<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني قراءة وتساؤلات في الاعمال الإرهابية في باريس

 

 

 

قراءة وتساؤلات في الاعمال الإرهابية في باريس

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

مما لا شك فيه ان الاحداث الإرهابية التي حدثت مؤخرا في باريس من الاعتداء على صحيفة شارلي أبيدو وإحدى المتاجر اليهودية في باريس والتي ذهب ضحيتها 17 انسانا، ستشكل محطة مفصلية للحكومة الفرنسية وتفرض عليها مراجعة في سياستها الأمنية الخارجية والداخلية الى جانب سياستها الاجتماعية وخاصة فيما يتعلق بالجاليات العربية والمسلمة بشكل عام والسياسة تجاه المهاجرين ربما بشكل خاص. ولكن من الضروري التنويه والتأكيد على ان الارتدادات السياسية والاجتماعية وغيرها لن تقتصر على فرنسا لوحدها، بل ستتعداها الى خارج الحدود الفرنسية وربما هذا هو احدى الدلالات التي يمكن استخلاصها من هذا الحضور المكثف للقادة السياسيين حيث شارك في المسيرة التي جرت في باريس يوم الاحد ( 11 يناير 2015) ما يقرب من 40 رئيس دولة. وتكتسب الارتدادات المتوقعة على الساحة الأوروبية خاصة مزيد من الأهمية والخطورة لعاملين أساسيين. أولهما نابع من ان العديد من الدول الأوروبية تشهد تصاعدا وتناميا واضحا لصعود التيارات اليمنية المتطرفة والفاشية والتي حققت مكاسب كبيرة نسبيا وغير مسبوقا في الانتخابات لبرلمان دول الاتحاد الأوروبي، الى جانب تنامي وتصاعد الكراهية والعداء للمسلمين (الاسلاموفوبيا) وخاصة في المانيا وفرنسا، والذي يأتي ضمن حملات العداء والكراهية الاوسع للمهاجرين. وثانيهما وهو ما يزيد الامر تعقيدا وخطورة للأوضاع القائمة يتلخص في الأوضاع الاقتصادية المتردية في معظم الدول الأوروبية التي ما زالت اقتصادياتها تترنح ولم تتعافى من حالة الكساد والركود الذي أصابها عام 2008 . فالوضع الاقتصادي والسياسات التقشفية التي تتبعها دول الاتحاد الأوروبي تشكل التربة الخصبة لنمو التيارات المتطرفة والسياسات العدوانية تجاه الجاليات الأجنبية والمهاجرين بشكل عام.

من المؤكد ان التحقيقات والتحليلات الدقيقة فيما يخص الجوانب الأمنية للعمليات الإرهابية بما فيه الاتصالات مع الشبكات الإرهابية سواء داخل فرنسا أو خارجها ستكشف المزيد من المعلومات للأجهزة الأمنية الفرنسية حول الملابسات المحيطة بالعمليات الإرهابية التي نفذت. ولكن من المفيد هنا ان نذكر ان بعض وسائل الاعلام (Global Watch 11 يناير 2015) كانت قد إشارة الى بعض الأسئلة التي تتطلب الإجابة عليها ومن ضمنها رفع ملاحقة المنفذين لعملية المجلة الساخرة "شارلي ابيدو"  وهما الاخوة سعيد وشريف كواتشي اللذين كانا معروفين للشرطة الفرنسية منذ  2003 والتي كانت ترصد تحركاتهما ومكالماتهما لسنوات وحتى قبل فترة بسيطة سبقت تنفيذهما العملية الاجرامية والارهابية. وقد ذكر نفس المصدر بان المدعي العام الفرنسي في باريس فرانسوا مولينز أفصح بان الاخوين كواتشي قد تحدثا " اكثر من 500 مكالمة" الى أحمدي كوليبالي الذي نفذ عملية متجر الأطعمة اليهودية في آن واحد مع عملية المجلة بالإضافة الى زوجته او شريكته حياة بومدين. والسؤال المشروع الذي يجب ان يطرح هنا اذا ما كانت هذه المجموعة مراقبة ومعروفة باجرامها وعلى انه جرى تدريبهم في الخارج فكيف تستطيع ان تنفذ مثل هذه العمليات وبهذه السهولة؟ وهنالك العديد من الأسئلة التي طرحها المصدر السابق بالإضافة الى بعض التعليقات المشروعة التي وردت حول الفيديو الذي نشر على اليو تيوب ( Global Watch 13 يناير 2015 ). أما صحيفة  The Daily Beast الامريكية (12-1-2015)  فقد تساءلت أين حصل الخطأ ؟ فكيف يمكن للسلطات الأمنية الفرنسية أن تخفق في المراقبة الدقيقة والتعرف على اشخاص لهم سوابق في التعامل والاشتراك مع منظمات جهادية إرهابية يرجع تاريخه الى عقد من الزمن، والذين كانوا على اتصال مع شبكات ومنظمات إرهابية عاملة في شمال افريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة الى انهم كانوا على علاقة متينة وحميمة مع إرهابي أمضى سنوات في السجون الفرنسية والذي كان العقل المدبر في التخطيط لتفجير السفارة الامريكية في باريس؟    وربما مما يطرح مزيدا من التساؤلات وملابسات القضية انتحار ضابط في الشرطة الفرنسية هيرلك فريدو التي كان مسؤولا عن التحقيقات في الحادث فهل هذا محض صدفة أم انه مرتبط بالحادث؟

وربما ما يشغل بال الكثيرون في الأجهزة الأمنية والمخابرات سواء الفرنسية او غيرها أن الاحداث الاجرامية التي نفذت في باريس تشير ولو بصورة أولية الى وجود تنسيق بين تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وبين تنظيم داعش، بحيث اعتبرها البعض على انها عملية مزدوجة ( Weekly Standard 12 يناير 2015). فقد اتضح بأن الاخوين كواتشي ينتمون الى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بينما ظهر أحمدي كوليبالي في فيديو (Long war journal 11th Jan 2015 ) وهو يعلن مبايعته لأبو بكر البغدادي زعيم داعش والخليفة المزعوم لما يسمى بالدولة الإسلامية. ومن الملفت للنظر في الاخبار من ان انسحاب جبهة النصرة (وهي تنتمي الى تنظيم القاعدة ) مؤخرا من منطقة في الداخل السوري (بيت سحم) تم بالتنسيق مع تنظيم داعش وقد ابرم اتفاق بينهما على مقاتلة التنظيمات التي تقاتل أي منهما في سوريا. والسؤال الذي يؤرق الأجهزة الأمنية والتي تسعى للحصول على إجابة عليه هو هل هذه الاحداث تدلل على تنسيق ميداني عملاتي بين التنظيمين الإرهابيين وهل هذا يرقى أو يؤسس الى اندماج بينهم بعد القتال الضاري والعنيف بينهم على الساحة السورية والتي قتل فيه اعداد هائلة من الطرفين؟ أم ان التنسيق بينهم سيقتصر على عمليات تنفذ في مدن وعواصم دول غربية؟ ولا ننسى ان المخابرات الغربية وخاصة الامريكية قد أشارت الى وجود معسكرات لتدريب عناصر مجموعة تنتمي الى القاعدة في سوريا مسماة بمجموعة خورسان لارتكاب اعمال إجرامية في عواصم الدول الغربية. وفي صدد التعاون بين النصرة القاعدية وداعش يجب ان ننوه ان كلاهما ينهل من نفس الأفكار والعقيدة التكفيرية الوهابية وكلاهما يسعى الى إقامة دولة الخلافة، ولكن الفارق بينهما حول الأسلوب للوصول الى الهدف المنشود. الى جانب ذلك فانه من المفيد ان نذكر ان السلطة المركزية لتنظيم القاعدة المتواجد في أفغانستان والمتمثل بالدكتور أيمن الظواهري قد ضعف الى حد كبير ولم يعد له تلك السيطرة على المجموعات القاعدية العاملة خارج أفغانستان ( Foreign Affairs 19 نوفمبر 2013)، والتي تتصرف بالشكل الذي تره مناسبا لها على الرغم من انها تعتبر نفسها جزء من تنظيم القاعدة.

لا شك ان الطبقة السياسية الحاكمة في فرنسا والأجهزة الأمنية والمخابراتية هناك عليها إعادة تقييم الأوضاع الأمنية والسياسة التي اتبعتها الحكومة الفرنسية فيما يتعلق بالعلاقة مع ما سموها "بالمعارضة المعتدلة" في الساحة السورية التي لا وجود لها فالمعارضات السورية تنقسم وتتحد مثل الاميبا بين الحين والأخر والمنحى العام هو التمحور والتوجه الى المجموعات الأكثر دموية وتطرفا مثل النصرة وداعش، وهذا ما اثبتته الوقائع على الأرض. والفرنسيون الذين سالت دمائهم قتلوا بأسلحة فرنسية كانت قد أرسلت الى داخل سوريا "للمعارضة المعتدلة". ولا ننسى ان وزير الخارجية السابق كان يعتبر على ان النصرة تعمل عملا جيدا في سوريا وعلى ان السناتور الإرهابي ماكين كان قد اجتمع بعناصر من النصرة وداعش داخل الأراضي السورية لتقديم الدعم لهم. والسؤال الجدير بالطرح هنا هل ستتوقف فرنسا في التعامل مع "المعارضة المعتدلة" الافتراضية والوهمية بعد المصيبة التي حلت بها؟ وهل تتعظ الحكومة الفرنسية بأن احدى الركائز الأساسية لمحاربة الارهاب هي البدء بالتنسيق الأمني مع الحكومة السورية؟ وهل تمتلك الحكومة الفرنسية الجرأة الكافية للإعلان بأن مواقفها واستراتيجيتها الرعناء تجاه سوريا كانت خاطئة وتقوم بالاعتذار الرسمي للشعب السوري امام الملأ لما تسببته سياساتها العدوانية تجاه سوريا شعبا وجيشا وقيادة سياسية؟ وهل ستدعم محاربة الارهاب في سوريا كما تفعل في مالي أم ستبقي اعتبار بان هنالك إرهاب جيد وإرهاب سيء وتبقي بالتالي على الازدواجية في المعايير؟ وماذا سيكون الحال في معاملاتها مع دول مثل تركيا التي ما زالت تفتح حدودها للإرهابيين القادمون من الدول الاوروبية ذهابا وإيابا فصديقة منفذ عملية متجر الأطعمة اليهودي حياة بومدين وبحسب المصادر التركية الرسمية قد عبرت الحدود التركية الى سوريا قبل تنفيذ العملية، وهذا اعتراف رسمي بأن تركيا ما زالت تلعب دورا مركزيا في دعم الارهاب؟ وماذا سيكون الموقف الفرنسي من "إسرائيل" وحكومة نتنياهو التي تقدم كل الدعم المعنوي واللوجيستي وتداوي جرحى عناصر النصرة القاعدية في المستشفيات الإسرائيلية التي شهد بعضها زيارات قام بها نتنياهو للعناصر الإرهابية التي تتلقى العلاج بها؟ وماذا سيكون عليه الحال مع الدول الخليجية الداعمة للإرهاب والتي ما زالت تفتح أراضيها لتدريبهم وتمولهم ماديا وترسلهم الى القتال في الداخل السوري والعراقي والمصري؟

ان مكافحة الارهاب لها استحقاقات على فرنسا أن تدفعها بالكامل سواء في سياساتها الخارجية أو الداخلية. فلا يعقل أن تكافح الارهاب في مالي مثلا وتشجعه وتقدم له الدعم في سوريا جنبا الى جنب مع تركيا والدول الخليجية وعلى راسها السعودية وقطر والامارات على سبيل المثال. ولا يمكنها التغاضي عن أولئك الفرنسيون اللذين يسافرون من فرنسا للقتال في سوريا وتعتقد ان الارهاب لا يمكن ان يرتد يوما على الداخل الفرنسي. يجب ان تكف فرنسا عن الاعتقاد بانها تستطيع أن تستخدم المجموعات الإرهابية التكفيرية للقتال بالوكالة لتحقيق مكاسب جيوسياسية لها هنا وهناك ومن انها باستطاعتها ان تعزل نفسها عن الوحش الكاسر الذي ترعاه. كما ان فرنسا لا يمكنها التغاضي عما تقوم به السعودية في نشر الفكر الوهابي  المتطرف من خلال المدارس التي ترعاها وتمولها في العديد من الدول وهو ما اشارت اليه العديد من الدراسات ( David (Weinberg FDD Press March 2014، ولنا في المدارس الدينية في باكستان خير دليل على ذلك تلك المدارس التي كانت البيئة الخصبة لتجنيد عناصر طالبان والقاعدة ((IDSS Singapore April 2006. ولنا ان نتساءل كيف تقيم الحكومة التي تدعي انها تدافع عن حرية الراي وحرية التعبير والديمقراطية علاقات مع حكومة اردوغان التي تعتقل الصحافيين وتغلق دور نشر وكذلك السعودية التي ترعى الارهاب ودولة تتميز بانعدام أدنى حقوق الانسان والتي تسجن لسنوات طويلة من يتجرأ على توجيه انتقاد الى "ولي الامر"، والتي تقطع الرؤوس كما تفعل داعش.

اما بالنسبة للاستحقاقات الداخلية فانه من الضروري ان يكون هنالك اهتمام أكبر بكثير في الأوضاع المزرية والغير إنسانية في الكثير من الحالات في أوساط المهاجرين والجاليات الفقيرة والمعدومة حيث تصل نسبة البطالة في أوساط بعض هذه الفئات الى ما يقرب من 35%. ان الأوساط المهمشة اجتماعيا والتي تعيش ضمن ظروف اقتصادية صعبة ولا ترى إمكانية تطوير وتحسين أوضاعها المعيشية تمثل التربة الملائمة لتبني الأفكار المتطرفة التي لا تقبل الغير وتريد اقصائه لأنها تعيش هذه الحالة في المجتمع. ومن الضروري ان نؤكد ان بعض الأسباب لتواجد الاعداد الكبيرة نسبيا لأعداد المهاجرين والجاليات الأجنبية تعود بالأساس الى الإرث الاستعماري لدول أوروبية مثل فرنسا في المغرب العربي الى جانب دول أفريقية أخرى، بالإضافة الى التدخل العسكري المباشر لهذه الدول كما حصل في ليبيا والذي أدى الى زعزعة الاستقرار الأمني والاجتماعي في المغرب العربي.

 

ان على فرنسا كما على بقية العديد من الدول الأوروبية مثل المانيا أن تعيد النظر في برامجها الاجتماعية وتفعيل سياسات تساعد على استيعاب واندماج الجاليات الأجنبية المسلمة أو غيرها في مجتمعاتها وان لا تختفي خلف ما تسميه تعدد الثقافات التي في كثير من الأحيان تشجع على الانفصال تعني ان على كل جالية ان تعيش ضمن غيتو اجتماعي منفصل كما يذكر جورج فريدمان مدير معهد سترافر للدراسات  Stratfor Geographical Weekly)  13 يناير 2015) عن الغير وبالتالي تأبيد عملية الفصل ووضع الجدران امام عملية الاندماج في المجتمع. ومن الضروري وضع برامج لحل المشاكل على المدى الطويل وعدم الاستجابة او الانجرار لأطروحات اليمين المتطرف أمثال الجبهة الوطنية التي تتزعمها مارين لوبين والتي تتمثل في إعادة عقوبة الإعدام وتغيرات سريعة لقوانين الهجرة والإجراءات الأمنية التي تتعدى على الحريات الشخصية والعامة والتعدي على حقوق الانسان في هذه الدول على غرار ما اتبعته الولايات المتحدة بعد احداث   9-11.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

   15.01.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

15.01.2015  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org