الأحوال بعدم جدية "التحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الارهاب في العراق الى جانب عدم كفاءته ونجاعته. وهو ربما ما حدا بالولايات المتحدة بإرسال ما يقرب من 4000 جندي أمريكي الى الكويت للدخول الى الأرضي العراقية "لقتال داعش" عندما يحين الوقت الذي تره الإدارة الامريكية ودوائر استخباراتها مناسبا في محاولة لقطف ثمار النجاحات التي تتحقق على الأرض ضد تنظيم داعش. وهذا يذكرنا بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية ضد النازية في نهاية المعارك لقطف ثمرة انتصار الحلفاء وفرض أجندتها خدمة لمصالحها تلك المصالح التي كبلت الدول الأوروبية وسلبت قرارها السياسي والتي ما زالت أوروبا تخضع لتأثيره حتى يومنا هذا.

رابعا: ان بدء الانهيار الذي تشهده داعش بحسب المعطيات الميدانية لم يكن ليكون لولا خسارتها الحاضنة الشعبية في العديد من المناطق. وظاهر هذه الخسارة تتمثل في المظاهرات الشعبية في بعض المناطق التي تطالب التنظيم بترك هذه المناطق، الى جانب انضمام العديد من العشائر في الحرب على التنظيم مؤخرا وتواجد ما يقرب من 1500 مقاتل الى جانب الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في الهجوم لاستعادة تكريت لهو دلالة على ذلك. هذا بالإضافة الى محارة التنظيم من العشائر في منطقة الانبار والتي شكلت ولفترة ليست بالبعيدة حاضنة رئيسية لهذا التنظيم الإرهابي الذي استغل بعض السياسات الخاطئة للحكومة العراقية في التعامل مع بعض المناطق العراقية. ولا شك ان السياسة وايدولوجية التوحش والقتل وذبح مئات من رجال العشائر لمجرد عدم رضاهم عما يقوم به التنظيم او لعدم مبايعة "الخليفة" والتي اتخذ منه التنظيم سببا كافيا للقضاء على عشائر بأكملها في العراق وسوريا قد أثار غضب عارم في أوساط العشائر العربية المعروفة تاريخيا بالدفاع عن الأرض والوطن. كما ان التعرض للأقليات وتشريدهم وذبح بعضهم والتعدي على دور العبادة والارث الحضاري جعل الكثيرون يشعرون بان الوطن بكل مكوناته مستهدف ومما لا شك فيه او على الأقل هذا أملنا ان تكون هذه الحرب حرب الشعب العراقي ضد الهمجية والبرابرة الجدد وتوحد النسيج الاجتماعي للدولة العراقية في الحرب على داعش ستشكل بادرة خير للتلاحم بين جميع مكونات المجتمع العراقي.

خامسا: ما يدور في العراق لا يمكن فصله عما يدور في المنطقة بمجملها وعن المخطط الجهنمي الهادف لإعادة تقسيم المنطقة بالمقاسات الامريكية، وكل ذلك لنهب ثروات المنطقة وتأبيد عبودية الكيانات وأشباه الدول المراد تشكيلها وتحقيق الامن للكيان الغاصب. ولذلك من الضروري ان تتضافر كل الجهود لإسقاط هكذا مخطط. الرجعيات العربية وبأمر من أسيادها ومن خلال مركز ادارتها المسماة جامعة الدول العربية وامينها العام السيد نبيل العربي تريد تكوين جيش عربي "موحد" والسؤال ما هي ماهية هذا الجيش العربي الموحد الذي لم تفلح الحكومات العربية بتكوينه لمحاربة العدو الصهيوني لاسترجاع الأراضي العربية المحتلة. الجيش العربي المزمع تشكيله ستكون وظيفته التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية التي ترفض ان تكون مطية للسيد في البيت الأبيض وان تكون أداة لتنفيذ الاستراتيجية الامبريالية في منطقة.

والسؤال الذي نود ان نختم به هنا هو إذا ما كانت كل الرجعيات العربية تتكالب على الدول الوطنية لإضعافها وتبدي الاستعداد الكامل للتساوق مع الأجنبي والتحالف معه لإلحاق مزيد من الضرر بها، اليس من الأجدر على الدول العربية التي تحارب الارهاب على أراضيها ان تعمل في إطار وحدوي لدرء الاخطار عنها؟

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

10.03.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

10.03.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org