<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني قراءة في تصريحات ميستورا الأخيرة بشأن سوريا

 

 

 

قراءة في تصريحات ميستورا الأخيرة بشأن سوريا

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

التصريح الأخير للسيد ميستورا المبعوث الاممي لسوريا والذي جاء فيه أن الرئيس الدكتور بشار الأسد جزء من الحل السياسي في سوريا لم يأت من فراغ ولا محبة في سوريا أو الشعب السوري أو في الرئيس الأسد وانما جاء نتيجة للعديد من العوامل التي تفاعلت مع بعضها البعض للتوصل الى هذه الخلاصة المنطقية، والتي أعمي او تعامى البعض عن رؤيتها نتيجة مكابرة وحقد دفين واستكبار وعدم فهم لحركة التاريخ وإرادة الشعوب في التحرر من السيطرة والهيمنة ورفض العيش بحالة الذل والتبعية التي ارتضتها الأنظمة العربية الرسمية.

الذي يجب ان نؤكده في البداية وعلى الرغم من تحفظنا على بعض المقترحات التي جاء بها السيد ميستورا لوقف إطلاق النار في منطقة حلب لمدة ستة أسابيع واعترافه بان هذه المهمة لن تكون من السهولة بمكان، وذلك لتواجد العديد من المجموعات المسلحة التي تأتمر بأوامر من بعض الدول الإقليمية وارتباطها بأجندات خارجية، نقول ان بالرغم من كل هذا فان السيد ميستورا هو ممثل للأمم المتحدة التي ما زالت الولايات المتحدة مهيمنة على قراراتها الدولية. وبالتالي من السذاجة بمكان الاعتقاد ان السيد ميستورا يمكن ان يطرح مشروعا او أفكارا قد تتناقض مع التوجهات الامريكية بشكل عام، ولا شك ان المقترحات نوقشت بحذافيرها مع الخارجية الامريكية ان لم يكن مع المخابرات المركزية الامريكية قبل ان تعرض على الحكومة السورية. ومن هنا يجب ان نقرأ ما وراء السطور، بمعنى ان الإدارة الامريكية لا تريد التصريح علانية بأن الاستراتيجية التي اتبعتها منذ البداية كانت خاطئة لأنها ارتكزت على معطيات وتقديرات ومعلومات استخباراتية وامنية خاطئة، وبالتالي فهي تختبئ وراء المبعوث الاممي الذي يراد له ان يكون أداة لإنزال الإدارة الامريكية عن الشجرة، كما فعل بوتين عندما أفشل مشروع الاعتداء على سوريا بعد ان حشدت له الاساطيل الامريكية مقابل السواحل السورية، واستطاع تقديم السلم لنزول الإدارة الامريكية عن الشجرة وخروجها بماء وجهها بعد ان اعتقد الجميع ان مسألة العدوان على سوريا آنذاك انما هي مسألة ساعات محدودة.

لعل أولى العوامل التي دفعت بالمبعوث الأممي للإدلاء بهذا التصريح نيابة عن الدول الغربية التي يمثلها بهذه القضية وعلى رأسها الولايات المتحدة، هو ان الحرب الأساسية في المنطقة ولا نبالغ ان قلنا في العديد من بقاع العالم أصبحت الحرب على الارهاب الذي بدا بالانتشار والتمدد بشكل سرطاني وأصبح يهدد مصالح الدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ويعطل على استراتيجيتها وهي التي ارادات ان تستغله كأداة ضمن استراتيجيتها للسيطرة والهيمنة على المنطقة. فقد خرج هذا الارهاب التكفيري المجرم والبربري الذي يرتكب المجازر التي تقشعر لها الابدان خرج عن السيطرة وأصبح كالوحش الكاسر الطليق الذي لا بد من القضاء عليه أو احتواءه. ومن المؤكد ان الدول الأوروبية بدأت تستشعر بخطورة هذا الارهاب عليها أكثر من أي وقت مضى، وبشكل أكبر من الولايات المتحدة وذلك نظرا للتواصل الجغرافي وقربها من البؤر التي تتنامى بها المجموعات الإرهابية الوهابية التكفيرية مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش. وتشير المعلومات ان ما يتراوح ما بين 3000 الى 5000 إرهابي من الدول الأوروبية يقاتلون جنبا الى جنب مع هذه التنظيمات الإرهابية سواء في سوريا والعراق وليبيا وحتى في نيجيريا مع الجماعة الإرهابية بوكو حرام. ان بعضا من الارهاب المهاجر بدأ بالعودة الى بلاده الاصلية ومن هنا بدأت دوائر الاستخبارات الغربية تدق وبشكل لم يسبق له مثيل ناقوس الخطر من الارهاب العائد الى جحوره. وهذا ما بفسر حملات الاعتقالات الواسعة التي شهدتها أكثر من عاصمة أوروبية على أثر بعض العمليات الإرهابية فيها والتي تبين من التحقيقات ان مرتكبيها هم من العائدون من سوريا او العراق بعدما شاركوا في القتال مع داعش او جبهة النصرة.

أما العامل الثاني لهذه التصريحات فيعود الى سقوط كل الرهانات على القضاء على الدولة السورية أو النظام في سوريا على الرغم من ضخ مليارات الدولارات من دول الخليج وعلى راسها السعودية وقطر والامارات، وجلب وتجنيد وتدريب وتسليح عشرات الالاف من المرتزقة "المجاهدين" من كافة بقاع العالم وارسالهم الى الداخل السوري من تركيا ودول عربية مجاورة. تركيا التي فتحت حدودها على مصراعيها وما زالت ليومنا هذا لعبور الإرهابيين الى الأراضي السورية، وايوائهم ضمن أراضيها لتدريبهم في معسكرات أقيمت خصيصا لهذا الغرض وتقديم كل الدعم اللوجيستي والطبي، بالإضافة الى تمرير كافة الأسلحة لهم وفتح معابرها لتهريب القطع الاثرية النادرة والمصانع التي نهبت من سوريا وتمرير وشراء النفط والحبوب والمحاصيل الزراعية من داعش والنصرة وغيرهم من المجموعات الإرهابية، والتي في مجملها شكلت دخلا ماديا لهذه المجموعات الإرهابية ودعمت هامش من استقلاليتها وتمردها على اسيادها وتحول العديد من امراءها الى امراء حرب يقتتلون فيما بينهم على الغنائم ومناطق النفوذ النفطية.

لقد أسقطت الدولة السورية وجيشها الوطني القومي وشعبها وحلفاءها في محور المقاومة الى جانب حلفاءها الأممين وعلى راسهم روسيا والصين كل المحاولات لإخضاع الإرادة السياسية السورية لقوى الاستكبار العالمية وفي مقدمتها رأس الافعى الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني والعملاء والأدوات والمتساقطين المحليين والاقليميين. ان الصمود الأسطوري لسوريا شعبا وجيشا وقيادة فرض معادلات جديدة ليس على مستوى الإقليم فقط بل وعلى المستوى والساحة الدولية، بحيث أصبح الحل في سوريا هو الباب والمفتاح والبوصلة لحل الكثير من المشاكل التي تجابه الإقليم وربما تجاوزها الى ابعد من ذلك. ان الصمود السوري ومحور المقاومة الذي شهد تلاحما غير مسبوق النظير من حيث النقلة النوعية في المقاومة على الأرض بما يشكله من الخبرات القتالية ومن حيث التطور النوعي في الأسلحة المستخدمة والأداء العسكري المتميز بكل ابعاده. كل هذا أصبح يشكل خطرا حقيقيا وملموسا على وجود الكيان الصهيوني الذي طالما صال وجال وعربد في المنطقة دون رادع، محتسبا انه يستطيع ان يستفرد في مكونات محور المقاومة كل على انفراد فاذا برعونته وغباءه على مستوى قياداته السياسية والعسكرية والاستخباراتية والامنية يؤدي الى انقلاب السحر على الساحر، وفرض قواعد اشتباك جديدة على الجبهة التي ظن انه قد سيطر عليها من خلال عملائه من جبهة النصرة بعد طرد القوات الأممية على جبهة الجولان المحتل. وفي هذا السياق لا بد لنا من ان نذكر ونؤكد ان الغرض الرئيسي من كل الحرب على المنطقة سواء بطريقة مباشرة كما حدث عندما غزت القوات الامريكية العراق عام 2003 أو غير مباشرة وذلك باستخدام أدوات مثل داعش والنصرة وما لف لفهما من المجموعات الإرهابية الوهابية التكفيرية وقوى الرجعية العربية الخليجية بزعامة ال سعود، انما كان الغرض منها الهيمنة على المنطقة ومقدراتها وتحقيق الامن والتفوق العسكري والتكنولوجي للكيان الصهيوني الغاصب.

ان كل هذه المتغيرات على الساحة السورية فرضت وقائع ومعطيات وحقائق جديدة على الأرض التي لا يمكن تجاهلها من أي طرف كان وبغض النظر عن موقفه من النظام في سوريا بالسلب ام الايجاب. وأصبحت الدول الغربية تدرك بشكل جيد ان تطور الأوضاع على الساحة السورية لن تصب في مصلحتها ولا في مصلحة طفلها المدلل المسمى بإسرائيل، وبالتالي كان لا بد من التحرك في هذا المجال مع انه في تقدير الكثيرون ان تحركهم انما اتى متأخرا جدا، فما سمي "بالمعارضة المعتدلة" لم تعد متواجدة على الساحة السورية هذا على افتراض انها كانت متواجدة في السابق. ومن هنا ربما نستطيع ان نفهم هذا الاندفاع الأمريكي لبناء "معارضة مسلحة" يقوم الخبراء الأمريكيين بتدريبهم وتسليحهم في الأراضي التركية والسعودية وغيرها من الدول العربية وارسالها الى الداخل السوري وذلك لاستغلالها واستخدامها كورقة في أي حل سياسي قادم في سوريا ومحاولة بائسة للتقليل من الخسائر التي ستلحق بالمعسكر المعادي للدولة السورية ومحور المقاومة. هذا لا يعني ان حلقة التآمر على سوريا او محور المقاومة قد توقف او سيتوقف في المنظور القريب او البعيد.

المتغيرات التي ذكرناها هي التي دفعت العديد من الدول الأوروبية في الفترة الأخيرة بالدعوة الى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السورية والاستعداد لعودة الدبلوماسيون الأوروبيون الى دمشق بعد القطيعة التي دامت لعدة سنوات. فهذه الدول الأوروبية أصبحت على قناعة تامة أن الدولة السورية باقية وان الرئيس الدكتور بشار الأسد باقي على راس هرم السلطة في سوريا. ليس هذا فحسب بل ان سوريا كانت وستبقى دولة محورية إقليمية لها بصماتها وآثارها الواضحة فيما يدور في الإقليم وربما تتجاوزه الى الساحة العالمية أيضا. هذا بالإضافة الى ان الدول الأوروبية بحاجة ماسة الى التعاون والتنسيق مع أجهزة الدولة السورية وخاصة الاستخباراتية والأمنية فيما يخص الالاف من مواطنيها الذين انضموا وقاتلوا مع المجموعات الإرهابية كالنصرة وداعش، والذين باتوا يشكلون خطرا امنيا على هذه الدول.

ولا شك ان المباحثات التي تجري حول الملف النووي الإيراني بين الدول الست الكبرى وإيران وخاصة المباحثات الأخيرة الثنائية بين الطاقم الأمريكي والإيراني تبشر بإمكانية توقيع اتفاقية حول هذا الملف، اللهم اذا ما حدث شيء في الإقليم لينسف ما توصلت اليه المحادثات، هذه المباحثات قد لعبت دورا. فإيران لم تعد الدولة المعزولة والمحاصرة امميا ولقد اثبتت دورا إقليميا متميزا في محاربة الارهاب سواء في العراق أو سوريا. والكل أصبح يدرك ان إيران وبالرغم من الحصار الاقتصادي والسياسي والتكنولوجي الذي مورس عليها من نهاية السبعينات قد استطاعت وبرغم الحصار الخانق ان تتقدم على جميع الأصعدة وخاصة العلمية والتكنولوجية والعسكرية هذا بشهادة مراكز أبحاث غربية عدوة. بمعنى ان إيران لم يعد بالإمكان تجاهلها كدولة أو ثقل وازن في المنطقة لها تأثيرها على مجرى الأمور السياسية ودور فاعل في إيجاد مخارج وحلول لكثير من المشاكل التي تعاني منها المنطقة وخاصة فيما يتعلق بمحاربة الارهاب. فهي على النقيض من الدول الخليجية التي تدعم الارهاب بالأموال والتسليح والتجنيد بحسب المعلومات المتوفرة لدى العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية، فقد قدمت كافة الدعم للعراق مثلا لمحاربة الارهاب وذلك باعتراف رسمي من قيادات سياسية كردية وعراقية، فيما امتنعت أمريكا عن تقديم الدعم اللازم لذلك وخاصة فيما يختص بالأسلحة الضرورية لمحاربة الارهاب.

في النهاية نود ان نؤكد ان تصريحات المبعوث الاممي دي ميستورا لم تأتي من فراغ وليس محبة او منة او مكرمة غربية أو نتيجة صحوة ضمير أو عودة الوعي والشعور بتدفق دماء وروح إنسانية في المحور المعادي لسوريا والمقاومة، بل أتت نتيجة نضال وتضحيات وقرابين الشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية والصمود لمحور المقاومة بكل مكوناته الذي استطاع ان يفرض وقائع واحداثيات على ارض الواقع لا يمكن تجاوزها.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

20.02.2015

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

20.02.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org