<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل محمد باقر الصدر - يقدسونه ولا يقرأونه!

 

 

 

محمد باقر الصدر - يقدسونه ولا يقرأونه!

 

 

صائب خليل

 

 

8 نيسان 2016

 

http://www.moqawamah.com/?a=attach.get&id=ZnM9Mjg0ODUmd2g9ZiZpZD0@MDUyJmU9anBnJnRoPWltYWdlL2pwZWcmZmQ9MjA@MS0wNC0wNCAwMzo@Mzo@OQ--

 

لفت زميلي في فريق الشطرنج قبل سنوات النظر إلى ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر، وأثنى عليه باحترام شديد وتقديس كبير، فأردت ان اسعده بإخباره بأني بدأت بقراءة كتابه المهم "اقتصادنا" وأني شديد الإعجاب به وأنوي كتابة دراسة او دراسات عن هذا الكتاب، "رغم اني لا اتفق معه في بعض النقاط". سقطت تلك الجملة على رأس زميلي كالصاعقة، وتحول كلامه نحوي إلى ما يشبه الشتائم وسط دهشتي الشديدة! وبعد جدل قصير تبين ان الرجل، وكما توقعت بالضبط، لم يقرأ الصدر، وإنما يقدسه فقط!

وفي هذا الصدد أذكر احتفالا مماثلا تلا فيه نوري المالكي بيانا قال فيه ان السيد الصدر قد رد بكتابه "اقتصادنا" على الاشتراكية والشيوعية، كما رأيت هذا الرأي يتكرر في تسجيل للسيد احمد الوائلي الذي أكن له كل الاحترام. وتنتشر اليوم في النت الكثير من المقالات في قول كلمة تقدير لهذا العالم الجليل، اشترك فيها الجميع، وشملت حتى استعراضيين مثيرين للتقزز مثل الدكتور عدنان إبراهيم ومحتالين من أمثال عادل عبد المهدي. وأنا كمعجب حقيقي للسيد باقر الصدر "رغم إني لا اتفق معه في بعض النقاط"، اشعر بالغيرة عليه من أن نترك تقييم هذا العالم الشهيد لهؤلاء، لذلك ارفع كلمتي هنا داعيا إلى تطبيق اقتصاد الصدر في العراق!

 

لقد طرحت الفكرة بعد دراستي لكتاب الصدر على أكثر من جهة (من أقرب الجهات إليه عقيدة ومذهبية) ومنها التيار الصدري نفسه، لكني وجدت رداً سلبيا في كل الحالات، هو ليس رفض لنقاط محددة في اقتصاد الصدر، بل لاعتقاد عميق بأنه "لا يصلح لهذا العصر". وهذا الرفض لم يأت بسبب دراسة هؤلاء له واكتشافهم لنقاط الخلل التي تؤشر تخلفه وتمنع تطبيقه، بل لمجرد فكرة عامة باعتباره يستند إلى مبادئ دينية قديمة. ليس لأنهم فندوه بل لأنهم في اعتقادي، لم يقرأووه ولا يريدون قراءته!

 

إن قراءتي لـ "اقتصادنا" أكدت لي على العكس من ذلك، أن الكتاب يحتوي مبادئ رائعة جداً وحديثة جداً واجتماعية إلى حد بعيد، قد يزيد عما يؤمن به حتى شيوعيونا اليوم من اقتصاد اجتماعي، لكنهم طبعاً لم يقرأوه ولن يريدوا قراءته، فتعالوا نقرأ معا قليلا منه لنرى.

 

لا أجر بلا عمل

 

يؤكد الصدر في أكثر من مكان أن لا أجر في الإسلام بلا عمل! وهو في هذا يذهب بعيداً في قربه من المبادئ الماركسية الاجتماعية، فهو لا يجيز للمالك أن يحصل على جزء من أرباح انتاج لم يبذل به جهد إيجابي انتاجي! وكان هذا الأمر جدير بإثارة شهية اليساريين لدراسته بتمعن!

 

أنظروا كيف يحل هذا المبدأ أيضاً إحدى مشاكل حالة الفساد العراقي هذا اليوم، وهي ظاهرة المقاولات المتتالية. فنجد أن الإسلام يمنع أن يكسب المقاول مالا بان يبيع عقده لمقاول آخر بفارق مالي، دون ان يبذل جهداً تنفيذيا انتاجيا بنفسه. فعندما يقوم المقاول بتحويل المقاولة إلى مقاول آخر والتربح من فارق السعر، يعني أنه يتربح مما يسميه الصدر "جهد تسلط واحتكار". أي انه يحصل على المال فقط لأنه كان السباق بوساطاته للحصول على المقاولة واحتكارها، وهو محرم في الإسلام، حسب الصدر. ومن الواضح أن هذه الطريقة هي طريقة فساد تقوم على أساس المحسوبية والمنسوبية والرشاوى وليس لها علاقة بالعمل الإنتاجي.

 

مبدأ "ملكية الأمة" الرائع

 

وفكرة أخرى رائعة هي فكرة "ملكية الأمة". فهي تذهب أبعد من التقسيم المعتاد بين "الملكية الخاصة" و "الملكية العامة"، إلى ملكية اجتماعية ثالثة للمجتمع لا يسمح حتى للحكومة أن تتصرف بها تصرفا حراً. وفي هذا يعبر الاقتصاد الإسلامي عن إدراك بأن هناك فرق بين الحكومة والمجتمع وأن مصالحهما قد تختلف! ولذلك فمن الضروري حماية مصالح المجتمع حتى من الحكومة نفسها. و"ملكية الأمة"، التي توضع تحتها الثروات الطبيعية عادة، تعكس وعياً شديداً لأهمية الثروة المادية للمجتمع وخطر قيمتها على مستقبله، فلا تأتمنها تماما حتى للحكومة. إن العلاقة بين "ملكية الدولة" و "ملكية الأمة" أشبه بالعلاقة بين "القانون" و "الدستور". ففي الوقت الذي يسمح للحكومة بكتابة وتغيير نصوص القوانين، فإنها محدودة الصلاحية فيما يتعلق بكتابة الدستور وتغييره، حيث يشترط ذلك موافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين في العادة، بينما يتطلب تشريع القانون الأغلبية البسيطة عادة. فالدستور هو الضمان الأخير للشعب من تسلط حاكميه ومؤسساته، وكذلك فأن "ملكية الأمة"، وهي ما يفترض أن يبقى للأمة واجيالها من ضمان لا يتم التلاعب به مثل الثروات الطبيعية الأساسية.

 

"اقتصادنا" والنفط

 

نستنج من هذا أن النفط بالنسبة للعراق مثلا باعتباره الثروة الكبرى وشريان الحياة للأمة، سيكون وفق الاقتصاد الإسلامي وفق قراءة الصدر، ضمن "ملكيات الأمة". ولأن هذه الملكية تشترط استفادة "كل" الأمة من تلك الملكية، فلا يحق للحكومة أن تخص البعض من أبناء الشعب (فضلا عن الشركات الأجنبية) باستثماره او تشركهم في إنتاجه. وهو ما يعني أن خصخصة حقول النفط (كما يدعو إليه أمثال عادل عبد المهدي) وحكرها على جهة أو شركة معينة سواء بشكل كامل او بشكل جزئي، محرم في الشرع الاقتصادي الإسلامي. وبلغة العصر الحديث، فأن "عقود المشاركة" التي تسعى إليها الشركات وتجهد حتى اليوم بدفع العراق إليها، مخالفة لتعاليم الإسلام، إضافة إلى مخالفتها لنص الدستور الذي أقر بأن النفط ملك للشعب العراقي. وبالتالي فأن العقود الشرعية الوحيدة إسلامياً هي "عقود الخدمة"، تقدم فيها الشركات خدماتها وتأخذ أجورها وتذهب في حال سبيلها عند انتهائها.

 

وقد كانت عقود كردستان من نوع "مشاركة الإنتاج" المناسبة للشركات، وكانت جميع عقود التراخيص من نوع "الخدمة". ولكن هذا لا يناسب الشركات، لذلك تشن اليوم حملة تسقيط لم يسبق لها مثيل في تاريخ العراق لتشويه سمعة تلك العقود والضغط لتغييرها إلى عقود مشاركة إنتاج. وتتربص حكومة العبادي التي جاء بها الأمريكان لهذا الغرض ضمن أغراض أخرى، الفرص لإنجاز هذا التحويل في أقرب فرصة، وجعلها مثل عقود كردستان التي أعطت الشركات أربعة أضعاف الأرباح الطبيعية.

 

مبدأ "منطقة الفراغ" – المرونة للتطور

 

أما القول بأن "اقتصادنا" لا يصلح لهذا العصر، فهو أيضا نتيجة عدم قراءة الكتاب. إنهم يفترضون أن السيد باقر الصدر قد دعا لتطبيق اقتصاد كتب قبل 1400 سنة بشكل مباشر، وهم بذلك يفضحون هذا الفهم السطحي له، بل وعدم قراءته. فمن قرأ "اقتصادنا" لن تفوته رؤية مبدأ "منطقة الفراغ". وهذا المبدأ يقسم تعاليم الاقتصاد إلى قسمين: المبادئ الاجتماعية للاقتصاد، والمستوحاة من مبادئ الإسلام، ومنطقة حرية التصرف للحكومة (دون الخروج عن المبادئ الإسلامية الأساسية في العدالة ورفاه المجتمع وعدم تجمع الثروة، الخ). وحرية التصرف هذه في "منطقة الفراغ" هي كل ما يحتاجه الاقتصاد من مرونة يتحرك ضمنها دون ان يخرج عن هدفه الإسلامي: خدمة المجتمع!

 

"اقتصادنا" يخدم المجتمع

 

إن "اقتصادنا" مليء بالمبادئ والأفكار الرائعة والحديثة وأهم من ذلك، الإنسانية الهادفة إلى خدمة المجتمع وليس لتجميع الثروة بيد أثريائه وإفقار الباقين وفق مبدأ "ما متع غني إلا بما حرم فقير". وفيه المرونة اللازمة لمتابعة تطورات العصر، ما لم تكن تلك التطورات لا إنسانية. وإن كل ما يقال من حجج عن عدم صلاحية هذا الاقتصاد للمجتمع الحديث محض هراء واحتيال لمن لا يناسبهم ان تذهب الثروة إلى المجتمع، بل يريدونها للصوصه!

 

التحدي

 

إن على من يقدس الإسلام ومبادئه، ومن يحترم السيد محمد باقر الصدر حقاً ومن يؤمن من اليساريين بأن ثروة البلد يجب أن تستخدم لبناء مجتمعه لا أن تهدر للأثرياء والشركات الأجنبية كما في دول الخليج وغيرها، يجب أن يسعوا بحزم وشجاعة إلى العمل على دراسة هذا الموضوع وطرح "اقتصادنا" كبديل لاقتصاد السوق الشره والمدمر للبلاد، وأن يحرجوا مدعي الدين ومدعي اليسار أن يجيبوا على السؤال، وعلى شجاعتهم وحزمهم في طرح قضيتهم، قد يعتمد مستقبل بلادهم ومصير مجتمعهم.

 

 

 

 

تاريخ النشر

10.04.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

10.04.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org