<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني تدحرج الكرة والساحة الليبية

 

 

تدحرج الكرة والساحة الليبية

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

لا بد لنا من التوقف قليلا عند الجريمة البشعة النكراء التي ارتكبتها قوى ظلامية وهابية تكفيرية والتي قامت بارتكاب المجزرة التي ذهب ضحيتها 21 عاملا مصريا في ليبيا، كانوا ان قدموا الى هذا البلد المضياف بحثا عن لقمة عيش لم تستطع بلدهم مصر ام الدنيا التي نهبت خيراتها على مدى أكثر من ثلاثون عاما في عهدي السادات ومبارك ان توفرها لهم. هذه الجريمة التي تعجز الكلمات عن وصفها لما فيها من قسوة وشناعة والتي لا يستطيع ان يرتكبها سوى المخلوق الذي تخلى عن أي انتماء للجنس البشري والحضاري وأسقط صفة الإنسانية ونزعتها عن نفسه قبل ان يسقطها عن ضحيته.

نعم ان تنظيم داعش والقاعدة هي تنظيمات إرهابية تكفيرية ارتكبت وما زالت ترتكب أبشع وأشنع الجرائم بحق الإنسانية في العراق وسوريا وها هي قد وصلت وتمددت كالسرطان الى المغرب العربي وخاصة في ليبيا. ولا بد لنا ان نتساءل من الذي يتحمل مسؤولية ما حدث ومن هو او هي الجهات المسؤولة عن هذه الفظائع حتى لا نضيع البوصلة كما يقولون، فدماء هؤلاء الغلابا والمساكين يجب ان لا تذهب هدرا، وخاصة وأن العديد ممن أطلقوا التصريحات النارية والادانات على شاشات التلفزيونات أو قاموا بالتنديد بالبيانات المنمقة، هم من ساهموا بشكل أساسي ورئيسي في خلق البيئة الفكرية والسياسية وحالة الفوضى "الخلاقة" التي مهدت لارتكاب هذه المجزرة التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، وان كانت ربما أشدها قسوة وشناعة في الساحة الليبية.

البعض ينادي بتدخل دولي اممي تحت البند السابع في ليبيا ويحث الدول الغربية بالإسراع لأخذ مثل هكذا قرار لمحاربة الارهاب في ليبيا الذي بات يهدد بشكل رئيسي دول المغرب العربي والدولة المصرية. لا شك ان الظهور الرسمي داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية كما يحلوا للبعض ان يطلق عليها في ليبيا الذي أعلن عنه رسميا في أكتوبر 2014 وتناميها بانضمام بعض المجموعات الإسلامية المتشددة المنتمية الى القاعدة والتي أعلنت الولاء "للخليفة" البغدادي، جاء على خلفية الفراغ السياسي وانعدام الاستقرار الأمني الذي تشهده ليبيا وظهور العديد من المليشيات المسلحة التي تتصارع فيما بينها على مناطق النفوذ والسلطة، ووضع تم فيه تمزيق النسيج الاجتماعي الليبي وانحلال الجيش الليبي، ووجود حكومتين وبرلمانيين في ليبيا بالاسم فقط، فالحكومة المنتخبة والحكومة المنتهية ولايتها غير قادرين للسيطرة على الأرض ولا في التأثير على مجريات الاحداث على الأرض. فلم يعد هنالك كيان جغرافي يمكن ان يطلق عليه دولة.

هذا الوضع المأساوي لليبيا التي لم تعد دولة قائمة ذات سيادة، اوجده التدخل العسكري والاعتداء المباشر عام 2011 الذي قادته الولايات المتحدة لقوات من دول حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي (أو اغلبيته) والذي باركته "جامعة الدول العربية"، التي ذهب بعض دولها الى مجلس الامن ليحث "المجتمع الدولي" للتدخل في ليبيا "لإنقاذ الشعب الليبي" من نظام معمر القذافي الذي "يقتل شعبه". وعندها، كما كان الحال في العراق عام 2003 سيقت كل الأكاذيب حول ضرورة حماية المدنيين من السلطات الليبية وشيطن معمر القذافي كما شيطن الرئيس صدام حسين وكما شيطن الرئيس الدكتور بشار الأسد. وقيل عندها أن سقوط النظام والتخلص من معمر القذافي سيفتح الطريق لبناء الدولة الليبية الحديثة دولة المؤسسات والديمقراطية وحقوق الانسان..الخ من هذه السوالف والفقاقيع الفارغة التي اريد منها كسب الرأي العام العالمي للتدخل لتدمير ليبيا تحت يافطة "حماية المدنيين". دمرت ليبيا في قصف جوي مركز ومبرمج كما دمرت البنى التحتية للدولة وقتل عشرات الالاف من المدنيين الليبيين، وتم تسليح وتدريب ميليشيات من "مقاتلي الحرية" الذين تحولوا بعد سقوط النظام الليبي الى امراء حرب رافضين تسليم أسلحتهم "للدولة الليبية" التي حكمت في البداية من قبل "المجلس الانتقالي" الذي تم اختيار افراده في مطابخ دوائر الاستخبارات الغربية وخاصة الامريكية والتي كانت تدير الأمور على الأرض. انتهت الحملة والعدوان العسكري الغربي ممثلا بحلف الناتو الذي ضم اليه ولأول مرة قوات عربية، انتهى العدوان بعد ان حقق الهدف المبتغى الا وهو اسقاط النظام الليبي وتدمير الجيش الليبي وتفتيت الجغرافيا الليبية الى كانتونات متحاربة ومتصارعة، وتركت ليبيا والشعب الليبي ليجابه المستقبل المظلم. وتحولت ليبيا الى جانب كل ذلك الى مصنع لتفريخ الارهاب والإرهابيين وبيع الأسلحة وارسالها مع القتلة الى سوريا بأعداد رهيبة، وانتعشت المجموعات الإرهابية العاملة في الجنوب الليبي والدول الافريقية المتاخمة للحدود الليبية وخاصة في مالي والنيجر وتشاد، وذاع صيت التنظيم الإرهابي بوكوحرام، وقامت فرنسا بإرسال قوات لمحاربة المجموعات الإرهابية في الدول الافريقية المتاخمة للحدود الليبية وذلك دفاعا على مصالحها الاقتصادية في تلك البلدان.

واليوم أكثر من أي وقت مضى أصبحت ليبيا البؤرة والبوتقة للعديد من المجموعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وتنظيم داعش. وهذه البؤرة مرشحة بالتمدد والازدياد يوما بعد يوم وخاصة مع الضربات التي تتلقاها داعش والتنظيمات القاعدية كجبهة النصرة والمجموعات المتطرفة الأخرى في كل من سوريا والعراق، والتي بدأ البعض منها يهاجر الى الساحة الليبية التي من المرشح ان تصبح البؤرة المستجدة لها في حالة تقهقرها من سوريا والعراق. والذي يبدو واضحا الان أن التركيز سيكون على مصر والجيش المصري، فالمخطط الإقليمي الكبير الذي ما زال يتدحرج يشمل تدمير الجيوش العربية وقدراتها وامكانياتها في معارك مستديمة مع الارهاب، الذي بات من الواضح انه يستخدم كأداة في هذا المضمار من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعيات العربية وتركيا أردوغان. ولا شك ان استفحال وتجذر داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى المنتمية الى القاعدة تحت المسميات المختلفة في ليبيا سيؤدي الى زعزعة استقرار المغرب العربي بأكمله بالإضافة الى الدولة المصرية الي تشعر انها مهددة بتواجد البؤر الإرهابية في سيناء بالإضافة الى حدودها الغربية الواسعة مع ليبيا.

وبالتالي فان اليوم وأكثر من أي وقت مضى بات على الدول العربية الفاعلة في حربها على الارهاب وبالتحديد مصر وسوريا والعراق والجزائر ان تعمل وتنسق فيما بينها امنيا واستخباراتيا وعسكريا كوحدة متماسكة فاعلة في مقاومة الارهاب والإرهابيين، والتصدي بشكل حازم لا لبس فيه وبدون مجاملات للدول العربية التي تقف مع الارهاب والتي ما زالت تقدم له الدعم اللوجيستي والتسليحي والمالي والاعلامي وتعطيه الغطاء السياسي. هذه الدول لم تعد خافية على أحد وهي التي تجاهر علنا بشكل مباشر أو غير مباشر بحماية الإرهابيين والدفاع عنهم كما حدث مؤخرا عندما أبدت قطر تحفظها على البيان الذي صدر عن "الجامعة العربية" والذي اكد على "حق مصر في الدفاع الشرعي عن نفسها وتوجيه ضربات للمنظمات الإرهابية التي اقترفت هذا العمل" ( وهو ذبح 21 عاملا مصرا في ليبيا)، والتي على اثرها اتهم مندوب مصر في "الجامعة العربية" قطر برعاية الارهاب. ولم يمضي على هذا الحدث أكثر من ساعات معدودة عندما تنطح مجلس دول التعاون الخليجي من خلال أمينه العام بإصدار بيان شديد اللهجة تضمن انتقادا للاتهامات المصرية لقطر.  ومع ان القضية على ما يبدو قد "تم تجاوزها" و "ووضعها تحت الطاولة" في المرحلة الحالية بتصريحات من أن الدول الخليجية تقف الى جانب مصر في حربها على الارهاب، الا أن ذلك يؤشر بشكل او بآخر ان وقوف معظم الدول الخليجية الى جانب قطر جاء لان معظم هذه الدول متورطة بشكل أو بآخر في دعم الارهاب كل على طريقته، وهي لا تريد ان تفتح باب المجابهة العلنية مع مصر على الأقل في المرحلة الحالية وذلك لاعتقاد بعضها انه ما زال بالإمكان الإمساك بالقرار السياسي المصري لصالح الوهابيون في السعودية أو تكبيله عن طريق المنح والدعم المالي الذي تقدمه الى مصر والتي هي بأمس الحاجة لهذا الدعم. من هنا نقول انه على القيادة السياسية المصرية وخاصة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يتنبه الى مثل هذه المواقف التي تدق ناقوس الخطر في البيت المصري. ولا يمكننا الا ان نربط هذه المواقف بمواقف وتصريحات سمعت مؤخرا من البيت السعودي وعلى لسان وزير الخارجية سعود الفيصل من ان السعودية لا يوجد لديها مشكلة مع تنظيم الاخوان المسلمين وانما مع بعض الافراد وبعض القيادات في التنظيم. وهذا التصريح لم يكن الوحيد فقد ادلى أحمد التويجري وهو عضو سابق في مجلس الشورى السعودي ومقرب من الملك الجديد سلمان ومستشار غير رسمي له بحديث لاحد المحطات التلفزيونية الخليجية " القول بان تنظيم الاخوان المسلمين هو تنظيما إرهابيا هو قولا غير منطقي على الاطلاق ". وإذا ما اضفنا الى ذلك الاجتماع الذي جرى مؤخرا بين وزارة الخارجية الامريكية مع قيادات من تنظيم الاخوان المسلمين المصريين في واشنطن وكذلك توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة وتركيا على تدريب وتسليح 1200 من "المعارضة المعتدلة" السورية وارسالهم الى الداخل السوري. ولا ننسى ان تركيا وقطر هما الداعمتان لتنظيم الاخوان المسلمين على امتداد الإقليم في مصر وسوريا وليبيا واليمن وتونس.

تركت ليبيا والشعب الليبي طيلة هذه السنوات بعد تدميرها بعدوان عسكري مباشر لدول حلف شمال الأطلسي ولم يلتفت اليهما. أما الان وقد أصبحت "داعش" تسيطر على جزء كبير من الساحل الليبي المقابل لإيطاليا وسواحل فرنسا وتهدد بإغراق أوروبا بالمهاجرين الغير شرعيين وخاصة وان تهريب المهاجرين الغير شرعيين من المغرب العربي وبعض الدول الافريقية الاخرى الى السواحل الأوروبية قد أصبحت التجارة الرائدة الوحيدة في ليبيا، فقد تنادت إيطاليا انها على استعداد لقيادة تحالف دولي للتدخل العسكري في ليبيا. ونحن نتساءل هل بقي شيء لدول الحلف الأطلسي لم يدمره في ليبيا؟ وأيضا نتساءل لماذا يتوجه البعض منا الى مجلس الامن الدولي ليطلب تدخلا امميا في ليبيا وما زال نتيجة التدخل السابق في ليبيا (ان لم نرد اقحام غيرها من الدول) ماثلة امام عيوننا؟ نتساءل ويتساءل معنا ربما الكثيرون.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

23.02.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

23.02.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org