<%@ Language=JavaScript %> حاتم جعفر سنوات الحشر العشرة

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

سنوات الحشر العشرة

 

 

حاتم جعفر  

 

في اول اختبار جدي لها , سقطت تجربة الحزب الاشتراكي الحاكم في دولة ما كان يطلق عليها باليمن الديمقراطية حين لجأ اقطاب الحزب الحاكم في تسعينيات القرن المنصرم الى السلاح القبلي ولتسن الرماح على اشدها وليرمي بعضهم بعضا وبأعلى مستويات الحقد والكراهية, في خطوة عدّها اصحابها اسلوبا مفضلا وحاسما بل وحيدا لحل خلافاتهم السياسية , ناسين او متناسين تلك الاندفاعة الايديولجية وتلك الشعارات البراقة التي رفعت وقتذاك, والتي طمأنت الى حين اوساط واسعة من اليساريين العرب, حين نظروا اليها باعتبارها فاتحة خير فكري وبصيص أمل ربما سينير طريق الاجيال الحالمة بالتحرر من ربقة الرجعيات العربية واساطين التخلف وبأدوات أكثر تحضرا.

وعلى ضوء ما فات فأن تجربة اليمن (السعيد) تكون قد فتحت الباب عريضا امام كذبة بناء دولة المواطن لتحل كبديل عنها دولة القبيلة وزمن يثرب وداحسها والغبراء. لتستوي بذلك دولة اليمن بأكثرية شقيقاتها من الدول العربية حين تكون السلطة كل السلطة بيد جهة واحدة بل حزبا واحدا أو مكونا واحدا أو فردا واحدا على حساب باقي مكونات الشعب. والانكى في تجربة اليمن أن يكون أطراف صراعها هم أبناء ذات الانتماء الاديولوجي, والذي أثار في حينها ريبة وحسد أنظمة الحكم الديكتاتورية (الشقيقة), وصل الى حد التآمر على تلك التجربة والمشاركة في تأليب هذا الطرف على ذاك, بغية اسقاطها.

في عراق 2003 لم تسقط الديكتاتورية فحسب بل سقطت معها معالم دولة تشكلت عبر عشرات السنين من الجهد والعرق والوطنية والتي حملت عبئها عقول وأكف اجيال متعاقبة. لم يحسب الفضل في ذلك البناء بكل تأكيد لتلك النظم التي كان شغلها الشاغل اللعب بمصائر شعوبها حين أخذتها صوب مناح مضطربة لتلقيها في يم ليس له قرار, ولا لتلك النظم التي جّرت البلاد والعباد نحو حروب همجية حرقت الزرع والضرع وافرغته من خيرة ابنائه. جماهير غفيرة هللت لذلك السقوط, وجماهير أخرى أخذت على حين غرّة, غير مدركة للقادم  من الايام وما ستحمله من مآسي شكلت خزيا وعارا بمن أشعل الحروب وبمن رحب بها.

واذا أردنا الوقوف على ما جرى فعلينا الاعتراف بأن الخسائركانت فادحة بل مدوية وعلى كافة المستويات. ولنخلص الى درس ينبغي على القوى التواقة للحرية ان لا تنساه أبدا, فعملية اسقاط أنظمة البطش ليس بالضرورة لها أن تمر بدورة الاحتلال, مهما كانت الذرائع ومهما كانت المسوغات. واذا ما تمّ ذلك السقوط على شاكلة مافات فسيحمل بين طياته أجندة دولة الاحتلال ليس الاّ. وبجردة لا تستدعي التوقف كثيرا فسنرى دول الاقليم قاطبة ودون استثناء, لاتقل ديكتاتورية عن النظام الذي حكم بلدنا آنذاك, بل ان البعض منها كان أكثر تخلفا بمقاييس العصر, وان هناك دول تنام في سبات عميق وفيها من النظم السياسية من هو ضارب بالتخلف والضلالة حتى النخاع, ناهيك عن اننا فتحنا فتحا لايشرف الشعوب الطامحة للتخلص من ربقة الديكتاتوريات, ولم نرس كذلك قواعد نضالية تفخر بها الاجيال القادمة ان لم تلعنها ما شاء لها الدهر.

فبعد قرابة العقد على تلك الواقعة التي عدّتها فصائل بعينها نصرا مبينا, فأن الاكثرية الساحقة من أبناء الوطن بدأت تتحسس جراحاتها والآمها بعد أن تجاوزت سريعا نشوة )النصر) الذي رافق الاحتلال, وفاقت أيضا من كبوة بل كبوات لترى بأم عينيها ذاك الخراب المدوي والتدمير المنظم لبلد كان من الممكن له التخلص من ربقة الحكم الديكتاتوري بأدوات أخرى, لو صدقت الاهداف والنوايا ولو ادرك اهل البيت بأن للآخرين اجندات واستراتيجيات خاصة بها, ذريعتها الخلاص من الديكتاتورية وباطنها الانقضاض بكل ما أوتوا من قوة وحقد, للنيل من بلد كان له أن ينهض بقوة لو جرى دعم قواه الوطنية بوسائل أكثر نظافة, تجنب شعبنا الويلات, وبقوانين دولية تدعم مطالباته المشروعة في حمايته وفي فرض اجراءات تضع حدا للتعسف الذي كان يتعرض له , ليقف على رجليه حتى يتمكن من حسم مصيره على يد ابنائه وقواه الوطنية.

ربما يرى البعض ان كلاما من هذا النوع قد أتى عليه الزمن وتجاوزه ولا جدوى منه, بعدما حقق الاحتلال جلّ أهدافه وأدخل العراق في طاحونة من الخلافات, قد يبدو الامر كذلك فيما لو ترك الحبل على الغارب, ولو صور الامر وكأن الاحتلال أنهى ما يريد وفرغ من جميع أهدافه, غير ان جملة المعطيات والمؤشرات التي تبرز على الساحة بين فترة وأخرى تشير الى ان القادم من الايام سيكون أعظم, فلا زالت بعض الاجندة تؤدي فعلها وبوتيرة أعلى بعد ان نجح (الاحتلال) في بث سمومه بين ثنايا وثغرات المجتمع العراقي وبالتعاون مع أطراف مشبوهة جاء بها الاحتلال في مرحلة اختلال الوزن التي حيّدت وباغتت تشكيلات ومكونات كبيرة من الشعب, كل ذلك يستدعي الانتباه والحذر الشديدين للوقوف بوجه تلك النوايا والمخططات, التي اعتمدت بالدرجة الرئيسية على سياسة ترويج واذكاء روح الخلافات الداخلية وتعميقها, لتحدث شرخا وطنيا عميقا, ولتدفع بالتالي بكل الاطراف الهشة والتي تقود مع الاسف مسؤولية ادارة البلاد في الوقت الحاضر الى التمترس في الخنادق المتقابلة, وصولا الى الانهيار الكامل للدولة.

  وكي تكون الصورة واضحة فلا ينبغي انتهاج سياسة الهروب الى الامام وتحميل الاحتلال وحده وزر ما تتعرض له العملية السياسية من تراجعات قد تؤدي الى الاطاحة بها.(هنا لابد من التذكير ان أصل العملية السياسية قد بنيت على باطل لأنها كانت وليدة الاحتلال), لذا لا بد من القول بأن هناك قوى داخلية استمرئت اللعبة وراحت تعزف على ذات الايقاع الذي أريد لها, بل حتى انها تجاوزت ما رسم لها, وأخذت تجر بأطراف المجتمع العراقي نحو خيارات متطرفة يسهل معها حرق السهل كلّه, باعتمادها الخياران القاتلان واللذان قصما ظهر مجتمعنا العراقي, خياران شوفينيان الاول يتمثل بذلك التطلع القومي لأحد مكوناته, والذي يسعى الى التمدد وفرض سياسة الامر الواقع وعلى حساب دولة وشعب, غارت جراحه عميقا.

  قد يرى البعض ان لعبة السياسة تقتضي اقتناص الفرص وعدم تفويت اللحظة التأريخية المناسبة لتحقيق اهداف هذه القومية أوتلك, كل هذا الكلام يبدو صحيحا غير انه يأتي كذلك متنافيا ومتقاطعا وموضوعة المصير المشترك الذي غنّت له الاجيال المتعاقبة من العراقيين والذين قدّموا الالاف من الشهداء والضحايا على مذبح الدفاع عن حقوق جميع العراقيين المشروعة وبكل مكوناته, كي يحققوا ما يصبون اليه من أهداف, فما من حرية كاملة لشعب يسعى الى تحقيق خلاصه على حساب مصير شعب آخر. قد يكون عذرهم في ذلك التخبط الذي تتسم به سياسة الشركاء غير ان ذلك لايعفيهم من تحمل المسؤولية والعمل على تصحيح المسار.

  والشد الطائفي لايقل حماقة عن الشد القومي الشوفيني فكلاهما يرتكزان على التعصب, ويصيب أطرافه بفقدان البصر والبصيرة, فمحاولة استحضار ماض بعيد وغابر بطريقة تفتح جراحات كاد الزمان ان يدملها, لهو ضرب من الحماقة وهروب كذلك لمجاهيل الضلالة, ويأتي أيضا متناقضا ومنطق العصر الذي يستدعي المسك بأسباب التطور والتحضر. وبحسب تجارب الاخرين الذين عانوا ولقرون عديدة من خوض حروب طائفية ربما كانت أشد فتكا مما نحن فيه, غير انهم وصلوا الى النهايات المقنعة, حيث لا طائل من ذلك العبث, فالقوا بسلاح التخلف الى ذمة ومزبلة التأريخ, لينشدوا أغنية البناء والتطور العلمي والتقني, مما وفر لشعوبها الكثير من الجهد والوقت, لتذهب بعيدا في فتح ابواب المعرفة ولتتخلص والى الابد من القيود التي فرضها عليها دهاقنة الدجل. فليس من المعقول ان تستمر سياسة الضحك على ذقون البشر وجرهم الى معارك يخوضونها بالنيابة عن عقول استوى فيها فكرها بالحجر, وان نحمّل الاجيال القادمة وديعة الاخذ بثارات, لم يقف ورائها ولم يحرض عليها, غير أولئك الراسخون في الجهل.

  والمؤسف في تجربة عراق بعد الاحتلال هو التحاق مجاميع ليست بالقليلة ومن كل الاطراف والالوان سواء على مستوى الافراد أو الجماعات بذلك المد العصبوي, كانت حتى الامس القريب تعد نفسها جزءا لا يتجزء من تيارات وأحزاب سياسية وطنية. ومما زاد الطين بلة هو اتخاذ هذا الميل منحى متصاعدا, وبشكل ملفت للنظر, حيث نرى من بين هؤلاء ووسط هذا الركام من يساهم ويتصدر ويزيد من سعار الحملات الاعلامية المشبوهة, التي تقوم بها هذه الجهة أو نقيضتها, وكأن أطرافها استفاقوا من حلم ظلوا ينتظرونه عقودا من الزمن, ضارببين بذلك عرض الحائط كل المعتقدات النبيلة وكل سنوات التوعية الفكرية والسياسية التي قامت بها وضحت من أجلها تلك الطلائع المناضلة من الاحزاب والجمعيات والمنظمات ورجال الدين ألاجلاء, الذين عملوا بشرف واباء من أجل بناء تلك الشخصية التي تدين بالولاء بالدرجة الاولى والاساسية للوطن وللمواطنين.

 ظاهرة التمترس الطائفي والقبلي والنكوص والتراجع عن الشعارت والبرامج السياسية الوطنية التي سارت على دربها تلك الجحافل الجرارة, لم أجد مايبررها غير اني استعنت بصاحبكم وصاحبي بطيب الذكر والثرى, المفكر الراحل علي الوردي علّني أعثر على ضالّتي من خلال تحليله للشخصية العراقية, فوجدته قد أثاره العجب والاستغراب, من ظاهرة اللجوء الى المذهب والتعصب له في حين لم يستوعبوا بعد ولم يفقهوا حتى أساسيات الدين وأحكامه الشرعية, مستخلصا كذلك في جملة صريحة واضحة تؤكد على (أن هدف الدين هو العدل الاجتماعي وما الرجال فيه الاّ وسائل لذلك), مستبعدا المرور بأي من المذاهب الاسلامية, بل حتى لم يمرّ على أي من الاديان, ان كانت سماوية أو غير ذلك. ان أخطر ما نمر به في الوقت الحاضر والذي قد يهدد وحدة العراق وكيانه وبنيته الاجتماعية هو ذلك الخلط المتعمد بين الدين والسياسة وتصدر قوى التصعيد الطائفي مشهد ادارة دفة البلاد, والغلواء في الدين كما الفتنة فكلاهما يثير الضغينة والفرقة, وما نلاحظه في أيامنا هذه هو اصرار القيمين على العملية السياسية على الدفع بهذا الاتجاه بعد أن فشلوا في ادارة شؤون الدولة.

 

   على هامش النص:

  أعرف ان فكّ شفرة دافنشي في غاية الصعوبة

  وان اكتشاف طريقة التحنيط الفرعونية ضرب من المستحيل

  وان تكونوا نمرا اقتصاديا آسيويا لهو حلم بعيد المنال رغم الامكانيات الهائلة

  غير اني اعرف أيضا ان مدير ناحية في أي بقعة من العالم, بامكانه انقاذ بغداد من الغرق.

 

 

حاتم جعفر

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا