<%@ Language=JavaScript %> خالد كراجة سامر العيساوي وجدلية الحياة والموت

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

سامر العيساوي وجدلية الحياة والموت

 

خالد كراجة

 

رام الله - يتساؤل البعض في كثير من الاحيان ،ما الذي يدفع انسان لاختيار الموت على الحياة؟ على الرغم من ان جميع البشر يقدسون الحياة ويهربون من الموت، يخافون منه ، يبغضونه ويعتبرونه قاهرهم ، وسبب فراقهم للاهل والاحبة والاصدقاء، فمتعة الحياة لا تقارن ابدا بوجع الموت، لكن ما هو الموت وما هي الحياة ؟ وهل يمكن ان يكون موت غير الذي نعرفه؟ وهو خروج الروح من الجسد او توقف اعضاء الجسم عن العمل، واصعب طرق الموت الموت البطيء.

يولد الانسان من رحم الموت ليبدأ حياته بتلمس ما يحيط به ، ينسج علاقات اولها علاقته مع أمه ، يتحسس ما يحيط به ، فهو قادم من عالم اللارؤية ، واللااحساس، واللاعلاقة، الى عالم الرؤية والاحساس وبناء العلاقات والروابط الانسانية بالبيئة المحيطة والطبيعة والكون.

الانسان هو كائن اجتماعي بطبعه ، وحياته تتلخص من خلال العلاقات التي يقيمها والروابط التي يؤثر ويتأثر بها ، والذكريات والحاضر والمستقبل، فقدانه للاحساس بهذه الروابط والتفاعل معها يفقده الاحساس بالحياة فيصبح الموت اقرب من اي شيء اخر، اي ان فقدانه الاحساس بالحاضر وفقدانه للامل في المستقبل يدفعه الى اختيار الموت على الحياة.

في حالة سامر العيساوي والاسرى المضربون عن الطعام الموضوع مختلف تماما ، فهم لا يريدون الموت ، لكنهم يحاولون الحياة من خلال الموت باضرابهم هذا، يناضلون من اجل شيء لا يمكن نتشارك وايهاهم في قفدانه ، فنحن لا نتضامن معهم بل نعيش حالتهم، نفتقد لما يفتقدونه، فالكل الفلسطيني فاقد للحرية.

فالحياة شيء جميل ولكن لا بد من توفر شروطها الاساسية ، تجربة سامر العيساوي، وطارق قعدان وجعفر عزالدين، والاسرى المضربون عن الطعام في سجون الاحتلال علمتنا ان الحياة ليست الاكل والشرب والتنفس فقط، فهم اختاروا ان لا يأكلو وان لا يشربوا مقابل شيء اسمى كثيرا، مقابل الحرية والكرامة والانسانية التي يحاول الاحتلال سلبهم اياها.

اذا ما اعتبرنا ان الاكل والشرب والاكسجين غذاء الجسد ، فالحرية غذاء الروح، واساس الحياة ، والشعور بالحرية لا يضاهيه شعور ، بفقدان الحرية تصبح الروح بلا بمعنى وبلا اهمية ويشعر الانسان بالموت روحيا قبل الموت فيزيائيا، وبالتالي يقرر ان يوقف حياة الجسد.

لنعد قليلا للحديث عن الحياة ، الحياة احاسيس ومشاعر وروابط وتفاعلات مع الطبيعة ومع الانسان ومع البيئة المحيطة بكل اشكالها ، نشاط وعمل، تفكير وانجاز ، حاضر نعيشه ، ومستقبل نسعى اليه ، وهذا يتم اذا كنا احرار ، احرار في تفكيرنا ، احرار في تعاملاتنا، احرار في بناء روابطنا التي تصنع ووجودنا، والانسان يشعر انه حي نتيجة لتفاعله مع هذه القضايا جميعها، لذلك نقارب بين الموت والنوم ، ونحن نائمون نتنفس وخلايانا تتغذا لكن تفاعلنا واحساسنا بالاشياء يتوقف لذا نكون اشبه بالاموات على الاحياء.

وكذلك عندما يفقد الانسان حريته وتفاعلاته وراوبطه الانسانية والاجتماعية يصبح غير قادر على التفكير بالحاضر والمستقبل ويشعر انه مكبل بالاغلال من كل جانب ، محاط بالجدران والعوازل ، لا يستطيع الحركة، لا يستطيع التفكير ، ولا شيء يعطيه الامل في ان حياته يمكن ان تستمر بهذا الشكل عندها يختار الموت ليس لانه يحب الموت وانما لانه يشعر انه ميت رغم عدم خروج روحه من جسده.

يذكرني هذا فيما قاله والد استشهادي لاحد الصحفيين عندما سأله أحد الصحفيين عن الدافع وراء اختيار ابنه للموت " للاستشهاد" فاجابه الوالد " لانه شعر ان الجنة اقرب اليه من الحديقة الخلفية للمنزل" هذه اجابة تلخص حالة الشعب الفلسطيني ونضاله من اجل الحرية والاستقلال ، لا نريد الموت وانما نريد الحياة المليئة بالحرية ، والكرامة.

هذا ايضا ما يفسر السبب الذي دفع الشاب التونسي "بوعزيز" البائع المتجول ، مفجر الثورات العربية لحرق نفسه ، مع العلم انه سعى لتحسين ظروف حياته بكل الوسائل والطرق لدرجة انه قرر ان يكون بائعا متجولا، لم ييأس، ولم يحبط ، كان متمسك بالحياة ومتمسك بالبقاء ، لكنه اثرالموت على الحياة عندما شعر ان كرامته سلبت منه ، وحريته انفصلت عن روحه، قبل ان تخرج روحه من جسده، فخرجت روحه ترفرف في السماء كعصفور عاشق للحرية فتح امامه باب قفصه ، وكأنها تقول لا استطيع العيش في مكان لا حرية فيه.

يستمر سامر العيساوي في اضرابه عن الطعام محطما كل الارقام القياسية في القدرة على التحمل والصبر، والدفاع عم حريته وحرية شعبه، مجسدا اروع ايات البطولة، على الرغم من انه يشعر بالموت كل يوم ،وجسده النحيل يتهاوى يوما بعد يوم ، محاولا شق طريق الحياة من الموت كم يولد الطفل من رحم أمه.

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا