%@ Language=JavaScript %>
ليوتولستوي ---- الروائي الروسي المعجزة / أضاءات صدق الرؤيا
عبد الجبار نوري
تولستوي 1828- 1910 من عمالقة الروائيين الروس ، ومصلحاً أجتماعياً ، وداعية سلام ، ومفكراً أخلاقياً ، يعد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، والبعض يعدهُ من أعظم الروائيين على الأطلاق ، أشهر أعمالهُ الروايتين { الحرب والسلام – آنا كارنينا } وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي ، ورائع جداً عندما أتصفح رائعته الحرب والسلم أشعر وكأني في ملكوت عالم جديد وغريب وكأني أعيش ذاك الزمن ، ولم أصدق موته ، لأنّهُ يعيشُ في وجداني ، ويجولُ في أعماقي، ويشاركني الحب وعشق الحياة ذاك هو تولستوي العظيم ، فرواية الحرب والسلام وآنا كارنينا يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية ، وكفيلسوف أخلاقي أعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف ، وهذا التيار القيمي سرى تأثيرهُ في أقلام مشاهير القرن العشرين مثل المهاتما غاندي ، ومارتن لوثر كنج ، في جهادهما الذي أتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف ، وكذلك واصل تأملاته في الوجود معلناً أنه مؤمن بالله ولكن {خارج الكنيسة } وبهذا وضع فلسفته الوجودية ورأيه الصريح وبلوره في كتابه { مملكة الرب مقرها داخلك The Kingdom Of God Is Within You} ، ويظهر سحر رواياته أحياناً كثيرة كواعض أخلاقي ومصلح أجتماعي وقيمي أنساني يبشر بالوصايا المئة لا فقط الوصايا العشرة فمن أقواله : ** الجميع يفكر في تغيير العالم ولا أحد يفكر في تغيير نفسهُ ، ** قبل أنْ تصدر الحكم على الآخرين أحكم على نفسك ، **لا يوجد أنسان ضعيف بل يوجد أنسان يجهل موطن قوّتهِ ، ** أقوى المحاربين الوقت والصبر ، أعمل الخير لآصدقاءك يزيدوك محبة ، وأعمل الخير لأعداءك ليصبحوا أصدقاءك .
أضاءات على نتاجاته الأدبية الثرة
أنّ نتاجاته الأدبية تتمحور حول شخصنة فلسفته في صنع التأريخ والحياة والموت ، ترك تولستوي بصماته عليها فأصبحت حكراً لقلمهِ بماركة أدبية عالمية مسجلة بأسم تولستوي فقط عصيّة على الأقلام الأخرى في السفر الأدب العالمي ، أنّ كل مؤلفاته عن الحرب جاءت أدانة لهُ وهجوماً عليه ، فالحرب في كتاباته تجرُ على البشرية الدمار والموت ، فهو يرفض الحروب ويعتبرها ظاهرة منافية للعقل البشري ، ومعادية للطبيعة الأنسانية ويعتقد أنّ العنف سلاح الضعيف ، أما التسامح بأستعمال العقل {وقوّة المنطق بدل منطق القوّة } هو الذي يجب أنْ يسود ، وأنّ ليو تولستوي الذي عاش 82 عام لم يكن كاتباً فقط بل كان مفكراً وفيلسوفاً ورجل أحسان وثورياً.
ولم يبرر سوى الحروب الدفاعية عن النفس ضد الغزاة ، رغم مرور قرن ونصف من الزمن على روايته الحرب ولسلام فهي تمثل{نداء السلام} الذي أصبح شعاراً لقوى الخير والطمأنينة في جميع أركان المعمورة .
تعتبر رواية الحرب والسلام رواية أسطورية للأدب الروسي ، وهي نموذج للحكايات التأريخية الكبيرة للقرن العشرين وتدور حول الأحداث الكبيرة التي حدثت في بداية القرن التاسع عشر ، فهي دراسة تأريخية تصف الأحداث السياسية والعسكرية التي كانت أوربا مسرحاً لها أبان الفترة 1805 – 1820 وهي تلقي بظلالها الثقيلة على غزو نابليون لروسيا 1812 ، وفي هذه الرواية أعلن رفضهُ القاطع لنظرية تخليد التأريخ للرجل العظيم ، وأن الأبطال والشخصيات العظيمة ليس لهم بصمات على مجريات أحداث التأريخ كما يعتقد بعض الناس ، والحرب والسلام رواية أدبية تدور أحداثها في بداية القرن التاسع عشر مع أجتياح القائد الفرنسي ( نابليون )الأراضي الروسية وتعتبر واحدة من أعظم الروايات العالمية قدمت نوعاً جديداً من القصص الخيالية ذا عدد كبير من الشخوص وقعوا في حبكة روائية غطت مواضيع عند الشباب كالزواج والسن والموت ، وما كتاب الحرب والسلام برواية ولا هو بقصيدة ، ولا هو سجل وقائع تاريخية ، أنّ الحرب والسلام هو ما أراد المؤلف وما أستطاع أنْ يعبر عنهُ بعدم الأكتراث بالأشكال المتعارف عليها في الأنتاج النثري الأدبي العالمي وخصوصاً الأدب الأوربي ، فتولستوي رسم لنفسهِ في الحرب والسلام شخصية روسية مخالفة للأشكال والنصوص الأدبية في أوربا ، فهو صاحب المدرسة الواقعية – النقدية ، فيما جاء بعدهُ الأديب الروسي مكسيم غوركي 1868 – 1936 صاحب المدرسة الواقعية – الأشتراكية في رواية " الأم "1907 ، وأمتدت آيديولوجية هذه المدرسة وأصبح لها ممثلون في الأدب العالمي مثل ( بريخت ) في المانيا ، "ولوركا " في الأدب الأسباني ،"وناظم حكمت" في الأدب التركي وكتابه المشهور " البخيل " وكذلك الشاعر السوري " أدونيس " .
نظرية تولستوي حول التأريخ
ان رواية الحرب والسلام جاءت تأريخياً عائليا عندما شارك تولستوي خمسة عوائل روسية من طبقات مختلفة نبيلة برجوازية فلاحية صارحوا – وبشجاعة متناهية - المتلقي آراءهم وأرهاصاتهم ومعاناتهم في الحياة اليومية ويطلبون الأجابة بألحاح لماذا الموت ؟ ، وجاءت تأريخياً عسكرياً للحملات النابليونية التي حدثت في العام 1805 ثم تكررت عام 1812 ، فيترجم تولستوي هذا المزج المجتمعي في تلخيص فلسفته عن التأريخ {ليس هناك بطل واحد لذا يعتبر نابليون ليس أكثر من أداة لا معنى لها في سير التأريخ ، بل هناك من ينسج التأريخ الكبير هم مجموعة من المتضادات ومتشابهات في آنٍ واحد ، فظهور التناقضات فيها حتمية بعد أرساء قواعد ذلك الحدث التأريخي ، و مثلاً حب الحياة تتعارض ومآسي الحروب .
وأنّ تولستوي وصف نابليون برجل حرب وغازي ومتعجرف وخيالي ، في رواية الحرب والسلام قلل من شأنهِ في التاريخ متبنياً أنّ القوى هي التي تشكل التأريخ لا الفرد والمعني القائد العظيم وهي أشارة إلى شخص نابليون ، ولتجميع أفكار نظريته عن التاريخ يشير في الرواية المذكورة :أنّ القادة الوطنيين حتى العظماء فهم لا يتحكمون في نتيجة الأحداث الكبرى في التاريخ ، فأنّ الكم الهائل من الأفعال الفردية التي تشكل التأريخ ضخمة للغاية ومعقدة للغاية ، ومن ثم يبدو كما لو أنّهم يتحكمون في هذا التيار لكن في الواقع أتجاه التيار لا يتأثر بهم ، ويريد تولستوي أنْ يوضح الحقيقة التالية { تركيز المؤرخين على الأسباب يعميهم عن رؤية قوانين التأريخ } فهو بهذا يحثُ المؤرخين على السعي لتحديد القوانين التي تحكم التاريخ ، وليس أسباب الأحداث التأريخية .
أضاءات على نتاجات معجزة الرواية الروسية
تولستوي بالنسبة لي ليس موضوعاً للنقد ، لأني لست ناقداً أدبياً محترفاً بقدر ما أفهمهُ ويتفهمني هو قيمة روحية وجمالية عليا فسأستعرض بعض اللئاليء مما قرأت بشغف في مراحل حياتي المبكرة وخاصة تاج أعماله ومعجزته الأدبية الخالدة { الحرب والسلام } وأستميح القاريء عذراً لكون جعلتُ رواية الحرب والسلام - من بين الكم الهائل من مؤلفاته - محور حديثي ، ذلك ولأنّ للعشق مذاهب !!.
1رأيته مدرسة ْتُعلمْ (الأنسنة) في البحث في أنسانية الأنسان ، وحب الآخرين ، والتمسك بالحياة ، وعشق الطبيعة ، وتمجيد العمل الجماعي ، عظيم في حجم عمله الفكري الأدبي فله ما يربوا على مائة مجلد ، فهو ظاهرة ثقافية متميّزة كما يصفهُ نقاد عصره وما بعد عصره ، روايتيه الحرب والسلام وآنا كارنينا أقرب إلى الملحمة منها إلى الروايات التقليدية ، فعند قراءة نصوص الرواية وخصوصا الحرب والسلام تشعر بالنفس الملحمي "لهوميروس " ، تبرز فيها أنسنة تولستوي وعشقه الصوفي للحياة وللطبيعة والشعور القوي بالزمن ، تشعر وكأنك أمام عالم واقعي حقيقي موجود فعلاً في شخوص أبطال الرواية وهم يتجولون أمامك بحركة ديناميكية محسوسة فعلاً ، وقراءة بين سطور الرواية تتحسس تدفق حب الأنسانية بأمتياز ، تظهر فلسفة تولستوي جلية في حبه للطبيعة فأنتصر لها ووضع نظريته فيها بمعادلة سوسيولوجية نصها { كلما أقترب الأنسان منها فأنه يمارس الخير والحق والحب والجمال ويمارس الزيف والشر والقبح كلما أبتعد عنها } ، فهو أحد أعمدة الأدب الكلاسيكي العالمي ، وهو باني صرح الأدب الروسي المتمثل بالسرد الروائي إلى جانب " ديستوفيسكي وتورغنيف " وبروايته الحرب والسلام دخل في تفاصيل حياة الأفراد في المجتمع الروسي ، فمضمون الرواية تدور حول السلم ---والسلم فقط ولا وألف لا للحرب ومريديه وأهواله.
وأختم هذا البحث المتواضع بما قال عنه " لينين "{ تولستوي مرآة الثورة الروسية } ، ومرثية الشاعر" أحمد شوقي " يصفهُ بالحكمة والشجاعة ،ويضيف يبكيه الفقراء لأنهُ منارتهم ، ويبكيه المؤمنون لآنهُ أخذ من الدين جوهرهُ ، وأذ كان لابُدّ من الأعتراف فيجب أنْ نذهب ونعترف بخطايانا إلى تولستوي وليس إلى الكاهن ، ولآنّ كل كتابٍ من كتبهِ يشبه الأنجيل في قدسيتهِ -------
مراجع البحث / الموسوعة العالمية - بتصرف – تحديث بيروت 2011 // كتاب تولستوي أم ديستوفيسكي-جورج ستاينر- لندن - مترجم
5-6-2015
عبد الجبار نوري / ستوكهولم- السويد
تاريخ النشر
08.06.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
08.06.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |